معادلة قوة الرأس وانفلات الفأس

معادلة قوة الرأس وانفلات الفأس
محمد عبد الله برقاوي
[email protected]
في السودان وفي أغلب البلاد العربية يوصف الانسان العنيد بأن رأسه قوي.. ولئن اختلفت العبارات وفق اللهجة المحلية فإن المعنى واحد ومفهوم… فالمصريون يقولون إن فلانًا ( دماغه ناشفة أوي ) والخليجون يقولون ( رأسه يابسة ) وهكذا يلتقي المضمون وإن تفرعت الكلمات من أصلها العربي.. لكن الذي توحد عنده العرب معنى ومفردة هو المثل القائل ( وقع الفأس على الرأس ) كناية على وقوع المصيبة فعلاً وهو ما يهمنا كمدخل لما نصبو إليه….حيث غالبًا ما تكون المعالجة هي عبارة عن محاولات يائسة وفي الزمن الضائع لاسيما إذا كانت الرأس التي شقها الفأس قوية ناشفة يابسة .. وهذا ما حل برأسي الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ولا أعني هنا رئيسيهما بالطبع وإنما أشير إلى كليات مواقفهما منذ مرحلة الاحتراب مرورًا بمرحلة المديدة حرقتني والجلوس إلى طاولة المفاوضات التي أفضت الى كارثة تقرير المصير وليس انتهاء بمرحلة فقدانهما الدرب في مياه التراشق بالتصريحات والتصريحات المضادة التي تنم عن أنهما كالذي وقع على صك بمبلغ باهظ في أوقات الزنقة الشديدة أملاً في الفرج عند حلول موعد استحقاق الصك حيث كان الطرفان ينظران إليه بعيدًا بينما لسان حال الواقع السوداني يقول لهما.. إن المتغطي بالأيام عريان.. وقد انساق الطرفان وراء ما أملته عليهما حالة اليأس من حل مشاكلهما بالاحتراب ودفعتهما اليه الضغوط الإقليمية والدولية والقوى الكبرى..استغلالا لحالة الدوخة التي وقعا فيها وكل منهما محمول على أجندته الخاصة..أحدهما لتحقيق حلمه في ديمومة حكم السودا ولا يهم إن كان ممزقًا أو متلاحما..والآخر لاستلاب ما تبقى من شتات الجنوب وحصره في عب طموحاته التي توهم بحكم قوة السلاح أنها تمثل تطلعات الجنوب بكل معادلاته المتناقضة إثنيا والمتباعدة جغرافيا والمعقدة في تداخلاتها مع الشمال ودول الجوار..وبدون النظر من قبل الحركة الى عدم أهلية الجنوب لاستحقاق تقرير المصير ..سواء على مستوى الوعي وسط المواطنين وهم في غمرة الأمية والتغييب السياسي بالمعنى الكبير لكلمة تقرير المصير في حد ذاتها ..فضلا عن رزوحهم تحت طاحونة الفقر وعقابيل الحروب من شتات أسرى ونزوح قسري وضعهم بالمقابل في فجوة الحيرة بين غربة آمنة في الشمال . اذا افترضوا أنهم غرباء فيه فعلاً..وبين.مواطنة مضطربة في دولة وليدة غير مؤهلة من كافة المقومات التي تقوم عليها الدول في حالة الانفصال والتي ربما تعيدهم الى أبعد من مراحل الاحتراب السابقة مع الشمال وتأخذهم الى الإمساك بخناق بعضهم ..وهو السيناريو الأسوأ الذي يشكل كابوسا مرعبا في منام أهل الجنوب والشمال على حد سواء وفي صحوهم أيضًا.. إذن الحقيقة الماثلة والمرة أمامنا أن طرفا لا يملك حق العطاء قد أهدى طرفا غير مستحق ورقة غالية لايملك مجرد حق التداول حولها إلا الشعب السوداني ممثلاً في كل فئاته وأحزابه وفق انتخاب حر ومباشر ..لاسيما وأن الطرفين لم يكتسبا شرعيتهما المزعومة إلا في الانتخابات الأخيرة إذا سلمنا جدلاً بنسبية نزاهتها ..وهو أمر كان كوضع العربة أمام الحصان .. إذ إن المنطق يقول إن الاتفاقية كان ينبغي أن تعقب الانتخابات في شكلها النهائي خاصة في الجانب المتعلق بتقرير المصير..إذ كان من الممكن حصرها في إيقاف الحرب واقتسام الثروة والسلطة بصورة انتقالية.. وهاهما الطرفان يخوضان في وحل الإخفاق وفشل الوصول الى مداخل الجسور التي تقودهما إلى أقرب الأهداف ..وقد وضعا البلاد برمتها في متاهات الترقب المخيف لحادثات الليالي القادمات .. والبلاد بشقيها قد تغرق في بحور الدم المسكوب من عناد الرؤوس التي وقع عليها الفأس .. والكل يتساءل ..هل من خلاص … والله من وراء القصد..
صحفي مقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة الرسالة