مقالات وآراء

الدولة السودانية الحديثة وشبح النموذج السناري: هل نعيد إنتاج الماضي في غياب المشاريع القومية؟

الصادق بابكر الأمين*

❖ مدخل تأملي:

حين نتأمل سيرورة الدولة السودانية الحديثة، نجد أن محاولات بنائها لم تخرج تمامًا من عباءة النماذج التاريخية التي سبقتها، وأبرزها النموذج السناري. لقد مثّل هذا النموذج شكلًا بدائيًا لمفهوم الدولة المركزية، لكنه لم يستند إلى قواعد الدولة الحديثة القائمة على التصنيع، البنية الاقتصادية القومية، والمؤسسات البيروقراطية ذات الطابع الوطني.
اليوم، في ظل غياب المشاريع التنموية الكبرى، وتفكك السلطة المركزية، يظهر شبح النموذج السناري مجددًا، لا بوصفه ماضيًا ندرسه، بل كخيار يعود حين تعجز الدولة عن إنتاج ذاتها الحديثة.

❖ أولًا: النظام السياسي في السلطنة السنارية

لم تكن السلطنة السنارية (1504–1821م) دولة قائمة على دستور مكتوب أو مؤسسات دستورية. بل كانت تركيبة مرنة، تقوم على تحالف قبلي وديني (تحالف الفونج مع العبدلاب)، مركزها الحكم في سنار، وأطرافها تتبع بشكل متفاوت الولاء.
رغم الطابع السلطاني–الإسلامي، لم يكن هناك جهاز موحد لتوزيع السلطات، بل سادت مبادئ لا مركزية غير معلنة، حيث يُمنح زعماء المناطق سلطات تقديرية لإدارة شؤونهم. هذه الصيغة جعلت الدولة قابلة للاستمرار في مجتمع متنوع إثنيًا ودينيًا، لكنها هشّة أمام الضغوط الخارجية والداخلية.

❖ ثانيًا: غياب الاقتصاد القومي وأثره على مركزية الدولة

لم تُبنَ السلطنة السنارية على اقتصاد إنتاجي زراعي أو صناعي واسع النطاق، بل على مداخيل الجباية المحلية، والتجارة المحدودة في الذهب والرقيق والعاج. ومع غياب بنية إنتاج قومية، لم تظهر طبقة وسطى حديثة، ولم تتكوّن مؤسسات تنموية مستقرة. ولهذا ظل النفوذ محكومًا بعلاقات شخصية، وزعامات روحية، لا بمركز إداري تنموي.

❖ ثالثًا: الدولة الحديثة في السودان… مركز بلا مشاريع؟

الدولة الحديثة، كما نشأت في الغرب، تقوم على:
اقتصاد قومي (صناعة – زراعة حديثة – بنية تحتية قومية).
جهاز بيروقراطي وطني يخضع لقوانين موحدة ومركزية.
رؤية تنموية شاملة تنقل المجتمع من اقتصاد المعايش إلى الاقتصاد الإنتاجي.
لكن الدولة السودانية، منذ الاستقلال، لم تُنجز هذه الشروط. فالمشاريع الكبرى (مثل الجزيرة، السكة حديد، النقل النهري) تعثرت، ولم تُستبدل برؤية قومية جديدة. وبدلًا من ذلك، استعادت الدولة الحديثة في السودان الكثير من ملامح النموذج السناري: التحالفات القبلية، الرمزية الدينية، توزيع السلطات عبر الولاءات، وليس عبر المؤسسات.

❖ رابعًا: إذا لم تبنِ الدولة مشاريع قومية، تعود إلى ماضيها

> “إذا لم تجد الدولة مشاريع تنموية واقتصادية قومية، فسوف تعود إلى النموذج السناري الأول، بشكل أو بآخر.”
هذه العبارة ليست تشاؤمًا، بل قراءة موضوعية للواقع. الدولة التي تفشل في بناء مشروعها الاقتصادي والإداري الخاص، تُضطر إلى الاستعانة بمخزونها التاريخي والاجتماعي، وغالبًا ما يكون هذا المخزون تقليديًا، يعيد إنتاج السلطة الرمزية والولائية، بدل السلطة المؤسسية.

❖ خامسًا: هل المركزية الإدارية خيار أم ضرورة؟

اقتراح المركزية الإدارية في السودان ليس وهمًا نظريًا، بل محاولة لمعالجة التشظي السياسي عبر نظام يضمن وحدة القرار القومي مع احترام التنوع المحلي. وهو ليس مركزية استبدادية، بل مركزية تقوم على مشاريع قومية تنموية مشتركة، تُوحِّد الجغرافيا عبر الاقتصاد لا عبر الجباية.
لكن هذا لن يُنجز ما لم تُبْنَ الدولة على قاعدة اقتصادية حديثة، تشمل:
مشاريع قومية زراعية وصناعية.
طاقة منتجة (كهرباء – نفط – معادن).
شبكات نقل قومية تربط الأقاليم بالمركز.
مؤسسات تمويل تنموي

❖ خاتمة: شبح سنار بيننا

النموذج السناري ليس ماضيًا منسيًا، بل حاضر كامِن في كل لحظة ضعف تمر بها الدولة السودانية. حين تعجز عن بناء مؤسسات حديثة، يعود “السلطان الرمزي” و”التحالف القبلي” و”الاقتصاد الجبائي”، فيتراجع الوطن إلى نظام الولاءات، بدل العقود الاجتماعية.
وإذا لم تنشأ مشاريع قومية حديثة، ستظل الدولة السودانية عاجزة عن أن تُولد من جديد، وتبقى حبيسة دوامة تبدأ من سنار… وتنتهي عند لا دولة.

* باحث وكاتب سياسي
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. عندما كانت دولة ستار ترزح في تخلفها المجيد ويجبي سلطانها الإتاوات من منحه أراض لا يملكها وهو يتمرغ في خدره الوثير تمسحه الجواري بدهن الزراف … كان العالم بدأ ثورة المحركات البخارية وكان المغول في نفس الأوقات يبنون القصور والقلاع وتاج محل ويؤلف علماؤهم الكتب والمخطوطات التي ظلت موجودة الي الان وكانت الدولة الأصفهانية في ايران تهدي العالم العمارة والخيام وسعدي الشيرازي … دعك مما كان يحدث في أوروبا وبداية الثورة الصناعية…لم تخلف السلطنة السنارية بناية واحدة ولم تورثنا ولا حتى كتاب واحد … سقوط سويا المسيحية وقيام الدولة السنارية اشر لمسيرة طويلة من التخلف والجهل وها نحن نختمها بحميدتي والبرهان كتاب الصفحة الأخيرة في موسوعة الجهل والتخلف التي كان السودان

  2. بعد الاستقلال الزائف المدعى له ١٩٥٦ لم يضع مؤسسو الدوله السودانيه الحديثه شكل دوله حديثه مؤسسه على نظام حكم حديث ينبني على عقد اجتماعي وذلك بواسطة دستور دائم يستفتى فيه كل الشعب السوداني ، بل اسسوا الدوله على مركزيه احادية الدين والثقافه وعلى تراتبيه عرقيه جهويه بينه يتم فيها سيطرة الدوله والسلطه والثروه لابناء هذه العرقيه ومن جهه محدده من السودان وقد وضعوا موانع هيكليه لباقي ابناء السوداني تحرمهم من تقلد او تولي وظائف سياديه عليا في الدوله السودانيه كرئيس الجمهوريه والوزراء او وزير خارجيه او وزير دفاع او داخليه او قائد عام للقوات المسلحه او مدير عام الشرطه او مدير عام لجهاز الامن والمخابرات او الاستخبارات العسكريه او مدراء عامين في الخدمه المدنيه وهذه الموانع هي : الدين، الثقافه، العرق، اللون ، الجهه حيث منع من هذه الوظائف اي مسيحي او لاديني ومنع من لم يكن لسانه عربي فصيح ، ومنع من لم يكن عرقه عربيا قح مع اللون الابيض او من لم يكن من الوسط النيلي ، حيث ان ابناء النوبا والفور والفونج والفلاتا والجنوبيين قبل الانفصال من تاثروا بهذه السياسه العنصريه البغيضه كابرتايد واضح من النظم السياسيه السودانيه المتعاقبه مما ادي للصراع السياسي بين ابناء السودان فاسس لتبني ابناء الهامش لحركات مسلحه منذ ١٩٥٥ لجون اودهو وفي عام ١٩٧٢لجوزيف لاقو و١٩٨٣ لجون قرنق و ٢٠٠٣ لحركة عبد الواحد محمد نور وما قبلهما عام ١٩٦٢ وهي حركة كومولو لابناء جبال النوبا ؛ تبنت النظم المتعاقبه اللوائح المؤقته بدلا من الدستور الدائم ، لماذا ؟ لان اللوائح المؤقته تحافظ لهم على امتيازتهم من السيطره على الدوله والسلطه والثروه لان طبيعة اللوائح المؤقته هي عدم الثبات ويمكن ان تلغى من اي نظام متعاقب او تعدل فيها بنود لصالح الحاكمين اما الدستور فلا يمكن تعديله او الغائه الا بواسطة البرلمان وبعدها يعرض للشعب للتصديق عليه باستفتاء عام ، لذلك اعتمدت الانظمه السودانيه الاولغاركيه المتعاقبه على اللوائح المؤقته ؛ الحل لمعضلة الازمه السياسيه السودانيه هو قيام مؤتمر قومي دستوري يبين فيه شكل الدوله ونظام الحكم فيها والعلاقات بين الدوله والمواطنيبن ومؤسساتها كذلك يجب ان تؤسس لمبادئ فوق دستوريه يجب على اي نظام حكم ان لايلغيها او يعدل فيها وهي نظام حكم لامركزي اقليمي ديمقراطي مدني، التدوال السلمي للسلطه بين اقاليم السودان، العداله التاريخيه ، حق تقرير المصير لاي اقليم اذا اراد الانفصال، الاعتراف بالحقوق المدنيه لابناء الهامش، الاعتراف بالمواطنه ، المساواه في توزيع السلطه والثروه وبعد اجازة الدستور الدائم من برلمان مؤقت يتم عرض هذا الدستور للشعب السوداني عبر استفتاء عام للمصادقه عليه وبذلك ينشر في الغازيتا العامه ويكون دستور دائم وبعده يتم سن قوانين هامه تتعلق بهذا الدستور مثل قانون الانتخابات العامه، قانون العمل السياسي في السودان ، قانون المفوضيات ، قانون الجيش ، قانون الامن والمخابرات ، قانون الاستخبارات العسكريه ، قانون الشرطه واعمالها ، قانون الاحزاب ، القانون الجنائي واجراءاته ، القانون المدني واجراءاته، قانون الاحوال الشخصيه للمسلمين وغير المسلمين واجراءاته ، القانون التجاري ، قانون المعاملات الماليه الالكترونيه وغير الالكترونيه ، قانون الاتصالات ، وغيرها من القوانين الهامه .

  3. يقول كاتب ان الدولة السنارية لم تقم على قواعد الدول الحديثة التي يقوم اقتصادها على التصنيع الخ …. اخي انت تتحدث عن دولة قامت قبل اكثر من خمسمائة عام وتريد ان تحاكمها بمنطق اليوم ولكنها في ذلك الزمان وقياساً بما حولها مت الانظمة تعتبر دولة قوية ومنظمة استطاعت ان تصمد في وجه اعدائها لاكثر من ثلاثمائة عام وخاضت العديد من الحروب مع الاحباش مثلاً الذين كانوا يطمعون في ارض السودان ويكفيها فخراً انها هي التي قامت بارساء حدود السودان الحالية التي كانت قبل ذلك عبارة عن ممالك مسيحيه منفصله مثل مملكة علوة واصبحت حدود السودان تمتد من كردفان غرباً الى البحر الاحمر شرقً ومن الحدود الحبشيه جنوباً الى مصر شمالاً وكان هنالك الكثير من الانسجام بين مكوناتها وهو ما يفتقده السودان اليوم لذلك اصبح الكثير من السودانيين على قناعةٍ تامه بأن السودان لا يمكن ان يستمر بهذه التركيبة الاثنيه المشوهة التي انتجت لنا خطاب المركز والهامش الذي يعمل باستمرار علي اضعاف الدولة واثارة الحروب والقلاقل التي لن تنتهي الا برجوع السودان الى حدود الدولة السنارية الذي اصبح تياراً كاسحاً وسط الشعب السوداني خاصةً بعد القتل والاغتصاب والنهب الذي واجهه من اشخاص لا ينتمون الى اخلاق وقيم واعراف وجغرافيا المجتمع السناري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..