مقالات وآراء سياسية

الجانجويد كما عرفتهم عامي 2002م – 2003م (الجزء الأول)

عمر القوني

سمعت لأول مرة عن وجود حركة تمرد في دارفور أواخر عام 2002م من صديق لي كان ذا منصب عالٍ في الدولة البائدة ، وكنت أزوره في بيته في حي المطار، وكنا نتحدث عن السلام وانتهاء الحرب في الجنوب، وكنت على أملٍ أن تنتهي الحرب وينعم السودانيون بالاستقرار، ففاجأني بالقول بأن هنالك حركة تمرد جديدة في دارفور ، يقودها أحد أبناء الحركة الإسلامية اسمه خليل إبراهيم ، ولم تكن وسائل الإعلام قد تناولت هذا الخبر بعد ، فسألته عما تنوي الحكومة فعله إزاء ذلك التمرد فأجابني بأن الحكومة ستتعامل معه بالقوة كما تعاملت مع داوود يحيي بولاد من قبل فقلت له أليس الأفضل إرسال مجموعة من قيادات الحركة الإسلامية ممن يعرفهم خليل ويعرفونه للقائه وجهاً لوجه لإثنائه عن التمرد والعودة إلى حظيرة الوطن؟ فأجابني بأن هذا هو رأي عدد من القيادات العليا في الدولة ، ولكن كان لعلي عثمان محمد طه رأي مغاير تماماً، حيث رأى أن أفضل علاج لمشكلة دارفور هو تجميع عصابات النهب المسلح من القبائل العربية وتسليحهم وإطلاق يدهم ليقوموا “بتأديب الغرابة حتى لا تقوم لهم قائمة أبداً”، قال صديقي هذه الكلمات مقتبساً كلام علي عثمان حرفياً. لم تصدمني هذه الكلمات لأني أعرف علي عثمان منذ أن كان فقيراً بائساً في السبعينيات ، ولا أستبعد خروج مثل هذه الكلمات من فيه ، ثم ذكر صديقي اسم موسى هلال ، ولم أكن سمعت به من قبل ، فسألت صديقي عنه فأخبرني بأنه أحد زعماء عصابات النهب المسلح وكان قابعاً في سجن بسبب جرائمه، وذكر صديقي أن اسم موسى هلال “يثير الرعب في قلوب الفور والزغاوة” بسبب بشاعة الجرائم التي ارتكبها في حقهم ، لذلك رأى علي عثمان أن يخرجه من السجن ويغدق عليه بالمال والسلاح ليؤدب الغرابة على حسب قوله.
ثم انفض سامرنا ، ومرت شهور حتى أصبح شأن التمرد في دارفور حديث الناس والإعلام ، وكان هناك استنفار “للمجاهدين” للقتال في دارفور ثم زرت صديقي الحكومي بعد ذلك ، فسألته: إنكم كنتم تسمون قتالكم للجنوبيين جهاداً لأنهم ليسوا مسلمين ، فكيف ساغ لكم أن تسموا قتالكم لأهل دارفور جهاداً وهم مسلمون؟ فأجاب: تمت مناقشة تأصيل هذه المسألة بين كبار المسؤولين في الدولة ، فاتفقوا على أن يعرضوا الحرب في دارفور للناس على أنها جهاد لأنه قتال ضد خوارج وبغاة خرجوا على السلطان المسلم ، ومن أعجب ما ذكر لي أن أحد قادة جهاز الأمن اسمه عطا المنان التقى بمجموعة من المجاهدين الذين تم استنفارهم للقتال في دارفور فسألوه عن هذه المسألة ، فرد عليهم : دعوني من إسلام أهل دارفور ، فلو أن أنبياء تمردوا علينا لكان قتالنا لهم جهاداً!!! ومن المضحك المبكي أنه قال لي : هل تظن أن مسلماً يقول مثل هذه الكلمات؟
وعندما ودعته عند الخامسة أو السادسة مساءً لأنصرف ، أصر علي أن أذهب معه إلى إفطارٍ جماعي في بيت موظف حكومي آخر اسمه قطبي المهدي، وكان بيته على بعد أمتار من بيت صديقي في حي المطار ، ولكني تورعت أن أحضر إفطاراً جماعياً دون أن أكون قد صمت ذلك اليوم ، فقال لي : ليس كل من يحضر الإفطارات الجماعية في غير رمضان صائماً والدعوة عامة ، وأكّد لي أن هذا شيء متعارف عليه ، فذهبنا إلى بيت قطبي المهدي قبيل آذان المغرب ، فوجدنا مجموعة من الشباب يقارب عددهم الثلاثين ، وعرفت فيما بعد أنهم كانوا ينتمون إلى كتائب القوات الخاصة في الدفاع الشعبي ، وعند الآذان أكل الجميع صائمهم ومفطرهم ، ثم صلينا المغرب ، وقام شاب اسمه خالد من قرية من قرى ريف شندي ، نسيت اسمه الكامل واسم قريته ولكني لن أنساه ما عشت ، وكان يرتدي زياً عسكرياً وخاطب الجمع وتحدث عن حرب دارفور ، وذكر أنه قادم لتوه من جبهات القتال وفي أثناء حديثه التفت إلى قطبي المهدي وقال له بلا مواربة: بلغ عمر البشير أن الذي يحدث في دارفور لا يرضي الله ولا رسوله ، وأن تسليح القبائل ضد بعضها شر لا يعلم أحد منتهاه ، وقال: حتى لو أن التسليح القبلي أدى إلى النصر على التمرد في دارفور فماذا نفعل بالثأر؟ وكيف سيكون هنالك سلام بين القبائل في المستقبل وقد قتل بعضهم بعضاً على أساس قبلي؟ ثم تحدث عن جرائم لا يقبلها أي إنسان ناهيك بالمسلم ترتكبها بعض القبائل ضد الأبرياء من قبائل أخرى ، ثم التفت إلى قطبي المهدي وقال له : أنا لا أستطيع أن أذكر هذه الجرائم على الملأ لأني أستحي منها فاسمح لي أن أذكرها لك على انفراد حتى تبلغها لعمر البشير ، وقل له أن يوقف التسليح القبلي ويحصر التسليح بالجيش والدفاع الشعبي فقط.
ثم مرت الأيام ومات أبي وخرجت من السودان بلا عودة، ونسيت كثيراً عن السودان ولكني ما زلت أحمل في قلبي الاحترام الزائد لهذا الشاب الصادق الناصح ، والجدير بالذكر أنه نال احترام قطبي المهدي شخصياً ، وقد تحدث قطبي عن هذ الشاب في لقاءات صحفية بعد هذا الموقف بسنين أي بعد خروجه من الحكومة البائدة ، وذكر قطبي أنه نقل نصائح هذا الشاب إلى البشير شخصياً، ولكن البشير لم يصغ لها.
وللحديث بقية ، وفي المرة القادمة سأسرد لكم ذكرياتي عن الجانجويد في دارفور أوائل عام 2003م .

 

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. انهم الاخوان الشياطين بل هم يهود المسلمين قبحهم الله.
    خدعوا الشعب الطيب بالدين فانخدعوا لهم
    اما عرابهم الهالك الذي سنّ لهم المعاصي والموبقات فعليه لعنة الله والملائكة والنآس آجمعين
    لا بارك الله فيهم وفي كتائبهم ومليشياتهم الظاهرة والباطنة

  2. .Thank you for sharing that
    it is very to know this for many people
    .who support the army and think its better than RSF
    Both are the same
    They are simply criminals

  3. ها هي بضاعتهم درت إليهم… من كان شريكهم بالأمس … أصبح عدو اليوم … فالكل ضد الكل ..فالقوم في حيرة من امرهم بعد ان قضت الحرب علي الأخضر واليابس … ماضي اليم وحاضر مازوم…!!@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..