مقالات سياسية
السودان: إدارة جهود السلام والتحديات مع مجلس الأمن وأعداء الإنسانية 1-3

في ظل أحداث الحرب المتسارعة والتحديات الجسيمة التي تواجه السودان، يأتي هذا المقال محاولة لرصد وتحليل الجهود الرامية إلى إحلال السلام وإعادة بناء الدولة، من خلال النظر في الدور الذي يلعبه مجلس الأمن الدولي،و بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، الاتحاد الأفريقي و الإيقاد، بالاضافة الى اصدقاء السودان و وتحديات القوى المعادية للاستقرار وللإنسانية التي تعمل ضد مسار السلام. في سلسلة من ثلاث حلقات، نسعى لاستكشاف المسار الأمثل نحو مستقبل مستقر ومزدهر للسودان، مع التركيز على أهمية المصالحة والحلول السياسية الشاملة والمتكاملة، تأسيس وبناء جيش وطني قومي موحد، وتحديث المؤسسات الأمنية والاقتصادية لضمان إنهاء دائم للصراع وتحقيق السلام.
نتطرق في الحلقة الأولى إلى الجهود الدولية والمحلية الجارية لإنهاء العنف والتوصل إلى حلول تفاوضية، مع تسليط الضوء على العقبات التي تحول دون تحقيق السلام والاستقرار. في الحلقات التالية، سنناقش تحديات إعادة هيكلة القوى العسكرية والأمنية في سياق البحث عن مستقبل يسوده العدل والمساواة والحرية لجميع المواطنين السودانيين. تهدف هذه السلسلة إلى إلقاء الضوء على المسارات الممكنة للخروج من الأزمة السودانية، مع إعادة التأكيد على أن الحلول العسكرية وحدها لا تقود إلى الاستقرار، وإنما يجب أن تتبعها جهود جادة للمصالحة الوطنية وبناء دولة تحترم حقوق وكرامة جميع مواطنيها. ندعوكم لمتابعة هذه في قلب الإعصار الذي اجتاح بلادنا، تحولت أنظار العالم أجمع نحو جلسة مجلس الأمن الدولي، حيث تم عرض تقارير مفصلة تشرح بعمق مأساة الحرب التي تعصف بالسودان. تلك التقارير لم تكتفِ برسم صورة للدمار الهائل والضحايا المدنيين، بل تعدتها لتكشف عن الانتهاكات الجسيمة والأوضاع الإنسانية المتدهورة بشكل مقلق، مما ألقى بظلاله على مستقبل يكاد يكون مجهولا من خلال هذه التقارير، تم تسليط الضوء على مرحلة حرجة من تاريخنا، حيث يبدو الوضع كالبرميل التي تتفجر على رؤوس المدنيين في أي لحظة، و الدانات التي تأتيهم من حيث لا يحتسبون، وتخلف القتلى والجرحى والمجانين، و تتسع رقعة المعاناة يوما بعد يوم، مما دفع مجلس الأمن إلى التفكير جديًا في كيفية تهيئة الظروف المناسبة لوضع حد لهذه الحرب. الرسالة كانت واضحة: هناك حاجة ملحة لتحرك إيجابي يعيد الأمل لهذه الأرض المنكوبة. هذه اللحظات التاريخية في جلسة مجلس الأمن لم تكن مجرد مناقشات روتينية؛ بل كانت نداء قويا، مصحوبا بصراخ الأطفال واليتامى، ودموع الأمهات والأرامل والمشردين من النازحين واللاجئين، لإيقاظ ضمائر العالم وحشد الجهود لإنهاء معاناة شعب بأكمله. الهدف لم يكن فقط إسكات صوت البنادق، بل البحث عن طريقة تضمن عدم عودة شبح الحرب المرهب مرة أخرى، وربما بصورة أوسع يصعب السيطرة عليها. في هذا السياق، يتحتم علينا جميعًا، محليًا ودوليًا، العمل يدًا بيد لنثبت أن الإنسانية قادرة على التغلب على الحروب والانقسامات، وأن السلام ليس مجرد حلم بعيد المنال، بل ممكنا إذا امنا بدورنا التاريخي في عمليات التغيير الايجابي لمصلحة شعبنا. التوجه السلبي ينبع بوضوح من الجهات التي لعبت دور الشرارة في إشعال فتيل الحرب، و تستمر في دعمها و تأجيجها، معززة خطابها بالكراهية التي تتخذ في بعض الأحيان طابعاً دينياً متطرف، بما في ذلك قطع الرؤوس كمسلك جديد لم تشهد جميع حروب السودان السابقة في التمثيل بالجثث وانتهاكات لحرمات الموتى والاسرى. هذه الجهات، المعروفة بارتباطها الوثيق بأعمدة النظام البائد، تعمل جاهدةً على إفشال أية مبادرة تسعى لوقف الحرب وتخفيف وطأتها على المدنيين، غير مبالية بمعاناة الأفراد العزل الذين يتحملون العبء الأكبر من تبعات هذا النزاع. بعد التقارب بين قادة الانقلاب في بورتسودان والتحالف مع إيران، نجد أن عجز الجيش عن تحقيق تقدم ملموس ضد الدعم السريع، أدى إلى توجيه العقاب للمواطنين بسبب فشله في مهمة حمايتهم، وفرض قيود حتى على وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع. ويتبجح دعاة الحرب انهم يريدون هزيمة الدعم من أجل وقف الانتهاكات، مع الإغفال التام لحقيقة أن قرار مجلس الأمن يهدف بالأساس إلى دعم وقف هذه الانتهاكات التي وقعت في مناطق النزاعات من خلال هدنة توقف الحرب، التي تعتبر السبب الرئيسي وراء جميع الانتهاكات المرتكبة من الطرفين. ولقد سجل التاريخ تجارة بعض الأطراف بالمأساة الإنسانية والعدالة وهم السبب الرئيسي ورائها، دون اعتبار لسلامة المواطنين أو مصلحة الوطن، حيث يظهر جلياً أن المحركين لآلة الحرب يسعون خلف تحقيق مصالحهم الخاصة، حتى وإن كان ذلك على حساب دماء وأرواح الأبرياء. ومعروفين للجميع من خلال خطاباتهم المنتشرة خاصة قادة النظام السابق، الذين يقطعون الطريق أمام أي مبادرة دولية او اقليمية او دولية او محلية لوقف الحرب عبر استخدامهم مؤسسات الدولة المختطفة مثل وزارة الخارجية في إصدار بيانات ض اي توجه لحقن الدماء ووقف الحرب. ونلاحظ ذلك أيضا بصورة جلية في معرض أحاديث ياسر العطا وتصريحاته المتناقضة، التي وعد فيها أن الحرب ستنتهي وسيهزمون الدعم السريع خلال اسبوعين واليوم بلغت الحرب عامها الأول إلا بضع أيام، ونجده أشار إلى أن الخيارات المتاحة تتلخص في “حكومة حرب أو حكومة طوارئ”، مؤكداً على البدء الفوري في تشكيل جيش وطني مستقل يكون قادراً على مواجهة التحديات الراهنة، ومضيفاً أنه “لا مجال للهدنة مع أشخاص يفتقرون إلى الأخلاق والقيم والدين”. أثناء حديثه الأخير الاحتفال بمناسبة تخريج جنود تبع د جبريل العدل والمساواة، هذه التصريحات، إلى جانب تصريحات الإعلام الموالي للجماعات المتطرفة المدعومة من قوى خارجية، ستساهم في تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي والأمني في السودان، و ستودي أدى إلى تفاقم الانقسامات داخل البلاد، بما في ذلك المؤسسة العسكرية والأمنية. وقد أكد ياسر العطا في خطابه الجماهيري هذا والتي تداولته منصات التواصل الاجتماعي ما بين الاحتفاء سخرية او اعجابا منقوص، وقد اكد من حيث لا يدرى أن الدعم السريع يسيطر على أكثر من 65٪ من السودان خاصة بعد أن عدد المناطق التي يتحكم فيه الدعم السريع. فبدلا الدعوة لوقف نزيف الحرب نجده يسارع في إرضائهم حتى يتحقق الوعد على أيديهم وعد أحلامه ليكون رئيس السودان. في المقابل، رحبت قوات الدعم السريع بقرار مجلس الأمن، عبر بيان أكدت فيه على أملها في أن تسهم هذه الخطوة في تخفيف معاناة السودانيين، من خلال تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وحركة المدنيين، معربة عن تطلعها لاستغلال فترة وقف إطلاق النار لبدء مشاورات جادة تقود إلى عملية سياسية تنهي الأزمة بشكل جذري وتعيد بناء البلاد على أسس عادلة وجديدة. بدلًا من أن يكون الجيش وقادته رمزًا للسلام وداعمًا قويًا لإنهاء النزاع، للأسف الشديد، سلكوا مسارًا مخالفًا لرغبات غالبية المواطنين الذين يشكلون نحو 80% والذين يؤيدون بقوة أي جهود لوقف الحرب. وصلت معاناة الشعب إلى مستويات لا تطاق في ظل تفاقم أزمة الأمن، اختفاء فرص العمل، استنزاف المدخرات، وتوقف دواليب الإنتاج في مجالات الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية. كل هذه العوامل مجتمعة، زادت من وطأة الأزمة على المدنيين الذين يكافحون يوميًا للبقاء على قيد الحياة في ظل هذه الظروف القاهرة. من ناحية أخرى، يُظهر الدعم السريع استجابة إيجابية لقرار مجلس الأمن، في موقف يبعث على الأمل ويعكس مستوى من المسؤولية العالية مقارنة بالأطراف التي سيطرت على الجيش ومؤسسات الدولة وخطفت قراراتها، لا سيما في بورتسودان. هذا التباين في المواقف يكشف الحاجة الملحة إلى تغيير شامل يعيد للجيش دوره كحامي للشعب ومساهم في بناء السلام، بعيدًا عن الانقسامات والصراعات التي تعصف بالبلاد وتدفع بمستقبلها نحو المجهول. نواصل …