الدراما الايرانية تحول الجمهور العربي إلى أنبوبة اختبار تقيس من خلالها انتشار المد الشيعي في المنطقة.

طهران – الدراما الايرانية دراما “حلال” تتعمد الابتعاد عن تحريك المشاعر والعواطف وتتجنب اثارة الغرائز والشهوات لتحط رحالها في عقول المشاهدين وتسقيهم شتى اصناف الايديولوجيات الفكرية والدينية.
ويثبت الواقع بما لايدع مجالا للشك ان المسلسلات الايرانية اغلبها ان لم يكن كلها وخاصة التي تقتحم الفضائيات العربية دون استئذان تبتعد عن موجة الدراما الاجتماعية والكوميدية والرومانسية وتضع بديلا لها المسلسلات التاريخية الممتزجة بصبغة دينية.
ويرى النقاد ان هذا التوجه مدروس بدقة وليس من باب الصدفة.
ووظفت الدراما الإيرانية نفسها للتأثير على الرأي العام، والثقافة الجماهيرية، وهي متطابقة تمامًا مع النموذج السياسي الإيراني، حيث تقدم برامج مدروسة دينيّة تبشيريّة للمذهب الشيعي، وفقا للكثير من المحللين والمتابعين.
فللدراما دور مهم في التسويق للثقافات والترويج لعدد من المفاهيم والقيم التي تقدمها والتأثير سلبا اوإيجابا على المشاهد الذي أثبتت بعض الدراسات أنه يتعامل مع ما يراه على الشاشة بانفعالات تكون العاطفة هي المحرك الأساسي لها.
والدراما لها تأثيرات تربوية كبيرة في بناء القيم، فضلا عن اثارها الاجتماعية والنفسية والإعلامية، وهي اللاعب الأول في الشاشة الفضية، حيث تحظى بأعلى نسبة مشاهدة، وفقا لما تؤكده الدراسات حول حركات التسويق والإعلان المصاحبة لهذه الأعمال.
وإن التفرد الإيراني باعادة إنتاج القصص القرآنية، وروايات التاريخ الإسلامي يؤكد صحة مقولات إعادة صياغة التاريخ الديني وفقا للمذهب الشيعي.
وظهرت مسلسلات إيرانية مثل، “الإمام علي”، “الإمام الحسن”، “الإمام الحسين”، “مريم العذراء”، و”النبي أيوب”، و”يوسف الصديق”.
وطالبت الهيئة العالمية للعلماء المسلمين السلطات الايرانية بايقاف انتاج فيلم سينمائي يجسّد شخصية النبي محمد، للمخرج الإيراني مجيد مجيدي والذي يحمل اسم “محمد”.
وفي الوقت الذي واجه فيه مسلسل “الحسن والحسين” هجوما شديدا ودعوات قضائية تلاحقه من كل اتجاه مطالبة بإيقاف عرضه انتهت إيران من تصوير فيلم سينمائي عن حياة خاتم الانبياء.
ودعت الهيئة في بيان لها سابقا حكومة إيران إلى إيقاف تصوير هذا الفيلم ومنع عرض أي جزء منه، فهي مسئولة عما يتم في أراضيها، وعليها أن تمنع تجسيد شخوص الأنبياء والرسل، وخاتمهم محمد.
وقال المخرج الايراني لمسلسل يوسف الصديق “إن الثقافة الشيعية لا تواجه مشكلة في عرض صور المعصومين كما قال بذلك الخميني”. وبالتالي فان منطلق السينما الإيرانية في التعاطي مع تجسيد الأنبياء عقائدي بالأساس.
وعلل أيضا وجهة نظره السينمائية بما تعرفه هوليوود من تشخيص الأنبياء وتشكيك حتى في قداستهم وعصمتهم.
ومع أن الأزهر الشريف باعتباره أعلى هيئة سنية في العالم الإسلامي أكد على تحريم تجسيد الشخصيات الدينية المقدسة وخاصة الأنبياء و الرسل، مازالت المسلسلات الإيرانية هي السباقة للاعمال الدينية المثيرة للجدل.
وذهب جمهور الفقهاء، كما جاء على لسان مجموعة من العلماء، إلى أنه “يحرم تجسيد الأنبياء في المسلسلات والأفلام، ووقع الخلاف في تجسيد الصحابة والصالحين، فهناك من ذهب إلى القول بالجواز، وهناك من ذهب إلى القول بالمنع، ما لم يتضمن ذلك أي نوع من الامتهان أو الانتقاص من قدرهم”.
وافاد الدكتور عبدالرحمن النامي أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود أنه عند متابعته بضع حلقات احد هذه الأعمال اكتشف أن بها عددا من المخالفات العقائدية من خلال المبالغة في تجسيد شخصيات الأنبياء.
وبين أن إيران تحاول من خلال قناة الدراما المدبلجة أن تتوسع ثقافيا واستفادت من التقنية لبث رسائلها والتي كان من أهمها هي تغيير بعض الثوابت مثل الخليج العربي الذي تكرس له مصطلح “الخليج الفارسي”.
وقال “نحن لا ننكر أن الثقافة الإيرانية ثقافة عريقة ولسنا ضدها بل ضد تغيير القيم والثوابت والأدلجة”.
وتتهافت العديد الفضائيات الدينية على بث المسلسلات التاريخيّة الإيرانية المدبلجة للعربية كقناة “الكوثر” و”الفرات”، و”المنار “و”الناس”.
وقامت فضائيات عربية مثل الـ”ام بي سي” و “او تي في” بإدخال الدراما الإيرانية إلى بيت المشاهد العربية وتزامن هذا مع إطلاق إيران قناة الأفلام الخاصة بها والناطقة بالعربية والتي تبث أفلاما ومسلسلات على مدار الساعة.
وتمت دبلجة عشرات المسلسلات الايرانية باللهجة السورية في استديوهات الشركات الفنية السورية، كما تقدم برامج حية من العاصمة السورية عبر فضاء القناة الايرانية الجديدة.
وتروج اخبار عن قيام بعض قنوات العربية باستبدال الدراما التركية بنظيرتها الإيرانية، ويرى مراقبون أن ذلك على خلفية المواقف السياسية للحكومة التركية.
ويرى محلل سياسي معروف ان اهتمام إيران بدخول أعمالها إلى كل منزل لم يأت من فراغ، فبعد أن فشلت السياسة الإيرانية في كسب ود الشعوب العربية هاهي تكسبت الرهان الآن تدريجيا بعد دخول أعمالها الدرامية إلى أكبر وأشهر الفضائيات العربية.
ويعتبر ناقد فني ان الجمهور العربي أنبوبة اختبار وتجربة للاعمال الايرانية التي قد تُستغل لتمرير أفكار سياسية وتاريخية مغلوطة خاصة إذا كانت تلك المسلسلات عن سير الأنبياء.
وأوضح الدكتور صالح الرميح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود أن مكمن الخطورة يدفعنا في طرح تساؤل قبل إطلاق الحكم حول تأثير الدراما، “هل هذه الدراما من الأساس مؤدلجة أو غير ذلك”؟.
ولكنه عبر عن ثقته في القائمين على القنوات الذين لن يسمحوا بوجود أي تجاوزات في المواد المرئية المطروحة.
وتخطف المسلسلات الايرانية انظار العديد من المشاهدين في اصقاع العالمي العربي وتقبل العائلات بالخصوص على مشاهدتها لكونها تلتزم بمبادئ “الحشمة” والرصانة والابتعاد عن اثارة الغرائز وهو مربط الفرس.
حيث ان الدراما الفارسية تتعمد مخاطبة العقول قبل الاجساد والعواطف للتاثير عليها وجرها الى الانسياق في اجنداتها الفكرية والدينية وتلتزم في كل ذلك بخط الفن المستقيم و”الحلال”.
في حين تنظر البقية اليها نظرة ريبة وخوف من تسلل السلاح الايراني الإعلامي إلى البيوت العربية ليؤثر على طرق تفكير وعيش المجتمعات، ويمهد الطريق أمام التمدد الإيراني.
اعداد: لمياء ورغي
ميدل ايست أونلاين