أخبار مختارة

تحليل وتقييم عناصر الطلب الكلي في إطار ما رشح من البرنامج الإسعافي لوزير المالية حتى يونيو 2020

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية ( 6- 100)

حسين أحمد حسين

جاء بالراكوبة الالكترونية في 23 /09 /2019 (بتصرف) أنَّ السيد وزير المالية د. ابراهيم البدوي قد ذكر أنَّ الحكومة الانتقالية ستطلق في مطلع اكتوبر من هذا العام خطة إنقاذ اقتصادي مدتها تسعة أشهر بغرض: “إعادة هيكلة الموازنة وكبح التضخم، معالجة ضعف قيمة الجنيه السوداني (الذي تساوي 45 جنيهاً منه دولاراً واحداً في السوق الرسمي، وتساوي 69 جنيهاً منه دولاراً واحداً في السوق الموازي؛ وسيتم توحيد السعرين بعد البرنامج الاسعافي)، ضمان توفير السلع الأساسية مدعومةً حتى يونيو حزيران 2020 وبعدها نسعى للانتقال من الدعم السلعي إلى الدعم النقدي المباشر للأسر الفقيرة، إعادة هيكلة الجهاز المصرفي، وترشيد الإنفاق الحكومي وزيادة إيرادات الدولة بمراجعة الإعفاءات الضريبية (60% من الأنشطة الاقتصادية معفاة من الضرائب)، ومحاربة الفساد الفردى والمؤسسي”. وقال د. البدوي: “سنطلب دعماً بقيمة ملياري دولار للسودان (من قيمة 8 مليار دولار ذكر د. حمدوك أنَّه يحتاجها في العامين القادمين) من البنك الدولي للقيام بذلك.

بعضُ التوضيح لأهمَّ قضايا الإقتصاد الكلى:

لا شك في أنَّ قضايا الإقتصاد الكلى هى بحق أهمَّ القضايا التى تشغل بال الحكومات على الدوام على هذا الكوكب، وهي التي بسببها تفوز هذه الحكومات وتسقط. والجدير بالذكر أيضاً أنَّ قضايا الاقتصاد الكلي – كونها ذات طبيعة حيوية ومرتبطة بالحياة اليومية للشعوب – هي أيضاً أكثر القضايا التي يختلف عليها الاقتصاديون ويذهبون حولها مذاهب شتى.

ومما يُعمق من هذه الاختلافات بطبيعة الحال هو صعوبة التنبؤ بمآلات قضايا الاقتصاد الكلي، ولارتباطتها بتوقعات المجتمع تفاؤلاً وتشاؤماً، وكذلك لارتباطها بالإطار السياسي الذي يسوس هذه القضايا في صفة انحيازه لبعضها دون سواها أو حيدته عنها.

وعليه سنتناول بالتحليل جميع عناصر الطلب الكلي؛ كلَّاً على حدة (التضخم، وميزان المدفوعات ومعدل سعر الصرف، النمو الاقتصادي، البطالة، الحسابات القطاعية (الحسابات الرئيسة التي تعكس الموقف المالي للأفراد والشركات والهيئات والمنظمات والدولة وللأمة جميعاً)، والاستقرار المالي)، وسنتناول كيفية عملها مجتمعة فى إطار سياسة الاقتصاد الكلي للحكومة الانتقالية؛ أي في علاقة ارتباطها الدينمائية بالطلب الكلى فى إطار البرنامج الإسعافي لدكتور البدوي؛ أي في إطار معادلة الاقتصاد/الإنتاج القومي: عمال/قوى حديثة/قوى مهنية + رأسمال/روَّاد أعمال + (…) = الإنتاج القومي/العملية الانتاجية القومية/الاقتصاد القومي/الثورة الوطنية الديموقراطية فى نهاية التحليل.

وكما هو معلوم أنَّ غاية سياسة الاقتصاد الكلي (زور – نور، أي في الحقيقة أو للاستهلاك السياسي) هي الوصول: لمعدل نمو اقتصادي مرتفع ومستقر، لنسبة بطالة منخفضة، لمعدل تضخم منخفض، لتفادي عجز ميزان المدفوعات وحدة تقلبات معدل صرف العملة مقابل العملات الأخرى، ولنظام مالي مستقر.

ومن سوء حظ الحكام ووزراء ماليتهم أنَّ العناصر المكونة لسياسة الاقتصاد الكلي/الطلب الكلي متضادة، وتتطرَّف في التضاد في أزمنة الشرعية الأيديولوجية (أنا ضد تسمية الشرعية المصاحبة للتغييرات الراديكالية بالشرعية الثورية، لأنَّ الثوريَّ المُحَقِّق لا يأخذ ما لا يستحق باسم التغيير) المصاحبة لبوليتيك الفترات الانتقالية كما هو الحال في السودان الآن.

فمثلاً إذا نَحَتْ الحكومة منحىً يعجِّل بزيادة النمو الاقتصادي (ومعه بالضرورة تقل البطالة)، فإنَّ ذلك لا مُحالة سيتبعه إقراض مفرط وزيادة في معدل التضخم واختلال ميزان المدفوعات، وربما اضطراب السياسة المالية والحسابات القطاعية.

وبالتالي تظل سياسة الاقتصاد الكلي/الطلب الكلي المعلنة بواسطة السيد د. البدوي، اختباراً حقيقياً لقدرة وزراء القطاع الاقتصادى السودانى في الفترة الانتقالية على التوليف بين هذه المتغيرات المتضادة وإدارتها باتجاه مصلحة كافة شركاء العملية الإنتاجية القومية (عمال/قوى حديثة/قوى مهنية + ورجال أعمال/روَّاد أعمال) من غير الانحياز لشريك دون الآخر.

ويجب أن نُّنوه هنا إلى أنَّ التوليف بين مكونات عناصر الطلب الكلي ممكنٌ والتنمية ذاتها ممكنة؛ فقط إذا وُجدتْ الإرادة السياسية؛ تلك التى سنحاول تلمُّسها بتحليلنا لخطاب وزير المالية والاقتصاد الوطني الانتقالي المُقتَبَس بعاليه، للعثور على هامش جدية ولو بشكلٍ ضئيل، للوصول لذلك.

تحليل وتقييم برنامج البدوي الإسعافي المعلن كسياسة للاقتصاد الكلي

بالنظر للبرنامج الإسعافي لوزير المالية السيد د. ابراهيم البدوي الوارد في مقدمة هذه الأطروحة، نجده ينحى بشكلٍ صريح باتجاه السيطرة على التضخم واختلالات ميزان المدفوهات وتقلبات سعر الصرف وضبط السياسة المالية والحسابات القطاعية واستقرارها، مما يعني أنَّ هذا النموذج سيكون على حساب زيادة النمو الاقتصادي واستقراره وبالضرورة على حساب تقليل البطالة؛ وهوَ بذلك يُمثِّل الوصفة التقليدية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي أدت إلى عدم الاستقرار في العديد من الدول وأسقطت العديد من  الحكومات الغير مرغوب فيها في ثمانينات القرن المنصرم أبَّان سيادة الرأسمالية الأُصولية في العالم.

ولن يشفع لهذا المنحني – الذي سيؤدي حتماً للعديد من أسباب عدم الاستقرار – دعمُ السلع المستهدف لتسعة أشهر قادمة ولا هيكلة النظام المصرفي ولا تقليل الإنفاق ولا إلغاء الإعفاءات الضريبية ولا محاربة الفساد الفردي والمؤسسي. وذلك لأنَّ الحكومة إلى الآن لم تتخذ الاجراءات المؤسسية والقانونية الاحترازية التي تجعلها تسيطر على موارد حقيقية تدعم بها هذا البرنامج الإسعافي. وليس ثمة ضمان (كما قالت الحكومة نفسها) للحصول على قرض من مؤسسات التمويل الدولية والسودان مازال محاصراً اقتصادياً ومالياً بسبب وجود اسمه  ضمن القوائم الداعمة للارهاب.

ونرجو ألاَّ يكون هذا البرنامج ذا ارتباط بالتآمر الذي تقوم به شرائح رأس المال وأحزابها التي اتخذت من مِصرَ مقراً لهذا التآمر، أكثر منه تناغماً مع أهداف الثورة والثوار/العمال والقوى الحديثة والمهنية وسائر مجتمع الاعتصام. ونستثني من ذلك الشريحة التجارية/الحزب الديمقراطي الأصل التي أعلنت بالأمس دعمها اللامشروط لحكومة حمدوك المدنية.

المخرج/العبور إلى مرحلة الانطلاق

بلا أدنى شك أنَّ التغيير الذي نحن بصدده هو أمر منوط بكل شُركاء العملية الإنتاجية وشرفائها في إطارها القومي/الجمعي. وبالتالي الميل لصالح جزء من شركاء العملية الانتقالية (لصالح شرائح رأس المال مثلاً) دون الآخر (شرائح العمال والقوى الحديثة والمهنية مثلاً) هو مسألة غير موفقة ولا تتناغم مع أشواق التغيير التي تبحث عن نموذج اقتصادي متوازن وديمقراطي ومستدام.

وبالتالي على بورجوازية/شريحة الدولة أن تقف على مسافة متساوية من شركاء العملية الإنتاجية وتكتفي بنظام التحفيز المُوصِّل للأهداف الاستراتيجية؛ إذ أنَّ العبور إلى مرحلة الانطلاق لا تنفع معه ديكتاتورية رأس المال ولا ديكتاتورية البروليتاريا.

وقد تعلمنا من تجارب العالم أنَّ التغيير والعبور إلى مرحلة الانطلاق يحتاج لشرائح رأس المال (القطاع الخاص المنتج الخلاَّق وليس الخراجي الريعي) بشكل رئيس؛ ولكن تحت إشراف الدولة وتخطيطها الاستراتيجي وتحفيزها لكي لا تنزلق سياسة الاقتصاد الكلي نحو الرأسمالية الأُصولية كما فعلت الإنقاذ التي أفرطت في التحرير الاقتصادي فوق ما تطمع مؤسسات التمويل الدولية ذات نفسها، وفي نفس الوقت علي الدولة أنْ تُحفِّز العمال والقوى الحديثة والمهنية؛ ومن الممكن أن يتم ذلك عن طريق التعليم المجاني والطبابة المجانية والسكن المدعوم والتدريب والتأهيل ورفع القدرات التي هي جميعها ذات ارتباط وثيق بزيادة الإنتاج والإنتاجية.

خاتمة

يجب أن نُنَوِّه للمرة “المَدَنِيْتُمية” أنَّ هذا البرنامج يمكن تميوله بأموال سودانية خالصة من الداخل لو فقط أدخلنا حصائل صادرات الذهب والبترول (ومعهما الزكاة) في الدورة الاقتصادية للبلد ناهيك عن السلع الأخري (http://www.sudanile.com/110914)، كما يمكن تمويله بأموال سودانية خالصة من الخارج عن طريق تحويلات السودانيين العاملين بالخارج (https://sudaneseonline.com/board/500/msg/1566333576.html) لو فقط استطاعت الحكومة المدنية وضع فكرة بنك السودانيين العاملين بالخارج ضمن أجندتها ودعمتها بالترويج لها (عفينا الحكومة من مسألة استئجار مقر للبنك لمدة سنة)؛ وبالتالي لن نحتاج أن نقترض من البنك الدولي وغيره.

حسين أحمد حسين
باحث اقتصادي مقيم بالمملكة المتحدة.
[email protected]

‫4 تعليقات

  1. الاقتصاد اصبح إقتصاد علماني, علمانية كلمة إقتصادية بحتة لا دخل لها بالدين ولا أي شيئ آخر غير الأقتصاد. يعني نمو الأقتصاد السوداني يتحتم علي الحكومة السودانية التطبيع مع اليهود لأنهم محتكري سوق الأموال ومسيطرين علي إقتصاد العالم ومافي طريق غيرهم. فعلي حمدوك التوجة لإسرائيل وإلا كلام إنتعاش الأقتصاد السوداني يبقي سبب من ثورة لثورة. مافي حل غير التطبيع مع إسرائيل.

  2. نظرتك للاقتصاد الكلي نظرة آحادية وهي التركيز علي الطلب الكلي. يمكن ان تكون هنالك سياسات يمكن ان تؤثر علي العرص الكلي ايجابا بحيث يمكن معالجة التضخم دون التأثير علي النمو الاقتصادي او حتي زيادته.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..