محمود محمد طه .. “حب السودان من حب الله”

محمود محمد طه .. “حب السودان من حب الله”.
خصنى الشهيد الأستاذ محمود محمد طه وأنا أجلس الى حضرته، فى بيته من “الجالوص” بالمهدية الحارة الأولى، وهو من أوائل “المهندسين” السودانيين المتخرجين من كلية “غندور” بحديث تضمن تلك الكلمات الرائعات التى لا زالت حية ترن فى اذنى قال لى فيه “حب السودان من حب الله”.
قارنوا كلماته بكلمات المرشد السابق للإخوان المسلمين فى مصر “مهدى عاكف” وهم لا يختلفون عن “إخوان السودان”، التى قال فيها “إن المسلم الماليزى أقرب الى من القبطى المصرى”!
وهذا نموذج واضح يبين لشباب “الإخوان المسلمين” كيف أن “فكرتهم” التى غرروا بها تتقاطع مع “الوطنية” ولا تعترف بها.
لقد كان محمود إنسانا كونيا ثم سودانيا وأم درمانيا رغم أنه مولود فى مدينة “رفاعة” .. وكحال الأنبياء والحكماء والفلاسفة والمفكرين العباقرة كأنه جاء الى عالمنا الذى فارقه مبتسما على “المقصلة” من “المستقبل”.
تأمل بعض فقرات المنشور المشهور بإسم “هذا أو الطوفان” الذى صدر بعد الإعلان عن قوانين سبتمبر 1983 ،تكتشف من عنوانه الذى سيق بسببه “الشهيد” مع عدد من تلاميذه الى المحكمة، ماذا يعنى وما الذى حدث للسودان بعد ذلك؟ اليس هو “الطوفان” بعينه؟
جاء فى المنشور:
“إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد ، وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب و ذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل الأساسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة الجنوب .. إن من خطل الرأي أن يزعم أحد أن المسيحي لا يضار بتطبيق الشريعة .. ذلك بأن المسلم في هذه الشريعة وصي على غير المسلم ، بموجب آية السيف ، وآية الجزية .. فحقوقهما غير متساوية .. أما المواطن ، اليوم ، فلا يكفي أن تكون له حرية العبادة وحدها ، وإنما من حقه أن يتمتع بسائر حقوق المواطنة ، وعلي قدم المساواة ، مع كافة المواطنين الآخرين .. إن للمواطنين في الجنوب حقا في بلادهم لا تكفله لهم الشريعة ، وإنما يكفله لهم الإسلام في مستوى أصول القرآن (السنة) .. لذلك فنحن نطالب بالآتي :-
1- نطالب بإلغاء قوانين سبتمبر 1983 ، لتشويهها الإسلام ، ولإذلالها الشعب ، ولتهديدها الوحدة الوطنية.
2- نطالب بحقن الدماء في الجنوب ، واللجوء إلى الحل السياسي والسلمي ، بدل الحل العسكري. ذلك واجب وطني يتوجب على السلطة ، كما يتوجب على الجنوبيين من حاملي السلاح. فلا بد من الاعتراف الشجاع بأن للجنوب مشكلة ، ثم لا بد من السعي الجاد لحلها. “إنتهى”.
لقد كان محمود “إنسانا” إنسانيا وكونيا وسودانيا فمن قبل ذلك المنشور “هذا أو الطوفان”، جاء اليه أحد تلاميذه يبلغه بخبر عسكرى نشر على الصحف ايام الحرب الدائرة فى جنوب السودان يقول الخبر “قتلنا مائة من المتمردين و فقدت قواتنا عشرين شهيدا”.
– فرد الأستاذ على تلميذه حزينا:
“بان السودان قد فقد مائة و عشرين من ابنائه”.
– كيف لا يكون ذلك شعوره وللأستاذ قصة عاتب فيها أحد تلاميذه لقتله “نملة” لا إنسانا كرمه الله على جميع مخلوقاته.
القصة كانت خلال إحدى جلسات “الجمهورييين” فى بيت الأستاذ المعتادة، والإخوان جالسون على البرش، لاحظ الأستاذ أن أحد تلاميذه قد “فرك” نملة بيده، فسأله،: لماذا فعلت ذلك ..؟؟ أى لماذا قتلت النملة ؟؟ فأجابه التلميذ لأنها قرصتنى أو عضتنى يا استاذ .
فقال له الأستاذ لكن إنت ما “كتلتها” !!
أى لم يكن الجزاء مساويا لفعل النملة.
فهل هنالك إنسانية أكثر من هذا النموذج؟
وكيف لا يكون محمود على ذلك القدر من الإنسانية وهو نموذج لإتساق سلوكيات الإنسان مع فكره ومع ما يدعو اليه، فقد جاء فى تعريفه “للإنسان الحر” ما يلى:
” إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس”
ثم ذهب الى ابعد من ذلك حيث قال “أن يكون كل قوله وعمله خيرا وبرا، بالأحياء والأشياء”.
لذلك أنتقد تلميذه وعاتبه على قتل “نملة” وحينما رمى الدكتور/ خليل عثمان الذى رافقه الأعتقال خلال فترة من الفترات “بكوز” ماء قديم على الأرض طالبا من أفراد اسرته إحضار “كوز” غيره حينما يأتون اليه فى الزيارة القادمة.
، رفع الأستاذ “الكوز” من الأرض وغسله ووضعه على رف، قائلا للدكتور” خليل”، هل يعقل أن نعامله هكذا وقد خدمنا طيلة هذه الفترة؟
لقد كان إنسانيا وكونيا وسودانيا، يعمل الفكر فى كل قول أو عمل.
قبل تنفيذ الإعدام صبيحة يوم الجمعة 18 يناير باسبوعين وتحديدا يوم 4 يناير 1985، هنالك حديث معروف عند الجمهوريين سموه “حديث الفداء”.
خاطب فيه الأستاذ تلاميذه وكأنه يقرأ أحداث مقبلات الايام قائلا بلغة التخاطب السودانية البسيطة:
“الصوفية سلفنا ونحن خلفهم .. كانوا بفدوا الناس.
وقال “الوباء يقع يأخذ الشيخ الكبير”وضرب أمثلة عديدة.
اذكر منها واحدا.
قال الأستاذ “شيخ مصطفى خال خديجة بت الشريف، هو صديقنا وبزورنا كثير قال: حصلت وفاة ومشيت أعزى .. مر على الشيخ الرفيع (اخو الشيخ السمانى ، شيخ المقاديم الهسع بيعطروا ليكم حلقات الذكر ديل) .. قال لى بمشى معاك …
قال مشينا سوا أيدو فى ايدى كان فيها سخانة شديدة .. وصلنا محل الفاتحة واحد قال ليهو يا الشيخ !! المرض دا ما كمل الناس؟؟
الشيخ الرفيع قال: المرض بينتهى، لكن بشيل ليهو زولا طيب!!
قمنا من المجلس وصلنا البيت والسخانة كانت الجدرى!! ومات الشيخ الرفيع ووقف الجدرى!!
الشاهد فى الأمر طلب الأستاذ خلال حديث الفداء ذاك أن ينشدوا له كلمات “أغنية” الشاعر السودانى “الجنوبى” معاوية عبد الحى “أنا أم درمان”، التى يغنيها الفنان السودانى “الشمالى” أحمد المصطفى، مما يعنى أنها جمعت بين الشمال والجنوب وهى عن أم درمان.
تقول كلمات الأغنية :
أنا أم درمان تأمل في ربوعي
أنا السودان تمثل في نجوعي
أنا ابن الشمال سكنته قلبي
على ابن الجنوب ضميت ضلوعي
أنا أم درمان سلوا النيلين عني
وعن عزمات فتاي عند التجني
فخير بنيك يا سودان مني
سلوا الحادي سلوا الشادي المغني
أنا أم درمان إذا ما قلت أعني
فما نيل المطالب بالتمني
تجيش النفس بالآمال لكن
ولكن .. هذه لما لا تدعني
أنا أم درمان مضى أمسي بنحسي
غداً وفتاي يحطم قيد حبسي
وأخرج للملأ في ثوب عرسي
وابسم بعدما قد طال عبسي
وأعلن والفضاء يعلن همسي
وأهتف والورى يعرف حسي
فيا سودان إذا ما النفس هانت
أقدم للفداء روحي ونفسي.
وقدم الاستاذ فى صبيحة يوم 18 يناير 1985 نفسه “فدى” للسودانيين جميعا، فبعد ذلك اليوم لم يقتل أو يجلد “النميرى” سودانيا ولم يبق على كرسى السلطة أكثر من 76 يوما هن عدد سنوات الأستاذ التى قضاها فى “الحياة” التى نعرفها، ويعرف هو حياة أبدية أكثر منها وأرحب لذلك كان متصالحا مع الموت ومبتسما له.
ومن المواقف العجيبة التى حدثت لى من خلال حديثه عن أن هذا الوجود لا يدخل فيه شئ عن طريق “الصدفة” أو كما قال فى محاضرته الشيقة عن “الماركسية” بأنه لا يدخل الوجود أمر غصبا عن “الأله”.
جاء فى زيارة للقاهرة أحد “الإخوان الجمهوريين” فاتصل بى حيث حجزت له غرفة فى فندق قريب من مكان سكنى، ولعلها كانت اول زيارة له لمصر.
منذ وصوله كان يوميا يطوف على اضرحة ومزارات الأولياء والصالحين فى مصر ولم ينشغل كثيرا بأى شئ آخر غير ذلك.
وقد تصادف مرور ذكرى التنفيذ يوم 18 يناير بعد حوالى 4 ايام من وصوله.
فأتفق معى على أن نلتقى بمسجد “الحسين” بالقاهرة صباح ذلك اليوم، حوالى الساعة العاشرة، وفعلا التقينا وكان معنا شاب جمهورى إسمه “سمير”، دخلنا ثلاثتنا “المسجد” فقام “سمير” بإنشاد أحد الأنشودات الصوفيه المعروفة عند الجمهوريين بصوت جميل وكانت الساعة العاشرة وعشرة دقائق بالضبط.
حينما خرجنا من المسجد سألنى الأخ “الجمهورى” القادم فى زيارة، عن قصة “بوست” فتح قبل فترة من الزمن فى شكل “لغز” على أحدى مواقع التواصل الإجتماعى السودانية، يتساءل صاحبه عن سبب وضع “الساعات” الكبيره خاصة قبل بيعها وهى متوقفة، فى الساعة 10 و10 دقائق، فقلت له نعم أذكر ذلك لأن شكل الساعة على ذلك الوضع يكون فى صورة إنسان مبتسم !!
لحظتها كشف لى الأخ الجمهورى ما لم أكن أعرفه بأن التقاليد فى سجن كوبر كانت أن ينفذ حكم الإعدام فى المحكومين “فجرا” .. ثم اضاف ربما تكون ساعة تنفيذ الإعدام فى حق الأستاذ هى الوحيدة التى تمت فى ذلك الوقت والغريب فى الأمر أنها يفترض أن تكون 10 بالضبط لكن التنفيذ تأخر حتى الساعة 10 و10 دقائق .. ثم يكشف عن القناع قبل التنفيذ فتظهر إبتسامته تلك التى اصبحت ملهمة لكل مهتم بالحرية وحقوق الإنسان.
وكانت ملهمة لى فى كتابة هذه الأبيات الشعرية المتواضعة.
(أعظم الشهداء)
ثابت على المبدأ
رهيب فى بسمتك تتحدى
لما القناع من هيبتك أنزاح
طرفك لا رمش لا أرتد
* * *
مكتوف الأيادى
واقف عديل ما أنهد
مجنزر، فى هيبة تقدل
شامخ فى السماء الممتده
بى صمتك حاكمت الجهل
والحاكموك بالرده
* * *
)أستاذ) العصور
سيرتك نقية وعطرة
للأحرار منار
وخلدت أروع ذكرى
حوضك صافى
مافيهو موية عكره
أخجلت القدام
أهل المديح والشكره
وأهديت الزمان (اسمى)
وأعظم (فكره)
* * *
ترياق للنفوس من نشأتك
ولى آخر الأيام
افنيت العمر
تبنى وتجدد وتنشرالإسلام
بالفهم الصحيح
والدعوة والإعلام
أدواتك حروفك
وسلاحك الأقلام
نظراتك معانى
وحكم وكلام
فى صمتك، عميق
ما بهمك الإعدام
وفى حزنك تأمل
ساكن معاك دوام
همك صلاح الكون
والدنيا تبقى سلام
* * *
أتباعك رجال
ثابتين دوام قدام
طاهرين الأيادى
صادقين لسان وكرام
حافظين الوصية
دائما صيام وقيام
لو الموت (شريعتك)
كان لاقوه فى الاحرام.
منو القبلك شهد
بى روعتو الأعداء
منو المشى (للشنق)
وفى بسمة أتحدى
منو المشت النجوم
فى دربو تستهدى
منو النزلت
شموس العزة تستجدى
ثم أنزوت خلف السحاب
عشان اكتب سطر اهداء
قليل لو قلنا
فى وصفك عظيم
أو قلنا أنك
أعظم الشهداء
ومن المواضيع التى لا أمل قراءتها والرجوع اليها من وقت لآخر “وصية الأستاذ محمود للرجال بالنساء”.
قال الأستاذ الشهيد:
وصيتي للرجال ..
“اعلموا: أن الصورة التي تعرض نفسها دائماً على الأذهان، عند الحديث عن حقوق المرأة، تلك الصورة التي تجعل الرجل والمرأة ضدين، لبعضهما البعض، يتنازعان حقا بينهما، في خصومة، ولدد، فإذا كسب أحدهما خسر الآخر، هذه الصورة شائهة، وخاطئة.. إن قضية المرأة ليست ضد الرجل، وإنما هي ضد الجهل، والتخلف، والظلم الموروث.. وهي، من ثم، قضية الرجل والمرأة معا.
ويقول محمود:
“يقول العارفون: إن الصلاح ((امرأة)).. ويريدون بذلك أن يقولوا: أن المرأة الصالحة إذا تزوجها الرجل الصالح، أو تزوجها الرجل الطيب، كريم الأخلاق، سخي اليد، حسن الدين، فإنها تنجب ابنا صالحا.. ولكن الرجل الصالح إذا تزوج امرأة مرذولة، دنيئة النشأة، رقيقة الدين، كزة النفس، فإنه لا ينجب إلا أبناء فاسدين، رقيقي الدين، سيئي الخلق..
ويقول محمود:
“ثم إن أحدنا، في جميع أطوار حياته، محاط بالمرأة، من جميع أقطاره.. فهي الزوجة، وهي، قبل ذلك، الأم، وهي، بعد ذلك، الأخت، والبنت.. ثم إنها هي تحت جلدنا، وفي إهابنا.. على أصوله لا على فروعه..
ثم يقول أخيرا فى وصيته للرجال:
“أعينوا النساء على الخروج من مرحلة القصور، ليستأهلن حقهن الكامل في المسئولية، حتى تنهض المرأة، وتتصرف كإنسان، لا كأنثى.
“غاروا على النساء.. ولا يكن مصدر غيرتكم الشعور بالامتلاك، كما هي الحالة الحاضرة.. ولكن غاروا على الطهر، وعلى العفة، وعلى التصون، لدى جميع النساء.. وسيكون من دوافع مثل هذه الغيرة أن تعفوا، أنتم أنفسكم، فإنه وارد في الحديث ((عفوا تعف نساؤكم)).
“تسلطوا على النساء!! ولكن لا يكن تسلطكم عليهن عن طريق الوصاية، ولا عن طريق القوة، ولا عن طريق الاستعلاء – استعلاء الذي ينظر من أعلى إلى أدنى- ولكن تسلطوا عليهن عن طريق الحب.. أحبوهن، وتعلقوا بالمكارم، والشمائل، والرجولة، التي تجعلكم محبوبين لديهن.. فإن المرأة إذا أحبت بذلت حياتها فداء لمن تحب.. فليكن هذا طريقكم إلى ((استغلالهن)).
– وكيف لا يوصى “الرجال” بالنساء على تلك الطريقة الإنسانية الفريدة وهو الذى كتب عن “خلق الجمال” عام 1954 ما يلى:
“خلق الجمال”
نحن نبشر بعالم جديد، وندعو إلى سبيل تحقيقه، ونزعم أنا نعرف ذلك السبيل، معرفةً عملية، أما ذلك العالم الجديد، فهو عالمٌ يسكنه رجالٌ ونساءٌ أحرار، قد برئت صدورهم من الغل والحقد، وسلمت عقولهم من السخف والخرافات، فهم في جميع أقطار هذا الكوكب، متآخون، متحابون، متساعدون، قد وظفوا أنفسهم لخلق الجمال في أنفسهم وفيما حولهم من الأشياء، فأصبحوا بذلك سادة هذا الكوكب، تسمو بهم الحياة فيه سمتاً فوق سمت، حتى تصبح وكأنها الروضة المونقة، تتفتح كل يوم عن جديد من الزهر، وجديد من الثمر.
أختم هذا الموضوع الذى اشعر بالتقصير مهما كتبت عنه، بأبيات من قصيدة لشاعر وأديب وعالم معروف كتب قصيدة أبلغ مما كتبت – دون شك – كيف لا وهو البروف والعالم الراحل “عبد الله الطيب”، أقتطف من قصيدته تلك بعض الأبيات التى كانت كذلك من الهام لحظة تنفيذ الإعدام.
قد شجانى مصابه محمود
مارق قيل، وهو عندى شهيد
وطنيّ مجاهد وأديب منشئٌ،
فى بيانه تجويد
وخطيبٌ مؤثر ولديه سرعة الرّد
والذكاء الفريد
وجرئ، وشخصه جذّاب
ولدى الجد، فالشجاع النجيد
ذاق سجن المستعمرين قديماً
ومضت فى الكفاح منه العقود
تاج السر حسين – [email][email protected][/email]
شهيد عدييييل كدا سبحان الله
صاحبكم جمهوري و هو يحاكي اسلوب الترابي (( و انا الى السجن حبيسا )) اي انه ينفي عقيدنه الفكرية (نسبة الى الفكرة ) منتظرا الافصاح عنها عندما يتمكنون!!
من وثائق الخارجيةالأمريكية..
مع نهاية سنة 1965، وبعد شهرين تقريبا في جدل حل الحزب الشيوعي السوداني، والمناقشات “الدينية العاطفية” التي اشارت اليها هذه الوثائق الامريكية، تم طرد النواب الشيوعيين من الجمعية التاسيسية.
في السنة التالية، 1966، انتقل الموضوع الى المحاكم. وذلك لان الحزب الشيوعي رفع ثلاث قضايا دستورية:
اولا: ضد تعديل الدستور.
ثانيا: ضد حل الحزب الشيوعي.
ثالثا: ضد طرد النواب الشيوعيين.
وبعد سنة كاملة تقريبا، ومع نهاية سنة 1966، أعلن صلاح حسن، قاضي المحكمة العليا، أن الحريات في المادة الخامسة في الدستور لا يجوز تعديلها. وان كل ما حدث كأن لم يحدث.
لكن، عارض قادة الاحزاب الثلاثة، الامة والاتحادي والاخوان المسلمين، قرار المحكمة العليا.
وقال الصادق المهدى، رئيس حزب الأمة، أن الحكم “تقريري.” وكان صار رئيسا للوزراء في ذلك الوقت. واعلن ان الحكومة غير ملزمة بتفيذ قرار المحكمة العليا.
وقال الترابي: “تملك لجمعية التأسيسية السلطة التأسيسية. لهذا، يأتي فصل السلطات إلي تشريعية، وتنفيذية، وقضائية في المرتبة الثانية بالنسبة للسلطة التأسيسية، يأتي في مقام الفرع من الأصل. ولهذا، ليست السلطة القضائية غير فرع.”
واضاف: “لا نريد حل الحزب الشيوعي لأن طالبا قال ما قال. لكن، اشتعلت العاطفة الجامحة التي اخرجت الناس الى الشوارع، على اختلاف ميولهم الحزبية، مثلما خرجوا في الحادي والعشرين من أكتوبر.”
وامام معارضة الحكومة وقادة الاحزاب الرئيسية لحكم المحكمة العليا، وعودة الانفعالات والعواطف الدينية، استقال رئيس القضاء، بابكر عوض الله. وكتب في خطاب استقالته الى الرئيس الازهري: “عملت مافي وسعي لصيانة إستقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق أكتوبر. ولا أريد لنفسي أن أبقي علي رأس الجهاز القضائي لآشهد عملية تصفيته، وتقطيع أوصاله، وكتابة الفصل المحزن الأخير من فصول تأريخه …”
ومن القادة الذين ايدوا قرار المحكمة العليا، الاستاذ محمود محمد طه، الذي كتب: “الشيوعية مذهبية زائفة في جوهرها، لكن لها بريقاً خلاباً. وهي لا تحارب إلا بالفكر الإسلامي الواعي. وهو في السودان موجود . لكن، حل الحزب الشيوعي يحرم الفكر الإسلامي الواعي من فرصة مواجهة الشيوعية لتخليص الناس من شرورها.
نعم، تشكل الشيوعية خطراً على البلاد. لكن، يزيد خطر الشيوعية وجود الطائفية. والحق أن الخطر الماثل على البلاد إنما هو من الطائفية. لهذا، محاربة الشيوعية بهذه الصورة المزرية يصرف الناس عن خطر ماثل إلى خطر بعيد. لهذا، لمحاربة الشيوعية، حاربوا الطائفية
شهيد عدييييل كدا سبحان الله
صاحبكم جمهوري و هو يحاكي اسلوب الترابي (( و انا الى السجن حبيسا )) اي انه ينفي عقيدنه الفكرية (نسبة الى الفكرة ) منتظرا الافصاح عنها عندما يتمكنون!!
من وثائق الخارجيةالأمريكية..
مع نهاية سنة 1965، وبعد شهرين تقريبا في جدل حل الحزب الشيوعي السوداني، والمناقشات “الدينية العاطفية” التي اشارت اليها هذه الوثائق الامريكية، تم طرد النواب الشيوعيين من الجمعية التاسيسية.
في السنة التالية، 1966، انتقل الموضوع الى المحاكم. وذلك لان الحزب الشيوعي رفع ثلاث قضايا دستورية:
اولا: ضد تعديل الدستور.
ثانيا: ضد حل الحزب الشيوعي.
ثالثا: ضد طرد النواب الشيوعيين.
وبعد سنة كاملة تقريبا، ومع نهاية سنة 1966، أعلن صلاح حسن، قاضي المحكمة العليا، أن الحريات في المادة الخامسة في الدستور لا يجوز تعديلها. وان كل ما حدث كأن لم يحدث.
لكن، عارض قادة الاحزاب الثلاثة، الامة والاتحادي والاخوان المسلمين، قرار المحكمة العليا.
وقال الصادق المهدى، رئيس حزب الأمة، أن الحكم “تقريري.” وكان صار رئيسا للوزراء في ذلك الوقت. واعلن ان الحكومة غير ملزمة بتفيذ قرار المحكمة العليا.
وقال الترابي: “تملك لجمعية التأسيسية السلطة التأسيسية. لهذا، يأتي فصل السلطات إلي تشريعية، وتنفيذية، وقضائية في المرتبة الثانية بالنسبة للسلطة التأسيسية، يأتي في مقام الفرع من الأصل. ولهذا، ليست السلطة القضائية غير فرع.”
واضاف: “لا نريد حل الحزب الشيوعي لأن طالبا قال ما قال. لكن، اشتعلت العاطفة الجامحة التي اخرجت الناس الى الشوارع، على اختلاف ميولهم الحزبية، مثلما خرجوا في الحادي والعشرين من أكتوبر.”
وامام معارضة الحكومة وقادة الاحزاب الرئيسية لحكم المحكمة العليا، وعودة الانفعالات والعواطف الدينية، استقال رئيس القضاء، بابكر عوض الله. وكتب في خطاب استقالته الى الرئيس الازهري: “عملت مافي وسعي لصيانة إستقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق أكتوبر. ولا أريد لنفسي أن أبقي علي رأس الجهاز القضائي لآشهد عملية تصفيته، وتقطيع أوصاله، وكتابة الفصل المحزن الأخير من فصول تأريخه …”
ومن القادة الذين ايدوا قرار المحكمة العليا، الاستاذ محمود محمد طه، الذي كتب: “الشيوعية مذهبية زائفة في جوهرها، لكن لها بريقاً خلاباً. وهي لا تحارب إلا بالفكر الإسلامي الواعي. وهو في السودان موجود . لكن، حل الحزب الشيوعي يحرم الفكر الإسلامي الواعي من فرصة مواجهة الشيوعية لتخليص الناس من شرورها.
نعم، تشكل الشيوعية خطراً على البلاد. لكن، يزيد خطر الشيوعية وجود الطائفية. والحق أن الخطر الماثل على البلاد إنما هو من الطائفية. لهذا، محاربة الشيوعية بهذه الصورة المزرية يصرف الناس عن خطر ماثل إلى خطر بعيد. لهذا، لمحاربة الشيوعية، حاربوا الطائفية