مهمة الجيوش حماية الأوطان.. لا قمع الشعوب

مهمة الجيوش حماية الأوطان.. لا قمع الشعوب

عثمان ميرغني

في كل الدول التي شهدت انتفاضات وثورات منذ انطلاق الربيع العربي، دفعت الجيوش إلى قلب الأحداث، وأصبحت بالتالي في دائرة الضوء ومحط الأنظار، لأسباب متفاوتة، وإن كان فيها عدد من القواسم المشتركة.. فالأنظمة التي واجهت غضبة شعوبها، لجأت إلى لغة وحيدة في قاموسها السياسي، وهي لغة القوة والبطش لإخماد الاحتجاجات الشعبية، وإسكات هتافات المتظاهرين. وهكذا أنزلت قوات الأمن إلى الشوارع «للحوار» مع المحتجين بالهراوات والغازات المسيلة للدموع، ثم بالرصاص. وفي بعض الحالات لم يُرِد الحاكم أو بطانته إضاعة الوقت باستخدام مسيل الدموع أو خراطيم المياه، فصدرت الأوامر لاستخدام الرصاص الحي ولإنزال الجيش والدبابات إلى الشوارع.

لتبرير قرار استخدام الجيوش في مواجهة الشعوب المنتفضة، سمعنا أسطوانة المؤامرة تتكرر من عاصمة إلى أخرى، فأصبح كل المطالبين بالحقوق عملاء، وكل المنادين بالحريات متآمرين، وكل المشاركين في المظاهرات مخربين يجب سحقهم، بغض النظر عما إذا كانت أعدادهم بالآلاف أو بالملايين.. أما في الحالة الليبية فإن المنتفضين والثوار لم يكونوا فقط متآمرين، بل اعتبروا جرذانا وكلابا ضالة لا تستحق الحياة لأنها تجرأت على القذافي وعلى خطط ابنه في وراثة خيمة السلطة.

أحد الضباط السوريين الذين انشقوا عن الجيش بعدما روعتهم حملة القمع والتنكيل وتزايد أعداد القتلى والمصابين والمعتقلين، كشف عن الطريقة التي تحاول بها الأنظمة طمس الحقيقة وتزييف الواقع وتضليل الجنود لكي ينفذوا أوامر إطلاق النار على المتظاهرين العزل. قال هذا الضابط، في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الألمانية بعد انشقاقه: «كنا نعيش كذبة كبرى، أخبرونا بأن الناس مسلحون، لكن عندما وصلنا وجدنا أنهم مدنيون عاديون غير مسلحين. صدرت الأوامر لنا بإطلاق النار عليهم». وذكر أنه كان بين القوات التي أُرسلت إلى حمص، وقبل مغادرتهم قاعدتهم في دمشق طلب منهم منع أي جندي من مشاهدة التلفزيون فيما عدا التلفزيون السوري. وقال إن الأوامر التي تلقاها هي «تخويف الناس حتى لا يجرؤوا على الخروج من منازلهم»، وعدم استثناء النساء والأطفال من إطلاق النار.

قد يقول البعض من مؤيدي النظام: إن مثل هذه الشهادة متوقعة من ضابط منشق، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها لإصدار أحكام على تعامل النظام مع الاحتجاجات. لكن هل يحتاج القمع والتنكيل الذي يمارسه النظام السوري إلى أدلة بعد كل هذا العدد من الضحايا، وبعد ما رآه العالم من مشاهد التعذيب والقتل المنتشرة على «يوتيوب» التي يبثها الناشطون بشكل يومي لكسر حاجز التعتيم الذي فرضته السلطات ومنعها للفضائيات والمراسلين من الدخول لتغطية الأحداث؟ وماذا عن أرتال الدبابات التي أرسلها النظام إلى المدن، وشهادات المدنيين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم والبحث عن ملاذ آمن عبر الحدود؟

إن استخدام الأنظمة لقوات الأمن وللجيوش لقمع الانتفاضات لا يحتاج إلى إثبات، مثلما أن الحديث عن مؤامرات لم يعد ينطلي على الناس.. فكثير من هذه الأنظمة جاء إلى السلطة أصلا بانقلابات عسكرية، وتشبث بها مستخدما القبضة الأمنية، التي لم يعرف غيرها لضمان بقائه، ولتأسيس جمهوريات الخوف التي أغدق فيها على أجهزة الأمن بقدر ما جرد المواطن من الحقوق وحرمه من الحريات. وحتى عندما أنشأت هذه الأنظمة أحزابا سياسية فإنها لم تسعَ إلى شرعية ديمقراطية، بل بقيت معتمدة على القبضة الأمنية، لخنق أي صوت معارض، ولتزوير الانتخابات حتى بات الرؤساء العرب يسجلون أرقاما قياسية في طول البقاء في السلطة، يحاولون تمديدها بتوريث الحكم لأبنائهم. العقيد القذافي مثلا، أتحفنا مؤخرا عندما قال في معرض رده على الثائرين ضد حكمه الذي امتد 42 عاما: «أنا صاحب سلطة أدبية مثل ملكة بريطانيا إليزابيث، وهي لها في الحكم 57 سنة ولم يثر أحد ضدها، فلماذا يتم التظاهر ضدي؟».

لقد بددت مثل هذه الأنظمة أموال الشعوب في الإنفاق على وسائل قهرها، فطورت أجهزة الأمن ودربتها على قمع المواطنين، كما سلحت كتائبها العسكرية الخاصة لحمايتها ضد أي محاولة انقلابية ولردع الضباط والجنود الذين يعتبرون أن انتماءهم للوطن وليس للنظام، ومهمتهم هي حماية الأوطان والشعوب لا قهرها وإذلالها. فالواقع أن الأنظمة الديكتاتورية حتى إن جاءت بانقلاب عسكري فإنها لا تثق بجيوشها؛ لأنها تظل أسيرة الخوف من انقلاب يطيح بها؛ لهذا تلجأ إلى تشكيل وحدات خاصة تدين بالولاء التام للحاكم، وتحاول إسكات آخرين بالامتيازات والمكافآت، بينما تراقب العناصر الأخرى في جيوشها مثلما تراقب عموم الناس.

إبان الانتفاضات والثورات العربية كان العامل المشترك هو لجوء الأنظمة إلى أجهزتها الأمنية والعسكرية لمواجهة الاحتجاجات الشعبية، لكن رد فعل الجيوش لم يكن متشابها في كل الحالات. فالوحدات العسكرية القائمة أصلا على الولاء للنظام، التي يتولاها عادة مقربون من بطانة الحاكم أو من أفراد أسرته، لم تتوانَ في توجيه بنادقها إلى صدور المحتجين. لكن القوات العسكرية الأخرى لم تتصرف كلها بالطريقة ذاتها، فحدثت انشقاقات مثلما رأينا في اليمن وفي ليبيا وفي سوريا، أو رفضت القيادات إصدار أوامر بتوجيه سلاحها نحو أبناء شعبها مثلما حدث في مصر، أو ضغطت على الحاكم لكي يترجل قبل فوات الأوان مثلما حدث في تونس عندما قال بن علي «فهمتكم» ورحل.

الجيش المصري قدم نموذجا رائعا بلا شك في الانحياز لثورة الشعب، والعيون عليه الآن لكي يكمل المهمة ويشرف على انتقال السلطة إلى ممثلي الشعب عبر انتخابات حرة نزيهة. والذين قرأوا جيدا في تاريخ الانتفاضات العربية ربما يتذكرون أن الجيش السوداني انحاز إلى الشعب مرتين عندما ثار على حكامه، في منتصف ستينات القرن الماضي ثم في منتصف الثمانينات. هذا ما تتوقعه الشعوب من جيوشها التي حرفتها الأنظمة المستبدة عن مهمتها في حماية الأوطان ضد العدو الخارجي، لكي تجعلها أداة للقمع في الداخل. فالجيوش يجب أن تكون رمزا للعزة والكرامة للوطن، لا أداة لقمع الشعوب، أو تفريخ الانقلابات والديكتاتوريات.

[email protected]

الشرق الاوسط

تعليق واحد

  1. اكتب اسمك ثلاثى حتى نستطيع ان نفرق بينك وبين سميك الاخر عثمان ميرغنى اليوم علمت انك الشخص الذى كنت تكتب فى جريدة الشرق الاوسط حيث كنــت احسبه عثمان ميرغنى الاخــر .

  2. نحن في السودان نهوي أوطانا

    نحن في السودان عندنا مشكلة الأسماء :

    وردي الصغير
    تنقا الكبير

    حسبو الصغير
    ابراهومة الكبير

    حزب الأمة القومي
    حزب الأمة الوطني

    المؤتمر الشعبي
    المؤتمر الوطني

    السوق العربي
    السوق الشعبي

    عثمان ميرغني الأصلي
    عثمان ميرغني التايواني

    ليه ما نسمي الشيء بكامل إسمه منعا للمحاكاة واللخبطة

    فيا أستاذ عثمان ميرغني ماذا يضير لو كتبت أسمك ثلاثيا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    هل تحسب أنك فريد عصرك كبيليه أو مسي أو أوباما ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  3. التحيه و كل التقدير لك يا أستاذ عثمان ميرغنى الشرق الاوسط …….مقالتك جيده و معبره و واضحه بدون أى رتوش تضليل……شكرا……. و شتان ما بين كتابات عثمان دا و عثمان صاحب ود الخدر داك ……..

  4. الاستاذ الكبير/عثمان ميرغنى الاصل (لا أقول عثمان ميرغنى المسخ) نشكر لك مقالك الرائع وأسأل الله أن يعيه من عنيتهم ، وإن كنت أستبعد ذلك فقد وعى النظام وانتبه له فقام برفد أكثر من 1800ضابط فى كشف واحد وعليك ان تتخيل أن يفصل نظام مثل هذا العدد الكبير فى الوقت الذى كان يتحدث فيه أنه لو لا مجيئهم بإنقلابهم لدخلة قوات التمرد الخرطوم !!ولم يكن فى قائمة تبريراتهم تقاعس الضباط او الجنود بل كانوا يقولون ان الحكومة إنشغلت بأشياء اخرى ولم تمد الضباط و الجنود بالعتاد وحتى الملابس !!ولفقدانهم الثقة فى من تبقوا من الجنود والضباط أنشأوا قوة موازية للقوات المسلحة بأسم الدفاع الشعبى ثم توجهوا نحو القوات المسلحة مره اخرى ليعملوا فيها فصلا وتشريدا بغرض إضعافها فى مقابل تقوية شوكة الدفاع الشعبى وتعبئتها بواسطة الدجالين والمتشعوزيين امثال الكارورى وغيره من الذين نقلوا دجلهم وشعوزتهم الى أجهزة الاعلام قيما بعد!! وهم يملاءون فراغ الضباط بصفة خاصة بالامتيازات التى تنهمر عليهم أقلها القروض التى يكبلونهم بها لبناء الاراضى التى توهب لهم ولذا سوف تجد ضباطنا العظام الذين تعول عليهم يقضون سحابة نهارهم بين المقاول والمغلق !!ورب قائل أنهم رأوا البعض منهم فى مواقع القتال فنقول لهم بكل بساطه اولئك من نطلق عليهم (المغفل النافع) والذين غرر بهم النظام بواسطة المتشعوزين والدجالين ووعدهم أن حقوقهم محفوظة فى الاخرة كما فى الدنيا!! وأقول الترابى وليس النظام هو اول من إستفاد من أخطاء الحكومات الديمقراطية السابقة ولم يبقى على عسكر وطنيين بلا إنتماءات حزبية ثم انكوى بتصرفه الاخرق0

  5. شكرآ الاخ عثمان ميرغنى تصحيح بسيط كان زمان هذا الموضوع عندما انحاز الجيش السودانى الى الشعب اما الان الجيش السودانى لا ينحاو الى الشعب ولا حتى نحلم منه بذلك لانه كان قومى والان منذ 22 عام لا تسطيع ان تدخل الجيش الا اذا كنت عضو فى المؤتمر الوطنى ومذكى تذكية من المقربين

  6. مـايسـمي بالجيش السـوداني .. لاعـلاقـه لـه بمـوضوعـك لامـن قـريب ، او بعـيد .. مايسمي زورا وبهتانا بالجيش السـوداني عباره عـن عـصابة إجـراميه نشأت وتربت عـلي إفتراس مواطنيه الضعـفاء ، والابرياء ، والعـزل .
    رغـم أن نظـام دعـاة الاسـلام السياسي .. هــو أســواء نظــأم حــكم عـلي ظهـر البسـيطه ، وهـو قائم أسـاسـا عـلي دعـامات البلطجـه ، الفهـلوه ، الاستغـفال ، الاسـتهبال ، الشـعـوذه ، الـدجـل ، اللصـوصيه .. ولـكـن لايـمكن بأي حـال مـن الاحـوال أن نضيف إلي الاثقال ، وزر إفسـاد مايسـمي بالجيش السـوداني !! . الجيش السـوداني ولـد خليقـه مشـوهــه ، ولـد فاسـدا ، لـم تكـن لـه أي عـقيده عسـكريه ، مما سـهل عـلي إنزلاقـه في أتون الانقـلابات العـسكريه ، التي احـالت حياتنا إلي جحيم مقيم ، ومـزقت ماكان يسـمي بالسـودان وأحـالته إلي فـتات .
    الآن ينبغـي عـلي كـل ذي عـقل أن ينادي بتسـريح هـذا الغــول ، والاسـتغـناء عـن خـدماته ( إن كانت لـه – غـير التنكيل والفتك بمواطنيه ) أولا لاننا كدويله صـحـراويه ، فيما تبقي من ماكان يسـمي بالسـودان ، لم نعـد نملك مايقابل مصـروفات هـذا الجيش العـرم ، لانـه وبكـل بسـاطـه لايوجـد فـي الدنيا معـتوه يفكـر فـي إحتلال ، أو الاعـتداء عـلي دويله ، ينبغـي عـليهـا أن تكابد وتناضـل لمكافحـة الـزحـف الصـحـراوي الـذي يتهـددهـا بالـدفن ، أو عـلي الاقـل يمكن إعـلان هـذه الـدويله القـزميه البائسـه ، دويله محـايده . ثم ثانيا ، لمـاذا يتوجـب عـلينا ان نصـرف عـلي هـؤلاء الاوباش مـن حـر مال دافعي الضـرائب لجيش لـم يخوض معـركه واحـده منذ أن وجـد ضـد عـدو مغتصـب .. وما أكثر ما اغـتصب ، وتم إنتزاعـه عنوه وإقتدار مـن تراب السـودان ؟؟ نعـم نشـهـد باللـه أنـه خـاض معـارك ضـروس ، وشـرسـه !! ولكـن ضـد مواطنيه الابرياء العـزل . نشـهد باللـه أنـه نكل ، وجـندل ، وقصـف الاطـفال والنسـاء والعـجزه ، دون شـفقه أو رحـمــه ، ومـازال يسـتقوي عـليهم حــتي كتابه هـذه الاسـطر .. إذا ما الجـدوي مـن أن تربي كلبا ويفترسـك ، ومـن ثم يتبول عـلي رفاتك ؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..