بترول إفريقيا يسيل لعاب بكين وواشنطن

د. ياسر محجوب الحسين

رغم أن القارة الإفريقية لا تعتريها صراعات مسلحة حادة بمعيار واشنطن، حيث يطال التهديد المصالح الأمريكية في القارة كما هو الآن الحال في الشرق الأوسط باعتبارها منطقة ساخنة، لاسيَّما إيران والعراق وسوريا والأراضي المحتلة، إلا أن واشنطن لا تستغني عن وجود عسكري لها منظم في إفريقيا، فأنشأت رسميا في الأول من أكتوبر 2008 ما يعرف بالقيادة الإفريقية الأمريكية (أفريكوم)، وهي قوات موحدة مقاتلة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية ومسؤولة عن العمليات العسكرية الأمريكية وعن العلاقات العسكرية مع (53) دولة إفريقية.
المصالح الأمريكية في إفريقيا مصالح اقتصادية وتتمحور حول النفط وتريد واشنطن أن تتصدى لمنافس شرس كان قد حط رحاله في القارة البكر، ويدور الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية اليوم على أشده حول النفط، أهم سلعة إستراتيجية عالمية على الإطلاق. ويعتقد الخبراء الاقتصاديون الأمريكيون أن الولايات المتحدة غير قادرة حاليا على القيام بأي خطوة للضغط على الاقتصاد الصيني المتنامي بقوة، ولذا فإنها تميل لاعتماد سياسات أخرى عند الضرورة قد تصل إلى القيام بعملية عسكرية ضد الصين. وتخشى واشنطن بشكل جدي من أن يؤدي تفوق بكين اقتصاديا في النهاية إلى تهديد زعامتها، وقد أقرت واشنطن على لسان نائب وزير دفاعها الأسبق الرئيس الحالي للبنك الدولي بول وولفويتز بأنها تعمل على منع معاودة ظهور أي منافس أو سلطة من السيطرة على منطقة موارد ما تكون كافية لتوليد سلطة عالمية.
لكن واشنطن حاليا تسوق بشكل علني لخطر الإرهاب والقاعدة في إفريقيا وقام قائد (أفريكوم) الجنرال ديفيد رود يغيز بجولة في دول شمال إفريقيا في أغسطس الماضي، وقال في زيارته إلى تونس في نفس الشهر: إن تنظيم القاعدة والمجموعات التابعة له يهددون تونس والولايات المتحدة معا، وأكد أن بلاده ستدعم تونس بالتجهيزات العسكرية اللازمة، بالإضافة إلى تدريبات مشتركة مع الجيش التونسي. وبالفعل قدمت واشنطن مساعدات بقيمة (100) مليون دولار منذ أواخر (2010) مع حوالي (60) مليونا مقترحة للسنة الجديدة، وفي الجزائر دعت واشنطن الجزائر لتعاون استخباراتي بشأن ليبيا. وشارك نحو ألف جندي أمريكي في تدريبات عسكرية للتصدي للإرهاب في الصحراء الإفريقية، وهي أضخم عمليات للولايات المتحدة في القارة السمراء منذ الحرب العالمية الثانية، وخصص الكونجرس كذلك مبلغ (500) مليون دولار لمكافحة الإرهاب.
وقبل تأسيس (أفريكوم) كانت هناك ثلاث قيادات أمريكية تتوزع على البلدان الإفريقية، حيث كانت القيادة المركزية (سنتكوم) مسؤولة عن دول مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا وسيشل، بينما كانت القيادة الباسيفيكية (باكوم) مسؤولة عن مدغشقر والمحيط الهندي. أما القيادة الأوروبية (إيوكوم) كانت مسؤولة عن باقي الدول الإفريقية وعددها (41) دولة، وينظر المسؤولون الأمريكيون إلى هذا التقسيم باعتباره أحد مخلفات الحرب الباردة، ويرون أن (أفريكوم) ستجعل القوة العسكرية الأمريكية أكثر فاعلية في ممارسة نشاطاتها عبر القارة الإفريقية.
ومما يؤكد أن الهدف الاقتصادي حاضر في هرولة واشنطن نحو إفريقيا تلك القمة الأولى من نوعها التي سميت بالقمة الإفريقية الأمريكية، فقد شهد أغسطس الماضي تقاطر ما يقرب من (50) رئيسا إفريقيا إلى واشنطن، وأعلن عن اتفاقية تجارية قدرت بحوالي (900) مليون دولار.. ومن قبل عقد أول مؤتمر وزاري أمريكي- إفريقي في العام (1999)، بحضور 83 وزيراً إفريقيا ونظرائهم من الأمريكيين، وقيل في حينها إن الهدف من المؤتمر هو دعم الشراكة بين إفريقيا والولايات المتحدة، وتشجيع زيادة التنمية الاقتصادية والتبادل التجاري والاستثمارات والإصلاح السياسي والنمو الاقتصادي المتبادل في القرن الحادي والعشرين.. وبعد أعوام قليلة صرح والتر كانستاينر، نائب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق للشؤون الإفريقية في عهد إدارة بوش خلال زيارة لنيجيريا في عام 2002، أن بترول القارة السوداء بات يُشكل مصلحة قومية إستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وستزداد أهميته أكثر فأكثر مع مرور الأيام”. ورأى عدد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين بأنه بعد أحداث (11) سبتمبر 2001، أصبح من الضروري التعامل مع موضوع البترول الإفريقي على أنه أولوية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي.
وتبين الأرقام الرسمية المتعلقة بإنتاج واحتياطي البترول في إفريقيا مدى الأهمية التي تعلقها الولايات المتحدة الأمريكية على القارة السوداء. فقد قدَّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أنكتاد) في العام 2001 حجم احتياطي البترول في القارة بـ(80) مليار برميل، أي ما نسبته 8% من الاحتياطي العالمي الخام. وباتت إفريقيا تنتج ما يربو على أربعة ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل إنتاج إيران وفنزويلا والمكسيك مجتمعة. فخلال السنوات العشر ما بين 1992 و2002 زاد إنتاج إفريقيا بنسبة 36%، مقابل 16% لباقي القارات. وتشير الاكتشافات الجديدة في جنوب السودان إلى أن لديه احتياطي بترول ينافس ذلك الذي لدى المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى احتياطي غاز طبيعي هائل الذي يملكه شمال السودان، وأكبر ثلاثة مواقع تحتوي على يورانيوم عالي الجودة في العالم.
وواشنطن قلقة من أن الصين تعد الآن ثالث أكبر شريك تجاري مع إفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا. كما تعتبر بكين كذلك المستورد الرئيسي للنفط الإفريقي. وتابعت بقلق أيضا انعقاد مؤتمر قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي في نوفمبر 2006م، الأمر اعتبر أكبر نشاط دبلوماسي حجماً وأعلاه مستوى وأكثره حضوراً من حيث عدد قادة ورؤساء الدول المشاركين يُقام في جمهورية الصين الشعبية منذ تأسيسها عام 1949م، حيث حضره (35) رئيساً إفريقيا من الدول الإفريقية الثماني والأربعين. ومعلوم أن الاستثمارات الصينية في إفريقيا فقد ارتفعت من (75) مليونا في العام 2003 إلى (520) مليونا العام 2006 ثم إلى ملياري في العام 2008.
لكن السؤال الملح هل يصب هذا التدافع نحو القارة في نهضتها وتطورها أم يبقى امتدادا لحقب متطاولة من النهم المنظم والممنهج لثرواتها بمساعدة الأنظمة الحاكمة الحائزة على أكبر أرقام الفاسد في العالم؟

الشرق

تعليق واحد

  1. الصين وامريكا يتنافسون في افريقياوالدول الكبيرة تريد ان تزداد كبرا وتحافظ على مصالحها في الدول الصغيرة…

    المشكلة الاساسية ان امريكا تقوم بسياسة خبيثة في المنطقة وامريكا تقوم بدعم الحركات الجهادية والاسلامية والاخوان المسلمين سراً ليكونوا خميرة عكننة في الدول الافريقية بهدف الدخول الى افريقيا بحجة مساعدتها للدول التي تعاني من ارهاب الحركات الاسلامية.. فأمريكا تدعم الحركات الجهادية سراً ثم تحاربها جهراً وفي النهاية اذا استطاعت تلك الحركات الاسلامية القبض على السلطة في بلد ما فهي تكون صنيعة امريكية تقع تحت الضغط الامريكي لتحقق ما تريد في ذلك البلد خاصة بعد نجاح تجربتها في السودان مع تنظيم الاخوان المسلمين..

    الوعي الاسلامي ووعي الشباب المسلم ان لا يكون طرفا في صراع دولى تدعمه المخابرات الامريكية والصهونية والمخابرات الاوروبية وعدم الزج بالاسلام في المعترك السياسي هو الحل الوحيد لمشاكل القارة التي هي قارة مسلمة الا ان استعجال الاخوان المسلمين للسلطة بحجة تطبيق الشريعة الاسلامية سيؤدي الى تقسيم الدول الافريقية ونفرة الناس من كل ما هو اسلامي كما انه سيخيف الدول الافريقية غير المسلمة ويخيف المجموعات الافريقية اللادينية بحجة ان الحركات الاسلامية تريد ان تفرض الاسلام عليها مع العلم ان الحركات الاسلامية لا تريد الاسلام اصلا وانما تريد السلطة مستخدما الاسلام ذريعة وكل ذلك بدعم من الموساد الدولي والماسونية التي لا تريد الا ان تدمر صورة الاسلام السمح والشريعة الغراء وسط القارة الافريقية البكر مستخدمة في ذلك الحركات الاسلامية والجهادية كما حدث في السودان او ما يحدث في ليبيا…

  2. “تشير الاكتشافات الجديدة في جنوب السودان إلى أن لديه احتياطي بترول ينافس ذلك الذي لدى المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى احتياطي غاز طبيعي هائل الذي يملكه شمال السودان،”

    ممكن مصدر هذه المعلومه لاني بصراحه اشك بل اجزم بعدم مصداقيتها؟

  3. الصين أخطر من أمريكا وأكثر شراهة في نهب الموار د ومامنهم فائدة .. يأسسوا ليك قاعة صداقة وقصر أطفال وشباب ، ويبتعثوا بعض الشباب لتعلم الاكروبات ..والآن ماتعلموه في طي النسيان .. ويصدروا ليك البضائع الفاسدة وأجهزة القمع ضد الشعب السوداني … عشان يرموا لقدام (يقدموا السبت قبل الأحد) وبعدها ينهبوا بترول السودان وكل الموارد الخام ويعشعشوا في ظل الُنظم الفاسدة هؤلاء أرذل ملّه. في بلادهم أسرع القطارات وأطول الانفاق وحضارة مابعدها حضارة ..هؤلاء يعلموننا مبدأ الاستهلاك وليس التفكير في أن نبتكر ولو مصنع واحد للنافسهم ونصدر إلى دول العالم .. وين مصانع الصلصة ومزارع التوم .. دول حتى جلاليبنا وألبستنا الداخلية بصنعوها لينا وين دمور وفراد شندي ؟ تباً لهم .

  4. طيب لما شمال السودان به هذا الكم من الغاز الطبيعي لماذا لا يستخرج وعلى الاقل نكتفي ذاتيا ونستخدمه في توليد الكهرباء ده مش صعبة وكذلك اليورانيوم كل اقليم دارفور ملي باليورانيوم منتظرين شنو لكن احسن داخل الارض آمن اكثر من خارجها

  5. اذا كان لابد من احد الخيارين بكين او واشنطون لنا في السودان بشان البترول
    فالخيار هو .. واشنطن .. ثم واشنطن .. ثم واشنطن ..ثم اروبا
    الشواهد في كل العالم ان اي دولة تابعت واشنطن في بترولها نجحت وعمرت وتقدمت ومثال ذلك السعودية والخليج واشنطنيا وليبيا اروبيا
    اما بكين فلن تجني من ورائها غير التخلف والفساد وتبديد اموالك في سلعهم الرديئة ولن تحقق تنمية وتطلع مديون شانك شان السودان
    وقديما قالوا لكل ساقط لاقط
    فمن يسقط في يد الصينيين فلن يحقق الا الخسران والبوار
    ولن ينصلح حال السودان الا بتطبيع العلاقات مع امريكا وتزول كافة اسباب الحصار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..