المؤتمر السوداني متاهة الوصُول دون الأصُول

أولاً أحيي التجربة الفريدة التي ساقها حزب المؤتمر السوداني في أدب التطور الحزبي بصفة خاصة والعمل العام بصفة عامة في المناظرة العلنية عن جدوى المشاركة أو المقاطعة في إنتخابات ٢٠٢٠م، وهو كما جاء إنه نقاش داخلي مستفيض تم نقله من الداخل الحزبي للخارج العام. وهنا نقطة يجب تسجيلها للحزب في إشراك الهم العام للجميع وفتح طاقة لكل مهتم من الإدلاء برأيه وتحصيل الحكمة للفائدة العامة. كما لا يفوتني أن أسجي أسمى أيات الشكر على نقل الفعالية عبر الوسائط الإلكترونية، وإشراك أكبر عدد من المهتمين من المتابعة من الداخل والخارج.
لدينا الكثير حول ما جاء في المناظرة من كثير مما تم دلقه من قِـبل المتناظرين ومجموع المتداخلين، ولكن يبقى ذلك ترف مبتذر في النقاش حين يكون في الفروع وليس الإصول، حيث علينا أولاً تحديد أصل الموضوع الذي نُقل وطُـرح من الخاص للعام، هل هو جذر المشكلة أم فرع شجرة الحل؟، وبتمحيص بسيط نجد أن الموضوع هو تحديد المشاركة أو المقاطعة لوسيلة من وسائل الديمقراطية وهي الإنتخابات المزمعة للعام ٢٠٢٠م. وبالتالي هي وسيلة ونكرر أنها وسيلة فقط بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني أي أنها ليست أداة وبالتالي ليست غاية أو منطلق. وعطفاً على ما تكرر في كثير من العلوم الإنسانية نجد ان العملية الإننخابية هي تحقيق دقيق لتكليف من ينوب عن الشعب في تصريف شؤونهم من إقرار التشريعات ومراقبة إنزالها لأرض الواقع من قبل السلطات التنفيذية المُسيرة لدولاب الدولة، وبالتالي تكون الانتخابات هي وسيلة ديمقراطية هدفها الأساسي عدالة المشاركة في الديمقراطية لكل أفراد الشعب. ولذا فإن ترقية هذه العملية من وسيلة لأداة هو تغييب للديمقراطيه ووأد لمفهوم الحرية ناهيك ان الجدل حول المشاركة أو المقاطعة الانتخابية وبهذا الزخم يرفعها لمقام الغاية فتصبح طامةٌ تزيد من غياب الوعي الجماهيري للحقوق الاساسية. ان الوعي الأساسي بالحرية هو الداعي للتنظيم سواء ان كان في شكل احزاب أو منظمات مجتمع مدني تُحقق من خلالها أهدافها التي تتحلق حول المحافظة علي كل القيم الانسانية والتي أهمها على الإطلاق الحرية. ولذا بادرنا بالقول ان الجدل المثار في المناظرة يظل ترف حديث طالما يدور في فرع وليس في أصل المشكل. ويُمثل هذا الترف هروب قد يكون منظم أو غير منظم من جوهر المعضلة الاساسية، وقفز فوق حقائق الواقع التي لا تقبل الجدل، وهذه بداهة بسيطة يمكن لأي عقل ان يستوعبها، فعندما لا تضع في السيارة وقود فإنها لن تدور تدعك ان تسير. ولذا فإن الانتخابات بدون ديمقراطية حقيقية لن تقود اَي مجتمع للنهوض من كبوته، والديمقراطية إن لم تجد الحرية الكاملة تصبح سيارة متهالكة وقابلة للصدأ مثلها ومثل العربة التي لا تجد الوقود. وبهذا نجد ان التركيز والجدل حول انتخابات ٢٠٢٠م بوعي أو بدون وعي هو خدمة مجانية لخطوط سياسية تصب في مصلحة النظام حيث تعمل على تعطيل وتغبيش الوعي بالأصول والحقوق الاساسية للشعب السوداني والتي أهمها الحرية. ان استدراك المجموعات المستنيرة والمنظمة بتلكم الحقوق يخلدها التاريخ، فالنزوغ منها يجعل الشعب تائهاً عن التطور والرقي. النظام الجاسم الْيَوْمَ على شعبنا لا يعرف الحرية ولا سمع عنها ولا عن ماهيتها أهي قيمة أم مبدأ؟ ولذا فإن مجاراته في وسائل وأدوات ( إنتخابات /ديمقراطية )يستخدمها دون وجود الغاية يجعل المجارين له ثيران في مخازن الخزف. يكسّرون كل الغايات، ويزيدون من ضنك الشعب ضنكاً آخر، قد يستوجب علاجه تكاليف باهظة في الداخل التنظيمي والخارج العام. أن مجاراة النظام واللعب معه بنفس اوراقه هو خدمة جليلة تقدم له في طبق من ذهب، وهو اعلان غير صريح بإستمراره . وهي تكلفة كبيرة يتحملها الشعب، كما ان إزاحته تكلفة آخري. ولكن تبقي ان تكلفة إزاحته اقل من تكلفة استمراره على سدة الحكم، والخيار في أيدي القوى الحية، والتي عليها ان تعي ان السودان ليس هو الخرطوم فقط حيث ان كل ما دُلق يوحي بأن المشكلة داخل الخرطوم فقط، وليست كل اصقاع السودان، فعندما يكون الحديث عن الوضع الراهن أو احد وسائل تغيير نفس الوضع وليس مُشار فيه بكثافة لكل الحروب والآلام الضاربة بالنازحين والمحاصرين في الكراكر والجبال يكون الصراع حول كرسي حكم يتطلع ان يعتليه من لا يستحقه. وهنا مربط الفرس للنظام وما يريده من تقعيد القوى الحية عن الإلمام والحديث برؤية ثاقبة عن المشكل السوداني، وهو أن هنالك قضايا أكثر عمقاً من التي ظلت المناظرة موضوعها وسُكبت فيه الكثير من الأراء وعُصرت فيها الكثير من الرؤي دون النفاذ بأي بصيرة لجوهر وعمق القضية ككل والتي هي الحرية أولاً وأخيراً. ففي ظل وجود حروب دائرة ومناطق محاصرة ومدنيون منتمون لنفس هذا الشعب يُعانون ويلات القهر والإستبداد والتشرد، يصبح الحديث عن المشاركة أو المقاطعة لإنتخابات يحددها نفس الجلاد ضرباً من العبث، وتقنيناً للظلم، وإفتراءاً على الواقع. هنالك الكثير من أشكال المقاومة التي يمكن أن تكون دافعاً مهماً لهذا الحراك أو ذاك، وهو ما يظهر أن القوى الحية تتقاعس كل يوم عنها، فمعركة المشاركة أو المقاطعة للإنتخابات لن ترقى لمستوى أي شكل من أشكال المقاومة طالما أن هذا النظام هو الحاضن لها، وبقانونه ودستوره. فلن يكون نصيب أي من القوى المشاركة في الإنتخابات أكثر من الذي قد يحصل عليه اليتيم من مأدبة اللئام. ولهذا وذاك يجب الوعي بطبيعة الوضع الذي نحن فيه، ونعي بالنظام الذي نرزح تحت نيرانه قبل ان يزيد الظلام. هذا النظام هو الذي غيب الحرية لانه لا يعرف كنهها ويفتقدها، وفاقد الشيء لا يعطيه. ولذلك فإن مشاركته في مسرحية من مسرحياته العبثية يصبح عبثاً يُخْلِف ويُعطل من تطور هذا الشعب والاشتراك في هذه المسرحية هو متاهة للوصول فقط دون إسترداد الأصول، وهو سقوط في امتحان الوعي للمجموعات المستنيرة وهو ما درج عليه النظام مع كثير من القوى السياسية. والتي ما فتئت أن تتقاصر عن دورها في كل يوم وتستجيب لمسرحيات النظام العبثية، وبهذا التجاوب تظل في دوامة الخسارة الجماهيرية في كل حين، وتبتعد فراسخ عن وجدان الشعب.

مجاهد عبدالله محمدعلي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..