الصَّادِق صَدَق وَأَعْطَى وّاتَّقَى وصَدَّقَ بِالْحُسْنَى( 1)

أن تكون سبطا لتاريخ بازخ ومجد تليد، وسفرا مسطورا من البطولات والتضحيات، كان آخرها أن يقضى كل آبائك نحبهم في مشهد بطولي مهيب، إذ اصطفوا جميعا ليصفوا من قبل المستعمر البريطاني بدم بارد ويلاقوا بعده الله عز وجل، ليس لسبب إلا لأنهم أبناء الإمام المهدي الذين خشي المستعمر أن يوقدوا من بعده جذوة الثورة التي قال عنها صاحبها :” ناري هذه أوقدها ربي وأعدائي حولها كالفراش كلما أرادوا أن يطفئوها أحرقوا بها وصار أمري فاشيا”، ولعمري هي نبوءة قد صدقت صاحبها فبتعاقب الزمان والمكان والنساء والرجال وهاهي الجذوة متقدة منيرة تهدي إلى الحق وقد قال جل وعلا في يونس: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)؟؟؟.

وبالعودة لذلكم المشهد الذي ظن المستعمر الأنجلومصري أنه قد أخمد فيه آخر بصيص نور ونار للمهدية في “الشكابة” على ضفاف النيل الأزرق بمجزرة أقل ما يمكن وصفها به في عالم اليوم أنها جريمة حرب مكتملة الأركان، وقد كان أبشع ما فيها مقتل العزل برصاص الغدر دون أن يكونوا حملة سلاح أو مقاتلين، بعد أن تأكد للمستعمر أن من بين المصطفين للقاء الله الفاضل والبشرى ابني المهدي. فقتلهما المستعمر ورماهما في النيل لئلا يتخذ الناس من هذا المكان مزارا أو موطنا أو أن يستدل بهم على أثر المهدية. ويقال أن الإمام عبد الرحمن بقية المهدية كان طفلا لم يبلغ الثالثة عشر من العمر وضرب أيضا برصاص في أعلى صدره وترك ليموت جراء النزيف إلا أن عناية الله كانت فوق كل تدبير فنهض ذلكم الطفل من بين الركام آويا إليه أهله وثاويا إلى أهل جزيرة الفيل (آل شقدي) بود مدني إلى أن اشتد عوده، وحفظ أوار الدعوة متقدا في دواخله آملا أن يوصله لمن يرثه ويورثه نور الله الذي أنار به الإمام المهدي ربوع السودان وما حوله، وناره التي أدفأت قلوب الأمة من صقيع الجهالة والضلالة.

ومن بين هذا الركام المليء بالآلام والمشهد المترع بالأحزان، وذاك التاريخ التليد، وذلكم الارث المجيد، ولد صاحبنا مولدا عجيبا تروى قصته بروايات عديدة، إلا أنها اتفقت كلها حول أشياء لا يدرك كنهها كثير من الناس، فهو الذي بشر به صبي صغير لم يدرك ما حوله بعد مرددا يحيى “الصبي” أن “مهاجرين جاي من كبكابية”، وظلت أسرة الإمام المهدي تنتظر تلك البشارة التي قال بها يحيى المهدي الطفل الصغير إلى أن ولد صاحبنا القادم من كبكابية.

روى لي جدي عبد الرحمن عبد القادر رحمه الله وهو من أهل الجزيرة أبا الذين أنعم الله عليهم بحضور كل الأئمة من لدن الإمام عبد الرحمن طيب الله ثراه إلى إمام العصر أمد الله في أيامه، روى لي أن الإمام عبد الرحمن المهدي طيب الله ثراه كان يوم ميلاد صاحبنا يقرأ سورة إبراهيم عليه السلام، وحينما جاءه الخبر نزلت يمامة “قمرية” على مكاويته وهم بتسمية صاحبنا بإبراهيم، إلا أن الأحباب والأصحاب ممن حووله قالوا له: “ياسيدي انت عندك اسمين عبد الرحمن و الصادق الأمين” أديهو منهن واحد، فكان الصادق هو الخيار الذي اختاره الجد لحفيده الذي تبين فيما بعد أنه بلغ شأوا بعيدا في نفس جده، الذي كان دوما يهرع مسرعا لرؤيته إذا ما مرض ويقف فوقه مرددا “اللهم إن وعدك حق إنك لا تخلف الميعاد”.

ويقف الإمام عبد الرحمن أيضا للترحاب به وهو صبي صغير على غير ما جرت به العادة في السودان أن يبجل من هو في سنه، وأيضا الآباء من كبار الأنصار بالجزيرة أبا رووا لنا قصصا تبين مكانة صاحبنا عند جده، بل صرح الجد الإمام بما سيئول إليه حال صاحبنا من عظم المسئولية وعظيم الشأن، ففي مرة من المرات دخل صاحبنا على جده في صحبة أمه رحمة عليها الرحمة فقال الجد: يا رحمة ولدك دا البسد فرقتي وهي عند أهل السودان تعني مل المكانة الفارغة بحقها ومستحقها إن كانت خلافة أو ما شاكلها، ففاضت عينيها دمعا ثخينا وهي تقول:” (فراقك) أو فرقتك ما نشوفها إن شاء الله ولو بسفر طويل”، فأجبها: أنه أمر لا بد منه.

كما أخبرني العم محمد أحمد الأنصاري من الدويم وهو من الذين تسلسلت بيعتهم من الإمام المؤسس الثاني إلى إمامة صاحبنا، أنه حضر اجتماعا كبيرا لأنصار الله فيه عدد من الأعيان وكبار كيان الأنصار مع الإمام عبد الرحمن فدخل عليهم شابا مليحا فارع القامة وسلم على الإمام وجموع الأعيان فردا فردا، وقال لهم الإمام:” هذا ابني الصادق والما شاف الإمام المهدي يشوف الصادق، وأوصيكم عليه”، فتعجب الحاضرين لهذا القول في فتى لم يقو عوده بعد، ويجد كل هذا الاهتمام من الجد الإمام، وكان ذلكم الشاب هو الإمام الصادق المهدي صاحب الذكرى الطيبة والميلاد المبارك أمد الله في أيامه بالخير والحسنيات.

هذه التوطئة ليس للتأكيد أن لصاحبنا أمرا وشأنا تتقاصر عن إدراك كنهه البصائر، وإنما هي تذكرة للذين يؤمنون بالغيب، ولا تقف أبصارهم عند الظواهر والمشاهدات، فإنسان مثله بدأت حياته بهذه الصورة المدهشة وعاش بيننا من الأعوام والسنين ثمانين ، كانت أكثرها سني رهق وعنت وعناء وابتلاء، إلا أنها لم تثن صاحبنا عن العطاء.

نعم هي ثمانين! لم يجروء أحد من العالمين باتهام صاحبها فيها بالكذب أو الخيانة أو السرقة أوغيرها من المخازي فكان الصادق قولا وفعلا عفيف الكف عف اللسان، روت لي إحدى السيدات من كبار الأنصار أن صاحبنا لتعلقه بالدين و بالصلاح والصالحين كان يتخير بيتا قصيا في الجزيرة أبا به أتراب له فحين يسأله الأهل أين كنت يا صادق، يرد بأني كنت في بيت الأنبياء، إذ أن ذلكم البيت كل الأطفال فيه مسمون بأسماء الأنبياء والرسل، هذه النشأة التي روى صاحبها أنه كان يهرب حينما يسمع أحد الأطفال ينعت الآخر “بابن الكلب”، وحين يسأله سائل عن سبب هروبه يقول أن أحدهم قال لأخيه “يا ود البنبح” متعففا أن يذكر تلك الشتيمة، وغيرها من قصصه الطفولية البريئة التي رواها في حلقات “أسماء في حياتنا” حينما كانت تقص عليه أمه رحمة عليها الرحمة قصص الجد المجاهد وأصداء الجهاد والاستشهاد وكيف أن القمري يقول في هديله يقول يا مؤمنين وحدوا ربكم، فتعلم وتعلق صاحبنا بهذا الإرث الديني التليد، هذا في الصغر، وفي كبره الحوادث والأحداث كثيرة، ففي أيام ترشحه لانتخابت 2010م كان من بين الحاضرين في استديوهات النيل الأزرق جنرال أمريكي من أصول سودانية، قال لصاحبنا لولا التعليم المجاني الذي تلقاه قادة الإنقاذ في العهود الديمقراطية لكانوا اليوم ماسحي أحذية، وحينما جاء دور صاحبنا في الرد طلب منه الجنرال أن يردد عبارته فقال له “أنا ما بقول كلام زي دا”، والمعلوم أن الحملات الانتخابية لا يدخر فيها الخصوم سلاحا في سبيل الانتصار، ولكن عفة لسان صاحبنا وتعففه كانت أقوى من كل سلاح.
يتبع…

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. “وبالعودة لذلكم المشهد الذي ظن المستعمر الأنجلومصري أنه قد أخمد فيه آخر بصيص نور ونار للمهدية في “الشكابة” على ضفاف النيل الأزرق”

    أخي أين صاحبكم الآن
    قابع مع أحد مستعمري السودان “المستعمر الأنجلومصري”
    في القاهرة!!!!
    تحرر من العبودية العقدية يا عزيزي!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..