حدوتة ذهب المشرحة

حدوتة ذهب المشرحة

صلاح يوسف
[email protected]

قبل شهرين أعلن الدكتور ياسر جاد المولي اختصاصي جراحة المخ والأعصاب عن أن جهاز الكشف عن المعادن النفيسة والمياه الجوفية والعملات المزيفة الذي اخترعه ونال عليه براءة الاختراع، قد أماط اللثام عن اكتشاف كنز من الذهب يقبع تحت أرض مشرحة مستشفى الخرطوم التي يعمل فيها، وزادنا الدكتور جرعة من التفاؤل حين قال بأن الكمية المقدرة تكفي حاجة السودان لميزانية عشر سنوات، فيا له من خبر أتى في وقت حاجتنا الماسة إليه مع اضمحلال العائد البترولي0 لكن هذا الخبر انطفأ بريقه بعد مضي فترة قصيرة ولم يذكره أحد (لا بالخير ولا بالشر) وانصرف الجميع للمستجدات الخبرية الأخرى0 وقبل عقود من الزمان كانت تربطني علائق حميمة ببعض الذين يعملون بوكالة السودان للأنباء (سونا)، فأذكر أن أحدهم كان يعمل بقسم يعنى بمهمة تنشيط الأخبار التي تهم الكثيرين مما جعلنا نصفه وقتها بـ (نباش القبور) لأنه يحرك الماء الآسن في بركة الأخبار الميتة0 وفي حقيقة الأمر لعب هذا القسم دوراً كبيراً في بعث القضايا التي يتركها الناس وراءهم ونجح في إيقاظ ذاكرة المسئولين الذين يتعمدون أحيانا تجاهل بعض القضايا دون حسم – اعتماداً على ضعف ذاكرة الناس الخربة ? لكي تنهال عليها أتربة النسيان بطول الزمن أو تطغى عليها قضايا أخرى أكثر إلحاحاً وتشويقاً0

نحن الآن إزاء كنز سيموت خبره (بالسكتة القلبية) إذا لم نعمل على تفعيل حس المتابعة والتنشيط، ولذا تجدني أتساءل عن مصير ذلك الكنز خاصة وأن الكثيرين قد استبشروا به خيراً وبنوا عليه آمالاً عريضة0 وفي البدء هل هو كنز يعوّل عليه أم أن الجهاز التقط ذبذبات لحلى لا تزيد عن عبوة جرة فخارية من بقايا الآثار التي قيل أن تلك المنطقة تحفل بها وفي هذه الحال لن يساوى الكنز قيمة ما سننفقه للبحث عنه0 إذا كانت تصريحات الدكتور خاطئة، يجب التحقق منها وسؤال من زرع فينا بذرة الأمل الخائب، أما إذا كانت صحيحة وهناك مسعى لجعلها ماثلة فلنكن على علم بالخطوات التي اتبعت بشأنها لأن خير البر عاجله0 ولكن حسب ملاحظاتي لا زالت المشرحة تمارس عملها الروتيني غير آبهة بما يمور تحتها من ثروة0 هل يا ترى لأن الموتى لا يتحركون داخل المشرحة سيكون مصير خبر اكتشاف الذهب مثلهم ساكناً بلا ململة أم أن بريق الذهب سيقلب الموازين؟ ولو افترضنا ثبات صحة الخبر وإيجابية الجدوى ما مصلحة صاحب السبق والاكتشاف الثمين في السكوت وهو الذي نحسب أنه يستحق تقديراً إن لم يكن نصيباً معتبراً استناداً إلى منطق قوانين الملكية الفكرية إن لم أكن مخطئاً0 فلولا ذلك الجهاز الذي اخترعه الدكتور وجرّبه على تلك المنطقة لما تسنى لأحد معرفة المطمور في باطن الأرض، غير أن الصمت المطبق دفعنا لنفض الغبار عن هذا الخبر0

إذا كان للجهاز المذكور تلك الخواص النادرة والدقة المتناهية في قراءة الغالي الدفين، وأن صاحبه على ثقة من قدرته الكشفية، لماذا لا يتوجه به إلى حيث يعاني الباحثون عن الثراء في صحارى الشمال بأجهزة تقل كفاءة عن الذي بحوزته، فربما يختصر زمن التنقيب الذي يمضيه الآخرون ويقفز فوق حائط الانتظار وصولاً إلى سوح الثراء وعندها لن يقول له أحد من أين لك هذا0

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..