تجدد الانتهاكات الفظيعة في جبال النوبة

يتجلى الألم تحت سماء جبال النوبة، وتتواصل المأساة الإنسانية التي يرسمها دوي القنابل وأزيز الطائرات الحربية، في مشهد ظل يتكرر عبر العقود دون أن تلوح في الأفق بوادر لتوقف هذه المأساة. الأرض هنا، التي كان يفترض أن تكون مهداً للحياة والأمان، ظلت مسرحا لانتهاكات جسيمة تطال الأبرياء، حيث لم تعد المدارس والمناطق السكنية في مأمن من القصف العشوائي. وللاسف لم تتضرر اي جهة عسكرية من هذا القصف العشوائي الذي يؤكد أن المستهدف هو إنسان المنطقة المغلوب على امره،
أماطت الغارات الجوية التي شنها الطيران الحربي للجيش السوداني المختطف وهو امتداد قوات دفاع السودان وتاريخه الاسود المتواصل إلى يومنا هذا، استمرار القصف الجوي على جبال النوبة ازاح اللثام مرة أخرى عن الوجه القاتم للحرب، والانتهاكات الفظيعة التي ترتكب بحق المدنين، وهذه المرة كانت الضربة شديدة ومؤلمة، حيث راح ضحيتها ما لا يقل عن 14 شخصًا، غالبيتهم من الأطفال، بالإضافة إلى 8 جرحى، بعضهم في حالات خطيرة. الحادثة التي وقعت صباح الخميس 15 مارس 2024 تعتبر الأولى من نوعها منذ شهر أبريل الماضي، وقد أسفرت عن خسائر بشرية ومادية جسيمة في أربعة من قرى منطقة جبال النوبة: الهدرة، الكرقل، هبيلا، والقنيزيعة مورو.
القرى المستهدفة تقع في المناطق الوسطى لجبال النوبة، حيث تُظهر الأحداث مرة أخرى السعي المميت نحو السيطرة والتسلط الذي لا يفرق بين مدني ومقاتل. قرية الهدرة، التي تعرضت لأربع دانات أصابت المدرسة ومنطقة المضخات، تحمل الحصة الأكبر من الألم والخسارة، مما يعكس الطابع الوحشي للهجوم الذي لم يوفر حتى الأطفال في مقاعد الدراسة والمعلمين الذين يسعون لنشر العلم والمعرفة.
التداعيات المباشرة للغارات تتجلى في نزوح حوالي 100 أسرة من المنطقة، فضلاً عن الفقد الجسيم في الأرواح البريئة التي تشمل الشباب والأطفال والمعلمين، وحتى الرضع. من بين الضحايا سن علي كجو، الطاهر عبد الواحد ابكر، خاطر عبد الرحيم سعدان، وقمر عمر حمدوك، والقائمة تطول لتشمل أسماء ستظل شاهدًا على الألم الذي تسببت فيه هذه الغارات الوحشية.
في الجانب الآخر، تشمل قائمة الجرحى من الأطفال والكبار أسماء مثل عبد الله مفرح، وأحمد حسن ابكر، وأنفال النور كجو البالغة من العمر 9 أشهر، في صورة تجسد الآثار الجسدية والنفسية التي ستلازم الناجين وأسرهم لفترات طويلة.
هذه الأحداث المؤسفة ليست إلا أمثلة قليلة من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تشهدها منطقة جبال النوبة، وتشير بوضوح إلى الحاجة الماسة لتحرك دولي وإقليمي فعال لوضع حد لهذا العنف وضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وفقاً للقانون الدولي الإنساني. السلام في جبال النوبة، وفي كل ركن من أركان السودان، ليس فقط ضرورة إنسانية، بل هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل يسوده العدل والازدهار لجميع سكان هذه الأرض.
ندين بأشد العبارات استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تُرتكب ضد المدنيين الأبرياء في مناطق النزاع، بما في ذلك القصف الجوي المتعمد والمستهدف للمدارس والمعسكرات والأحياء السكنية. هذه الأعمال البربرية، التي تنفذها قوات الجيش والتي تتعارض بشكل صارخ مع جميع المعايير والقوانين الدولية، تشكل انتهاكات واضحة وغير مقبولة لحقوق الإنسان. إن استهداف المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء، في النزاعات المسلحة، يمثل جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني يجب ألا تمر دون عقاب.
نطالب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لوقف هذه الجرائم وضمان محاسبة المسؤولين عنها. يجب توفير الحماية الكاملة للمدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة دون عوائق. إن الصمت أو التقاعس عن التصدي لهذه الانتهاكات يعني تواطؤاً في الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية.
إن استمرار العمليات العسكرية الجوية، التي تستهدف المجتمعات الساعية للعدالة والمعارضة لسياسات الحكومة المركزية في الخرطوم والمدعومة من قبل بعض الفئات التي تبحث عن مصالحها الشخصية على حساب وحدة وسلامة أبناء وطنهم، تمثل تحديًا كبيرًا لمسيرة السلام والاستقرار في المنطقة. منذ فجر الاستقلال، واجهت هذه المجتمعات ظلمًا وقهرًا واستبدادًا، مما أجبرها على الثورة والدفاع عن حقوقها وكرامتها.
للأسف، برر بعض الأفراد هذه الأعمال العسكرية ضد المدنيين بدعوى المحافظة على الأمن، لكن التاريخ والأيام كشفت عن الأضرار والجروح العميقة التي خلفتها هذه الأفعال في نسيج المجتمعات المتأثرة. ومن بين هذه الأفعال، القصف الجوي الذي استهدف معسكرات النازحين والمناطق المدنية في الفاشر ونيالا والضعين، بابنوسة، والمجلد وأبو زيد وعدة مدن وقرى أخرى بصورة شبه يومية، مما أثار الرعب والخوف بين المدنيين حتى في الأوقات المقدسة كشهر رمضان.
يجب أن تكون هذه الأحداث دافعًا قويًا لنا جميعًا للعمل معًا من أجل إيجاد حلول سلمية تضمن وقف العنف وحماية المدنيين. يتطلب الأمر تحركًا محليا و دوليًا وإقليميًا فعالًا للضغط من أجل السلام والعدالة والتنمية المستدامة، مع تركيز خاص على حماية حقوق الإنسان ودعم المجتمعات المتضررة نحو التعافي وإعادة البناء.
السلام والاستقرار في هذه المناطق ليس فقط ضرورة إنسانية، بل هما الأساس لمستقبل مزدهر وعادل يحتضن جميع أبنائه دون تمييز أو استبداد. ندعو جميع الأطراف المعنية إلى التوقف عن استخدام القوة والبدء في حوار جاد يضع مصلحة الإنسان وكرامته فوق كل اعتبار.
في ظل الظروف الصعبة والتحديات التي تواجه حقوق الإنسان، يبقى التزامنا بالدفاع عن هذه الحقوق واجبًا لا يمكن التخلي عنه. إن وقوفنا سدًا منيعًا في وجه الانتهاكات ليس مجرد موقف أخلاقي، بل هو استثمار في مستقبل تسوده العدالة والمساواة للجميع. قد تكون التكلفة عالية، لكن الثمن الذي ندفعه للصمت والتقاعس أكبر بكثير. لذا، دعونا نجدد العزم على العمل معًا، يدًا بيد، لتحقيق عالم يحترم فيه كرامة كل إنسان وتصان فيه حقوقه بلا استثناء أو تمييز.
ما رأيك يا استاذ هجانة بشأن ما يحدث في الجزيرة التي لم تعد خضراء منذ أن دنس ترابها هؤلاء الرعاع والدهماء مع العلم ان الجزيرة خالية تماما من الجيش والشرطة بعكس جبال النوبة التي تموج بالحركات المسلحة. معظم الغرابة الذين هم الأكثر استفادة من الجزيرة لا يدهشهم ما يحدث في الجزيرة المسالمة التي تحتضن جميع أهل السودان وانا اتحداك يا استاذ هجانة ان تقول لي انه ليس لديك أقارب في الجزيرة واذا لم يكن لك فانت مشكوك في سودانيتك.