مع المخرج المسرحي ربيع يوسف

حوار: تيسير حسين النور
قال لي: كم أخشى فى ظل غياب المسرح أن يأتي يوم نكون فيه الشعب الذي ليس فى ثقافته الذهاب الى المسرح!! المسرحي الشاب ربيع يوسف مسكون ومليء بهم المسرح الشغف والحرفة والمهنة التي يعيش عليها.. كأنه حمل همه مذ كان طفلاً.. شاب يجتهد ويراهن على مقدرات وامكانات الشباب أقرانه.. ويؤمن بالتجويد والصدق كورقة رابحة فى الفعل المسرحي. ويعتقد أن تمسك المسرح السوداني بالسؤال الاجتماعي كثيراً ومنذ وقت طويل حد من تطوره الى حد كبير. ومما أخبرني به ايضاً ان ميزانية المسرح القومي اليوم اقل من «46» الف فى الشهر، بينما فى 2005م وفى عهد مكي سنادة كانت أكثر من مليار فى السنة!! ويدافع بشدة عن حق المسرح والمسرحيين، ولا يمل ابداً من المطالبة بالحقوق التي كما يقول إنها طبيعية ومشروعة.. التقينا به في هذا الحوار فإلى مضابطه.
> المسرح السوداني دمه مفرق بين الكيانات المسرحية المختلفة؟
< شأنه شأن كل هذا سؤال اشكالي حقيقة .. لو صح لى التعبير دم المسرح السوداني ما معروف يطلب من منو ؟! كأنه عندك مقتول دمه مفرق بين قبائل يصعب تقول تاري او حقي فى البيت الفلاني! اذا سألت المسرح السوداني ومرجعيته المسرح القومي باعتباره المؤسسة المرجعية المهنية لدولة السودان، تكتشف انه فى ظل سياسات الدولة أصبح من شأن الوزارات الاتحادية التخطيط والشغل الاستراتيجي، فى طور الانتاج ممكن ببساطة المسرح القومي يقول ليك ميزانياتي ما بتشمل الانتاج المسرحي، واذا قلت المؤسسات الاهلية انك ترجع للاتحادات والروابط وكذا، تكتشف انه غير مدرج فى الموازنة العامة للدولة، اي مخصصات او موارد تؤول للمسرح بشكل او بآخر، اذا قلت الوزارات الولائية للثقافة، تكتشف ان هذه الوزارات ايضاً غير مخصصة موارد للمسرح، وبالتشخيص هذا يظل واقع الحركة المسرحية يعاني من كعب أخيل الثقافة عموماً والمسرح تحديداً، وهى الموارد. ومن جهة وجود كيان كمجلس المهن الموسيقية والمسرحية أقول لك انه بقدر ما تفاءل الموسيقيون خيراً كثيراً جداً بقيام المجلس لضبط وتطوير ورعاية وحماية مهنتهم، كان بالنسبة لنا كقاصمة الظهر بوصفنا مسرحيين بالذات، لانه لم يرتب اولوياته ..واذا كان الموسيقيون سوق عملهم مستقر ومنتظم وقادرين ينتجوا بداية من الحفل الخاص وحفل الاعراس الى الحفل الرسمي، بالتالي فى سوق عمل مستمر ومنتظم للعازف والمغني ..اما نحن فليس لدينا سوق .. ونعاني من قلة فرص العمل، ونعاني من غياب المواسم المسرحية، وتعاني مؤسستنا المسرحية القومية من ميزانيات لا تقوى على الكثير، فمن باب أولى لما الدولة تفكر فى ان تنشئ وتعالج الشأن المسرحي الاولويات هنا بتختلف.. بدل تكون مجلس لضبط مهنة هي أصلاً ما موجودة يجب التفكير فى انها توجد المهنة! اضرب لك مثلاً مجلس المهن الموسيقية يؤجر مقراً من طابقين فى منطقة غالية جداً فى المهندسين فى امدرمان، وكم يتحصل من المسرحيين نقول انه كان من باب اولى للمجلس أن يرفع نصيب المسرح فى الموازنة العامة ورفع ميزانية المسرح القومي، لانه سيظهر بشكل مباشر فى شكل مواسم مسرحية وتنظيم اعمال بين الفرق والجماعات المسرحية.. وبالنسبة لنا الدم هنا يمكن وباطمئنان شديد أقول ليك ان مقتل المسرحيين أخيراً تجسد فى مجلس المهن الموسيقية والمسرحية. خاصة اذا سألنا من هو رئيس مجلس المهن؟ الاجابة هو مسرحي من الدرجة الاولى الاستاذ على مهدي نوري. وما هو موقع على مهدى من الحركة المسرحية واسهاماته المسرحية على المستوى العام سأقول باطمئنان: زيرو كبير..!! وعندك حوادث كتيرة، المسرح ما فيه فرقة قادرة تقوم على حيلها والمجلس واقف يتفرج !! مقتلنا فى المجلس مقتل مزدوج، اولاً المجلس كمؤسسة لم يرتب اولوياته كما قلت، فهو خاص بالموسييقين أكثر. واقول: اولاً مهنتنا محتاجة لتطوير بجسم لوحده، وعلى الاقل لا تكون على رأسه القيادات التاريخية التي ظلت تدير مؤسسات المسرح العامة كالاستاذ على مهدي، لسبب بسيط، تاريخيا ولمدة اكثر من عشرين سنة ظل الاستاذ على مهدى على رأس قيادات المؤسسات العامة، وظلت الحركة المسرحية تعاني من فقر وقلة فرص عمل!! اذن إشكالنا فى القيادة نفسها وإشكالنا قبل ذلك فى المجلس الذي ميزانياته كان اولى أن تنصرف فى تطوير حقيقي للمسرح. > تقول انه لا توجد ناحية ايجابية للمجلس على المسرحيين؟؟
< على الإطلاق.. بل العكس .. الموسيقيون الى حد كبير مستفيدون منه، ولا نسمع اصوات احتجاجات، بينما كثير من الاصوات الجادة للكثير من طليعة المسرحيين على المجلس، وقبل ايام لدينا موقف مع المخرج حاتم محمد على الذي قدم عرضاً تجريبياً للجمهور وبدون مقابل العام الماضي، وقبل يومين تم استدعاؤه ومن ثم اخلاء سبيله لمجرد أنه قدم عرضاً مسرحياً. والمجلس يقول انه لا يملك رخصة، وهذا المخرج خريج كلية الموسيقى والدراما وله أكثر من «15» عاماً فى المسرح القومي!! وما يحدث ان قانوناً مستحدثاً يطالب بقوانين قديمة لأنها تتوافق معه بعكس ما مفترض يحدث. والملاحظة الاخرى والجوهرية ان طريقة تكوين المجلس غير ديمقراطية بقرار من رئاسة الجمهورية، بمعنى انه تم تعيين «33» شخصاً بقرار جمهوري، بينما يجب أن يتم التكوين من مؤسسات ذات الصلة وبشكل عادل .. الاكاديمية والمهنية والولايات الكل يرشح منسوبيه، بدلاً من تعيين قيادات مكررة. > من تعتقد انه مناسب لهذا المنصب؟
< انا لا اعين شخصاً، ولكن افترض في الطريقة ان تأتي بانتخاب وتعبر عن قواعدك، وان كل جهة ترشح منسوبيها. وانا من حيث المبدأ ارفض كل القيادات التاريخية. واذا سميت اسمي قيادات شابة وأسمي برامج.. ففى الفترات الاخيرة الحركة المسرحية قدمت قدرات شابة كبيرة اثبتت نجاحها فى محيطها وتجربتها مع مؤسسات مجتمع مدني وغيرها.. والى متى نحن نراهن على الزول الكبير؟ القصة ليست لمن سبق! بل لمن صدق! والآن كثير من الفرق قديمها وحديثها لا تستطيع ان تقف لوحدها. > إذا لم يقم المجلس كيف كانت ستكون حالتكم وحجم مشكلتكم؟
< اعتقد جازماً أن مشكلتنا ظلت غير مع الدولة فى الوسيط الذي بيننا وبينها.. وارجع للقيادات التاريخية التي ظلت هي مرجعية الدولة فى المسرح، وصوروا للدولة اننا لدينا مشكلات مع الدولة، والصحيح ان لدينا مشكلات مع قياداتنا التي توصل تلك الصورة عنا.. لو ما قام المجلس كان الحوار بيننا والدولة سيمشي فى خطوات أكبر، وسوء التفاهم بيننا وبين الدولة كان سيزول.. وكانت الدولى ستفهم اننا نريد ان نعمل، واننا مواطنون من الدرجة الأولى، وكل ما نحلم به اننا نريد حقنا فى العمل الذي نقوم به. > ما الذي يمنع توصيل صوتكم مبشرة للدولة.. الدنيا أصبحت مفتوحة؟
< نعم.. لكن سيشوه.. والصورة النمطية تعني اننا ساخطون وعندنا رأي فى كبارنا وغيره .. وهذا التنميط للاسف يجد آذاناً صاغية مرات.. لكن اليوم الذي وصلنا فيه لحوار مباشر مع الدولة ومؤسساتها نحن حققنا فيه إنجازات، مثلاً موسم ولاية الخرطوم المسرحي قبل عامين.. مسكته هذه القيادات وفشلت فيه فشلاً ذريعا، وقام الشباب بثورة رادعة صارمة عبر الكتابة والمؤتمرات الصحفية، فما كان من وزارة الثقافة إلا ان جلست معنا ووصلنا الى حل، وتم تصور للموسم المسرحي كيف يكون.. صحيح الفضاء مفتوح لكنه لا يخلو من التشويش!! > اشكاليتك الآن ليست مع الدولة وإنما مع الوسيط؟
< بداية اشكاليتي مع الوسيط، وليس انه ليس لدي مشكلة مع الدولة، ولكن لدي ثقة في اننا يمكن ان نصل الى نقطة تلاقٍ.. واية دولة جادة تسعى الى الاستقرار.. ولدينا مطالب طبيعية ومشروعة. > اذا اعطوك سلطة على المسرح ماذا تفعل وماذا ستغير؟
< اولاً ساجعل من سؤال المسرح سؤالاً سياسياً من الدرجة الاولى.. سؤالاً يومياً. > كيف؟
< أولاً سأحجم القيادات التاريخية واضعها فى موضعها الطبيعي والابداعي ولا أنفيهم.. انا أعيب عليهم استئثارهم بالسلطة.. ولينصبوا على مشروعاتهم الابداعية ويتركوا ادارة الشأن المسرحي للقيادات الشابة. > وكيف ؟
< ايضاً سأجيب عن سؤال أساسي.. ماذا يريد الشعب السوداني من المسرح؟ ثم ماذا ينتظر المجتمع السوداني من المسرح؟ وماذا تنتظر الدولة من المسرح السوداني ؟ وعبر هذه الاسئلة الاساسية مع رفع الميزانيات واستزراع التفكير المسرحي فى بنية الدولة السودانية، بحيث تبدأ تفكر مسرحياً ولا تنتج فقط. وذلك بالحوار ورفع الوعي وبتخصيص موارد ضخمة للمشروعات.. واقول كما قلت من قبل ان ما دفعته هذه الحكومة للمسرح السوداني فى العشرين سنة الفاتت لم تدفعه حكومات السودان منذ الاستقلال.. دفعته وفق حديّ التمييز والوصاية!! بعدم رؤية.. ان تدفع «200» الف يورو لفنان مريض وتعتقد انك تسهم للمسرح، واصلا لماذا هو يمرض ويحتاج لك اذا كان يعمل بشكل جيد.. كان تعالج بموارده ولا يحتاج اليك!! والصرف لا ينطلق من تخطيط استراتيجي، ولا يحاول أن يجيب على اسئلة حقيقية تخص المسرح، وبالتالي صرف بلا فائدة ..المسألة الثانية يصرف وفق نظرية التمييز التي وصلها من الناس يأخذ وغيره لا. > أستاذ ربيع.. هل على المسرح أن يكون موسمياً؟
< المسرح يجب أن يكون فعلاً يومياً.. ونحن نتحدث عن الخرطوم فقط. > كإنتاج؟
< كإنتاج تحكمه ظروف الطبيعة والمناخ.. زمان عندما كان المسرح القومي مستقراً والحركة المسرحية مستقرة كان معروف فى الخريف يقف ويستأنف بعد ذلك ولستة شهور او سبعة.. وهناك برمجة وخطة مسبقة بتوقيت معين وخطة مسبقة. لكن نحن برضو بنتكلم عن مسرح الخرطوم والخرطوم لا تعبرعن السودان ..لذلك لا بد من تغيير الذهنية وتغيير نظرة الدولة للمسرح، وايجاد حق معلوم فى الموازنة العامة من بداية العام للمسرح.. كالصحة والتعليم وغيرها. والنظام الفيدرالي خسر المسرح مكاسب.. زمان كانت المسرحية تنتج فى المسرح القومي وتتجول فى الولايات وتقوم الولاية باللازم من المنصرفات والاعاشة وغيرها، والآن هذه الحركة شبه مستحيلة، فالولايات للاسف وزاراتها للثقافة ضعيفة وليست لديها رؤية واضحة ولا يوجد تخصيص ميزانيات للمسرح، وبالتالي لا نسمع صوتاً للولايات مسرحياً الا فى المهرجانات وتكون فى المركز.. وهذا شغل يتبع للوزارة الاتحادية. > «الكورة» والمسرح؟
< «الكورة» رياضة شعبية جماهيرية ساهلة.. المسرح وفن لا يزدهر الا مع دولة المدينة ودولة القانون وفن معقدات وفكر ونتائجه غير مباشرة.. والمقارنة غير واردة.. ونظلم الرياضة اذا قارناها بالمسرح والعكس.. > لو قلنا شخص المسرح السوداني اليوم؟
< اقول ان هذا المسرح مسرحان.. مسرح داخل اسوار المؤسسة الرسمية للدولة.. ومسرح تنظمه الدولة وهذا بعيد عن أسئلة المسرح الحقيقية.. ولدينا حرب اهلية.. عمره المسرح هذا لم يسأل عن اشكالات الحرب الاهلية وغيرها، لا اريد الاختزال فى المباشرة لكن ما في خيال.. والمسرح الآخر يتنفس مع منظمات المجتمع المدني وقادر على أن يدير اخطر الملفات.. واعرف زملاء قدموا اكثر من «150» عرضاً فى مناطق لم تشهد مسرحاً فى حياتها وفى حدود ولاية الخرطوم.. والجزيرة ودارفور.. و.. وفى مختلف القضايا الحيوية. > ما ظهر من ابداع مسرحي كم فى المائة من الموهبة والابداع الكامن والطاقة الفعلية؟
< اتحدث عن نفسي كعينة عشوائية.. في السنة انتاج ما بين مسرحية الى اثنتين او ثلاث من الفصل الواحد اذا توفرت المادة، وطاقتي الفعلية اعمل فى السنة عرضاً جماهيرياً من فصلين، واعمل عرضين مجودين من فصل واحد، واجوب بهم العالم كله، لكن فعلياً هذا ما حاصل.. وقيس بهذا باقي الزملاء. > حالياً ماذا يشغلك؟
< تمت جدولة مسرحيتي «خرف» للكاتب عبد الله صوصل فى مهرجان قرطاج المسرحية فى الشهر الجاري من 14 ــ 27 اكتوبر.. وتم الاتصال وتوضيح الترتيبات التي عملت فى هذا الشأن لعرضها فى المهرجان، والآن نحن فى البروفات للعرض ومنذ شهرين.. واتمنى حل اشكال تمويل الرحلة بعد اعتذار مجلس الوزراء عن دفع مصاريف الرحلة، ووافق على المشاركة فى المهرجان بعد اختيار عملين من قبل لجنة من المسرح بعد النظر فى ثمانية اعمال للمشاركة.. وهناك محاولات تجري الآن من وزارة الثقافة والزملاء المسرحيين لايجاد حل للتمكن من الوصول والمشاركة فى المهرجان قبل فوات الأوان وحدوث الحرج امام المهرجان. الانتباهة