أخبار السودان

العلاقات السودانية الأميركية.. خطوات تنظيم

عادل إبراهيم حمد

(خطوات تنظيم) مصطلح عسكري يقصد به إعادة تنظيم الصفوف و(الطابور) بعد أن تختلط الصفوف وينفرط الطابور أثناء التدريب، فيعود كل جندي إلى موقعه الصحيح خلال (خطوات تنظيم) يصحح بها وضع الطابور.

العلاقة السودانية الأميركية الآن في حالة خطوات تنظيم وفي حاجة ماسة لخطوات التنظيم بعد أن مرت بحالات ارتباك وتوترات اختلطت فيها الأمور.

وتتردد هذه الأيام أقوال عن التطبيع ووعود برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء العقوبات المفروضة عليه، وذلك بعد مسلسل طويل شهد تطورات وتنازلات كبيرة وخطيرة هنا وهناك، فالنظام لم يسقط كما كانت ترجو واشنطن، لكنه في الوقت ذاته دفع أثمانا غالية وهو يقاوم من أجل البقاء، ويبدو أن الطرفين قد اقتنعا بضرورة التوصل إلى صيغة جديدة، فيبقى النظام، وفي ذلك انتصار لأهل الحكم في الخرطوم، ولكن يبقى بوجه جديد بدأت ملامحه تظهر بما يرضي واشنطن.

ونستعرض فيما يلي معالم في طريق هذه العلاقة.

جاءت حكومة الإنقاذ الحالية عن طريق لم ينتظر أن يفضي إلى علاقة جيدة مع الولايات المتحدة، فقد جاءت هذه الحكومة عبر انقلاب عسكري عام 1989 في وقت تهيأت فيه الولايات المتحدة بعد سقوط حائط برلين لاعتماد الديمقراطية نظاما عالميا، واعتبار الانقلابات من الكبائر السياسية.

والأفكار السياسية مثل (الموضة)، لكل عصر فكرته الأبرز ومهدده الأخطر، وكانت الاشتراكية في بدايات عهد التحرر الوطني من الاستعمار التقليدي هي الفكرة السائدة في كثير من بلدان العالم الثالث، وساعد على رواجها أن دول المعسكر الاشتراكي التي لا تعتمد الديمقراطية التعددية كانت مساندة لحركات التحرر الوطني، ولذلك لم يكن نظام الحزب الواحد أو حتى نظام القائد الأوحد سبة ولو ادعت دول الغرب أنها تمثل الحريات، وأن الولايات المتحدة هي سيدة العالم الحر، فالحرية وقتها ارتبطت إلى حد كبير بالتحرر من المستعمر ولم تكن تعني إشاعة الحريات العامة في الوطن المستقل.

ولما أفرزت الأنظمة الوطنية الشمولية مصائب لا تحتمل بدأت الدعوة للديمقراطية تجد التجاوب، وتطور الأمر حتى تمكنت الديمقراطية وسادت، بعدها لم تعد الدكتاتوريات هي الخطر المستهدف من الغرب الليبرالي، وصعد الإرهاب إلى أعلى سلم الأخطار.
لم يَكْفِ حكومة السودان اتهامها بوأد نظام ديمقراطي والإتيان بنظام دكتاتوري، فعمدت إلى رعاية تنظيمات إسلامية وقومية متطرفة، بل وخلقت لها إطارا تنسيقيا هو (المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي)، وأكمل السودان بذلك شروط رعاية الإرهاب، وكأن المغامرات وإغاظة الغرب قد استهوته، فأيد بحسابات سياسية خاطئة الغزو العراقي للكويت، ثم أقدم على حماقة بالتورط في محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ولم يترك نظام الخرطوم للولايات المتحدة ثغرة تجعلها قد تفكر في خيار آخر غير الإطاحة بهذا النظام المزعج.

قد يرضي كبرياء دولة مثل السودان أن الولايات المتحدة بكل (جبروتها) قد فشلت في إسقاط النظام، فتكتمل الصورة التقليدية للبطولة وما يتبع ذلك من احتفاليات، لكن دولة مثل الولايات المتحدة لن تكون بالقطع قد أدخلت نفسها في خيار واحد يفضي بها إلى نصر كامل أو هزيمة ماحقة، لا بد أن تكون الدولة الكبرى قد تحسبت لإمكانية عدم سقوط النظام من خلال ضغط عسكري تمارسه الحركة الشعبية بمساندة وتدخل مباشر من أوغندا وإرتريا ضد نظام الخرطوم المعزول، ولا بد أن تكون قد أعدت سيناريوهات بديلة وأن تكون قد عرفت كيف تستفيد من إنهاك نظام الخرطوم إذا لم تؤد هجمات جيوش الحركة الشعبية وأوغندا وإرتريا إلى إسقاطه، وهكذا لم تكن المعركة متكافئة بين دولة لا تمكنها إمكاناتها من تحمل ضغط متواصل وأخرى تحتمل الفشل عدة مرات ومع ذلك لا تفقد إمكانية تحقيق مبتغاها في آخر المطاف.

بهذه المقابلة تستطيع الولايات المتحدة بتعدد الخيارات المتاحة أمامها أن تجبر النظام على تغيير سياساته كخيار بديل إذا فشلت في تغيير النظام نفسه، وقد نجحت الولايات المتحدة إلى حد كبير في هذا المنحى؛ إذ لم يعد النظام هو ذلك النظام الذي يؤوي أو يتستر على رموز وأركان الإرهاب بعد أن كان السودان ملجأ لكارلوس وأسامة بن لادن، وسار السودان على الطريق التعددي بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل حتى أصبح حزب الصادق المهدي رئيس آخر حكومة منتخبة حزبا مشروعا بنص الدستور، واتسع نسبيا هامش الحريات، وهي تغييرات وإن لم تبلغ الكمال لكنها تعزز فرضية أن الضغط يمكن أن يجبر النظام على السير في هذا الاتجاه حتى تزول تماما التشوهات الحالية في التجربة الديمقراطية.

كان انفصال الجنوب من انتصارات الولايات المتحدة في المنطقة، فقد استطاعت أميركا أن تخلق دولة كاملة الولاء في موقع استراتيجي في القارة الإفريقية، وهي دولة يمكن أن تلعب دورا مؤثرا في الضغط الأميركي على السودان، وقد لعبت هذا الدور بالفعل بممارسة الضغط الاقتصادي من خلال وقف ضخ النفط، والضغط العسكري بالهجوم على هجليج، بعدها حركت الولايات المتحدة العملية السياسية فيما يخص وضع الحركة الشعبية بقطاع الشمال، ويبدو أن الحديث المتكرر عن التطبيع ورفع العقوبات في هذا الظرف يتم من مدخلي الترغيب والترهيب.. جزرة وعصا.. كلاهما حسب الظرف، عصا مواصلة المقاطعة والعقوبات، وجزرة رفع هذا العبء الثقيل عن كاهل السودان الذي كاد يهده الرهق.

وآتت الطريقة أكلها، فلم تطل مقاومة صقور الإنقاذ، وعادت الحكومة إلى التفاوض مع قطاع الشمال على أساس الاتفاق الإطاري الذي سبق أن وقعه د.نافع علي نافع مع رئيس الحركة الشعبية مالك عقار، وهو الاتفاق الذي يعود هذه المرة معززا بتضمينه صراحة في قرار دولي.

وينتبه البعض إلى أن انتصار هذا الخط المعتدل يعني تراجع خط دعمه في المرة السابقة الرئيس البشير نفسه، ويتساءلون إن كان ذلك يعني أن نفوذ الرئيس سوف يتراجع بعد أن بلغت قوته المستمدة من الجيش درجة لافتة حتى أصبح مدنيو النظام يتلمسون مواضع رضا الرئيس. ولا يختلف اثنان أن الرئيس في أقوى حالاته ولكن جل المتابعين للشأن السوداني العام -بما فيهم أركان في النظام نفسه- يزعجهم كثيرا أن الرئيس القوي لم يُظهر رغم طول بقائه في السلطة مواصفات رجل الدولة، فقد عرف بتصريحات متعجلة في لقاءات جماهيرية حماسية لتصبح التصريحات قرارات تصعب معالجتها، وبعد تمدد الرئيس غير المريح، وفي وجود قرار محكمة الجنايات الدولية الذي جعل رئيس السودان في وضع (خاص)، قد يكون (وضع) الرئيس من ضمن معالجات الوضع النهائي في العلاقات السودانية الأميركية.

العرب

كاتب سوداني
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. معتقلة تضطر لوضع غطاء رأسها (الطرحة) مكان نزول الدورة الشهرية بينما عناصر جهاز الأمن يتلذذون

    صديقتي المعتقلة اكدت لي انها تعرضت للضرب المفرط في الايام الأولى من الـ60 يوم زمن الإعتقال، ولكنها تعرضت لتعذيب نفسي تعزوه لحالة الإضطراب التي يعيشها منسوبو تلك المؤسسة الأمنية جراء العزلة الإجتماعية التي فرضت عليهم كنتاج لسلوكهم القذر والذي ابسط ما يمكن وصفه بأنه لا يشبه سلوك ابناء الشعب السوداني الذي يوصف بالرجولة الإجتماعية (تعني المواقف المناصرة للمرأة إيجابا)، فهي تؤكد إنها اضطرت خلال الشهرين وقد تزامنت مع العادة الشهرين لمرتين ان تضع غطاء رأسها (الطرحة) مكان نزول العادة لتقي ثيابها الخارجية شر تلطخها بدماء العادة وأفراد وضباط تلك المؤسسة يتلذذون بتلك اللحظات المأساوية والتي تجسد قمة الذل والقهر لأنثى.

    فهي تشابه إلى حد كبير حالة الفصام الإجتماعي التي يعيشها منسوبو تلك المؤسسة عن الحياة العادية برغم بؤسها، فهم يعيشون في عالم آخر غير الذي نعيشه، رغم انهم من رحم هذا الشعب ولكنهم إختاروا بكامل قواهم العقلية أن يكونوا جلاديه ، ولكن عليهم ان يعلموا ان التاريخ لايغفر لأي كان ما إقترفته يداه وهو بكامل قواه العقلية، فهي ليست جريمة فردية بل جريمة منظمة ترعاها دولة تدعي الحكم بقيم دين محدد وينفذ ذلك بشر بعيدين كل البعد عن قيم الإنسانية والعدالة، مغيبون حتى عن أعراف المجتمع التي لا تنفك بتاتا عن الحياة العامة.. وكل ذلك يولد المزيد من حالة (الغيبونة) التي ستؤدي بلا شك في يوم الأيام القريبة إلى إحدى مجاري المياه للحاكم تطارده مجموعة من الشباب الثوار ليقتصوا 23 عاما من الظلم المفرط.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..