دموع على صهري العزيز!!

هاتفي المحمول كان يصرخ ويصرخ.. أهملت نداء الاستغاثة أكثر من مرة.. ابني عمرو ذو الخمس سنوات أشفق على الهاتف.. ناولني الهاتف دون أن يتطوع بالرد عليه كعادته.. جاءني الصوت الذي افتقدته لسنوات طويلة.. كانت رباب تنتحب في صخب.. كل ما فهمته من الاتصال القصير؛ أن والدها مات قبل ساعتين.
هذه قصة عمرها سبع سنوات يا سادة.. أغلقت باب الغرفة التي استغلها مكتباً.. زوجتي كانت تدرك أن ولوجي الخلوة الاضطرارية يعني أن هنالك أمرا في غاية الأهمية.. ابنة عمي كانت تقف بالمرصاد لكل من تسوِّل له نفسه إزعاجي.. تمنع ? حتى- أبنائي الدخول.. دورها يقتصر على مدّي بالخدمات بعد أن تطرق علي الباب.
كنت رئيسا لاتحاد الطلاب.. التنظيم اختار هذه الصبية لتقوم بأعمال السكرتارية.. رباب كانت رومانسية، جاءت من الخليج مع والدها على وقع نداء الثورة.. الفكي في أول عمل تنفيذي عين وكيلا.. ربما لهذا اختاروها عضوا بالاتحاد.. كلما أصابتنا ضائقة مالية كنا نذهب إلى بيت والد رباب بحي المطار.. ألِفنا أهل الدار وألفونا.
منذ اليوم الأول كنت أحس شيئا في عيون رباب.. لم يكن من المقبول أن يعشق الرئيس سكرتيرته.. ثم إن هؤلاء الأخوان لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة إلا رصدوها في تقاريرهم الأمنية.. شيء آخر كنت أضعه في الحسبان.. أنا من بادية كردفان .. والدي راعي أبقار فقير.. ورباب تسكن في بيت فخيم.. جدها الشريف خرج على حكم جدي الخليفة عبد الله.. لماذا أريد أن أكرر صراع أولاد الغرب وأولاد البحر.
انتهت دورتي الرئاسية.. في حفل التسليم والتسلم انهمرت دموع رباب.. كنت أحسب أنني الوحيد الذي أعرف سر هذه الدموع.. فاجأني أمير الجماعة عندما رشح لي رباب زوجة على سنة الله ورسوله وبركة التنظيم.. كذبت وقلت له لم أفكر من قبل في هذا الموضوع.. أخبرني أنهم سيكملوا الترتيبات.. إن قلت خيرا.
ما زلت أذكر ذاك اليوم.. صلينا العصر في بيت أمير التنظيم.. جاء حاج النور، وأمير المجاهدين، وزمرة من الأصحاب.. طرقنا باب البيت.. أجلسونا في الصالون.. جاء السيد الوكيل يحمل قلقا لا يمكن إخفاؤه.
حاج النور دون أن يستأذن، تلا شيئا من سورة النساء.. ثم خطب خطبة عصماء في سنن النكاح.. ثم قدمني خطيبا لابنة السيد الوكيل.. الوكيل أطرق رأسه كأنه يخفي شيئا.. قال لوفدنا تأخرتم قليلا.. ابنتي تمت خطبتها أمس لابن خالتها الطبيب بمستشفى الخرطوم.
خرجنا أشتاتا من الصالون الأنيق.. حاج النور أمسك بيدي مواسيا وقال لي إن له أربع بنات، وعلي أن أختار.. لم يكن يدرك أن القلب قد اختار.. في اليوم الذي تلا النكبة سافرت بالقطار إلى أهلي.. أبي ذبح خروفا وجمع الأهل.. أمي همست في أذني أنها اختارت العازة ابنة عمي صالح لترافقني في مشوار الحياة.
بدأت أبكي من حصار الذكريات.. طلبت رباب في الهاتف.. عندما سمعت صوت دموعي اندهشت من مشاركتي لها الأحزان، وقالت ستظل رجلا عظيما.

التيار

تعليق واحد

  1. يتملكني احساس انك زول طيب وبسيط الرماك شنو مع هولاء المتاسلمين غير هذا وذاك السودان الذي تركناه منذ ربع قرن في رحلة خروج بلاعودة حتي اليوم لم يكن بلد “طبقي” والزواج والمصاهره بين عوائل ميسورة واخري محدودة الدخل امر اكثر من عادي وطبيعي والنجاح والكفاح هو جواز المرور للارتباط ولاندري ماذا حدث بعد ذلك في زمن الاخوان المسلمين والتجريف الاجتماعي وسقوط القيم.

  2. الله يسعدكم ويسعد رباب والله يغفر لي ابوها والله يسامحنا علي قراية المقال شعب عنيييد كمان جابت ليها رومانسية وخيال

  3. إقتباس [ فاجأني أمير الجماعة عندما رشح لي رباب زوجة على سنة الله ورسوله وبركة التنظيم) .

    سنة الله ورسوله معروفة ، ولا جدال فيها ، بركة التنظيم ده شنو ؟ ، هل التنظيم المصنف فى بلاد الحرمين وفى أرض الكنانة ، وفى كثير من الدول اليوم بأنه ارهابى ، هل كان له بركة !! .. حدثنا عن بركة هذا التنظيم يا أستاذ عبدالباقى ..

    والله أمر تنظيمكم أمر عجيب ، بقيمه كان البروف حسن مكى يطيع طاعة عمياء لشيخه حسن الترابى ، يومآ ما ! .. ويقول الصحفى الظافر ، أنه بقيم هذا التنظيم كان أمير الجماعة يختار الزوجات للشباب ، بدون الرجوع لآبائهم وأمهاتهم ليبدوا وجهة نظرهم فى زواج أبنائهم ! .

    يا أستاذ عبدالباقى ، هل ترضى اليوم بأن يختار لإبنك أو ابنتك أمير جماعته فى التنظيم شريكة أو شريك حياتهم، بدون الرجوع اليك والى والدتهم ؟ .. أظن أن الجماعة كانوا غاسلين أمخاخكم غسيل نظيف يا ود الظافر ! ، مش ؟.

  4. يا استاذالذى يفتح قلبه للناس على مصراعيه يدل على طيبته…شكرا للسرد الحقيقى.
    مع انك خيبت الظن بلونك السياسى..

  5. ماقي داعي انت الان متزوج والبنت تزوجت ولد خالته وبعدين راعي شعور زوجتك والحاجات الخاصة ليس مكانها النشر شكلك ما عندك موضوع

  6. تحية واحتراما ….
    ان قبلنا الاسفاف وصحافة هذا الزمان لماذا تجبرونا على هذا (القيء) يا ادارة الراكوبة؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..