ولكن هل لا نزال منتجين

ما قاله وزير المالية بدر الدين محمود يمكن أن نستنكره في سياق رفضنا تملصه من المسؤولية أو في سياق تحديد المسؤولية الأكبر عن ضعف الإنتاج في بلادنا.. حيث إن الحكومة تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية تعطل وانهيار المشروعات الإنتاجية كما سرد الكثيرون في غضبتهم ورد فعلهم على حديث الوزير.
الوزير فعلاً الذي يمثل الحكومة ليس له لسان يلوم به الشعب السوداني، لأن الحكومة لم تتبع سياسات تحفيزية للإنتاج وهذه حقيقة لا خلاف كبير عليها. لكنها لا تعفينا من اللوم ولا تعني عدم لومنا لأنفسنا ولا تنفي صحة الحديث عن تحول مجتمعنا في ثقافته العامة من شعب منتج إلى شعب مستهلك.
هذه حقيقة، نعم الدولة تتحمل المسؤولية فيها بالدرجة الأولى درجة تشجيع توجهاتنا الاستهلاكية بعدم الحرص على حماية الإنتاج لكن جزءا مقدرا من المسؤولية يرتبط بتحولات مجتمعنا من ثقافة الإنتاج إلى ثقافة الاستهلاك.. يجب أن لا ننكر ذلك ولا ننكر تأثر مجتمعنا السوداني بثقافات دول الخليج التي تحتضن مئات الآلاف من السودانيين الذين أثرت هجرتهم في هذا التحول السلبي في المجتمع من الإنتاج إلى الاستهلاك، من جانبين الأول هو أن الكثير من الأسر السودانية ظلت تعتمد على تحويلات أبنائها المغتربين، الشيء الذي فرّغ بقية أفراد الأسرة من المسؤولية فتراجعت عندهم الرغبة في العمل والإنتاج، أما الجانب الآخر فيرتبط بتأثر المغتربين أنفسهم بنماذج حياة تلك المجتمعات غير المنتجة وحالتها الاستثنائية مقارنة بغيرهم من شعوب العالم الأخرى.
تلك شعوب لها ظروفها الخاصة فقد عاشت أجيال ما بعد النفط في تلك الدول حالة من الدلال العالي وعدم الحاجة للعمل والإنتاج، وهذا أيضاً أثر في ثقافتنا حيث أصبح الكثير من الشباب السوداني يحاول تقليد هذا النموذج ويبحث عن طرق مختصرة وسريعة لاكتساب المال والتظاهر بمظاهر الحياة المترفة والتباهي بأنه لا يحتاج لأن يتعب أو يبذل جهداً كبيراً في العيش فانتشرت ثقافة السمسرة ومهن الوسطاء والمهن الطفيلية في المجتمع..
حتى مجتمعات الوسط المنتجة بطبيعتها في مناطق الجزيرة تجدهم ومنذ ما قبل انهيار مشروع الجزيرة أصبحوا يميلون للعمل في مجالات التجارة برأس مال مشروعاتهم الإنتاجية نفسها (يبيع بقراتو ويبيع أرضو ) ليوفر رأس مال لعمل تجاري بدورة قصيرة لرأس المال وضمان أكبر. وأنا أتحدث حتى الفترة منذ سنوات ما قبل انهيار مشروع الجزيرة وغيره من المشروعات حالياً.
نعم ليس من حق الوزير بالذات أن يحمل الشعب المسؤولية لأن مسؤوليته هو ومسؤولية الحكومة أكبر لكن يجب علينا أيضا أن نواجه أنفسنا بهذه الحقائق، لفائدة الاتجاه نحو العودة للإنتاج وتحمل ما علينا من مسؤولية.
علينا أيضاً أن نتواجه بحقيقة انتشار ثقافة الترفع عن الكثير من المهن الإنتاجية، وأن نتحدث بصراحة أن انفصال الجنوب أفقد شمال السودان نسبة عالية من العمالة في مجالات البناء والتشييد حيث كان أبناء الجنوب يقومون بهذه الأعمال الإنتاجية الشريفة، لكننا وبتأثير ثقافة المهاجر الخليجية يعتبر الكثيرون منا أنها مهن لا تناسبهم مهما كانت ظروفهم مشابهة لظروف من يعملون فيها.. يعتبرونها مهنا خاصة بنوع من العمالة الآسيوية بحسب تأثرهم بثقافة الاغتراب.. على عكس إخواننا المصريين الذين نرى من أتى منهم إلى السودان يمارس كل أنواع الأعمال لأن ثقافة العمل والإنتاج هي السائدة في مجتمعهم دون شروط وتعقيدات اجتماعية.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..