أكتوبر الأخضر.. ويبقى النشيد

الخرطوم – الزين عثمان
في مثل هذا اليوم وقبل اثنين وخمسين عاماً، كان السودان يتنسم ربيعه الأول، كان أكتوبر ينتصر لشعبه والشعب ينتصر لثورته، لم يكن ساعتها أمام الجنرال إبراهيم عبود سوى الانصياع لرغبة شعب يرفض استمرار جلوسه على كرسي الحكم، فغادر القصر عائداً بجيشه إلى الثكنات.
منذ ذلك الوقت صار أكتوبر أيقونة السودانيين ينادون عليه كلما أرقهم الألم وينشدونه: “كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل”.
1
انتصر السودانيون لرغبتهم في الانعتاق والعيش بحرية، إنهم أول من أسقط حكومة عسكرية بحراك مدني، كانوا ساعتها يصرخون (الشعب أقوى والردة مستحيلة)، وأهداف الثورة يمكن تحصيلها سريعاً في تحول ديمقراطي وتنمية مستدامة وإلغاء مظاهر التفرقة بين مكونات الأمة الواحدة.
وإن كان ثمة من سؤال: هل تحقق ما يريده الشعب من انتفاضته تلك؟ يجيبك عن المشهد الجنرال نفسه وهو في أحد الأسواق الشعبية يحمله من خرجوا ضده على أعناقهم وهم يهتفون: “يا عبود ضيعناك وضعنا وراك”!
2
قبل شهور قلائل كان أهل السودان يوسدون الشيخ الترابي الثرى في مقابر بري، ومعلوم أن حسن عبد الله كان أحد الذين برزوا في أكتوبر من خلال حراكه، وهي الثورة التي يختلف الجميع حول صاحبها، فاليسار يقول إنها حمراء تسر الناظرين، وأهل اليمين يكسونها باللون الأخضر، وحده الإمام الصادق المهدي يقطف ثمارها ويذهب عبرها إلى القصر رئيساً للوزراء قبل أن ينقض عليه نميري محولاً أكتوبر إلى (مايو).
3
بعد ما يزيد عن الخمسين عاماً يتوقف السودانيون ليسألوا عما تبقى من (أكتوبرهم)، تجيبهم راية أخرى ترفرف فوق سارية القصر في جوبا بعد أن أصبح السودان سودانين، يلاحقون المواصلات في شارع (واحد وعشرين أكتوبر) في انتظار الوصول إلى محطتهم الأخيرة من دون أن يجرؤ أحدهم على تذكر تفاصيل ما حدث في الماضي.. كل ما يطلبونه الآن (باكر بلا أحزان).
4
“باسمك الشعب انتصر/ حائط السجن انكسر/ باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني/ الحقول اشتعلت وعداً وقمحاً وتمني” لا يكتمل النشيد عند وردي من دون أن يستدعي رفيقه، “كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل” ينادي على القرشي وعلي عبد اللطيف وعلى الماظ البطل.. وصوت وردي لا يكتمل دون أن يحضر (ود اللمين) حاملاً معه ملحمته التي صاغها اليافع في ذلك الزمان هاشم صديق وهو يعيد رسم صورة الحشود التي “تصارع عهد الظلم الشبّ حواجز شبّ موانع” ليأتيهم الهتاف “من عند الشارع”.. لكن لا يستطيع أن يقول شيئاً في ذاكرة أكتوبر بعد ما يزيد عن نصف القرن.. ويكتفي بالقول: أكتوبر الثورة ويبقى النشيد

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. نحن في السودان لم نقبل بالحكم العسكري رغم أن نظام عبود رفع رؤوسنا وشرفنا بين العالمين وفي الداخل لاينكر ما قام به من واجبات الدولة في التنمية والاعمار إلا مكابر ولا يشك في وطنيتهم عاقل فقد كانوا حقا من أبناء الشعب الأبي حملوا كل صفاته وقيمه ولو لا كبت الحريات وقلة طول بال إخوتنا الجنوبيين لبلغت بنا تلك شأوا أرفع في التنمية الداخلية والعلاقات الخارجية ولما فقدنا شيرا من أراضينا، فقد كانوا جادين في وضع أسس التنمية المستقبلية للسودان بناء على رؤيتهم وحدهم كسودانيين (وبس) أقحاح غير مؤدلجين وحق لهم أن ينفردوا بالحكم لأن الديمقراطية منذ قبل الاستقلال أضاعت أربع سنوات في الفاضي و بوأد هذه الديمقراطية العاجزة لم يكن من المنطقي السماح بحرية التحزب والعمل السياسي لأن الغاية من الحرية هو التنمية ولم تتحقق في الديمقراطية الطائفية ديمقراطية الاشارة والذين كان يرونه في استمرار حالة الجهل والأمية لسواد الشعب لتسهيل حكم الاشارة ولو لم يأت نظام عبود لما سمعتم بالتلفزيون ولما استمتعتم بفضائياتكم العامة والخاصة اليوم ولما سمعتم بمصانع السكر والفاكهة والنسيج وثوفير المياه والصحة والتعليم المجانيين ولما وصلت السكة حديد لنيالا و واو!
    ولكن يا حسرة فقد اندلعت ثورة أكتوبر بسبب تصعيد تمرد الجنوبيين للحرب مع النظام العسكري الذي لم يروا فيه غير طغمة عسكرية شمالية لاخضاع الجنوبيين وما دروا أن هذه طبيعة النظم العسكرية لا تميز بين أجزاء الوطن ولا قبائله ومنطقها هو أنها لا يمكنها تنفيذ أهدافها التنموية إلا بإخضاع الجميع ومنعهم من عرقلة مشاريعها وهذا شيء طبيعي ولو كان عبود أكثر حصافة لضم في مجلسه العسكري بعض الجنوبيين وهو أمر فطن إليه الانقلابيون من بعد عبود مستفيدين من هذا الخطأ..
    وللأسف وبعد أربع سنوات من أكتوبر 1964 عادت الطائفية لقديمها وانشغالها بالمماحكات والمكائد التنافسية فيما بينها وانشغلت بذاتها أكثر من مطالب شعب الاشارة ولم تنجز شي رغم الفوز الكبير في الانتخابات بل لم تكن للحزبين الحاكمين أصلاً برامج مسبقة في الانتخابات لأن الانتماء الحزبي كان يكفي وحده للفوز بالانتخابات أو أن طموح الناخبين كان قانعاً فقط بجو الحرية المتوفر في الديمقراطية، ولكن بلغ بهذه الطائفية من السفه السياسي قمته في أواخر 1968 حينما خدعهم الاخوان المسلمون في جبهة الميثاق الاسلامي وزينوا لهم مؤامرة الاقدام على طرد حزب سياسي مثلهم رغم اختيار الشعب لعدد من أعضائه بالبرلمان مما جعل الحزب الطريد من الديمقراطية يدبر انقلاباً عليها في مايو 1969 يقيادة النميري وقد قدم النميري بعض الخدمات للبلد من خلال التخلص من اليسار حيناً والتحالف مع اليمين حيناً آخر والعكس مع محاربة الطائفيين الذين لم يتركوه في حاله حتى قامت انتفاضة ابريل 1985 وعادت الطائفية كما كانت ولم تتعلم من دروس الماضي ولم تنجز شيئاً كالعادة، غير أن دهاء وخبث الاخوان المسلمين الذين سبق أن زينوا للطائفية حل حزب سياسي ممثل في البرلمان وطرده منه، مستغلين بذلك توافق الحزبين الطائفيين معهما في النزعة الدينية، قد استثمروا هذه المرة تناقضات حزبي الطائفية وتنافسهما السياسي ونفذوا انقلابهم المشئوم وظلوا يحكمونكم إلى اليوم بسبب غباء الطائفية التي ما زالت بين ظهرانيكم، فما لم تتعلموا أيها الشعب السوداني الفضل وتبلغوا الرشد السياسي الذي بلغته الشعوب المستنيرة في العالم الغربي الذي يمارس الديمقراطية على أساس البرامج التنافسية في خدمة البلاد والعباد وليس الأشخاص والزعامات فلا فائدة مرجوة أبداً من أي ديمقراطية مستقبلاً حيث تتكرر دورات الطائفية والانقلابات العسكرية بلا نهاية؛ فهلا سألنا أنفسنا عن تلك الديمقراطيات الغربية وخلوها من الانقلابات العسكرية رغم أنها تملك أقوى الجيوش في العالم؟! والاجابة في بساطتها هي أن الشعب هناك مستنير ويعرف حقوقه الفردية والقومية تماماً وأهمها من بعد ذلك الحرية في ممارستها من أجل الرقي والتنمية ولا يمكن لعاقل هناك أن يسمح لأي مجموعة أو فرد أو جهة فرض شيء عليهم بالقوة والقهر، بل ولا يجرؤ أي مقامر على القيام بفرض أي سيطرة عليه؛ وبهذا يقاس رقي الأمم والشعوب حيث لا تعرف الانقلابات العسكرية إلا لدى الشعوب المتخلفة وكل بلد تشهد هذه الانقلابات ولو مجرد محاولات مثلما حدث في تركيا مؤخراً فهي بلا شك بلد متخلف بكل معنى الكلمة بمعنى الفقر والمرض والظلم وانتهاك حقوق الانسان وهلم جرا وتبعاً لذلك تكثر فيها الانتفاضات والثورات بلا طائل وتظل تدور في حلقة مفرغة إلى الأبد بينما تنعم الشعوب المستنيرة بخيرات بلادها وبلدان هذه الشعوب المتخلفة المغلوبة على أمرها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..