من الذي حزم الحزمة

على الرغم من اختلاف وتنوع النظريات والمدارس الاقتصادية لكن الشيء الغريب أننا لم نطالع حتى الآن أي تصريح أو وجهة نظر صادرة عن اقتصادي حكومي تعبر عن تحفظات أو انتقادات للإجراءات الاقتصادية الأخيرة.. وبالمقابل لا تكاد تجد نسبة تأييد معتبرة أو (يقولوا عليها) لهذه السياسات من خارج الحوش الاقتصادي للحكومة والحزب الحاكم ..!
والتفسير الواضح لهذه الظاهرة الغريبة أن السياسة هي التي تقود الاقتصاد في بلادنا.. والسياسيون هم الذين يصدرون هذه القرارات الاقتصادية أو يوصون بإصدارها وليس لوزير المالية ومن حوله من الأفندية التنفيذيين إلا (أجر المناولة).
هذا واضح جداً من خلال التوافق العام داخل مؤسسات الحكومة والحزب الحاكم على تطبيق هذه السياسات والدفاع عنها من جانب اقتصاديي الحكومة والحزب الحاكم بصوت واحد، لأن الموضوع لو كان فعلاً مجرد اجتهاد من الاقتصاديين أو من وزير المالية وبنك السودان وكان هذا الوزير قد قدم (حزمته) تلك للحزب الحاكم وكانت الأجهزة السياسية في الدولة قد استقبلته واستقبلت هذه الخطط وأجازتها فإن الأمر كان سيختلف كثيراً وكان الأمر على الأقل سيواجه بآراء مختلفة حوله حتى على مستوى المكتب القيادي للحزب الحاكم .
وكان من المتوقع أن تخرج تصريحات من مسؤولين وقيادات تنظيمية في المؤتمر الوطني تنتقد على الأقل تقديرات الوزير وتوقيتات إعلان هذه القرارات مهما كانت تلك الحزمة متماشية مع السياسات الاقتصادية الكلية لكن توقيتها وجرعتها وترتيبات تنفيذها من المفترض أنها تتم بحسب تقديرات وزارة المالية .
والآن بدأت الآثار السلبية لهذه الحزمة الاقتصادية الأليمة بدأت تسري وجعاً ومعاناة قاسية جداً يشكو منها المواطن..
الحكومة في ترويجها لهذا العقار الذي استخدمته وحقنتنا به.. عقار الإجراءات الاقتصادية الجديدة كانت تتحدث عن اطمئنانها الكامل لفعالية هذا العقار في تحسين الأداء الاقتصادي وردم الفجوة الداخلية، ومعالجة سعر الصرف وحماية أصحاب الدخل المحدود .
والزعم بأن هذه الحزمة لم تكن تحتمل الانتظار بها حتى تكوين الحكومة الجديدة ولم تكن تحتمل الانتظار بها حتى على الأقل تحديد خارطة واضحة لزيادة الإنتاج تبدأ قبل تطبيقها أو على الأقل بالتزامن مع بداية تنفيذها .
والآن لا شيء يبشر بنجاح بند واحد من قائمة أحلام الحزمة أو وعودها غير الصادقة تلك.. فأصحاب الدخل المحدود لو استقبلوا جنيها إضافياً على مرتباتهم فانهم وجدوا السوق يطالبهم بأضعاف هذا الجنيه كزيادات جديدة في أسعار معظم السلع ..
سعر الصرف لم ينخفض.. بل حدثت زيادات فيه.. العجز الخارجي والداخلي.. وهذه الأحاديث لا يبدو أن هناك ما يدعونا لتصديق وعود بدر الدين فيها ..
وسنضطر أن نسميها وعود بدر الدين حتى يتبرأ هو منها بوضوح ويقول ليس لي منها إلا جهد التوصيل .
لن ينصلح الحال الاقتصادي إلا بعد تعديل أكبر وأهم اختلال بوضع الاقتصاد أمام السياسة وليس خلفها ثم الإتيان باقتصاديين حقيقيين لديهم القدرة والكفاءة بأن يخضعوا الساسة لبرنامجهم وليس العكس .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..