الأمريكان قادمون (2)

الخرطوم: عمد البكري آبو حراز

مواصلة لما جاء في مقالي السابق- الأمريكان قادمون- أود أن أعبر عن سعادتي الغامرة بحجم التداول الذي حظي به في أوساط التواصل الاجتماعي، وعن الإشادة به من الغالبية العظمى والنقد من البعض الآخر.. لذلك أردت أن أوضح حقائق علها تسعد تلك الغالبية وترد في موضوعية على نقد الآخرين.

أولاً: أشار أحد الأصدقاء الأعزاء الى أني ذكرت أن 90% من المواطنين غير موالين للمؤتمر الوطني، وفي رأيه أن هذا الرقم غير صحيح؛ لأنه لا يستند على معلومات أو دليل يمكن أن يعتد به، لذلك وصل ذلك الصديق الى أن المقال ضعيف في هذه النقطة.. أقول له إن هذا القم لم أرصده من الخيال غير العلمي، بل كان نتاج الأرقام التالية الموثقة.. آخر تعداد سكاني سليم كان عام 2008 أوضح أن تعداد سكان السودان كان حوالي أربعين مليوناً بما في ذلك الجنوب، وبعد حذف تعداد الجنوب حوالي 9 ملايين يصبح تعداد السودان عام 2008 حوالي 31 مليوناً، وبإعمال معدل نمو سكاني 2.5% في العام (وهو رقم معترف به علمياً ويعتمده جهاز الإحصاء المركزي) ليصبح تعداد السكان اليوم- أي بعد تسع سنوات- 38 مليوناً (ثمانية وثلاثين مليوناً) أي بزيادة 22.5%.
في آخر انتخابات عام 2015م مجموع أصوات المؤتمر الوطني كان حوالي 3.8 مليون- أي ما يعادل 10%- ومن هنا أتى الرقم الذي أوردته.
ثانياً: من الاهتمام المتعاظم بهذا المقال الذي فيه كثير من التفاؤل بمستقبل طيب للسودان في الأمن والأمان والاقتصاد المعافى، تأكد لي أن الغالبية العظمى من السودانيين مهتمون ومهمومون بالسودان وسلامته، ولا يرغبون أن يروه في أي نوع من الفوضى المدمرة، كما يحدث الآن في سوريا، وليبيا، واليمن، والعراق، والصومال.
ثالثاً: ما أود أن أوضحه هنا- خاصة للذين يطالبون بالتريث في التعامل مع أمريكا وعدم الاستجابة لكل مطالبها أو بيع السودان لها رخيصاً- أقول لهم إن العملية ليست فيها بيع أو شراء، إنما تبادل مصالح مشتركة.. أمريكا والغرب يملكون المال والتكنلوجيا والخبرة، والسودان يملك الموارد الهائلة في سطح الأرض وباطنها.. إذ يملك قرابة المائتي مليون فدان صالحة للزراعة، المستصلح ومزروع اليوم 44 مليون فدان، منها 4 ملايين مروية، و40 مليون زراعة مطرية، ويملك 80% من إنتاج الصمغ العربي في العالم، و150 مليون رأس من الماشية، و100 ألف طن سنوياً من الأسماك النهرية والبحرية، وثروات في باطن الأرض من المعادن النادرة مثل الذهب، والنحاس، واليورانيوم، والتيتانيوم والكروم. إضافة الى البترول وكلها مستغلة بنسبة لا تزيد عن 25%، وأضيف قائلاً: إن أمريكا تسعى للتطبيع مع السودان خدمة لمصالح مشتركة متبادلة في الأمن الاستراتيجي والاقتصاد، وترى أن السودان أمثل الخيارات لتحقيق هذه الرغبة المشتركة، ولكن قطعاً أمريكا ليست في حاجة ماسة (Desperate need) للتطبيع مع السودان، وأن اقتصاد أمريكا لن ينهار وأمنها القومي لن يضعف بسبب عدم التطبيع مع السودان، وأمريكا تتعامل في كل تحركاتها بخطة (أ) متلازمة معها الخطة (ب) البديلة، إذ أن هناك دولاً كثيرة حول السودان يمكن أن تكون بديلاً للسودان.. أمريكا لن تتخلى عن سياساتها واستراتيجياتها في مجال أمنها القومي بأذرعه الطويلة في كل أنحاء العالم، وهذه السياسات والاستراتيجيات لا ترتبط ولا تتبدل بتعاقب الرؤساء.. فمثلاً في 12 فبراير 2003- وفي محاضرة أقامتها جامعة كولمبيا لخبراء ودارسين للأمن القومي- صرح جيمس وولسي مدير المخابرات الأمريكية الأسبق بأنهم لا يعادون الإسلام لكن يحاربون التطرف الإسلامي الذي يؤثر على أمنهم، ويضعون أيديهم مع المعتدلين من الإسلاميين، وأن في خططهم القريبة يسعون لتغيير أنظمة الحكم في مصر، والعراق، وسوريا، وليبيا، وفي العام 2006 قال إنهم سيصنعون فوضى في المنطقة تفجر الأوضاع في تلك الدول، ثم نقوم بالزحف عليهم لنصنع لهم اسلاماً معتدلاً يناسبنا.. وهذا ما حدث تماماً بعد خمس سنوات في دول الربيع العربي، الذي ترك أربع دول في فوضى حتى الآن هي اليمن، وسوريا، وليبيا، والعراق، وترك في مصر وتونس الإسلام الذي يناسب أمريكا.. (الجدير بالذكر أن جيمس وولسي عضو بارز في المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي في واشنطن) (Jewish Institute Of National security Affairs- JINSA.
لذلك المطلوب من السودان التعامل مع أمريكا والغرب على أساس واحد هو المصالح المشتركة، ويمضي في الإيفاء الكامل بمتطلبات التطبيع مع العالم خاصة أمريكا وأوروبا دون تردد أو تلكؤ، لأن أمريكا إذا نفذت لها 90% من مطالبها الـ10% المتبقية كافية لنسف أي مشروع للتطبيع.
رابعاً: أمريكا والغرب والمستثمرون يترددون كثيراً في الدخول بثقلهم الكامل في دولة شعبها مشرئب للوثوب في انتفاضة وثورة بسبب الضيق في المعيشة وحرية التعبير- ثورة أكتوبر 1964 في السودان كانت بسبب الضيق في الحريات بالرغم من الرخاء وسهولة المعيشة أيام حكم عبود (1958-1964) وثورة أبريل 1985 التي أطاحت بنظام نميري كانت بسبب الضيق الشديد في المعيشة وحجب الحريات، خاصة أيام العدالة الناجزة. وتأكيداً لذلك نلاحظ أن كل قرارات مجلس الأمن وبيانات أمريكا والترويكا والاتحاد الأوروبي، لم يخل أي منها- على كثرتها- من ذكر المطالبة بمصالحة الموطنين، وبسط الحريات، وإزالة التوترات المسلحة والمدنية، كشرط أساسي للتطبيع.
خامساً: في حالة توفر كل متطلبات التطبيع مع العالم ودخول المستثمرين والشركات الكبيرة الأمريكية والأوروبية، لن يستفيد المواطن العادي وينعم بهذا التدخل إلا في ظل حكم راشد خالٍ من الفساد والمحسوبية والمصالح الشخصية، ويوجه كل عائدات الاستثمار لصالح المواطن.
سادساً: يجب أن نتذكر أن هذه الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى لن تغفل دورها المطالَبة به في بند المسؤولية الاجتماعية (Corporate Social Responsibility) وستقوم به كاملاً في شكل خدمات اجتماعية مثل المستشفيات، والمدارس، والمياه وخلافها، وفي ذلك مكسب كبير للمواطنين إضافة الى الخبرة والتأهيل لكوادر سودانية في مجالات مهنية وإدخال معدات نادرة حديثة.
سابعاً: يجب عدم الاعتماد على الصين وروسيا في الوقوف معنا في مواجهة أمريكا، إذ أن مصالح الصين المشتركة مع أمريكا أكبر بعشرات الأضعاف من مصالحها مع السودان وروسيا في اقتصاد ضعيف، لن يقوى على مواجهة أمريكا، وخير مثال لذلك أن أخطر وأسوأ قرارين لمجلس الأمن ضد السودان تمت إجازتهما دون اعتراض من الصين أو روسيا، وهما القراران اللذان صدرا في فاصل زمني ثلاثة أيام فقط- القرار 1591 الصادر تحت الفصل السابع في 29 مارس 2005 والذي أدان السودان في تعامله في دارفور، والذي مهَّد للقرار 1593 الصادر تحت الفصل السابع في 31مارس 2005م، والذي أحال مشكلة دارفور الى المحكمة الجنائية، التي أصدرت أمراً بالقبض على الرئيس البشير.
ختاماً: ولكل ما تقدم نتمنى أن تتعامل الحكومة بجدية وصدق في خطوات التطبيع مع أمريكا وأن تجهز مفوضية عالية المستوى تحت إشراف رئاسة الجمهورية، وعضوية خبراء وعلماء مشهود لهم بالنزاهة وعفة اليد والوطنية، تسمى مفوضية تنفيذ المشروعات القومية، لضبط عملية الانفتاح الاقتصادي القادم بعد التطبيع مع أمريكا وأوروبا.

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. الشيء المعروف والمتبع عند جميع الانظمة في العالم أنها تعمل من أجل سعادة ورفاهية شعوبها إلا هذا النظام الشمولي الاسلاموي يعمل من أجل تمكين جماعته على حساب الوطن والمواطن المغلوب على أمره ولقد جلبت شعاراتهم الجوفاء الرعناء مثل امريكا دنا عذابها والموت لأمريكا ويهود يا آل سعود سوى الخراب والدمار للوطن والمواطن وتشبث النظام بالسلطة هذه المرة على حساب وحدة البلاد حيث كان انفصال الجنوب إرضاءا لأمريكا وثمنا للكرسي وبعد كل هذا التخبط والجبروت والطغيان وتعذيب العباد وتدمير البلاد هاهم يلهثون ويبذلون الغالي والنفيس من أجل إرضاء أمريكا وأيضا هذا الانبراش والانبطاح على حساب الوطن والمحافظة على نظامهم المتهالك من الانهيار الذي بات وشيكا

  2. السيد البكري أبوحراز تحية طيبة المقال ممتاز و قبل التطبيع مع أمريكا يجب ان يتم تطبيع داخلي حتى تكون العلاقات مع امريكا و أوربا و الصين ذات جدوى إقتصادية وتنعكس سريعا على حياة المواطن رخاء وأمن وإستقرار.
    أما دعوتك لتكوين مفوضية عالية المستوى فهو غير مجدي ويجب أصلاح الخدمة المدنية وأجهزة الدولة . وتنفيذ أعمال الدولة بواسطة مفوضية أو لجنة أشبه بتعيين أشخاص لدفع العربة من الخارج ، والصحيح أصلاح أنظمة الدولة وإنفاذ القوانيين وإستقلالية القضاء هي التى تحرس المال العام .

  3. صراحة المقال رصين ومقارب جدا للواقع، وللآمال الحالمة لغالبية الشعب السوداني الحر الأصيل، لن ينصلح حالنا مع اي نظام خارجي طالما هنالك ضعضعة داخلية بين مكونات الأسرة السودانية، فالفرصة سانحة أمام الجميع للعودة للمربع الأول للاتحاد من أجل المصلحة العامة، كيف يكون هذا الأمر لا أدري، ولكن دون ذلك لا يمكن أن يستفيد الجميع من الكيكة!!!!!!

  4. الشيء المعروف والمتبع عند جميع الانظمة في العالم أنها تعمل من أجل سعادة ورفاهية شعوبها إلا هذا النظام الشمولي الاسلاموي يعمل من أجل تمكين جماعته على حساب الوطن والمواطن المغلوب على أمره ولقد جلبت شعاراتهم الجوفاء الرعناء مثل امريكا دنا عذابها والموت لأمريكا ويهود يا آل سعود سوى الخراب والدمار للوطن والمواطن وتشبث النظام بالسلطة هذه المرة على حساب وحدة البلاد حيث كان انفصال الجنوب إرضاءا لأمريكا وثمنا للكرسي وبعد كل هذا التخبط والجبروت والطغيان وتعذيب العباد وتدمير البلاد هاهم يلهثون ويبذلون الغالي والنفيس من أجل إرضاء أمريكا وأيضا هذا الانبراش والانبطاح على حساب الوطن والمحافظة على نظامهم المتهالك من الانهيار الذي بات وشيكا

  5. السيد البكري أبوحراز تحية طيبة المقال ممتاز و قبل التطبيع مع أمريكا يجب ان يتم تطبيع داخلي حتى تكون العلاقات مع امريكا و أوربا و الصين ذات جدوى إقتصادية وتنعكس سريعا على حياة المواطن رخاء وأمن وإستقرار.
    أما دعوتك لتكوين مفوضية عالية المستوى فهو غير مجدي ويجب أصلاح الخدمة المدنية وأجهزة الدولة . وتنفيذ أعمال الدولة بواسطة مفوضية أو لجنة أشبه بتعيين أشخاص لدفع العربة من الخارج ، والصحيح أصلاح أنظمة الدولة وإنفاذ القوانيين وإستقلالية القضاء هي التى تحرس المال العام .

  6. صراحة المقال رصين ومقارب جدا للواقع، وللآمال الحالمة لغالبية الشعب السوداني الحر الأصيل، لن ينصلح حالنا مع اي نظام خارجي طالما هنالك ضعضعة داخلية بين مكونات الأسرة السودانية، فالفرصة سانحة أمام الجميع للعودة للمربع الأول للاتحاد من أجل المصلحة العامة، كيف يكون هذا الأمر لا أدري، ولكن دون ذلك لا يمكن أن يستفيد الجميع من الكيكة!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..