عمال اوروبيون عالقون في بغداد يعيشون "كالحيوانات" على تبرعات

بغداد ـ (ا ف ب) – في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، يتكدس 35 عامل بناء اوروبيا في ثلاث غرف فقط منذ عدة اشهر لم يتقاضوا خلالها اي راتب، ليعيشوا على التبرعات، "مثل الحيوانات"، كما يقول احدهم.
وهؤلاء العمال وهم 28 اوكرانيا وسبعة بلغاريين عالقين في موقع مشروع اعماري على بعد امتار من مبنى البرلمان ومكتب رئيس الوزراء وفي محيط السفارات والمنظمات الدولية، ويحصلون على ما يسد رمقهم من الغذاء والمياه من عمال ومقاولين آخرين.

وتختصر قصة هؤلاء سجل العراق السيء في ما يتعلق بالعمالة الاجنبية، في وقت تجتذب اعمال الاعمار منذ سقوط النظام السابق قبل ثمانية اعوام الاف العمال الاجانب الذين يتطلعون للحصول على عقود عمل قصيرة الاجل.

وهناك امراة واحدة بين هؤلاء العمال العالقين الذي تتراوح اعمارهم بين 21 و56 سنة، اتت الى بغداد سعيا وراء راتب جيد في مقابل المساهمة في بناء منشآت خاصة بالقمة العربية التي كان من المفترض ان تنعقد في العاصمة العراقية في ايار/مايو.

ومع تاجيل القمة الى العام المقبل، بدا كابوس هؤلاء العمال الذين تعرضوا للاهمال بعدما توقف العمل في المشروع، فيما توارى الوسطاء الذين تعاقدوا معهم عن الانظار.

ويقول احد العمال لوكالة فرانس برس رافضا الكشف عن اسمه خشية تعرضه لعقوبة ما "كل ما نريده هو الحصول على نقودنا والعودة الى ديارنا. لا اريد البقاء هنا، حيث لا نفعل شيئا سوى الانتظار والتفكير".

وكان هؤلاء دفعوا مبالغ تتراوح بين 300 و500 دولار للعمل في العراق، وحضروا الى بغداد بين شهري كانون الاول/ديسمبر وشباط/فبراير متوقعين الحصول على رواتب شهرية تتراوح بين الفين و2500 دولار.

وبعد وصولهم، قيل لهم ان راتبهم الشهري لن يتجاوز ال1800 دولار، وان خيارهم الوحيد هو التوقيع على عقود العمل مع شركة "نوبلهاوس"، وهي شركة يملكها بلغاري وسويدي من اصل عراقي.

وكانت "نوبلهاوس" وقعت العقود بالنيابة عن شركة "سالار غروب" التركية التي حازت على عقد بقيمة 38,5 مليون دولار من قبل وزارة الخارجية العراقية لبناء 22 فيلا.

الا ان لا احد من هؤلاء العمال ال35 تقاضى راتبا منذ كانون الثاني/يناير. وفي نيسان/ابريل، توقف هؤلاء عن العمل، وهم يطالبون اليوم بمبالغ يصل مجموعها الى حوالى 286 الف دولار.

ويقول واحد منهم مشيرا الى المكان الذي يقيمون فيه والمكون من ثلاث غرف تحتوي على اسرة من طابقين "نمضي ايامنا هنا مثل الحيوانات، فالمكان مروع" حيث تملأ الاجواء رائحة الحمامات والمغاسل التي لا تعمل الا لثلاث ساعات في اليوم، عندما تتوفر الكهرباء.

ويخشى هؤلاء مغادرة المنطقة الخضراء باعتبار انهم لا يحملون تاشيرات، رغم ان المتعاقدين معهم سبق وان وعدوهم بان يرتبوا هذا الامر.

وقد علق بعضهم لافتة على السياج المحيط بالمكان كتب عليها "عمال اوكرانيون في مازق: الشركة لم تدفع لنا منذ ثمانية اشهر وتريد ترحيلنا من دون دفع مستحقاتنا. الرجاء مساعدتنا على تحقيق العدالة".

وتقدم منظمة الهجرة الدولية، الى جانب جمعيات اخرى، المواد الاساسية مثل الغذاء لهؤلاء العمال الذين يعيشون فقط على التبرعات، التي طالت حتى الكرة التي يلهون بها.

واصيب ستة على الاقل منهم بامراض جراء الظروف غير الصحية التي يعيشون فيها، بحسب ما يؤكد لفرانس برس مقاول امني يقدم لهم المساعدة.

ويعمل في العراق منذ العام 2003 عشرات الآلاف من الاجانب من جميع انحاء العالم في اطار قانون للعمل والهجرة. الا ان غياب الرقابة الفعلية بسبب المشاكل المتعددة التي يواجهها العراق، غالبا ما يعرض هؤلاء الى خطر الاستغلال.

وتقول المسؤولة في منظمة الهجرة الدولية ليفيا ستيب ريكووسكا (32 عاما) ان "ما يحدث هنا يحدث ايضا في اماكن اخرى من العراق، لكننا لا نملك القدرة على الوصول الى تلك الاماكن او الاطلاع على كل الحالات المماثلة".

وتضيف "اذا كانت هذه الامور تحدث في المنطقة الخضراء، فيمكن تخيل كيف سيكون الوضع خارجها".

ولا تملك منظمة الهجرة الدولية التي دعت بغداد مرارا الى العمل على ايجاد حل لمشكلة العمال العالقين في المنطقة الخضراء، ارقاما محددة عن العمال الذين جرى التخلي عنهم في العراق، رغم ان المتحدث الرسمي بيرترام تشامبرز يشير الى ان المنظمة قدمت منذ 2003 المساعدة الى حوالى 7587 اجنبيا للعودة الى اوطانهم.

ويرفض بعض هؤلاء العمال الاجانب الضغوط التي تمارس عليهم.

ففي حزيران/يونيو، نظم عمال بناء سريلانكيون في محافظة ميسان (جنوب) اضرابا عن الطعام استمر اسبوعا، الى ان قررت السلطات رفع دعوى ضد مشغليهم سعيا وراء استعادة حقوقهم.

وقال هؤلاء العمال حينها انهم تلقوا وعودا بالحصول على رواتب شهرية تبلغ حوالى الفي دولار، الا انهم لم يستلموا اي اموال منذ وصولهم الى البلاد عام 2009.

ويتهم العمال الاوروبيون العالقون في المنطقة الخضراء ممثل "سالار غروب" في العراق جوتيار سينجاري (25 عاما) بالتراجع عن وعده لهم في تموز/يوليو بدفع قسط كبير من مستحقاتهم، قبل ان يعود ويعرض على على كل واحد منهم مبلغ الف دولار للعودة الى الوطن.

وعلى هؤلاء العمال ان يسددوا من هذا المبلغ 200 دولار ثمن تاشيرة الخروج، فيما يدفع كل الباقي تقريبا ثمنا لتذكرة العودة.

واكد سينجار العرض، الا انه رفض الخوض في تفاصيل اضافية، قائلا لفرانس برس ان "شركة +نوبلهاوس+ هربت، ولم تقم بدفع الرواتب، في حين اننا فعلنا كل ما نستطيع القيام به".

وتابع "هذه ليست غلطتنا. لماذا لم تتحرك سفاراتهم؟ والحكومة العراقية؟ كلهم مسؤولون عن هذا الوضع"، مؤكدا ان شركته، التي تقول منظمة الهجرة انها مسؤولة عن دفع الرواتب، ستقوم بمقاضاة "نوبلهاوس".

ولم ترد السفارة الاوكرانية على اسئلة حول هذه المسالة، فيما اكدت متحدثة باسم وزارة خارجية بلغاريا التي لا تملك سفارة في العراق، ان سلطات بلادها ناقشت هذا الوضع مع كل من العراق وتركيا.

ويقول احد العمال العالقين ان بعضهم باتوا يعانون من الاكتئاب.

ويوضح "لست غاضبا، لكنني متعب ذهنيا"، مشيرا الى ان المصرف في بلده استولى على سيارته بعدما فشل في تسديد الاقساط اللازمة.

ويوفر لهم المقاول الامني، الذي يقدم المساعدة، هاتفا يتصلون منه بعائلاتهم مرة كل اسبوع.

ويقول العامل "اقول لعائلاتي انني انتظر الحصول على مستحقاتي، الا انني لا اخبرهم ابدا عن الوضع الذين نعيش فيه. ليس من الضروري ان يعرفوا".

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..