من أجل الإنسان

عادة ما التقي الإخوة في التخصصات الهندسية وعادة ما يكون الحديث عن حالة المؤسسات الهندسية وما وصلت إليه من تردٍ وأثر ذلك في أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأخلاقية.. وكل ما يدور من حوار عن كيف يمكن أن تقف هذه المؤسسات على رجليها مرة أخرى وتقدم ما ينفع البلاد والعباد. والحوار الذي يدور بين الخبراء في شتى المجالات الهندسية حوار بناء، وقد فرحت كثيراً لحديث أحد الخبراء الذين عملوا في البنك الدولي ووصلوا أعلى الدرجات فيه قوله يجب أن نضع بين أيدي الناس خبرتنا ليواصلوا المسيرة ولا أريد لخبرتي أن تدفن معي ولا يستفيد منها أحد من بعدي..
أعتقد أن هذا تفكير رسالي فالمرء يسأل عن ماله فيما أنفق وعن علمه فيما أفاد..
هكذا الحال عند أولى الخبرة والعلم فهم ليسوا بالسياسيين ولا بالمؤيدين لأفكار سياسية بعينها إنما خدام علم يريدون تطبيقه واقعاً معاشاً تستفيد منه البلاد والعباد..
على العلم قامت الحضارات وكان الدين من أعطى هذه الحضارات الدوافع للبقاء فالحضارات التي قامت على غير دين كان مصيرها الفناء، ولعل الكثيرون يدركون أن حضارة عاد وثمود وفرعون كانت حضارات قوية حتى وصفها المولى عز وجل «بالتي لم يخلق مثلها في البلاد» وفعل المضارع يخلق يعني أن هذه الحضارات حتى اليوم لم يأتِ مثلها.
وافتقارها إلى الدين جعلتها تطغي وتفسد حتى حل عليها صوت العذاب فما عادت في الوجود..
ونحن اليوم بلا حضارة ولا دين وتقمصتنا روح الطغيان الذي يلد أول وآخر ما يلد الفساد، والفساد نتائجه مشهورة وملموسة في تردي الحالة المعيشية وزوال روح الانتماء لدى المواطن الذي ما عاد يأمل في علاج أو عمل أو مسكن..
واذا كان الفساد المالي صعب الاثبات، فإن هناك فساداً لا يحتاج لوثائق والشواهد عليه تكفي تردي التعليم والخدمات الصحية والنقل وارتفاع قيمتها هو فساد بين، وتوظيف فاقدي القدرات في المؤسسات الهندسية والطبية والتعليمية وغيرها فساد لا يحتاج لوثائق..
انهيار المشاريع والمصانع بعد تأسيسها الذي كلف الكثير هو فساد لا يحتاج لاثبات ولا أحد تعرض لمسؤولية الفشل والانهيار فعدم الاحساس بالمسؤولية وعدم الخوف من المحاسبة يعرض المؤسسات إلى الانهيار والخسران، ورغم ذلك يبقى الوزير وزيراً والمدير مديراً بلا حرج، نوع من الفساد ايضاً لا يحتاج وثيقة إثبات..
وكثيراً ما تحدثت عن التكنوقراط وعن الاستفادة منهم فالحياة لا تستقيم بدونهم ولو تدبرنا القرآن الكريم وقصصه والسيرة لوجدنا أن التكنوقراط كانوا في المقدمة بقيادة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام..
عندما أراد المولى استخلاف آدم عليه السلام في الارض جاء في محكم التنزيل «وعلم آدم الأسماء كلها» وسأل الملائكة عنها ولم يستطيعوا الإجابة، ما هي هذه الأسماء، يقول البعض إنها الاشجار والانهار والجبال والبحار وهذه يعرفها الجميع آدم عليه السلام والملائكة فتكوين الجنة التي يعيشون فيها من هذه الأسماء. أما الاسماء التي عناها المولى عز وجل هي علوم الأرض التي استخلف عليها آدم عليه السلام..
إذن آدم عليه السلام أول تكنوقراط نزل على الأرض وبدأ في اعمارها..
نأتي إلى نوح عليه السلام وهو ابو البشرية الثاني نجده هو الآخر تكنوقراط من الطراز الرفيع والا ما استطاع ان يبني تلك السفينة الضخمة التي حملت من كل زوجين اثنين من حيوان ونبات وجماد إضافة إلى البشر، لقد كان نوح عليه السلام أبرع مهندس سفن عرفته البشرية.. ونأخذ مثلاً آخر نبي الله ذو القرنين الذي ادخل للعالم صناعة الحديد وعلمها لقوم لا يكادون يفقهون قولاً كما ورد في محكم التنزيل وصناعة الحديد من أعقد الصناعات الهندسية..
ونأتي إلى سليمان عليه السلام حيث كان معمارياً بني المسجد الأقصى الذي كان قبلة المسلمين قبل الكعبة المشرفة والمسجد الأقصى يقف حتى اليوم
إبراهيم عليه السلام بنى بيت الله الحرام وبناء البيت الحرام يحتاج خبرة هندسية عالية وحتى اختيار المكان كان علمياً خالصاً فالنقطة التي بنى فيها البيت الحرام كانت ولا تزال مركز الكرة الارضية..
عيسى عليه السلام كان طبيباً أما سيد خلق الله وامام الانبياء والرسل فكان أول سنين عمره راعياً عرف اسرار المواشي وبعدها وضع اساساً للتجارة فكان اعظم تاجر عرفته البشرية..
وكان عليه الصلاة والسلام يؤكل الأمور لاهلها أصحاب القدرات وما كان يجامل في تعيين في وظيفة بل يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وكان عادة ما يستشير أهل الخبرة والمعرفة وقد عمل بنصيحة سلمان الفارسي بحفر الخندق الذي كان خط الدفاع الاستراتيجي للمدينة وحماها من غزو الاحزاب..
هكذا كان التكنوقراط على مر السنين والعصور منهم الانبياء والرسل ومنهم غيرهم من الصالحين الذين ما يؤلمهم إلا هذا التردي الذي وصلت إليه البلاد وباتت على شفا الانهيار..
ويدرس هؤلاء حالة التردي التي وصلت إليها البلاد ويعدون المقترحات العلمية والدراسات لكافة المشاريع الهندسية من نقل ومياه وري خالصة لله وخدمة لهذا الشعب ورفعة بلادهم، لهؤلاء الاخوة التجلة والاحترام ونسأل الله ان يبارك في مسعاهم الذي ما قصدوا به إلا وجه الله وخدمة العباد.
[email][email protected][/email]