حوارات

العميد المفصول من جامعة النيلين: قرار إعفائي ناتج عن مادة تسلط ودكتاتورية

التغيير الذي حدث في السودان محصور على مستوى النظام السياسي

  • لا بد من ثورة تغيير اجتماعي لا يقودها السياسيون فقط
  • الصراع الحالي بين القوى الحديثة وقوى إجهاض الديمقراطية
  • الجامعات لم تعرف حتى الآن الحرية الأكاديمية بمعناها الصحيح وتُدار بقوانين العهد البائد

انتقد عميد شؤون الطلاب المقال بجامعة النيلين، د. مجدي عز الدين، عدم إصلاح قوانين الجامعات السودانية، مشيراً إلى أن المادة (16/أ) التي استند إليها مدير الجامعة في إعفائه من منصبه، تجذر للتسلط والدكتاتورية والرأي الأوحد، مطالباً في نفس الوقت، أن تتحول الصلاحيات إلى مجلس الأساتذة، لكي يصبح صاحب الكلمة الأولى في مثل هكذا قرارات.

وقال عز الدين، إن هناك منشوراً حدد مهام مديري الجامعات في الفترة الانتقالية، كان أول بنوده إصلاح وتغيير القوانين، لكن لم تقم أي جامعة بتغيير قانونها، معتبراً أن ذلك مؤشر خطير جداً، يوضح أنه لم يحدث التغيير الحقيقي، وأن ما تم محصور في مستوى النظام السياسي.

وكشف عز الدين، في مقابلة مع (الحداثة)، عن توافق بين أساتذة ومثقفين ومهتمين ومنظمات مجتمع مدني، بإطلاق الإعلان السوداني للحريات الأكاديمية والفكرية، مبيناً أن هذا الإعلان في طور التطوير والصياغة الآن، وسوف يُنشر بعد ذلك ويُملّك للرأي العام السوداني، وكل الجهات التنفيذية المعنية.

وتسلم عز الدين قرار إعفائه من عمادة شؤون الطلاب، أثناء إدارته لحوارية فكرية أُقيمت بمسرح النيلين قبل أيام، حيث قوبل القرار باستياء واسع من المهتمين. كما نُظمت وقفة احتجاجية أمام وزارة التعليم العالي، تندّد بإعفائه وتطالب بإصلاح قوانين الجامعات.

أجرى المقابلة – محمد الأقرع

*ما تعليقك على قرار الإعفاء، وما هي الملابسات التي صاحبت القرار؟

ـ قرار الإعفاء صدر من مدير جامعة النيلين، استند فيه إلى المادة (16/أ) من قانون الجامعة الصادر في العام ١٩٩٥، وتم تسليمه لي وأنا أُدير حوارية فكرية بمسرح الجامعة، وحضورها تجاوز ألف مشارك.

الحوارية كانت عبارة عن مناظرة بين د.حيدر إبراهيم والأستاذة أسماء محمود محمد طه، حول التجديد الديني، وكان النموذج الفكر الجمهوري. أثناء المناظرة وصلني خطاب الإقالة في ظرف، فوجئت لأنه من الطبيعي والمعتاد، أن تذهب (البوستة) إلى مكتبي، قرأت الخطاب، وقمنا بمواصلة الحوارية بشكل عادي.

كما أن الخطاب لم يسبب الإعفاء، وذهب وفد من تجمع الأساتذة لمدير الجامعة لاستجلاء الأمر، ورفض ذكر الأسباب، رغم أن الوفد اقترح تركنا وحدنا ليقوم بتوضيح سبب الإعفاء.

المهم في الموضوع، أن هذه المشكلة لا تعاني منها جامعة النيلين وحدها، وإنما كل الجامعات السودانية. وأعتقد أننا في مرحلة جديدة، وهناك تحول ديمقراطي في البلاد، وهذا أمر يستلزم تغيير قوانين الجامعات. علماً بأن الموجود هي ذات القوانين التي سنها وأصدرها النظام البائد، وكان من المفترض أن يحدث تغيير لتلك القوانين حتى تنسجم مع التحولات الحادثة، وبالتالي الصلاحيات التي تُعطى لمدير الجامعة مثل المادة (16/أ)، آن الآوان لتغييرها؛ لأنها تجذّر للتسلط والدكتاتورية والرأي الأوحد، يجب أن تتحول مثل هذه الصلاحيات إلى مجلس الأساتذة، ليصبح صاحب الكلمة الأولى في مثل هكذا قرارات.

*برأيك لأي مدى تمت إتاحة الحريات الأكاديمية وحرية الحوار والفكر في سودان ما بعد الثورة؟

ـ هناك مسألة مهمة جداً متعلقة بحماية مكتسبات الثورة، وإنجاح المسار الديمقراطي في السودان، وهي العمل على ترسيخ الحريات الأكاديمية داخل الجامعات. للأسف الجامعات لم تعرف حتى الآن الحرية الأكاديمية بمعناها الصحيح. أعتقد أننا في عهد نريد أن تكون الجامعة مؤسسة طليعية وريادية تقود مشروع النهضة والاستنارة، ولكي تضطلع الجامعة بهذه المهمة، لابد من توفر مناخ مواتٍ، يحفظ لهيئة التدريس والباحثين والطلاب حرياتهم الأكاديمية.

الجامعة ليست قاعة درس فقط، وإنما منارة للفكر وعرض لكل القضايا التي تهم المجتمع، ومن المفترض أن تقدم مساهمتها تجاه المجتمع السوداني، وتقترح الحلول الجذرية لمشكلاته.

الحادثة الأخيرة جعلتنا نفكر بالدخول في شراكة مع أكثر من (50) مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، وطرح مشروع لإصلاح الجامعات، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هناك منشوراً كان قد صدر من وزارة التعليم العالي، بينت من خلاله مهام مديري الجامعات في الفترة الانتقالية، وتضمن ذلك المنشور (13) بنداً، أولها كان تغيير قوانين الجامعات، وإلى الآن لا توجد جامعة سودانية غيرت قانونها، وهذا مؤشر خطير جداً، ويوضح أنه لم يحدث التغيير الحقيقي حتى الآن، وأن ما تم محصور في مستوى النظام السياسي، والثورة لابد أن تتحول لثورة تغيير اجتماعي لا يقوده السياسيون فقط، إنما يقوده المثقفون والأكاديميون والمفكرون ومؤسسات المجتمع المدني.

*ماذا أردتم أن تقولوا في الوقفة الاحتجاجية التي قمتم بتنفيذها الأسبوع الماضي؟

ـ قبل الوقفة كانت هناك ندوة شارك فيها عدد كبير من الأكاديميين والمتهمين بقضايا إصلاح التعليم العالي، وطرحت مسودة أولية سُميت بالإعلان السوداني للحريات الأكاديمية والفكرية، وهذا الإعلان الآن في طور التطوير والصياغة، وسوف ينشر بعد ذلك ويُملك للرأي العام السوداني وكل الجهات التنفيذية المعنية.

بعد الندوة كانت هناك وقفة أمام قاعة الشارقة، ومن ثم تم التحرك إلى وزارة التعليم العالي، وقام وفد من الأساتذة والمشاركين بمقابلة وكيل الوزارة، وهو مشكور، نزل وخاطب الوقفة الاحتجاجية التي كانت رسالتها واضحة بضرورة تغيير قوانين الجامعات، وأكدت على تقليص صلاحيات المديرين، وأن تعطى هذه السلطة والصلاحية الواسعة لمجلس الأساتذة، بما يتسق مع المرحلة الجديدة التي تتطلب مشاركة واسعة لهيئة التدريس في صنع القرارات فيما يليهم، سواء كانت قضايا إدارية أو أكاديمية أو مالية، وعدم ترك الموضوع للتصرف، بحسب هوى شخص واحد.

الندوة والوقفة كما قلت لك، ليست نهاية المطاف، وإنما تدشين لبداية جديدة سوف نكون فيها مواطنين سودانيين فاعلين، أو ما يسمى بمبدأ المواطنة الفاعلة، وبالتالي نشارك في صنع القرارات والضغط على الأجهزة المعنية، حتى تسير في المسار الصحيح الذي يحقق شعار الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وسوف تكون هناك مجموعة من ورش العمل والسمنارات في الفترة المقبلة. وأعلن الحاضرون للوقفة الاحتجاجية من منظمات المجتمع المدني، عن أسبوع كامل، سُمي بأسبوع التضامن مع “د.مجدي عزالدين”، سوف تكون فيه حلقات نقاش، وأول ورش ستكون معنية بإصلاح قوانين الجامعات، وسوف تقدم مسودة أولية لوزارة التعليم العالي لتصدر قانوناً جديداً يحفظ استقلالية الجامعات، ويتيح فيها مناخاً مواتياً تنتعش في ظله.

*هل يمكن أن نفهم قرار الإعفاء باعتباره وجهاً من أوجه الصراع الدائر بين القوى الحديثة والرجعية؟

ـ القضية بالفعل هي صراع ليس على مستوى الأشخاص، ولا على مستوى جامعة النيلين فقط، وإنما صراع بين القوى الحديثة والحية، التي على رأسها الشباب والنساء والحركة الطلابية والنقابات. باختصار الطرف الأول فيه القوى الديمقراطية التي تعمل على إنزال شعارات ثورة ديسمبر المجيدة إلى أرض الواقع، أما الطرف الآخر فيتمثل في القوى المناهضة للثورة التي تعمل على إجهاض مشروع التنوير والحداثة والديمقراطية، وهذا هو الصراع الحقيقي الدائر على كافة المؤسسات بين القوى الديمقراطية، والقوى التي تريد أن تجهض الديمقراطية، وتريد أن ترجعنا للحلقة الشريرة التي عانى منها تاريخ السودان الحديث، وتريد أن ترجعنا إلى حضن العصور الدكتاتورية والشمولية والعسكرية، ولكن هيهات.

*هل هناك أي بُعد سياسي أو أيديولوجي، صريح لقرار الإعفاء؛ لأن هناك حديث يدور بأنك فتحت منبر الجامعة لنوعية محددة من الأفكار المطروحة للنقاش؟

ـ “د.مجدي” فتح المنبر للجميع، هي سلسلة نشاطات منذ أن تم تكليفي بعمادة شؤون الطلاب في أكتوبر من العام 2019، وهناك أمر أعتز به جداً، وهو أن قرار تكليفي جاء وأنا منظم لمؤتمر كبير محضور في أكتوبر 2019م، وكان بالقاعة الكبرى بوزارة التعليم العالي، وكان بعنوان (تجربة الديمقراطية في السودان.. الدروس والعبر)، واستمر لثلاثة أيام وشارك فيه (44) أكاديمياً وباحثاً ومثقفاً ومهتماً. وفي ذلك المؤتمر جاء قرار تكليفي، وأعتز كذلك، بأن قرار إعفائي جاء بعد سنتين، وأثناء محفل فكري حر، البداية والنهاية متشابهتان. إذن، هو نشاط كان كبيراً خلال السنتين الماضيتين، وكان الهدف الأساسي منه تنشيط الحراك الفكري وسط الطلاب، وكانت هناك استراتيجية مرسومة، لأن الحركة الطلابية هي رأس الرمح في أي عملية تغيير، خلال تلك الفترة نظمنا مؤتمراً لمدة ثلاثة أيام بعنوان (الحركة الطلابية السودانية.. الماضي والحاضر والمستقبل)، وكان في مسرح الجامعة. أيضاً كانت هناك مناظرات عن الدولة العلمانية والدولة المدنية، كذلك قدمت الكثير من الحركات النسوية وجهات نظرها فيما يختص بوضع النساء في السودان، وفيما يختص بوجهة نظرهم في إدارة الشأن العام والسياسات المتعلقة بطبيعة الدولة، بالإضافة إلى الكثير من ورش العمل والدورات التدريبية، التي حاولت أن تجذر لقبول الآخر وتنبذ العنف وسط الطلاب.

كانت هذه هي الاستراتيجية والمستفيد من كل هذا الحراك، هو طالب جامعة النيلين، ولذلك إيقاف هذا الحراك، هو إيقاف للمشروع الثوري في السودان، واعتراض وإعاقة لمشروع الاستنارة والتنوير، أنا أفهم القضية في هذا السياق.
الحداثة

تعليق واحد

  1. تستاهل يرفدوك
    محمود شنو وحيدر شنو
    زول جابيينا بى رسالة تانية وتفويض الهى ومسيح محمدي ودجل فارغ عاوزين تعملوه فكر وقومة وقعدة
    بعديين محمود ده مش الايد انقلاب مايو ؟,ايده في سحل والتنكيل بالشرفاء وين حرية الفكر والاختيار هنا
    أنشطوا في العمل الإيجابي التنموي فنجن لا ينقصنا من يأتي لينظر لنا في صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا بعد المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..