مقالات سياسية

لماذا ندعوا لليسار الديمُقراطي الجديد في السُودان .. (3)

نضال عبدالوهاب

في البدء كامل الإعتذار لجميع القراء والأصدقاء وكل الذين تابعوا معنا الجزئين الأول والثاني من كتاباتنا ودعوتنا لنشوء وقيام تيار لليسار الديمُقراطي الجديد في السُودان ، فنسبةً للظروف السياسية في البلاد والتركيز علي تجميع قوي الثورة ووحدتها وإسقاط الإنقلاب لإستعادة الديمُقراطية ، لذلك لم يتثني لنا الشروع في كتابة الجزء الثالث ومواصلة رؤيتنا حول جدوي وأهمية يسار ديمُقراطي جديد في السُودان وأمكانية وجوده ككيان سياسي فاعل في البلد بدلاً عن اليسار التقليدي والقديم والأيدولجي والغارق في خطاب الماضي وطريقة التفكير التي لم تعد مُلائمة لعصرنا هذا وتقدمه وحتي سودان مابعد الثورة .. وها نحن نواصل من حيث توقفنا في الجزء الثاني والذي كان يطرح قضيتي العدالة الإجتماعية والديمُقراطية في السُودان ، وكنا قد قدمنا نقدنا لرؤية اليسار القديم في مفهوم العدالة الإجتماعية وربطها بايدولوجيا الماركسية وصراع الطبقات كما في برنامج الحزب الشيوعي السُوداني ، وفشل الحزب في إستيعاب كُل القوي الإجتماعية في السودان التي تعاني من إختلال العدالة الإجتماعية مع كل الفوارق الإقتصادية  لكادحي وفقراء السودان وهم الأكثرية الغالبة ، وأشرنا علي أن الحزب الشيوعي في نظرته لمفهوم العدالة الإجتماعية قد أهمل معظم المُهمشين والمظلومين في السُودان لأنه إعتمد علي التصنيف الطبقي والإقتصادي لتلك المناطق وسكانها وأغفل الجوانب العنصرية والثقافية والصراع الإثني حول الموارد وقضايا التنمية وإختلالها وإرتباطها بالهيمنة العرقية والإثنية والإعتلاء الثقافي والعرقي في العقل “المتوهم للعروبة” في المركز ، كما أهمل وفق المفهوم الماركسي بقية شرائح الكادحين والفقراء السُودانين وركز في خطابه الايدولجي علي شريحة العمال وصغار المزارعين ، بينما الفقر ينهش مختلف شرائح وبئيات المجتمع خاصة في الريف والهامش والأطراف من رعاة وأصحاب المهن الهامشية وحتي صغار الموظفين والمعلمين والجنود ماقبل التمكين العسكري في السُلطة الذين إرتفعت دخولهم عن السابق مقارنةً ببقية المهن  ، مع إنتشار البطالة ووجود النازحين والمشردين وضحايا الحروب الداخلية والصراعات..
أما مفهمونا ورؤيتنا للعدالة الإجتماعية في السُودان كيسار ديمُقراطي فهي شاملة وتبدأ بتأسيس جديد للدولة السُودانية علي أُسس المواطنة المتساوية يُنهي أي إستعلاء عرقي وإثني و” توهم عروبي” يسيطر علي المركز والسُلطة والموارد ويخلق بالتالي إختلالات في التنمية وفوارق إقتصادية وإجتماعية ويُشعل الضغائن ويولد الأحقاد ويهتك النسيج الإجتماعي ويفجر الحروب والصراعات المُسلحة بين السُودانيين وكنتيجة مُباشرة لتفشي الظُلم والقهر والإطهاد وطُغيان العنصر علي الحق المتساوي والذي تكفله حقوق المواطنة .. مفهومنا للعدالة الإجتماعية يقوم علي رعاية الدولة لكل الشرائح الفقيرة والكادحة وقليلة الدخل وتوفير فرص العمل المُتكافئ دون تمييز بسبب العرق أو الإثنية أو الدين أو النوع والمنطقة الجغرافية والمساواة أمام لجان الإختيار وفق شروط التوظيف وبحسب المقدرات ، مع مراعاة لحق التمييز الإيجابي لضحايا الحرب والنازحين بحسبان ماوقع عليهم من ظُلم وهضم للحقوق وعدم مساواة لإمتيازات الدولة السودانية المركزية في السابق أثناء سنوات الحرب والإقتتال ، وذلك يكون وفق ترتيبات السلام العادل والشامل والمُستدام والحلول السياسية في فترتي الإنتقال ثم الديمُقراطية ..
رؤيتنا للعدالة الإجتماعية تأخذ مسار نشر التوعية لكل السودانيين وتعريفهم بحقوقهم وإنهاء أي قوانين تتسلط علي الفقراء برفعها للضرائب والجبايات عليهم ومراجعة هياكل الحد الادني من الاجور وفق إجراءات إقتصادية للدولة تمنح الفقراء ومحدودي الدخل الدعم في التأمين الصحي والعلاجي والتعليم العام بحيث لا تُحرم الشرائح الفقيرة والكادحة وابنائها من فرص التعليم والخدمات الصحية والأولية والطوارئ والحالات المُزمنة للفقراء ومحدودي الدخل ووضع الميزانيات التي تتناسب لهذه القطاعات من الميزانية العامة الدولة بعد تخفيض الانفاق الحكومي والامني والعسكري الذي ظل في أعلي معدلاته في ظل الدولة المركزية الناهبة لثروات البلد والحكومات الشمولية والعسكرية ، رؤيتنا للعدالة الإجتماعية تكون بتبني سياسات إقتصادية وفق الحُكم الفدرالي ومشاريع تنمية الريف وإستفادتها من الموارد الإقتصادية في منطاقها في توزيع الدخل القومي علي هذه المشاريع وتوظيف سكان وابناء هذه المناطق وتشجيعهم علي الإنتاج في مناطقهم وليس بنهبهم من السلطة المركزية كما ظل يحدث منذ الإستقلال وفي ظل كل الحكومات المتعاقبة بلا إستثناء ..
مفهومنا ورؤيتنا للعدالة الإجتماعية في اليسار الديمُقراطي تأتي بالقضاء علي كافة انواع التمييز بين جميع السُودانيين والمساواة في جميع الحقوق وأمام القانون ونشر العدالة والقضاء علي المحاباة والمحسوبية والرشوة وكل مظاهر الفساد والسرقة في المال العام ، وخلق أجيال مُتعلمة وواعية بحقوقها وقادرة علي النهوض ببلادنا في الريف والمدن وكل اجزاء البلاد ..
رؤيتنا للعدالة الإجتماعية تقتضي ربط مفهوم التنمية بالديمُقراطية ، بحيث تتحقق التنمية المُستدامة والعادلة عندما تُطبق الديمُقراطية بكل اركانها في المواطنة المتساوية والحريات والشفافية والنزاهة وقيّم حقوق الإنسان والعدالة ، الربط بين مفهومي التنمية والديمُقراطية هو أهم وسائلنا في اليسار الديمُقراطي لخلق نموذج لسودان جديد وديمُقراطي ومُتقدم ، حيث لا تخلف فيه ولا إطهاد ولا فوارق إجتماعية وإعتلاء ثقافي إثني وعرقي وتفاوت إقتصادي وفقراء مسحوقين في مقابل قلة قليلة مُتحكمة في السُلطة والثروة وكل إمتيازات الدولة..
يتواصل في القادم حول قضايا التنمية والديمُقراطية والدين والدستور والمرأة وقضايا الحُكم والعلاقات الخارجية وغيرها من برامج وسياسات في رؤيتنا لليسار الديمُقراطي الجديد في السُودان ..

‫5 تعليقات

  1. يا رويس فاضي من جنس كتاب ومجلة، أمشي أمشي، أمشي راجع سلسلة التثقيف السياسي النظري، الحلقة 5، الصادرة عن مكتب التثقيف المركزي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني تحت عنوان: مفهوم المركز والهامش ومنهج التحليل الثقافي قراءة نقدية، نوفمبر 2017، ههههه، إنتو البلاوي دي بتجيبوها من وين يا ناس الراكوبة؟ شكيتكم لى الله

  2. أكاد أموت من الضحك ملئ شدقي كلما قرأت عبارة اليسار الديمقراطي أو الجبهة الديمقراطية أو التيار الوطني الديمقراطي وهي مسميات لكيان واحد وواجهاته وهي الحزب الشيوعي ” منذ متى أصبح الحزب الشيوعي ديمغراطي” أو كما قالت المرحومة فاطمة أحمد ابراهيم تعليقاً على زميلها السابق في الحزب الأستاذ أحمد سليمان المحامي رحمه الله عندما بلغها أنه قد أنشأ إبان أيام الإنقاذ منبراً أسماه “المنبر الديمقراطي وعندها صاحت فاطمة رحمة الله عليها ” سجمي هو من متين سليمان بقى ديمقراطي!:

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..