مقالات سياسية

السودان: إدارة جهود السلام والتحديات مع مجلس الأمن وأعداء الإنسانية  2-3

مع تفاقم الأزمات وتعقد مسارات السلام والتنمية، يأتي الجزء الثاني من هذه السلسلة ليركز على الجهود الدولية والمحلية المبذولة لإحلال السلام ومعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، حيث وجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال اجتماع مهم للمجلس، نداءً مؤثرًا إلى جميع الفرقاء في السودان للتحلي بروح رمضان والمبادرة بوقف الأعمال العدائية. غوتيريش شدد على ضرورة أن يمهد وقف الأعمال العدائية الطريق نحو إسكات دائم للأسلحة في جميع أنحاء البلاد، معربًا عن ضرورة توجيه الجهود نحو تحقيق سلام دائم يليق بالشعب السوداني. وألقى الضوء على الأزمة الإنسانية “ذات الأبعاد الهائلة” التي تواجه البلاد، والمجاعة التي باتت تلوح في الأفق كتحذير لا يمكن تجاهله.من جانبه، أكد مارتن غريفيث، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، على الأهمية القصوى لتحسين إيصال المساعدات الإنسانية سواء تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار أم لا، مدينًا الصعوبات “غير العادية” التي تعترض هذا المسار. ودعا الأطراف كافة إلى طاولة المفاوضات لبحث هذه القضية بجدية. غريفيث لفت الانتباه إلى أن النزاع قد أجبر حتى الآن 8.3 مليون شخص على النزوح، مع فرار 1.7 مليون منهم إلى خارج البلاد، مشددًا على ضرورة زيادة إدخال المواد الغذائية والبذور للزراعة استعدادًا للموسم القادم لمنع تفاقم الوضع.بينما أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بقرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى وقف الأعمال القتالية في السودان خلال شهر رمضان المبارك، آملة في أن يسهم هذا القرار في إنهاء الحرب نهائيًا وتخفيف معاناة الشعب السوداني. كما عبر د. سليمان صندل، رئيس حركة العدل والمساواة، عن دعمه للقرار، محذرًا من تدهور الوضع الإنساني بشكل سريع وخطير.وقد وجد قرار مجلس الأمن الدولي الداعي إلى وقف الأعمال القتالية خلال شهر رمضان استحسانًا واسعًا من عدة جهات. من بين هؤلاء، عبرت تنسيقية القوى المدنية (تقدم) عن ترحيبها الشديد بهذه الخطوة، معربة عن أملها في أن يشكل هذا القرار بداية حقيقية لإنهاء النزاع المسلح ووضع حد دائم للحرب التي أنهكت البلاد وشعبها.من جانبه، رحب الدكتور سليمان صندل، رئيس حركة العدل والمساواة، بالقرار، مشيرًا إلى التدهور السريع والمريع للوضع الإنساني في السودان. وأكد صندل أن الحاجة ماسة لوقف الحرب فورًا لمنع تفاقم الأزمة إلى مستويات قد تخرج عن السيطرة تمامًا.في حوار صحفي مع (SBC) وفقا لصحيفة لمداميك، أشار الدكتور محمد عبدالسلام إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة دعا في إحاطته لمجلس الأمن القوى والمنابر الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي عبر الآلية رفيعة المستوى، و الإيقاد، ومنبر جدة، وجامعة الدول العربية، لتكثيف التواصل مع الشركاء الدوليين والدول الرئيسية لإجراء تدابير سريعة من أجل وقف إطلاق النار دائم من خلال وساطة دولية شاملة ومتسقة و متكاملة وفعالة، معتمدة على الدول الإقليمية التي لديها تأثير على الطرفين. مما يعني أن هذا القرار سيكون له تبعات هامة و ستنشط هذه الجهات بما فيها الأمم المتحدة لإيجاد حلول للأزمة في السودان. وانتقد الخبير القانوني والعميد السابق لكلية القانون، أصحاب القرار في سلطة الأمر الواقع، قائلاً “إنه كان يجب عليهم أن يقدموا رسائل أقوى وأنسب”. وأشار إلى “أن تصريحات وزارة الخارجية لسلطة الأمر الواقع والجنرال ياسر العطا لا تعدو كونها مزايدات سياسية”. وأوضح الدكتور عبدالسلام أن موافقة ما يُسمى بحكومة السودان تبدو مرتبطة بالجانب الإنساني فقط وليس العسكري أو السياسي، حيث إن تصريحاتها اللاحقة غير ملائمة لمضمون القرار. واضاف  قائلاً: “لكن للأسف، بدا الخطاب وكأنهم لم يفهموا جوهر القرار، أو أنهم فهموه ولكن يريدون استغلاله لتصدير مواقف سياسية، مما يثير الشكوك في أن همومهم مرتبطة فعلياً بأوضاع السودانيين”.ان تصريحات ياسر العطا واعترافه من شرق السودان ان الدعم السريع يسيطر على أكثر من 70٪ من خلال المواقع التي عددها في خطابه في كل من دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة هي اعتراف صريح بحقيقة الواقع الذي لا يحتاج إلى نقاش، وهو بذلك يعترف علنا بالهزيمة، وبل اخجل يطلب من الدعم أن ينسحب! إن التناقض بين تصريحات العطا والخارجية في مجلس التى قالت إن البرهان قبل بالهدنة ويأتي العطاء وينسف كلام البرهان، مما يؤكد تعدد مراكز السلطة في الجيش وتضعضع سلطة حكومة الأمر الواقع في بورتسودان التي لا تحكم إلا قلة من 30٪ من السودان. هذا التناقض تأكيد ان الحركة الاسلامية بدأت تفقد السيطرة حتى على الجيش، مما قد يتوقع انشقاق داخل معسكر علي كرتي ببورتسودان. وبالأمس انهارت الهدنة قبل بدايتها فعليا، حيث اكدت التقارير ان القصف الجوي والانفجارات التي طالت مناطق جنوب الخرطوم، وخلفت عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، ولم تتأثر بها قوات الدعم السريع. هذه رسالة واضحة وبليغة ان علي كرتي ومجموعته لا يريدون السلام ولا يفكرون فيه إن لم يأتي بهم إلى السلطة وأدى ذلك احترق ما تبقى من السودان.من خلال قراءة المشهد بصورة تحليلية دقيقة، نلاحظ  تزامن هذه التناقضات في خطاب معسكر الانقلاب بالإضافة الى انهيار الهدنة المتوقعة مع بداية شهر رمضان، مع الترحيبات و التحذيرات الدولية والمحلية من مخاطر استمرار النزاع، وتأكيد على ضرورة العمل المشترك والفوري لإيجاد حلول جذرية تضمن الأمن والاستقرار للشعب السوداني. يظل الأمل معقودًا على أن يمثل هذا التوافق الدولي والمحلي نقطة تحول نحو تحقيق السلام الدائم وإعادة البناء في السودان.على الرغم من هذا التفاؤل، فإن القوى المستفيدة من استمرار الحرب تبذل قصارى جهدها لتأجيج ألسنة اللهب، في تحدٍ صارخ لرغبة الأغلبية الساحقة من الشعب السوداني في السلام. يبقى الأمل معلقًا على إمكانية تجاوز العقبات الكبيرة والسير نحو مستقبل يسوده الاستقرار والأمانفان الحاجة الماسة لإعادة التأكيد على أهمية وقف إطلاق النار والبحث عن حلول تقوم على أسس تفاوضية أمرا محوريا جوهريا من أجل خلق واقع مناسب للسلام، بدلاً من اللجوء إلى الحلول العسكرية التي يصر عليها أعداء الانسانية من سدنة النظام البائد، رغم فشلهم فيها باعاراف ياسر العطا. تاريخ السودان على مدى السبعين عامًا الماضية قد أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الحلول العسكرية لا تؤدي إلا إلى تعقيد المشهد أكثر، وقد تقود في أسوأ الحالات إلى انفصالات جديدة كما حدث مع جنوب السودان. الطريق إلى بناء دولة مواطنة يتساوى فيها الجميع بلا أي امتيازات يمر عبر تأسيس مؤسسات فدرالية قائمة على معايير الكفاءة ونسب الكثافة السكانية، مع إعطاء الأولوية للمصالحة الوطنية ومعالجة خطاب الكراهية عبر العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..