المرض السوداني

المرض السوداني
عبدالغفار عبادي
قد يتعجب كثر من مصطلح ” المرض السوداني ” الذي جاريت به مصطلح ” المرض الهولندي ” لوصف و تجسيد الخراب و الدمار و التفكك الذي حل بالمنظومة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية في الدولة السودانية ؛ لانه من الاجحاف بمكان تسميته “بالازمة” او “المشكل ” لما في المصطلحين من تهوين و تقليل لبشاعة ما حدث و يحدث . في الطب يتم تعريف المرض المزمن بانه ما طال امده و تعسر شفاؤه من الامراض … و على هذا يمكن لنا نصنف المرض السوداني طبيا كمرض مزمن (chronic disease ) فهو الذي جاوز القرن و جاوزت اوجاعه حد الاحتمال و التحمل .
كثير من المفكرين و الفلاسفة تقمصوا دور الاطباء و تسابقوا في تحليل و تمييز “المرض السوداني” او ” ازمة الدولة السودانية ” و تخمين و تقدير الحلول الملائمة لها , فكان منها ما لامس الجوهر و منها ما حام حوله و منها ما غرد في كوكب اخر .
المرض السوداني ليس سببه الانقلابات العسكرية المتكررة ، او الانظمة الشمولية الخارجة من رحمها ، و ليس المرض سببه التباين الاثني ولا الثفافات المتعددة ولا اللهجات و العادات الاجتماعية و الدينية المتباينة ، ولا الفوارق الاقتصادية و المعيشية على الرغم ان من انها جميعها لعبت دورا بارزا في تفاقم المرض و شدة اعيائه ، و احيانا يحاول البعض ? بلا استحياء ? الصاقه بالاستعمار البغيض و الذي رغم (بلاويه) و ويلاته بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب مما كسبته ايدينا و عبثت به عقولنا الساذجة .
بعد عناء و مشقة و استقصاءا للاثار و نبشا للافكار و الافعال المتراكمة في جعبة التاريخ توصلت لكل او بعض اسباب المرض و التي قد يصاحب الحقيقة بعضها و البعض قد يجانبها وهي :-
1- فقدان الهوية : نحن لازلنا نعيش سنوات التيه التي عاشتها بني اسرائيل في مسألة الهوية ، ولا زال السؤال “هل هي هوية عربية اسلامية ام افريقية علمانية ام سودانية ام غير ذلك ؟ ” يحمل كم هائل من الاجابات المتباينة التي من المستحيل التوفيق بينها وجمعها في مسار وسطي يسلكه الجميع .
2- العنصرية و الجهوية : نحن من اكثر اهل الارض الذين اهلكتهم العنصرية و فتقت نسيجهم الاجتماعي و تحول الشعب الى مجموعات عرقية و جهوية متناحرة كل منها يزعم الافضلية في النسب و الثقافة و الاصالة و ان الاخرين دونه في كل شيء و واجب عليهم الاقرار بذلك ، و على الرغم من استفحال العنصرية و اثارها المدمرة الا انها لا زالت تنعم بالعيش في كهف المسكوت عنه و يجتهد الكل في غض الطرف عنها و عن انعكاساتها السيئة و تزييف الواقع بمصطلحات براقة كاذبة كالتعايش و السلام الاجتماعي و قوة الترابط الاجتماعي و غيرها من مصطلحات صوالين التجميل .
3- عدم القدرة على تجاوز الصراعات و المرارات التاريخية و التسليم بنهاية تلك الحقبة بخيرها و شرها و القناعة بان الاحفاد غير مكلفين بسداد فاتورة الاسلاف .
4- رفض المخالف بالكلية و تطبيق مبدأ ” من ليس معي فهو ضدي ” و مبدأ ” ارائي صواب لا تقبل الخطأ و اراء غيري خطأ محض لا تقبل الصواب ” ؛ فاصبح مجرد الاختلاف في الرأي صراع بقاء ضاري .
5- بداوة العقل الجمعي و سطحية التخطيط المستقبلي و عدم امتلاك بنية ايدولوجية قوية تعمل على تطوير متغيرات الحياة و بناء نمط حياتي حداثي قابل للتغير المستمر لملاءمة البيئة المحيطة .
6- الفهم الخاطئ للمعتقدات السيولوجية و و التمسك الاعمى بعادات و موروثات لم يعد لها موطئ قدم في العصر الحديث .
آخر الكلام
و كايمان مطلق منا بالهدي النبوي ( ان لكل داء دواء ) نجزم بوجود الترياق في مكان ما متواريا عن النخبة و لكن التسليم بوجود المرض و البحث عن الدواء هي بكل تأكيد نصف الطريق نحو التعافي و الشفاء التام .
الطريقة التي يتم بها التعامل مع المشكلات في بلادنا تعمل على مفاقمتها اضعافا مضاعفة .
تغييب الحقيقة و الغطس بعيدا من الازمات الطافية ليس باكثر من ترك منزل مشتعل للريح .
آخر الحكي
لو زادت عليك الهموم … اوعاك تنوم