مهمات(تدميرية)

يقضي أغلب الناس في بلادنا يومهم في مهام مقدسة تتعلق بتدبير المعيشة،حق الفطور والغداء والعشاء،إضافة لمصروفات التعليم والصحة،وقروش المواصلات،وآبري رمضان،أضف لذلك فاتورة الموية والكهرباء ورسوم النفايات،وحق اللبن لمن استطاع إليه سبيلا(أبوي لي بيه يا اللبن).وهي مهام شاقة قياساً علي الحد الأدني الضروري من الإحتياجات الذي لا يقل عن 3500 جنيه للأسرة في الشهر،والحد الأدني للأجور الذي لا يتجاوز 426 جنيه كل شهر.
ولكن مهمة الدفار رقم (حكومة 559)التابع لمحلية الخرطوم تختلف عن كل مهمة الدفارات في العالم أجمع.
يحمل الدفار المذكور في جوفه،بالإضافة للسائق،عدد 2 بوليس بالزي الرسمي،وأربعة من منسوبي النظام العام،أو أكثر حسب المهمة المناطة بهم.
وتتكفل المحلية وهي جهة حكومية بالطبع بنفقات تسيير الدفار من جازولين وزيوت وصيانة،وتغيير لساتك(بنشر)،وبطارية،ثم ماهية(السواق)ومن معه من المنسوبين،وحوافزهم،و(كيس رمضانهم)وخلافهما من النثريات .
طلع هذا الدفار ،بمن فيه،من قواعده الثلاثاء الماضي،وانطلق إلي حيث شارع القصر،ثم بدأ السباق العجيب (الماراثوني)،بين منسوبي المحلية الذين نزلوا من الدفار بسرعة البرق،واتجهوا(جرياً)نحو الباعة المتجولين،الذين جروا بدورهم في كل ناحية وزقاق.
وفي سياق المطاردة(حوصر)شاب عشريني في ركن قصي،وهو يحمل صرة جمع فيها بضع ملابس وأحذية كان يعرضها للبيع في رصيف شارع القصر قرب أحد المجمعات الطبية،بذل جهده للإستماتة في التمسك بالصرة،ولكن فارق اللياقة هزمه،فأخذت الصرة إلي الدفار،ومنع من الركوب مع أمتعته(لأن هذا هو البروتوكول)،ولما سألته بعد ذاك عن وجهته قال لي(الله في)،ومعناها أنه سيذهب إلي حيث ذهبت بضاعته،ويدفع الغرامة،ويقبل النهزرة،ثم تعود الكرة من جديد.
تنسد أمام الفقراء في بلادي منافذ التعليم،لأن الناس لا تستطيع دفع تكاليفه،أو لأن الحرب شردتهم من مناطقهم إلي العاصمة،فيبحثون عن مصادر رزق،عوضاً عن التسول،ولا يجدون أي وظيفة،لأن الوظائف في القطاعين العام والخاص حصرية علي منسوبي الحزب الحاكم،فيشتغلون باعة متجولين،يستلفون البضاعة من أصحاب محلات،ويعرضونها في الهجير اللافح للحصول علي بضع جنيهات،لا تساوي حتي ثمن وجبة واحدة ولكنه شغل علي أي حال.
ولكن السلطات الحكومية،لا تتركهم في حالهم،ولا توفر البدائل لهم،بحجة أن القانون يمنع أنشطتهم،أي قانون هذا الذي يسمح لأي جهة بمطاردة الناس وكأنهم مجرمين،ويسمح بمصادرة ما يحملونه دون أمر قضائي،ويسمح بنهزرة البشر دون مسوغ!!
هذه الأوامر المحلية،وإن صدرت من مجالس تشريعية محلية،فإنها تنتهك حقوق الناس،وتخالف أي مواثيق دولية.
ولا يقول السدنة إن مظهر الخرطوم الحضاري،يتطلب إزالة هؤلاء،فمن يشوه الخرطوم،ليسوا هم باعة الطبالي وستات الشاي والكسرة الذين يعيشون من عرق جبينهم،إنما الذين يسرقون المال العام،ويتحللون امام المحاكم،والذين يغلقون أبواب مكاتبهم أمام الشعب،بحجة أنهم في اجتماع،والذين يركبون العربات المظللة المحروسة بالسلاح،ولا ينظرون إلي من يتكدسون في المواقف العامة في انتظار المواصلات،والمواصلات لا تاتي لأن الجازولين في (الطرمبات)مافي،والجازولين مافي لأن الدولار مافي،وفي خضم هذه(الورجغة)تقول وزارة النفط أن الأزمة مفتعلة،وكادت أن تقول أن الجاز(شطفه)المعارضون،وشل شل كب لي جالون.