مقالات وآراء

الشيخ الراحل محمد حسن والدعاة الجدد

ياسر عبد الكريم

في نهاية السبعينيات كنا نقيم في مدينة الرهد (أبودكنة) وقبل إلتحاقي بالمدرسة وكنت أصطحب والدتي رحمها الله في الحي لدروس دينية مسائية كان يقدمها للنساء شيخ جليل أزهري لم أنسى عمامته وصوته كان إسمه العالم (تكرور) وكنا نحن الأطفال الذين يأتون مع والداتهم نحبه وكان يستقبلنا بحفاوة وكان يوزع علينا حلاوى (دربس). وكان يقدم دروساً للرجال في المسجد الكبير بالسوق ولم يكن واردا إطلاقا أن يأخذ أجرا عن هذا الجهد بل كان يعتمد على راتبه من الوزارة. رحم الله الشيخ إن كان توفاه الله وإن كان حياً . وكنت أرى ان الشيخ عالم دين حقيقي وشخصية عظيمة ومحترم وكنا نحترمه فكانت هيبته ومكانته لا ينازعه عليهما أحد.

لكن هذا الزمان قد ولى وتغير السودان وظهر جيل من الدعاة الجدد مختلفين كليا في كل شي وبعض منهم لم يكن خريج دراسات شرعية دينية ونجحوا في إقناع الناس ليس بسبب تبحرهم في العلم أو في الدين وإنما بسبب أناقتهم وطريقة كلامهم اللبغ ويأخذونا ملاين الدولارات من النظام ومليارات الجنيهات من دروسهم في القنوات بالاضافة للتسهيلات والرحلات الخارجية دون ان يرف لهم جفنا وإغتنى الكثير منهم وأثروا ثراءا فاحشاً ومنهم من إمتلك قنوات فضائية ويدفع للقمر الصناعي في اليوم ألاف الدولارات وامتلكوا العمارات .والتاريخ الإسلامى يدلنا على أن الدعوة الى الله لم تكن قط وسيلة لصناعة الثروات.

فكانت مهمتهم تشويش الوعي للناس وأن سبب الأزمة ابتلاء من الله يجب عليه أن يتحمله بلا تذمر أو اعتراض، وشغلوا الناس بقشور الدين وترك جوهره الحرية والعدالة .وبحكم علاقتهم بالنظام كانوا يعفونه من أي مسئولية عن هذا التردي وكانوا يلون عنق الحقيقة.. وبسبب هؤلاء الدعاة الجدد أصبح مجتمعنا يعانى من انفصال التدين عن الأخلاق.. وهذا المرض سببه الاساسي هو النظام الاستبدادى الفاشي الذى يؤدى بالضرورة إلى شيوع الكذب والغش والنفاق وسط المجتمع والعلماء جزء من هذا المجتمع وصارت قراءة الدين محصورة في العبادات.

وامتلأت المواقع بملايين المقالات والخطب من هؤلاء الدعاة الجدد المتطرفون التي تدعو لإسقاط حكومة الحرية ويقسمون من على المنابر بسقوطها وكأنهم وكلاء الله في الارض هذه الحكومة التي اتاحت لهم ان يقولوا ما يشاءون بغير حساب وإننا لم نوغل في التاريخ كثيرا حتى ننسى من أنتم .في السابق كانوا يملأون القنوات الفضائية لم يتحدثون عن الفساد او بسقوط النظام لو أننا تخيلنا أن هذه الخطب وهذه الكتابات في الوسائط كانت تدعو إلى رفض الفساد والظلم الواقع على السودانيين من نظام الانقاذ أو الدفاع عن حقوق المعتقلين في السابق..لو حدث ذلك لكانت الديمقراطية تحققت فى السودان منذ زمن بعيد ولانتزع السودانيون حقوقهم وما وصلنا الى هذا الحضيض.

أحد الادباء قال إن الفضيلة تتحقق بطريقتين:
إما تدين حقيقى مرادف تماما للأخلاق كأخلاق الداعية شيخ محمد أحمد حسن. وإما عن طريق الأخلاق وحدها حتى ولو لم تستند إلى الدين.

رحم الله الشيخ الفاضل محمد أحمد حسن عاش متسامحاً مع الجميع وكسب احترام الناس ورضاهم ،ذهب دون ان يتلوث بالمال الحرام ولم يأخذ ملايين الدولارات من المخلوع ويهرب الى قطر ويدعو من هناك على الحكومة التي استردت حقوق الشعب المظلوم.

ياسر عبد الكريم
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. الاستاذ ياسر
    كل عام وانتم بخير وانت بهذا الكم من الثقافة والمعرفة لاحظت كلمة اللبغ وهي اللبق وارجو ان تكون هفوة كتابة
    لان خريجو جيل الانقاذ وايضآ المذيعين لا يفرقون بين القاف والغين وان شاء الله انت لست منهم
    اعجبت بالمقال ولافض فوهك

    1. بارك الله فيك اخوي ابو أبرار في الحقيقة عند المراجعة لاحظت الخطأ وعدلت وأرسلت ولكن للاسف بعد فات الاوان والمقال نزل وعموما قمت بتعديل الخطأ في صفحتي . عموما طالما المعنى المقصود واضح في اعتقادي مافي مشكلة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..