اتحاديون بلا اتحاد

عادل إبراهيم حمد

انقسمت الحركة الوطنية السودانية قبل استقلال السودان إلى تيارين، ينادي أحدهما بالاستقلال التام ويدعو آخر إلى اتحاد مع مصر. ولما حسم الأمر بالاستقلال التام بقي التيار الاتحادي موجوداً في الساحة السودانية بل احتفظ الحزب الاتحادي بجماهيرية مكنته من احتلال المركز الأول في انتخابات 1968، أي بعد الاستقلال باثنتي عشرة سنة. فما تفسير وجود الحركة الاتحادية حية وقوية رغم عدم تحقيق الاتحاد؟
الصفة الاتحادية أصبحت ذات مدلول تاريخي لتيار سياسي كان الاتحاد (أحد) عناصره. ولم تشكل (الاتحادية) العنصر الأساسي في هذا التيار. وليس أدل على ذلك من تماسك الحركة الاتحادية بعد تحولها إلى الاستقلال. ولو كان الاتحاد هو جوهر هذا التيار لانقسم على الأقل إلى تيارين يتمسك أحدهما بالفكرة متهماً الآخر بخيانة القضية.
الحركة الاتحادية إطار لتيار اجتماعي يمثل لحد كبير تيار وعي متقدم. وهو تيار موجود قبل ظهور فكرة الاتحاد. ويمكن تلمس بعض ملامحه في الجماعات التي جادلت الإمام المهدي حول صحة مهديته، في مقابل تيار آخر قَبِل المهدية بدافع البحث عن منقذ بلا حاجة للتثبت، إذ تكفيه علامات الصلاح وتقنعه الكرامات. هذا التيار لم يكن مؤيدا للمهدية حتى بعد انتصارها أو أيدها مكرهاً. ولما جاء الحكم الثنائي الأجنبي ظهر لهذا التيار امتداد رفض الحكم الأجنبي، لكنه ميّز رفضه عن رفض المهديين للمستعمر. تيار رافض للاستعمار ومضاد للمهدية.
تمظهر هذا التيار المستنير نسبياً في حركة كان الاتحاد أحد عناصرها كما أسلفنا، ولم يهتز عند تحوله للاستقلال. ولما اشتد الصراع بينه وبين القوى التقليدية تحالفت طائفة الأنصار الاستقلالية مع طائفة الختمية الاتحادية وأسقطتا حكومة إسماعيل الأزهري الاتحادية كأبلغ دليل على أن الصراع الحقيقي لم يكن بين اتحاد واستقلال بقدر ما كان بين قوى حديثة ناهضة وقوى تقليدية تخشى تمدد الحداثيين الجدد.
للصادق المهدي رأي دقيق في هذه المسألة، حيث يعتبر أن الوطني الاتحادي تيار استقلالي لا تنطمس استقلاليته بالدعوة للاتحاد. ويعتبر حزب الشعب الديمقراطي الذي انشق عن الوطني الاتحادي وتحالف مع حزب الأمة لإسقاط أزهري حزباً تابعاً لمصر. ولا بد من وقفة عند ذلك التحالف العجيب لإثبات اختلاف منطلقاته عند المتحالفين. كان التحالف بين طائفتين بينهما صراع وخصومة الشيء الذي يدل على خطر أشد أنساهما خصومتهما المعروفة. وهو تحالف ضمّ أيضاً مثقفين من القوميين العرب غير المعنيين بالخصومة الطائفية. فإذا قصدوا إنقاذ الاتحاد الذي أضاعه أزهري فلن يكون إنقاذه بالتحالف مع غلاة الاستقلاليين الشيء الذي يضع أولئك القوميين موضع المكايدة السياسية لا غير.
وثمة ملاحظة مهمة أخرى هي أن الاتحاد برأي الوطنيين الاتحاديين لم يكن يعني تذويب الكيان السوداني في مصر. ويدل على ذلك انتخاب حكومة سودانية خالصة أدارت الشأن السوداني في مرحلة الحكم الذاتي وكان من مهامها إجراء استفتاء لاختيار الاستقلال أو علاقة اتحاد (ما) مع مصر. وهذه نقطة تثبت أيضاً أن أمر الاتحاد لم يشكل جوهر الحركة الاتحادية.
بعد مرور أكثر من نصف قرن بعد الاستقلال. وبعد أن أصبح الخلاف الاستقلالي- الاتحادي جزءاً من التاريخ. وبعد أن أصبحت الاتحادية لا تحتكر تيار الاستنارة والاعتدال. لم يعد من معنى للصفة الاتحادية في هذه الحركة. وأصبح التمسك بها تمسحا بماض مشرف بعد أن افتقدت الحركة بريقها وعجزت عن مجاراة التطورات في السودان. وافتقدت الحركة الاتحادية في تيارها الأصل أبرز مميزاتها بوصول مرشد الطائفة الدينية إلى موقع القيادة السياسية فانتكست إلى حالة الكيان التقليدي الذي كانت تعيبه على الحركة الاستقلالية.
أصبح الاسم الاتحادي عائقاً أمام مثقفين كثيرين يريدون العمل تحت مظلة الوسط المستنير لكنهم يتحفظون على هذه الصفة التاريخية. خاصة إن كانوا منتمين لتيارات ذات جذور استقلالية ولا يعجبهم الانخراط في حزب الأمة الاستقلالي.. ومن هنا تنبع أهمية ميلاد حركة وسط تتخلص من الإهاب الاتحادي وتتجاوز طائفية الحركة الاستقلالية. فالوسط في السودان ممزق بسبب هذا الخلاف الذي لم يعد له ما يبرره. وتزداد الحاجة للوسط بعد أن فشل الجنوح لليمين أو اليسار. فقد قدم الجانحون فصولاً في الاستقطاب الحاد والفجور في الخصومة، ما أسال الدماء بين أبناء المدرسة الفكرية الواحدة. الشيء الذي أكد صحة الاحتماء بالديمقراطية الكاملة التي تبناها الوسط القديم رغم علَّاته.
تظهر بين الحين والآخر تنظيمات وسطية لكنها تغيب لافتقار آبائها لفضيلة الصبر. ويبدو أنهم لا يدركون أن نشأتهم في ظرف تاريخي عادي يحرمهم ميزة النشأة في ظرف تاريخي استثنائي كتلك التي نشأت فيها الحركتان الاتحادية والاستقلالية حين كانت الدعوة للتحرر الوطني تلهب الحماس وتدعو الجماهير للالتفاف حول التنظيمات الوطنية الناشئة.

كاتب سوداني
[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. شكرا للأستاذ/عادل
    ولكني دعني أوجه إليك شخصياً نفس النقد
    (تظهر بين الحين والآخر تنظيمات وسطية لكنها تغيب لافتقار آبائها لفضيلة الصبر)

    فقد كنت مؤسساً مع بعض الشباب (آنذاك) تنظيم الطلاب المستقلين وكنت رئيس لمجلس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وكان أيضاً موقع رئيس الإتحاد من تنظيمكم حيث تولاه الأستاذ/سليمان الأمين عباس,
    فقد كان الطرح وسطياً بعيدا عن الطائفية والعقائدية ومناهضاً لدكتاتورية مايو وجمع في عضويته كل أقاليم السودان وكان السودان المصغر بجد

    تعاقبت أجيال وتمدد مؤتمر الطلاب المستقلين بكل الجامعات والمعاهد العليا بالسودان وخارج السودان وقاد بجدارة انتفاضة أبريل من خلال قيادته لإتحادات طلاب جامعات الخرطوم والإسلامية ومعهد الكليات التكنولوجية

    تحول تنظيم المستقلين لحزب باسم(المؤتمر الوطني) عقب الإنتفاضة وشارك بفاعلية في الحياة السياسية

    وبعد تغول الحزب الحاكم على اسم المؤتمر الوطني ولم تنجح مطالبات (أصحاب الاسم الحقيقي) عبر المطالبة السياسية والقانونية, تم تسمية حزب الحركة الوسط المستقلة باسم (المؤتمر السوداني)
    ولا ينكر أحد بأن هذا الحزب قد غاب عن الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية

    فماذا تريد يا أخ عادل أكثر مما أسسته بنفسك مع أخوانك منذ عام 1978م؟!!!

  2. بسم اللة الرحمن الرحيم

    بيان من خريجى مؤتمر الطلاب المستقلين بالمهاجر

    لقد ظل خريجى مؤتمر الطلاب المستقلين وحزب المؤتمر السودانى ومنذ انقلاب الجبهة الاسلامية القومية فى يونيو 1989 ثابتة على مبادئها ومواقفها من قضية اسقاط نظام الجبهة الاسلامية واسترداد الديمقراطية وتاسيس الدولة المدنية الديمقراطية التى تتحقق فيها المساواة بكافة اشكالها بين المواطنين وسيادة حكم القانون واسس الحكم الرشيد .

    اننا في سبيل تحقيق هذة الاهداف قدمنا تضحيات كبيرة وغالية من اعتقالات وفصل وتشريد من الخدمة المدنية وبل وقدمنا عدد من الشهداء ابتداءا من الشهيد نصر الدين الرشيد ومرورا بالشهيد النعمان… ولا زلنا على استعداد لتقديم المزيد من التضحيات من اجل تحرير البلد من قبضة هذا النظام الفاسد.

    يا جماهير شعبنا الوفية

    بالامس قامت اجهزة امن نظام السلطة الحاكمة باعتقال الاخ المناضل ابراهيم الشيح عبد الرحمن رئيس حزب المؤتمر السودانى بعد المؤتمر الصحفى الذى اقامة الحزب حول ميثاق الفجر الجديد والذى اوضح فية رأى الحزب بكل وضوح وشجاعة المتمثل فى ان الميثاق يشكل اساس متقدم لحشد وتوحيد طاقات الشعب من اجل التغيير المستدام فى البلد وهو الموقف الذي يمثلنا ويمثل كل القوي صاحبة المصلحة في التغير لذا يجد منا كل الدعم والتأييد .

    اننا فى خريجى مؤتمر الطلاب المستقليين بالمهجر ندين اعتقال الاخ المناضل ابراهيم الشيخ وغيره من المعتقلين ونطالب السلطات باطلاق سراحهم فورا كما نحذر السلطات من مغبة الحاق اى اذى او ضرر بصحتهم ونناشد كافة المؤسسات والهيئات العاملة فى مجال حقوق الانسان التحرك العاجل لضمان حقوقه الاساسية و سلامته الشخصية وحقوق وسلامة كافة المعتقليين الشرفاء والعمل على اطلاق سراحهم فورا .

    عاش نضال الشعب الشودانى

    المجد والخلود لشهدائنا الابرار

    فجر الحرية قادم لا محالة والثورة مستمرة

    خريجى مؤتمر الطلاب المستقلين

    18/01/2013

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..