اليوم العالمي للمسرح وماذا عن مسرح (الضبابة والنمل والجقور)

العالم يحتفل في 27 من مارس في كل عام باليوم العالمي للمسرح وتتكرر بيننا المقولة الشهيرة (أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعباً مثقفاً) وهذه الجملة تدل على مدى أهمية المسرح للمجتمعات منذ القدم ونحن اليوم أشد حاجة للمسرح من أي يوم آخر ..فالمسرح يزداد نشاطه ودوره في الجو الديمقراطي فيتناول المظاهر السالبة في المجتمع بكل سخرية حتى يلفت الأنظار إليها وبالتالي علاجها .. الحديث عن دور المسرح وارتقائه بالمجتمع يطول جدا
لكن علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال : ماذا يحدث عندما نذهب إلى المسرح ؟ … إننا نتفرج على أناس يتكلمون ويروحون ويجئيون ويحكون أشياء قد وقعت لهم ويتضايقون ويضحكون .. وقد يذهب بعضهم إلى أن يقتل البعض الآخر .. أو يحبه أو يتزوجه .. ما هذا ؟ إنه تمثيل في تمثيل .. فلا شئ مما نراه يحدث أو قد حدث .. ولكننا قبل أن ندخل المسرح نعرف هذه الحقيقة .. إن كل ما نراه أمامنا كذب فني .. فلا شي حدث ولا شئ يحدث ..
ومن المؤكد أننا ننفعل لما نراه على المسرح أو على الشاشة .. ونحب ونكره .. ويدق قلبنا من الفرحة ومن الخوف .. ونتنفس بإرتياح عند نهاية الفيلم فقد إنتصر واحد على واحد .. انتصر الخير على الشر أو الحب على الكراهية ..
وما يحدث اليوم في الساحة السياسية في السودان كأننا امام مسرح … وإنها تمثيلية .. ونحن ننفعل معها ونروح ونجي بعيوننا وقلوبنا وقبل أن نذهب إلى المسرح قد هيأنا أنفسنا لذلك وكما ننفعل في بيوتنا ونحن نتفرج على التلفزيون لأي فلم أو مسرحية لا أحد يقوم يضرب البطل كفين جامدين ولا أحد يأخذ من البطلة فبلتين لا شي من ذلك يحدث .. لأن الذي أمامنا تمثيل وأننا نعرف ذلك أما الذي يفعل غير ذلك فهو جاهل لا يفرق بين التمثيل والحقيقة بين ما يقع على المسرح أو على الشاشة أو على أرض الملعب وما يحدث في الحياة وليس هذا عجيباً فإن الأميين غالبية ساحقة في السودان
وللإنقاذ تاريخ حافل في التمثيل على المسرح ولها مسرحيات كثيرة وما زالت مستمرة في الإنتاج وكانت بداية حياتها تمثيلية عظيمة ألا وهي تمثيلية ( القصر والسجن ) ولم تتوقف عن التمثيل إطلاقا ولكن من أعظم مسرحياتها أيضا مسرحية الحوار الوطني أو (الوثبة) وكانت بإنتاج عالي التكلفة … وكانت رواية جيدة النص والإخراج والتنفيذ وإستطاع كاتبها أن يقنع البسطاء من الشعب وكثير من حلفائها بأنه وبعد نهاية هذا العرض ستنعمون بالديمقراطية والحريات والتبادل السلمي للسلطة وسيادة القانون وعاش مع هذه الرواية وصدقها كثير من الناس الذين لم يهيئوا أنفسهم قبل دخول المسرح بأن الذي سيرونه ويسمعونه هو خدع فنية وتمثيل في تمثيل ولم يقتنعوا إلا بعد أن تهاوت كل هذه الأوهام أمام كميرات مرآة الحقيقة وتم تشييع الحوار ودفنه .. وقد حصدت هذه المسرحية ملايين المشاهدين وتابعها الكثير من الناس وأخذت جائزة أحسن مسرحية مناورات تنتجها الإنقاذ في تاريخ مناوراتها المتعددة وتابعها الشعب السوداني بكل شغف وكانت النتيجة صفراً رغم التكاليف الباهظة في الزمن وفي المال
ومن الروايات التي تستمتعون بها هذه الأيام هي رواية أو مسرحية محاربة الفساد والقطط (السمان) التي دمرت الإقتصاد وأكلت مال الصادر والقبض على بعض (القطط) ودخولها السجون والجمهور يتابع كيفية المطاردة (والأكشن) وإنفعل مع الحدث حتى دخل أكبر ( كديس) في السجن ولكن في نهاية الفلم لقد إنتصر الشر على الخير وخرجت كل (الكدايس) من السجون وهذه لأول مرة في تاريخ الإنتاج السينمائي والمسرحي أن ينتصر الشر على الخير … وغضب الجمهور غضبا شديدا في تلك الليلة وفي الصباح الباكر ذهب الناس في أشغالهم وكأن شيئا لم يكن لماذا ؟ لأن الناس هيئوا أنفسهم على أن الذي يجري هو خدع فنية فلا شي حدث ولن يحدث وأنه تمثيل في تمثيل وهذا ما درجت عليه الإنقاذ وهي في حال تمثيل .. وهذه الأيام قمة المتعة للذين يعشقون مسرحيات الإنقاذ والعرض هذه الأيام مع مسرحية النمل والتي دارت أحداثها حول أن النمل أكل (22 طنا) من السكر ولم يترك أثرا للجريمة وإختفت كل الأدوات التي أرتكبت بها الجريمة ودونت القضية ضد (ملكة النمل) وهي الآن هاربة وستظل كذلك كسابقيها من المجرمين لقد هرب من قبل المجرم (ملك الجقور) في تلك المسرحية الشهيرة التي تابعها الجمهور بعد أن أكل أطنان من الحديد وغش في (جودة الخرسانة) … والجمهور يتابع هذه المسرحيات وبكل إستمتاع !! بالرغم من التشابه في النص لكثير من المسرحيات حتى أصبحت مملة جدا وغير جديرة بالمتابعة وقد يثور الجمهور ويضرب الممثلين بالحجارة بعد أن فشلوا وفسدوا في أداء أدوارهم وسيسدل الستار وستطفى أنوار الصالة ولن يجد الممثلون طريقا غير الهرب من الأبواب الخلفية للمسرح خوفا من لعنة وإنتقام الجمهور الذي سئم من هذه العروض البائخة … ولقد تخطت المتابعة والمشاهدة لهذه المسرحيات الهزيلة الحدود وأصبحت عالمية في لحظات وتناولتها الكثير من الفضائيات العالمية وبكل سخرية وتندر ..
وعموما لن تتوقف هذه المسرحيات وهذه الأفلام عن البث إلا بعد إنتاج الفلم العظيم الذي سيكون من إنتاج الشعب السوداني ونسميه فلم (ليلة القبض على الفيل الكبير وأشقاء الفيل وزوجات وأقرباء الفيل) حينها ستكون المحاكمة للفيل في العلن عما فعله أتباعه (الضبابة والجقور والكدايس والنمل) وستتناوله جميع فضائيات العالم بكل فخر والتي سخرت مننا كثيرا ومن مسرحياتنا.
ياسر عبد الكريم
[email][email protected][/email]