أخبار السودان

إنتخبوا إبنكم البار!

إنتخبوا إبنكم البار!

أمسك عبد الرحيم بقلم الخط الضخم وكتب على القماش: إنتخبوا إبنكم البار
قال الطاهر: بمناسبة البار هذه، وبمناسبة العاصفة التي تكاد تقتلع البيوت في الخارج أقترح أن نذهب لبار العاصفة! (كانوا يطلقون إسم بار العاصفة على بيت لشراب الخمور خارج المدينة تديره سيدة مسنة، بسبب زحام الناس خصوصا في الامسيات يبدو البيت وكأنه غارق في عاصفة مسائية) السلطة مشغولة بالعاصفة لن يداهمنا أحد هناك!
قبل ان يدخلوا الى بيت الشراب قرروا قضاء ساعة واحدة والعودة لإكمال ما بدأوه من عمل، حين مرّت الساعة الاولى، كانوا قد فرغوا للتو من شراب الكأس الاولى. قال الطاهر: لن ينهار العالم اذا قضينا ساعة اخرى، قضوا عدة ساعات ولم ينهار العالم، كانت العاصفة لا تزال تزعق في الخارج، طلبوا عشاء، على أمل أن يغادروا بيت الشراب بمجرد تناولهم للطعام.
بعد العشاء قرّر عبد الرحيم أن كأسا واحدة لن تأخذ وقتا طويلا، لم يكن في حاجة لإقناع زملائه، لكنه استمر في شرح وجهة نظره: هب أنه فاز في الانتخابات، كلما سيفعله انه سيذهب للنوم في البرلمان، ولن يستيقظ الا في الجلسات التي تناقش زيادة مخصصات النواب وحصولهم على سيارة جديدة، ومجرد أن يقترح أحدهم مناقشة آثار قرار رفع الدعم عن الدواء على الطبقات الفقيرة حتى يعود الى النوم مرة اخرى!
في الصباح حين استأنفوا الشراب، اكتشفوا أنّ العالم مستمر في صموده، وأنّ شيئا لم يتغير رغم العاصفة التي استمرت بضراوة في الخارج.
تنبأ دينق: لن تكون هناك ذرة تراب واحدة بقيت في الشوارع!
اقترحت عليهم أن نغادر بمجرد تناول طعام الافطار، كان اقتراحا جيدا لأنني لم أطلب المغادرة على الفور ولم اربطها بزمن محدد، لا يعرف أحد متى يجب أن نتناول إفطارنا.
بعد الافطار قال الطاهر: أية جنون دفع هذا المعتوه على الترشح ضد مرشّح السلطة! وما ذنبنا نحن نتحمل عبء هذه المهزلة، ليخلد هو للنوم في البرلمان كما قال عبد الرحيم!
ساعده عبد الرحيم: وحتى إن استيقظ، هل يستطيع برلمان كل نوابه جاءوا بالتزوير والرشاوي أن يغيّر شيئا! سمعت أن البرلمان السابق قام مرة واحدة باستدعاء أحد الوزراء لاستجوابه حول مسألة مستعجلة، رفض الوزير الحضور متعلّلا بأنه مشغول بحل مشاكل الوطن! بدلا من توجيه اللوم له وطلب إقالته من منصبه، أعلن رئيس البرلمان أن الوزير مشغول ويجب أن ندعو الله أن يساعده في حلّ المشاكل المستعصية التي يعمل على حلها! قوة البرلمان تكمن في معرفتهم أنهم لا يملكون أية قوة! لذلك ينشغلون طوال دورتهم بمناقشة زيادة مخصصاتهم، وإرسال رسائل التهنئة الى رئاسة الجمهورية بمناسبة حلول الأعياد الدينية، وحتى لا ينتابهم أية شعور بأنهم لا يستحقون أجورهم والزيادات المقترحة، والسيارات الجديدة، يقومون مرة واحدة في العام بمناقشة وإجازة ميزانية الدولة التي تكون قد أجيزت قبل عرضها على البرلمان!
عادوا بعد ثلاثة أيام وهم يترنحون، سقطوا جميعا أرضا واستغرقوا في النوم بين اللافتات الانتخابية التي لم تنجز بعد.
في اليوم التالي، قرّروا أنه ضاع زمن طويل ويجب البدء في الحملة الانتخابية بهمة مضاعفة.
كان الطاهر قد استيقظ للتو حين شرع البقية في إكمال الشعارات الانتخابية، أفاق من ذكرى الثلاثة أيام المنصرمة على عبارة: من أجل دولة الحرية والمؤسسات!
قال: هل يوجد لدينا نظام ديمقراطي؟
وقع السؤال مثل الصاعقة لكن أحدا لم يهتم به، أمسك عبد الرحيم بالقلم:
انتخبوا إبنكم الب.. تذكّر أن الابن نفسه لم يكن بارّا أبدا ولا حتى بوالديه، قبل أعوام، حين بلغ الخامسة عشر، استيقظ من النوم في الخامسة صباحا وأنسل بين والديه النائمين في سلام الفجر، استيقظت والدته في اللحظة الأخيرة، لتراه للمرة الأخيرة في حياتها، نادته:
الى أين تذهب يا ولدي؟ ضوء الفجر لم يشرق بعد!
قال كاذبا، سأذهب لأرى إن كانت صنارتي قد أمسكت بشيء!
كان يحب السمك، وبسبب السمك أحب نهر النيل نفسه، رغم أنه ولسنوات نظر اليه كوحش يبتلع الصغار، فالمرة الأولى في حياته التي رأى فيها شخصا ميتا، كانت حين تجمع الناس ذات يوم جوار النهر ورأى نسوة يبكين فيما إنهمك بعض الغجر في تمشيط مياه النهر قبل أن يستخرجوا جثة فتى، كان الصبي لا يزال مبتسما حين رآه، عرفه بسرعة، كان قد قدم قبل أيام من العاصمة التي يقيم فيها لقضاء العطلة مع جدته، ورغم الخوف الذي داهمه من مشهد الموت حتى أن الكوابيس ظلت طوال ليال تطارده، لكنه شعر بعد أيام بفرح خفي، فقد كان مدينا للفتى بجنيه واحد ثمن نظارة شمسية اشتراها منه.
سحبت والدته الغطاء الخفيف فوق رأسها بعد أن تبسملت وتعوذت، ولم تره (ابنها الوحيد) مرة أخرى الى الأبد!
عاد بعد أربعين عاما، بحث عنه والداه في العالم، حين سمعا إنه يعمل في مركب شحن إنجليزي، سافرا الى السويس وبقيا هناك عدة سنوات أملا في ظهوره، وحين طال الغياب، وبدأت أشباح الموت تطاردهما للعودة الى حيث يجب أن يموتا، عادا الى البيت الذي كادت ملامحه تختفي تماما بين كثبان الرمال ونبات الحلفاء، حتى أنه تعين شق الطريق الى داخل البيت باستخدام المعاول، وفي ضوضاء الحياة التي تملأ هواء موسم الدميرة ماتا من الشوق، حين جاء الجيران وجدوا جثتي الزوجين غارقة في ماء الحنين ورائحة ياسمين صباحات الفتى الغائب فيما وراء البحار.
عاد بعد أربعين عاما، وبسبب الطاعون وغزوات الجراد وعدة انقلابات عسكرية لم يتعرف عليه أحد حين دفع الباب ذات مساء وقال بنفس طريقته القديمة، حين كان يحاول جعل عودته الى البيت، حدثا عاديا ليفلت من المحاسبة بسبب غيابه طوال النهار دون أن يخطر أحدا:
لقد جئت الآن!
وجد شقيقته وأطفالها يسكنون البيت منذ أن توفي زوجها قبل أعوام واضطرت لهجر المدينة، لم يتذكره أحد في القرية، لكن الناس كانوا يصافحونه بحرارة، فقد بدت عليه آثار نعمة بائدة، ترقى لعصور ما قبل غزوات الجراد، وخوفا من أن يكون شخصا مهما أو أحد جواسيس السلطة، لكن حين بدأ يعرّف نفسه، احتفلوا به بصورة رسمية، فقد كان آخر ذكر في السلالة المجيدة التي أنقذ مؤسسها القرية قبل قرون من غزوات القبائل المغيرة، ومن وباء الطاعون، ومن غزوة الباشا محمد علي الكبير. أصبح العمدة، لكنه شعر بجلباب العمدة أقصر من عصا ترحاله، والقصص الكثيرة التي مضى ينثرها على مسامع أهل القرية المبهورين ببقائه قيد الحياة رغم الأهوال العالمية التي مضى يحكي تفاصيلها المثيرة.
ذات يوم كان يترأس اجتماع مجلس آباء المدرسة الأساسية، كان الاجتماع عاصفا دار حول كيفية الحصول على مال لدفع مرتبات المدرسين الذين توقفوا عن العمل بسبب عدم دفع الحكومة لمرتباتهم لعدة أشهر، بسبب الفقر الشديد وفشل الموسم الزراعي إقترح أحدهم إرسال وفد الى خارج الوطن بحثا عن المال من أبناء المنطقة المهاجرين، أثناء تعالي ضجيج الآباء كان هو مشغولا بقراءة صحيفة أحضرها أحد القادمين من الخرطوم، فجأة قرأ خبرا وجد فيه ضالته، أعلن على الفور:
سأترشح في انتخابات مجلس الشعب! يبدو أن الحكومة سترسل مرشحا غير معروف في هذه المنطقة.
قال له المدرس الوحيد الذي حضر الاجتماع: لكن لا توجد ديمقراطية في بلادنا!
ضحك وقال عبارة تصلح مثلا: ومن سيهتم لذلك في هذه الصحراء النائية!
ثم أوضح: السياسة مصالح، هكذا عرفنا في الغرب، هناك الحاكم الفعلي هو الشركات، التي تدفع الضرائب التي تعيش منها الدولة، يعطي الناس أصواتهم لشخص ما، يصفقون له حين يلقي خطبه الحماسية التي تنحاز للطبقات الفقيرة، للعمال، ثم تلمع عدسات المصورين لتضبطه في ابتسامته الأبدية، ثم لا يحدث شئ ذي بال، تظل الطبقات الفقيرة في فقرها، واذا حصلوا على بعض الدعم، يزيدهم فقرا لأنه يرفع فقط من سقف طموحهم واستهلاكهم! أي أنهم يعيدون باليمين ما حصلوا عليه بالشمال، ويظل الناس يلهثون ضمن حدود القانون.
التقط المدرس الخيط: على الأقل هناك قانون، ثم استدرك: لم أقصد ما قلت، قصدت أنهم لن يسمحوا لك بالفوز، هنا استبداد أصحاب المال والسلطة، هم من يقوم بتنظيم الانتخابات وحراسة الصناديق وفرز الأصوات، يكون هناك دور رمزي لوكلاء المرشح الذين يحضرون عملية الفرز، لكن الصناديق تكون استبدلت أو حشيت بأوراق مزورة قبل ذلك!
بدا الطيب الزين مستغرقا في التفكير ومحتارا قليلا، حتى أنقذه أحد الآباء: سيصعب عليهم تزوير النتيجة، معظم أهل هذه الدائرة الانتخابية يعرفون بعضهم، وستكون النتيجة معروفة سلفا، لذلك سيستحيل عليهم تزويرها!
لا بأس قال المدرس، أنتم لا تعرفونهم، إن القرود التي حاربت في جنوب الوطن معهم هي التي ستتولى إفراغ الصناديق وإعادة حشوها! وستكتشف أنك أنت نفسك تحب وطنك ودينك بما يكفي لتقوم أنت نفسك بالتصويت لصالح مرشح الحكومة، دعك من الآخرين المساكين! والموتى الذين سيحققون معجزة عودة مشروطة من الموت للتصويت لمرشح الحكومة
لزيارة صفحتي [url]https://www.facebook.com/ortoot/[/url]

أحمد الملك
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. Nice post, but if you changed your writing style in direct way toward The Muslim Brother regime will be better. Trust me they don?t understand what you say , they need to be attacked in direct way, so that they can feel the pain.

  2. Nice post, but if you changed your writing style in direct way toward The Muslim Brother regime will be better. Trust me they don?t understand what you say , they need to be attacked in direct way, so that they can feel the pain.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..