سد النهضة وأهل الكوفة (1-2)

على عسكوري

ورد فى الاثر أن رجلاً من أهل العراق ? وفى رواية من أهل الكوفة ? جاء إلى إبن عمر يساله عن بعوضة قتلها، فهل عليه دم؟ فقال إبن عمر رضى الله عنه: “سبحان الله يا أهل العراق تقتلون إبن بنت رسول الله (ص) ـ أى الحسين بن على رضى الله عنهما ـ وتسألون عن دم بعوضة!
يبدوا أن أهل الكوفة أؤلئك لم ينتهوا فى تلك العصور البعيدة كما كنا نعتقد، بل مازالوا بيننا يفعلون نفس الامر. نهدف من هذا المقال كشف أهل الكوفة الجدد.

سد النهضة الإثيوبى مشروع خزان ضخم تقوم بتشييده الحكومة الإثيوبية على مجرى النيل الازرق على بعد أربعين كيلومتر من الحدود السودانية فى أقصى الجنوب الشرقى للبلاد. للمشروع تاثيرات سالبة خطيرة وبعيدة المدى كتبنا عنها من قبل (راجع المقالات بعنوان: سد النهضة ومحن وزراء الإنقاذ، على موقع المناصير دوت اورج). لكن الأهم من كل تلك التاثيرات السلبية فاللمشروع ميزة اخرى لم ينتبه لها الكثيرون ترتبط بفكرة الدولة الدينية نفسها. فالمشروع يعيد مرة أخرى الى السطح طرح السؤال الجوهرى الذى ظل الأخوان المسلمون الحاكمون يتهربون منه لأنه يضرب بقوة فى جوهر وطبيعة فكرتهم. ذلك السؤال الجوهرى هو: ما هى طبيعة الدولة التى يود الأخوان المسلمون وحزبهم المؤتمر الوطنى إقامتها فى السودان؟ فواقع الحال يقول أنهم يجمعون بين الشئ ونقيضه فى ممارستهم. يتحدثون عن دولة دينية ويقومون بما يتناقض مع ذلك. لكل ذلك فبعد ربع قرن من الزمان لم تتضح بعد طبيعة تلك الدولة التى يدعون لها ويزعمون أنها تقوم على ما يسمونه بالشريعة الإسلامية حسب فهمهم المتعسف للإسلام ولشريعته. لأن مجرد تطبيق الحدود ليس كافياً لإقامة دولة إسلامية كما أثبتت تجربتهم. ولأن وظيفة الدولة من ناحية شرعية او وضعية أكبر بكثير من تطبيق الحدود.

ترتبط الإجابة على السؤال أعلاه بصورة مباشرة بالموقف من مشروع سد النهضة لأنه من المستحيل أن تحدد دولة الأخوان المسلمين موقفها من المشروع قبل ان يحددوا بوضوح وجلاء لا لبس فيه ماهية طبيعة الدولة التى يودون إقامتها. هل هى دولة دينية أم دولة قومية؟ هنالك عدة فوارق جوهرية بين الاثنيين (القومية والدينية) تنعكس هذه الفوارق بصورة مباشرة على الموقف من مشروع سد النهضة.

دفعنى لكتابة هذا المقال ورقة قدمها المهندس كمال على محمد (وزير الرى الاسبق) فى ندوة أقامها إتحاد المهندسين بدار المهندس حول مخاطر سد النهضة ونشرت بصحيفة سودانايل بتاريخ 7 سبتمبر 2015.

فى ورقته، تحدث الوزير من منطلق قومى واضح عن “مصالح السودان او مصالح الشعب السودانى ومستقبله” وتفيض الورقة بشعورٍ قومى طاغٍ. إستطاع الوزير الإسلامى بـ (عبقرية فذّة) تثير الإعجاب أن يرى أن سد النهضة يمثل خطراً داهماً على مصالح السودان…. هكذا ! إلا أن نفس هذا الوزير الذى يحدثنا عن “مصالح السودان ومصالح الشعب السودانى ومستقبل أجياله” لم يكتب سطراً واحداً عن خطر إنفصال ثلث البلاد على “مصالح الشعب السودانى ومستقبله” وقد كان وزيراً وقتها. إنفصال وذهاب ثلث سكان البلاد بكل ما لديهم من مواهب ومقدرات كان يمكن توفير الفرص لها للتعليم والتدريب لتساهم فى بناء البلاد وتطويرها بجانب الثروات الطبيعية من مياه وثروة حيوانية وزراعية وغابية ومعدنية الخ… كل ذلك لم يحرك فى الوزير أى شعور قومى لينصح حكومته ويشرح لها خطورة الأمر. بل صمت غير آسف على ما قامت به دولته الإسلامية من عار سيلاحقها مدى التاريخ. خلافاً لذلك إستطاع الوزير بعبقريته الفذة أن يرى ويعدد ويحسب المخاطر الجمة التى سيتسبب فيها سد النهضة على بلاد مزقها تتر القرن الواحد وعشرين إرباً، حتى أصبح كامل مستقبل أجيالها يعتمد (حسب رأيه) على قطرات من الماء ترشحها توربينات خزان تبنيه دولة مجاورة! أليس هذا هو حال أهل الكوفة! يفصلون ثلث البلاد بكامله ويأتوا ليتباكوا على كيفية تصريف مياه خزان!

التباكى والتناقض الذى بدأ فى حديث الوزير ليس أمر يخصه أو ينفرد به وحده، بل هو أمر يواجه جميع قيادات الأخوان المسلمين ومفكريهم إن كان لهم مفكرين. فشل الأخوان المسلمين خاصة فى السودان فى تحديد طبيعة الدولة التى يدعون لها أمر لا يحتاج الى دليل. فتارةً يرفعون المصاحف تعبيراً عن دولتهم الإسلامية، وتارة يلهثون وراء إسرائيل وأمريكا (يا ماما أمريكا ارفعى عنا العقوبات هدت حيلنا). ذلك التهافت يمنةً ويسرى ومن موقف ونقيضه هو ما يقودهم الى هذه التناقضات الشائكة ويفضحها.
إن أزمة الأخوان المسلمين خاصة فى السودان فى جوهرها هى قضية قصور فكرى، وضمور معرفى وتصحر كامل فى الخيال الانسانى وعجز بائنٌ عن إدراك حقائق العالم البديهية.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اقتباس:-
    ((إن أزمة الأخوان المسلمين خاصة فى السودان فى جوهرها هى قضية قصور فكرى، وضمور معرفى وتصحر كامل فى الخيال الانسانى وعجز بائنٌ عن إدراك حقائق العالم البديهية.))
    ///
    بالظبط كدا , الاخوان في السودان اصلا ماعادو مهتمين بمسألة الدولة وطبيعتها, هم مهتمين بالسلطة فقط بدون اى رغبة في إثارة اشكالات فلسفية حول طبيعتها,
    الاسلام دين , ليس دولة , وليس نظرية للحكم والادارة ولا طريق للتطور الاقتصادي, هو دين , يعني علاقة بين الانسان الفرد وربو
    يخوض تيار الاسلام السياسي عموما صراع سياسي غير نزيه باستغلال الدين في السياسة , يتم ابتزاز مشاعر الناس, وارهابهم معنويا وحتى فعليا احيانا , اضافة الي رشوة الفقراء بالمساعدات مع التهديد بالحرمان منها في حالة كذا وكذا
    يصل هذا التيار الي الحكم فيفاجأ عادة بان الامر ليس لعبة , يبدأون بالتجريب ,يتخبطون بين المناهج والنظريات, ولكن ضيق افقهم وجهلهم لا يهديهم الا لمعانقة الرأسمالية المتوحشة ومشروعات الليبرالية الجديدة, تغرق البلد بالفقر , والديون التي يجبونها كثيرا,ويتشرد اهلها في المنافي القصية , يتحول الاسلام الي سبوبة ويصبح مشايخة الامس لصوص اليوم بفضل التمكين
    اذا ذكر الاخوان او تيار الاسلام السياسي علينا ان نتذكر انه مشروع دائم لاستغلال الدين لتحقيق مصالج شخصية للمنتمين لهذا التيار
    شكرا للكاتب المحترم

  2. “إن أزمة الأخوان المسلمين خاصة فى السودان فى جوهرها هى قضية قصور فكرى، وضمور معرفى وتصحر كامل فى الخيال الانسانى وعجز بائنٌ عن إدراك حقائق العالم البديهية”.

    شكرا الاستاذ على عسكوري إن ما اقتبسته من مقالك أعلاه هو أفضل وصف يمكن يطلق على هذه الجماعة الآثمة …

  3. تحية لك سيدي كاتب المقال ،، ولكن : أما كان بامكانك أن تستفسر (جوجل) عن قصة قتل البعوضة هذي قبل ايرادها بهذه الصورة المزدوجة الأخطاء ؟؟؟ أما موضوع السد فأعتقد أن اثيوبيا من حقها أن تفعل على ارضها ما تشاء لتخدم مصالحها وتحقق رفاه شعبها ، وهكذا يكون القادة الحقيقيون

  4. مع الاسف يا أستاذ جذبني عنوان مقالك الذي يشير الى سد النهضة و لم اجد في متنه ما يفيد القاريء الا هجوم على كمال علي و حكومة الكيزان و هذا كلام معاد و معروف لكل ذي نصف عقل.
    اسلوب العناوين الخادعة اسلوب كتاب الاثارة مثل كتاب جريدة الدار و ما شابهها.
    رجاءا احترموا القراء.

  5. تحياتي لك يأخ علي
    الموضوع في مجمله صحيح ولكن لا يوجد ربط سلس بين موضوعي السد والانفصال.. لو كتبت مقالين منفصلين بتركيز أكبر حول هذين الموضوعين الهامين سيكونا مفيدين للقارئ.. أما السعي لربط شقي هذين الموضوعين الكبيرين جدا بحبل منسوج من دم الباعوضة فهذا ينعش في ذاكرتي موضوع الترابط الديناميكي بين القرادة والجمل والعيش، حين قالت القرادة لرفيقاتها بافتخار: أنا وأخوي الجمل حبنا العبش من القضارف!!!فلو تحدثت القرادة عن رحلة العيش على ظهر الجمل في قصة.. ثم قصة أخرى عن مجيئها هي على ظهر الجمل ومشاهداتها في الطريق لكان أفضل؟!

  6. ذكرتني بكتابات احد كتاب هذا الموقع وهو اسمه علي ما اذكر د.فيصل يعنون مقاله عن سد النهضة واضراره علي السودان ثم لا تجد في في المقال الا كلمة المتأسلميين يعني اذا كان عدد كلمات مقاله الف كلمة سوف تجد كلمة المتأسلميين تتكرر 950 مرة.وانت الان يا استاذ عسكوري لا حدثتنا عن سد النهضة ولا حتي عن اهل الكوفة. ارحمونا يااخي والله رفعتوا لينا الضغط. دونكم صحيفة الدار.يا بت الحقيني بالحبوب علي قول جبرة.

  7. الاخ كاتب المقال

    اتفق معك ان الاخوان المسلمين ما عندهم رؤية واضحه، على كل فى الجزء الاول من مقالك ما عالجت النقطة دى كويس لذلك حا ننتظر الجزء الثانى من الموضوع الذى اعتقد أنه فى غاية الاهميه
    افتكر انك برضه اديت الكيزان اكبر من حجمهم، ديل ناس ساكت يااخى ما فاهمين طظ من سبحان الله او زى ما يقولوا اهلنا شادنها عرىّ ودولتهم دى جبانة وهايصه

    عندى رغبة حقيقية اعرف ربطك لمشروع النهضة بفكرة الكيزان او الدولة الدينية

    أنا مستعجل للحكاية دى وما اظن اقدر انتظر ناس الراكوبة برسل ليك ايميل عشان ترسل لى المقال كامل

    وعلى كل موضوعك فى مجمله مهم لانه اثار نقطة عن الكيزان ناس المعارضة نسوها رغم اهميتها القصوى وهى موقف الكيزان من القومية السودانية
    سلام

  8. رد على الروائي
    الظاهر لم تفهم المقال جيدا ولو ركزت جيدا لعرفت ان الكاتب رمى باللوم على كمال على محمد الذي يتباكى الان على سد النهضة ولم يقل كلمة واحدة عن مخاطر انفصال الجنوب بكل ثرواته ومياهه
    فاذن هناك ربط كبير بين انفصال الجنوب الذي لم يضربله الانقاذيين حسابا وبين تباكي الوزير الانقاذي على سد النهضة
    كم كانت الانقاذ كاهل الكوفة الذين يستفتون في دم الحشرة ويقتلون الحسين بن على

  9. كاتب المقال خلط الحابل بالنابل وافرغ المقال من الاهداف وهنا يمكن ان نسميه مزور ومهرج ويكتب من اجل الكتابة وليس الافادة اتقى الله .

  10. حسب فهمي فالمقال واضح وحتى من العنوان فقط…حيث من الممكن استنتاج الكثير من المواقف المشابهة فمثلا:
    الكيزان وحسب مفهومهم عن الانسانية يتباكون صباح مساء لمساعدة الاجئين الفلسطينيين والسوريين متناسين ملا يين الاجئين من بني جلدتهم وينتقدون قصف الاسد لاخوانهم بالبراميل الحارقة والكيماويات بينما يقومون بفعل ذلك مع بني جلدتهم وان امريكا فعلت كذا في الدولة كذا ………………………الخ والامثلة لا تنتهي ومن ضمنها الكلام عن سد النهضة وهو امر يخص دولة اخرى وكان من الاجدى التحدث عن الكوارث التي تسببو فيها في هذا البلد
    وفي اعتقادي هو بالضبط يماثل اهدار دم الانسان عمدا والسؤال عن حرمة دم البعوض..؟؟…او الصراخ والعويل عند الاساءة لخادمة في السعودية بينما الوصع داخل السودان اسوأ من ما لقيته تلك الخادمة…..؟؟!!

  11. اشكالية الاخوان المسلمين انهم يقولون عكس ما يفعلون ،، ويريدون تطبيق فكرة لايمكن تطبيقها اذ انها شرعة اخلاقية بحتة ،،، ثم ان النبي العظيم قال انو شيطانه اسلم فهل في قيادات الاخوان المسلمين واحد شيطانو اسلم عشان يجي يطبق فينا الدين ويأخذ من أموالنا صدقة (زكاة) يطهرنا بها ويصلي علينا فان صلاته سكن لنا،، ابدا لا مافي كلام زي دة ،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..