أوراق .. الدبلوماسية السودانية (2): العِربان, المخابرات وإشاعة تعيين سفير أمريكي جديد بالسودان
مازن سخاروف

مازن سخاروف
(أ) ملخص المقالة السابقة
وقفنا في حلقتنا الماضية من سلسلة مقالات أوراق الدبلوماسية السودانية* عند رؤوس مواضيع في الدبلوماسية السودانية تحفز الإنتباه, وخلصنا إلى استنتاجات “تطمم البطن” عن الدبلوماسية السودانية كـ”جنين إنجليزي” و”إبن شرعي للإستعمار”, فقلنا,
إقتباس:
الدبلوماسية السودانية جنين إنجليزي, إبن شرعي للإستعمار. ونجد ذلك جليا في مواقف مشبوهة, بل ومتواطئة (وأحيانا لدرجة الخيانة) بمقاييس تاريخها كما بمقاييس اليوم. على سبيل المثال موقف السودان من أزمة الكونقو التي تمخضت عن مقتل الثائر الشهيد باتريس لومُمبا, السودان الذي كان رسميا مع لومُمبا رئيس الوزراء المنتخب و”تحت الطربيزة” مع القوى الإستعمارية (). كما موقف وزارة الخارجية إبان حرب النكسة في يونيو 1967, حيث قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة واستضاف قمة “لاءات الخرطوم الثلاث” الشهيرة, بينما كان محـمد أحمد محجوب ووزارة الخارجية يقدمون تسهيلات “تحت التربيزة” للوكالة المركزية (). تخاذل وتواطؤ وزارة الخارجية السودانية “ما من الليلة ولا من أمس”, فلها دور مشهود في قوى الإختراق الناعم للإستعمار, “قوات سيطرة إحتياطية” داخل وخارج الأمم المتحدة, مثل:
قول واحد, Toast Masters (Toastmasters)
قول إتنين, جمعية التسلح الخلقي
وفي غيرو.”
إنتهى الإقتباس.
موضوع حلقة اليوم يستدعي إقتباسا ثانيا لنص الحاشية رقم إثنين من المقالة السابقة:
سعادة السفير نور الدين ساتي هو أول سفير للسودان لدى الولايات المتحدة منذ تخفيض التمثيل الدبلوماسي (بداية من طرف الولايات المتحدة بعد طرد سفير السودان لديها) بين البلدين منذ عام 1998. السفارة الأمريكية في الخرطوم أعيد افتتاحها في عام 2002 برئاسة قائم بالأعمال وحتى هذه اللحظة ليس هناك سفير أمريكي لدي السودان.
إنتهى الإقتباس.
القائم بالأعمال الحالي أو الـ Chargé d’Affaires هو بْرايَن شوكان, وهو رئيس البعثة الأمريكية الدبلوماسية الحالية بالسودان (1). لاحظوا طبعا أن السفير تتقاطع مهمته مع رئاسته للبعثة الدبلوماسية المكلف بها. وهذا لا يعني أن هناك سفيرا أمريكيا في كل بلد به بعثة دبلوماسية كما هو الحال حاليا في السودان ولا يزال منذ عام 1998 كما ورد في المقالة الأولى واقتبس عنه أعلاه.
(باء) من أين يأتي الكلام يا صاحبي؟
طلعت علينا في عطلة نهاية الأسبوع المنقضية عشرات المواقع العربية والإنجليزية التي تزعم بتعيين الولايات المتحدة سفيرا جديدا لها بالسودان “لأول مرة”. إختصارا للوقت, فسأقصر على الذين صدر عنهم أو نقلوا الخبر أولا في يوم أمس السبت 27 نوفمبر 2021, وليس في اليوم التالي, الأحد (مقالتنا كتبتها اليوم الأحد). وللإختصار كذلك فقد تحرّيت “الذي تولى كبره منهم”, وتحققت من أن قناة العربية هي التي روجت للخبر وتلقفه عنها كل أولئك. العربية ذكرت الخبر نصا (2), كما صورة وصوتا في خبر تلفزيوني يوم أمس (3). الجيد أن لدينا مصدرا صحافيا سودانيا كان “شادي حيلو” وقام بتقصي صحة الخبر قبل نشره دون تحقيق. حيث أوردت الخبر مريم أبشر, الصحافية بجريدة “الصيحة”, دون ذكر المصدر لكن بعد مراجعة وزارة الخارجية السودانية التي نفت أيّ علم لها عن التعيين المزعوم لسفير أمريكي جديد, ناهيك عن سفير أمريكي محدد تم تسميته وأخطرت عنه رسميا (4).
(ج) أشياء رمادية:
تعليق سخاروف (أساسيات):
مسألة أن تقوم الولايات المتحدة بتسريب خبر تعيين أعلى مسؤول دبلوماسي للسودان على الإطلاق منذ أكثر من عقدين من الزمان لقناة تلفزيونية سعودية تعمل من الإمارات قبل أن تطلع وزارة الخارجية السودانية أمر يصعب تصديقه. ثانيا وصفتُ الذي جرى بأنه “تسريب” عن قصد؛ قبل عدة أشهر قامت دورية “فورِن بوليسي” التي لن تخفى على كثيرين من القراء بإيراد هذا الخبر,
إقتباس
ترجمتي:
“مبعوث رفيع لمكافحة الإرهاب قد يكون أول سفير للولايات المتحدة منذ عقود” (5)؛ حيث تم بيان الخبر كالتالي: تعكف إدارة الرئيس بايدن على التوصل إلى قائمة نهائية للمرشحين المحتملين لوظيفة أول سفير يتم ابتعاثه للسودان, وعلى رأس القائمة مسؤول رفيع لمكافحة الإرهاب, وفقا لثلاثة مسؤولين أمريكان حاليين كما سابقين ذوي معرفة بالأمر. جون قودْفري المبعوث المكلف بوزارة الخارجية لمكافحة الإرهاب, والدبلوماسي المخضرم مرشح قوي ليصبح أول سفير بالسودان منذ عام 1996, عندما قطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع السودان بسبب مساندته لتنظيم القاعدة ومجموعات إرهابية أخرى.” (نفس المصدر)
من المواقع الناشرة بالإنجليزية التي نقلت الخبر موقع صحيفة السعودية (سعودي قازيت) يوم السبت 27 نوفمبر (6), كما كل من “ميدل إيست مونيتَر (7), و”نادي الإقتصاد السياسي العالمي” (8) حيث نقل ثلاثتهم ذات الخبر عن قناة العربية كمصدر له. من المواقع الأقل التي نقلت عن وكالة السودان للأنباء كمصدر قناة آر تي (روسيا اليوم, سابقا), النسخة العربية بتاريخ السبت 27 نوفمبر 2021 (9)
(د) تتبع الخيط: تعليق سخاروف (بعد ذلك): الأصابع المخابراتية
لو يذكر القراء في المقالة السابقة أن التنوير بتاريخ 2 نوفمبر 2021 الذي أجراه المبعوث الخاص بوزارة الخارجية الأمريكية إلى القرن الأفريقي, جِفري فلتمان (والذي في سلسلة مقالات “ديمقراطيات إنفجارية” كما سلسلة مقالات “الموت بشجرة الديمقراطية ” كما مقالات منفردة كذلك, أثرْتُ الشبهات عن دور محتمل له في إنقلاب البرهان قبل مغادرته الخرطوم صباح الإنقلاب 25 أكتوبر 2021, كما هو مثبت وبإفادته هو نفسه) أشرف عليه مكتب الإعلام الإقليمي لوزارة الخارجية الأمريكية أو Department of State Dubai Regional Media Hub. (10) إذن, جيّد. عثرت في تحرياتي على خبر مقتضب نشرته السفارة الأمريكية بالإمارات عن سفرية للسيد قودْفري إلى عُمان والإمارات (كما لندن) , حيث كان نص الخبر,
إقتباس:
جون قودْفري المسؤول المكلف بمكافحة الإرهاب والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش جون قودْفري سيقوم بجولة من 24 إلى 29 سبتمبر (2021) في عمان, الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. سيلتقي هناك بمسؤوليين من الحكومة لتنسيق الأولويات المشتركة لمكافحة الإرهاب, بما يشمل جهد تحقيق إستقرار في المناطق المحررة من داعش في العراق وسوريا كما التصدي للتهديدات الإرهابية في أفغانستان. (11)
إنتهى الإقتباس.
ما يمكن إستنتاجه على ضوء ما سبق أن “إشاعة” تعيين السفير المزعوم الذي لا يستقيم عقلا أن يكون تسريبا إعلاميا لقناة تلفزيونية ضربا بالأعراف الدبلوماسية عُرض الحائط. كما يتم إستبعاد أن تكون قناة العربية من الجسارة بحيث قامة بـ”فبركة” الخبر بأكمله متدخلة في سياسة أمريكية رفيعة. الأقرب للمنطق أن ما حدث قد نتج عن تسريب مخابراتي منبعه المحتمل واحد من مصدرين اثنين بالإمارات: إما مكتب الإعلام الإقليمي لوزارة الخارجية الأمريكية بدبي, أو جهة مخابراتية بالسفارة الأمريكية\البعثة الأمريكية بدبي.
(هـ.1) إستكمال البحث: أوراق الدبلوماسية السودانية, شاتَم هاوس Chatham House, وأشياء أخرى
ذكرت في الحلقة الأولى من أوراق الدبلوماسية السودانية, إقتباس: “ما هو دور السفير نور الدين ساتي في كل هذا بعد جزئية “كذبوا على فلتمان ياخ”؟ نور الدين ساتي مشارك (بعلمه وكامل اختياره) كعضو أو ضيف شرف مع إحدى ترسانات الإستعمار, ألا وهو المعهد الملكي للعلاقات الدولية.” أنهِ الإقتباس. من ضمن الأدوار المزدوجة للدبلوماسية السودانية والسفير نور الدين ساتي تحديدا مشاركته في جلسة “خاصة” في مارس 2018 بالولايات المتحدة برعاية شاتَم هاوس لمناقشة أمور سودانية. عنوان الجلسة: “مجموعة العمل المتعلقة بالسودان (أو Sudan Working Group): جلسة نقاش خاصة مع المبعوث البريطاني كرِس تروت, ممثل بريطانيا الخاص للسودان وجنوب السودان (12).
(هـ.2) يعيش الـ إس دبليو دجي SWG
ذُكر في ملخص الفعالية أن السفير نور الدين ساتي هو “نائب رئيس مجموعة العمل المتعلقة بالسودان, (إضافتي: الـ إس دبليو دجي, كاختصار لإسم القروب ده, إنظر أعلاه) قام بتقديم كلمة ترحيب”. وذكر كذلك “في المجمل أتت المناسبة في وقت سانح لتحليل الوضع الحالي للنزاع والتقدم الذي تم تحقيقه بجنوب السودان وسعيا إلى فرص تلاقي مستقبلية بصدد الأمور الرئيسية التي تمس شعب جنوب السودان والمنطقة الأشمل”. ثم مضى الملخص ليقول “عبر مجموعة الإس دبليو دجي يقدم نظام برنامج أفريقيا (Africa Program) منصة تلاقي لصناع السياسة الأمريكيين, الأفارقة والدوليين وأصحاب المصلحة في حوار لاإقصائي وناظر للأمام ساعٍ لتنمية فرص السلام, الأمن والتنمية بين وداخل السودانَين (إضافتي: أي السودان وجنوب السودان, هذا طبعا إن لم تكن هناك إشارة في “بطن الراوي” إلى شظايا سودانات “أميبية” أخرى في رحم الغيب).
لفائدة القارئ, برنامج أفريقيا, أو إسمه الكامل, برنامج أفريقيا التابع لشاتَم هاوس Chatham House Africa Program هو أحد إختراعات مطبخ شاتَم هاوس للتأثير على, تدجين وتكريس التبعية للبلاط في المخيلة السودانية, إضافة سخاروف؛ وفي ذلك حديث آت. الذي يهمني مما تقدم بشكل أساسي شيئان, أولا لمذا تذهب النخب السودانية طوعا واختيارا إلى كيانات إستعمارية خارج الأنساق الرسمية والمؤسسات السياسية العلنية – كيانات رمادية مثل شاتَم هاوس ليست بذات شفافية (راجع الجزء واو فيما يلي)؟ والأمر الثاني هو, إلى أين أوصلتنا الرحلات المكوكية إلى وبين تلك المعاقل الخفية لبلاط ساينت جايمس للتأثير على سياسة الدولة السودانية؟ ما الذي حدث لإتفاقية السلام الشامل؟ ما الذي حدث لإتفاقية سلام جوبا؟ وما الذي حدث للمتشظيات الهندسية التي لا حصر لها ولا عد من إتفاقيات سلام وهمي وفاشل مضاف إلى دارفور من “تحت راس” شاتَم هاوس وبقية قوات الإستعمار للسيطرة الإحتياطية؟ جزء من الإجابة كما اقترحته بعد تساؤل من أحد الأصدقاء الأكاديميين في الإيميل (بعد أن قرأ الرجل مقالتي الأولى), ورددت عليه بأن الدبلوماسية السودانية “تكاكي هم الشرق” و”تبيض المصلحة الغربية”. فهي دبلوماسية إنفصامية لا تحترم شعبها ولا تلتزم بمهنية تجعلها تتعامل مع “البلاط” وبقية آل أنقلوساسكون بتكافؤ الأنداد واعتداد المرء بنفسه. هؤلاء كما سميتهم هم من فئة “الرجل الوهمي” مثل “أبو الزهور” ومحـمد أحمد محجوب (13) الذين يعانون من “إرتباك في التفكير” و”تشوش ذهني” يمنعهم من سبر مساحة الخطر للنأي بأنفسهم عن العبور إلى الضفة الأخرى من تلوث الروح تحت سطوة الإنبهار بالمستعمر.
(و) الدبلوماسية السودانية: أكاذيب ناعمة
بعثتُ بنص مقالة الحلقة السابقة عن طريق الإيميل إلى صديق أكاديمي ورد علي باستفسارات, أنقل منها:
“أفهم أن يكون نور الدين وضع كلمة فلتمان لكن لم أفهم كيف جسّرت هذا الوضع إلى شاتـَم (يقصد شاتًم هاوس, إضافة سخاروف) وتاريخ الخارجية السودانية الأسود؟
هل كذب نور الدين في نقل عبارة فلتمان في جين الدبلوماسية السودانية؟”
إنتهى الإقتباس من الإيميل. سألني الرجل عن إثنتين. أما في الأولي فـ”تجسيري” للوضع أو ما قد يكون اعتبره صديقي “قلبة هوبة” مني, فله تفسير منطقي – شاتم هوس لديه قاعدة إسمها:
the Chatham House Rule
قاعدة وااااحدة فقط, تسمى أيضا the Non-Attribution Rule (للقارئ أن “يقوقلها”)
أو قاعدة “يطرشني”. وتنص على أن العضو أو ضيف أي فعالية من تحت راس شاتم هاوس, سواء “جوة أو برة” شاتم هاوس, يمكن أن يستعمل المعلومات شريطة ألا يكشف شخصية صاحب المعلومة. (14) “التجسير” بتاعي من ملاحظتين: شاتم هاوس أكبر “ثـِنك تانك” متعدد الجنسيات في العالم لصنع السياسة. إتنين السفير نور الدين “بيحضر” فعاليات شاتم هاوس, و”ما براو”.
المعهد الملكي للشؤون العالمية Royal Institute of International Affairs, أو شاتَم هاوس (الإسم الحركي للمعهد), لمن لا يدري هو أخطبوط مطابخ صنع السياسة في العالم. هو “الفرع المؤسس” لمجموعة أندية سياسة درجة أولى رئاستها في لندن, ولها أفرع (حاصلين على “التبعية” الملحقة بدرجة أولى) بما يشمل:
A. الفرع الأمريكي الذي إسمه مجلس السياسة الخارجية أو Council on Foreign Relations (CFR)
مهم: لم يصبح الإسم “المعهد الأمريكي للشؤون الخارجية” مراعاة لحساسيات أمريكية حتى لا يُتهم بالتبعية :)
B. الفرع السويدي Swedish Institute of International Affairs. تأسس عام 1938
C. الفرع النرويجي Norwegian Institute of International Affairs. تأسس عام 1959
D. الفرع الدنماركي Danish Institute of International Studies, تأسس عام 1967. بدل أن يكون معهد الدراسات, أصبح في عام 1995 المعهد الدنماركي الشؤون الدولية, متماهيا مع أخويه السويدي\النرويجي. هناك أفرع أخرى إتخذ فيها الإسم جراحة تجميلية في العنوان, فبدل أن يكون المعهد الإيطالي للشؤون الدولية مثلا, أصبح معهد الشؤون الدولية, مع خيار إضافة الصفة المرتبطة بالدولة الأممية,أي إيطاليا إلى آخر الإسم.
أما الثانية مما أثاره صديقي, فقد أجاب الرجل على سؤاله بنفسه في تقديري؛ جين الدبلوماسية السودانية هو (كما في حالة الدبلوماسي “الحريف” نور الدين ساتي) جين أكاذيب ناعمة:
هذه الليلة أتبتل للنار وأردد إسم أهورا مزدة كتعويذة خاصة تضمن حرق كل ما تربطني بكضبونيا. لنجعلها ليلة خاصة بقربان التفاصيل الصغيرة. وأكاذيب ناعمة, حبيبي, نتجمل بها قبل أن نهرب من هنا إلى جزائر بعيدة لا يأتي إليها السجانون ولا أرواح الشهداء. (15)
(ز.1) سراب السفير الأمريكي “المنتظر”:الدبلوماسية السودانية, بين الحقيقة المغيبة والوعود المنكوث بها:
حوالي السادسة مساء من الرابع من ديسمبر لعام 2019 شقشق وزير الخارجية الأمريكية السابق, مايك بومْبِيو على حسابه بموقع تويتر:
“سعيد بأن أعلن أن الولايات المتحدة والسودان قد قررا بدء الإجراء بتبادل السفراء لأول مرة منذ ثلاث وعشرين عاما. هذه خطوة تاريخية لتعزيز علاقتنا الثنائية”. (16)
هذه التغريدة, كاملة أو مقتطعة تناقلتها عشرات المواقع والمنصات الإعلامية عربية وأعجمية, مدنية واستخباراتية مبشرة بفجر جديد للسياسة السودانية (قناة الجزيرة في خبر تلفزيوني مثلا), لكن الجميع نقلوا عن وكالة الأنباء الفرنسية AFP (آجاه فخونس بْخِس), (إنظر الهامش 18) وغيرهم كأقلية نقلوا عن وكالة رويترز. لكن ما لفت نظري أن الصورة الملتقطة لحمدوك أسفله بعدسة مصورة وكالة AFP, والمرفقة مع الخبر وتغريدة بومْبِيو هي صورة عجائبية بكل المقاييس, فيمكن أن نسميها “حمدوك مع نفسه” في أمريكا:
حمدوك “مع نفسه”: حقوق ملكية الصورة (التي تم تعديلها كما يظهر بجلاء) لوكالة AFP تُبين بالبحث أن الصورة لحمدوك ضمن عدة صور إلتقطت لحمدوك في اجتماعه بلجنة العلاقات الخارجية بالكونقرس يوم 4 ديسمبر 2019 في واشنطون (17).
(ز.2) سراب السفير الأمريكي “المنتظر الإنبطاح الدبلوماسي: “وسفيركم مين, نور الدين!”
للقارئ أن يسأل, أين ذهب (أو ذهبوا) رفقة حمدوك في الصورة؟ ليس هناك حتى خلفية للصورة؟ إذاعة صوت أمريكا VOA كأحد الذين نقلوا عن وكالة AFP تورد الصورة وتعنونها, “رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك يلتقي بلجنة العلاقات الخارجية للكونقرس** في كابيتول هيل بواشنطون” (المصدر السابق). لو نطقت الصورة إجابة عن السؤال, لقالت, ربما تكون اللجنة قد “تسامت” في الهواء آنيا من حالة مرئية صلابة البدن إلى لامرئية دفق الغاز تنصلا من توثيق مستقبلي يمكن أن “يهف” للدبلوماسية السودانية الراكضة لهاثا في إثر سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. ومن هنا إظهار حمدوك في حالة الإذعان لـ”الجذب” الراجي “الرفع” بدوره فيلحق بلجنته في السموات؛ ولن يتبقى لحمدوك من عزاء سوى منولوج سردي طويل عن “اللجنة” (كرواية صنع الله ابراهيم) يحكيه حمدوك للناس, “أن صدقوني”, فأوضح لكم “مشكلة الصورة الناقصة” مفصلا لقاءه الذي فيه تراءت له اللجنة رأي العين قبل أن تتبخر أمام ناظريه في لحظة “كيتا” في عشم حمدوك المتقرب إليها زلفى.
“أجي” يا لجنة؟! لحسن الحظ تبقت بعض من صور أخرى التقطت لحمدوك في اجتماعه المشهود بلجنة العلاقات الخارجية يوم 4 ديسمبر الذي تزامن مع بشارة بومبيْيو بتبادل التمثيل الدبلوماسي بين السودان والولايات المتحدة. هناك صورة مثلا لحمدوك مع عضو الكونقرس إلْيوت إنْقْل, وليس فقط أحد أعضاء اللجنة, بل هو رئيس اللجنة المعنية ولا أقل.
حمدوك مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونقرس, ووشنطون, 4 ديسمبر 2019. حقوق الصورة لـ جيم ووتسون, مصور الـ AFP في تاريخه
قد يلاحَظ الآن بجلاء التبعات غير المتوقعة لتغريدة “الرجل التخين”. لكن المأزق أيتها السيدات والسادة هو في صياغة التغريدة نفسها, فهي تتحدث “عن بدء الإجراء بتبادل السفراء”, وليس تبادلا فعليا للسفراء. وكذلك في “الصياغة الكاملة” لعرض تبادل السفراء كما نقلته الوكالة الفرنسية في متن مقالها المشار إليه:
أعلن وزير الخارجية مايك بومْبيْيو أن الولايات المتحدة ستعين سفيرا في الخرطوم مشروطا بتأكيد الكونقرس, وأن السودان سيُعيد التمثيل الدبلوماسي الكامل في واشنطون” (18).
نرى جليا أن إعلان بومْبيْيو (كتغريدته) هو من حيث إلتزامات أمريكا “حبال سياسة” مشروطة بأمور ثعبانية لا يعلمها إلا الأمريكان, بينما إلتزامات السودان تُملى عليه رغما أنفه. وقد كان. أيها السادة تلك الشراكة غير المتكافئة ستزفها لنا طلائع الدبلوماسية السودانية من طابق سياستها العلوي في السماء “كبشارة فال فرايحية” يجب أن نصلي جميعا فرحا وتيمنا بها على أرض السودان؛ وستروج لها أقلام المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع من طابق السياسة السفلي: الإعلام المحسوب سودانيا, وقلبه مغرم بالتبعية للبلاط الإنجليزي. ولن يتجرأ “ود مرة” في وزارة الخارجية أو أي وزارة سودانية أخرى على المشكلة في العبارة التالية:
في مؤشر لتردي العلاقات لم يتم تمثيل الولايات المتحدة في الخرطوم سوى عن طريق قائم بالأعمال عوضا عن سفير بكامل فخامته” (المصدر السابق).
لم يكن صدفة أبدا أن العبارة المذكورة ختم بها مقال “التبشير” بالتبادل الدبلوماسي. فهي “مذكرة تاريخية” لِما كان عليه الأمر, ولِما تغير منه. تدور عجلة الزمان وتجد أن السودان سعى للقبول ولم يحظ به إلا كواقف على باب السلطان: سفير منا, وقائم بالأعمال منهم. إذن يظل الوضع على ما هو عليه. يهرع الشفقان ويظل “التغيان” في عليائه مشفقا من هشاشة نظيره “المنتظر” منه إلتفاتة. إن “تقليل القيمة” الصريح في الإقتباس أعلاه والمذكور كتذكير للسودان أن المقامات لمن لا يحترم نفسه ستظل في وضاعتها لا يحتاج إلى “فهامة” ولكن إلى عزة نفس يفتقدها راسمو سياسات الوزارات السيادية في بلادنا. مدنيين أو عسكريين فالأمر سواء, فسطوتهم هي في الإستبداد من موقع السلطة داخل السودان ضد أهل السودان وأهله. ولا يملكون إلى غير ذلك سبيلا.
أيها السادة, بعد أسبوع من الآن سيكون قد مضى على شقشقة بومْبيْيو سنتان بالتمام والكمال, وسيلحظ الجمع ممن ضم مجلسنا أن السودان “المنبطح” بدبلوماسيته ذات الأجندة اللاوطنية أكمل إجراءات التبادل بشكل كامل مع الولايات المتحدة. بينما لم يحدث التبادل من الطرف الآخر, فليس لأمريكا في الخرطوم سوى قائم بالأعمال كما ذكرنا, إضافة لـ “المبروكة”, رئيسة “المحطة” في الخرطوم (محطة السي آي إيه طبعا, والكلام ليك يا المنطط عينيك), ولا يوجد ولا حتى “ضل سفير” اللهم إلا “الإشاعة” المخابراتية من قناة العربية. ولا يرضى بهذا الحال, بل يقره ويحسبه “إنجازا” سوى شخص من فئة “رجل وهمي” و”إمرأة وهمية”: السفير نور الدين, و”المنصورة” مريم, ومن قبلهما “الحبيب” الإمام, ومن قبلهم جميعا “المشوشون ذهنيا” والمهتزون نفسيا كأزهري ومحـمد أحمد محجوب, وأحمد خير, الذين قد يعملوا ضد الإستعمار ومعه في ذات الوقت, دون حتى إدراك للتناقض. هؤلاء أبناء العقوق, الذين بعضهم “أصلا مرمي لله”, وبعض آخر ارتد منه من ارتد عن جادة السراط. وهناك مثل القراي الذي لو إستتب له الأمر لألغى المهدية من التاريخ الوطني. يا ندامة البطن الجابت.
(ح) الدبلوماسية الأمنية: دروس الماضي التي لم تعتبر
في المقال الذي تقدم ذكره والمنقول عن وكالة AFP, ورد ما يلي:
“أشادت الولايات المتحدة بالخطوات الإبتدائية التي أتخذت من قِبَل رئيس الوزراء حمدوك لـ”التخلي عن سياسات وممارسات النظام السابق”, التي كانت علاقتها مع الغرب سيئة جدا. (المصدر السابق)
لم يعترض حمدوك أو أي من “الغر الميامين” من المحسوبين على الدولة السودانية بدبلوماسيتها ومؤسساتها وجيشها أن هذا الكلام ليس فقط “بحاجة إلى مراجعة”, بل هو بمثابة إعطاء الإشارة لبدء “إعادة للدورة الجهنمية”. العلاقات المشار إليها كانت سيئة من حيث سياسات الغرب المتربصة بالحكومة في الظاهر متمثلة في عزلة دولية ودبلوماسية مكفهرة الوجه وتشهير بالخصم. لكن هناك أمرين غائبين أو مغيّبَيْن عن هذا الحوار الوهمي: الأول أن العزلة الدبلوماسية تزامنت مع حميمية أمنية “واحد لواحد” مع ذات النظام المغضوب عليه لدرجة قف تأمل. حميمية, نقول تعادل التبعية الإستراتيجية (شراكة من طرف واحد) وتذهب إلى الإضرار بكل المصالح الأمنية للبلد المتضرر الذي على رأسه “النظام الحاكم” في تاريخه. وتلك الشراكة تعني أن النظام يلتزم بالتعري الكامل للغرب كـ”غلام النكاح” في مقابل إطلاق يده ضد شعبه قمعا وسحلا وتشريدا وقتلا. الملف الأمني هو بمثابة بطن التمساح في فضح هشاشة المزعمة الغربية في عمل علاقات يمكن أن يكون لها أي معنى بالنسبة لأهل السودان. ملف الحركات الإسلامية هو أكثر الملفات حساسية أمنية في دوائر المخابرات الغربية. وهو أمر يصطدم الباحثون إزاءه بسدود منيعة من البيروقراطية الأمنية (19) إن الملفات الأمنية الأمريكية المختصة بمنطقتنا والسودان تحديدا لا تزال “مصنفة” في الفترة منذ 1981 (20). مؤخرا قامت مجموعة تسمى نفسها بحثية و”عاملة من أجل الشفافية” بتحصيل وثائق بريطانية سرية عن عشرات الدول بعد أن أفرج عنها قبل فترة قصيرة وإتاحتها لمن يرغب “لقاء أجر” أو بشروط. لاحظت أن السودان ليس من بين تلك الدول المتاح الإطلاع على الوثائق السرية المفرج عنها (21). دورة العنف, إذن ستستمر, فلن يعلم هذا الجيل ما حدث لجيل من قبلهم نُكبوا ذات نهار وأحيط بهم ثم أهلكوا من بعد رؤيا عظيمة. لن يحدث “الكشف” إلا كتسلية في شعاب التاريخ في الجيل رقم 3 أو 4, حين تبتعد المسافة بين الأجيال وتفقد الأشياء معانيها من رهق انتظار. من وجهة نظر سودانية فالدبلوماسية السودانية والإرتهانية السودانية التي تفتح الأسوار للغرباء ليلا برغبتها ورضاها لا تُنـَفـِّـذ مهما يكون التجمل والأقنعة سوى دبلوماسية أمنية لصالح الإستعمار. هذا تاريخها على باب السلطان من “السيد” عبد الرحمن المهدي الباكي بالدمع السخين لإثبات ولائه للمستعمرين إلى عثمان مرغني المنادي بعودتهم لحكمنا. وهو طبعها الذي لن يغلبه أي تطبع أو صحوة ضمير عابرة من سكرة العفن الإنجليزي؛ إنها فطرتها المنحرفة و”بروتوبلازم” الطموح عندها: أن تلعق حذاء إلهها الإنجليزي على الأرض فيرضى عنها بعد أن يقضي منها وطرا. وجِبلتها التي لن يقوّم من شأنها “همسة شوق” إنحيازا لأمتها ولو حتى بعض الوقت (يا للوضاعة). إنها تطفف للسودانيين في كيلهم, إرضاء لميزان القوى عند البلاط الإنجليزي. هي غانية جاثية عند أقدام “قويها الأمين”: لا تسأل حتى الأسئلة الخطأ أو الأسئلة الصحيحة: فهي تقرأ وحسب من “ورقة الأسئلة”, مطالبة الرب الإنجليزي بـ”تحمل مسؤوليته” بالتدخل لحماية شعبها في زمن القمع كما في مؤتمر الأطباء السودانيين بلندن بعد إنقلاب البرهان)؛ أو تتعبد له بالنجوى في زمن الإنتقال كي يلقي إليها بقروض تجسيره وبأواقي برلمانيته فتهتدي بها في “ليل الديمقراطية الطويل”. إن مسألة التجرؤ على إستبعاد الإله الإنجليزي من العملية الديمقراطية المحلية بأكملها نهائيا لأنه فاقد لها في “بيئته هو” أمر لَعَمْري قد يصيب بعض الدبلوماسيين وبعض الأطباء وبعض العسكر وبعض رؤساء تحرير المنصات الصحفية وبعض وزراء الخارجية بأن يبللوا سراويلهم من هول “تخيل الحدث”, ناهيك من مداولته بين الناس, أو تفعيله على الأرض. الخلاصة أن مطابخ أروقة وزارة الخارجية السودانية عجزت أن تخرج من أفران صناعة القرار السوداني رجالا ونساءَ ممن يطيقون مسؤولية تمثيل الشرف السوداني الرفيع رغبة في الذود عنه حتى يراق على جوانبه الدم. الأنيقون والأنيقات المتحصنون بتسجيل حضورهم وحضورهن في دفاتر اجتماعات شاتَم هاوس, هم أسوأ من السوء نفسه. أولئك القانعون والقانعات بمناصب عالمية يثبتها الخواجة مدمنون للأذى النفسي؛ فلا هَمّ لمرتضٍ بالذل إلا بإشادة من فم مذله. هَمّ, إذن أيها السيدات والسادة بشهادة “حسن سير وسلوك” لهم من الخواجة دليلا على الولاء للأجندة الكونية للبلاط كمقابل وبديل عن لأيديولوجية الوطنية (إستبعاد العدالة الإجتماعية من الصراع الأيديولوجي, اللهم إلا كضوضاء خلفية white noise في قنال الإتصال بين السيد الإنجليزي وعبيده المخلَصين له الدين من نيران السودان الصديقة المصوبة والمؤتمرة بإمرة الخواجة ضد أهل السودان).
(ط) ذكر رحمة الإنجليزي عبده الباشبوزقي: أوضاع مقلوبة
الذين لم يجدوا غضاضة من إعطاء بناتهم لجنود جيش الإحتلال (بالزواج أو غير ذلك), بينما اجتسروا على تقديم أنفسهم كـأشاوس وأبناء كندكات يمثلن “مركزا” ومرجعية لتمثيل المجد السوداني, وقس على ذلك ليسوا قليلين في البلاد رغم أنهم أقلية. لكننا نجد أن “المراجعة التاريخية” تكشف أن ما تشهد عليه ألسنتهم وأيديهم أنهم دأبوا منذ قرنين:
على التفنن في “شحدة” الرضا من الغازي يتزامن مع “نجر” مجد غير مستحق لأنفسهم يغطون به سوءة “التواطؤ” مع الغريب المحتل.
وعلى الإستهانة في ذات الوقت بالكفاح الوطني والشخصيات الوطنية إبتداء من المهدية في التاريخ القريب؛
وكذبوا حتى التذوا “طرة وكتابة”: إلتذوا بالكذب والتزوير فيما نسبوه لأنفسهم لذة من يغدق على نفسه من متاع جاره ويخشى يوم أن يفتضح أمره؛ والتذوا لذة المسجون بإيذاء سجانه له في بيعات تدليسهم ونقلهم للتاريخ الوطني “كسمسار مناوب” لنصرة الأغراب في التغول عليه بـ”وضع اليد”. هنالك من التاريخ والأرض والدم ما أعطوه لسيدهم الصغير المصري, وما قدموه على طبق من ذهب لسيدهم الكبير في لندن. هناك تسمية مختصرة لكل ما سبق: فقدان الأصالة. فهؤلاء غريزة البقاء عندهم تدفعهم لإتباع “التشكيك” طيلة حياتهم: تشكيك ما عندك حين يحسون بقلة التأهيل في نضال شريف. فهم لا يتبارزون حول المعقول, بل يبادرون باللامعقول. من هنا, سيجاهد الباشبوزقي حتى لا يُفتح أي تحقيق حقيقي في الأمور العالقة: القتل, وبيع الأرض وتحقيق التاريخ. نقطة ضعفه في عقلنة الأشياء, لذلك يتعامل دوما بالمزايدة: يتصرف كمالك الأرض حين يعرض بيعته وهو يعمل “كجوع بطنه” أنه ليس له من صفة في تقديم الأرض سوى السمسرة على حساب الأغلبية. هذه عقلية “قروي المدينة” أينما حل وذهب. يثبت بحوث علم الإجتماع المنحازة بفجاجته وتنطعه (بغير علم)؛ بانحيازه دوما للأقلية الباغية على حساب الأغلبية, حتى إن كانت تلك الأغلبية سكان أرض أعطته وطنا. إنه مشروع برجوازي صغير لن يتطور إلا إلى سفرجي على مائدة البلاط. كمخلوق الصيد (ألتزم بالأدب هنا) لا يأكل حتى يؤذن له, ويبش حين تتم مداعبته وينكسر حين يسخط ولي نعمته عليه. ولهذا لا يجد ضيرا في بيع الصفات الدبلوماسية التي تجر على البلاد الوبال: سيقبل, مثل السفير نور الدين ساتي ترؤس البعثة الدبلوماسية بشروط مهينة لبلده دون تكافؤ أو ندية؛ في العلو كما في الوضاعة سيرضى (حسب حظه) أن يكون غفيرا أو سفيرا لأمريكا؛ سمسارا يمص دم عشرات من المنتجين البسطاء, أو مُصَدّرا يمص دم الملايين منهم. سيلبس “عراقي” ويتحدث عن “المهمشين” متناسيا نفسه؛ سيبتلع مدينة كاملة وينسبها إلى قبيلته الصغيرة؛ سيضارب ويسمسر في السدود بذات العراقي, وسيتغول في أول سانحة متلاعبا باسم السد فـ”يسجله” باسم المدينة التي انتحلها واصطفاها لأهله من دون القبائل. أو يلبس بدلة ضاحكا على هؤلاء وأولئك ويبيع بنك الخرطوم لدويلة صغيرة لم تنل إستقلالها إلا البارحة. سقوف الطموحات قد تتفاوت عند البرجوازي الصغير وأخته في البرجوازية: سيسرقان, ويكذبان أن “المتظاهرين ديل إحنا ما كتلناهم”. حين يموت أحدهما من التخمة ستنظم له قصيدة في فخر الباشبوزق. سيمضي رفيقه الآخر ليطبع مع إسرائيل ويخرج لسانه لأهل السودان, قائلا “لو ما عجبكم إنفصلوا زي ما الجنوبيين إنفصلوا”. سـ”يولع الشيشة” لسيده الصغير هنا, ويقبع لسيده الآخر هناك كصبي ورنيش في دول أخرى لن يرقى أبدا لأصالة شماشة بلدنا وقت الحارة. المهم أن يحظى هذا المخلوق الماخد جنسيتنا, واسماء إخوته كأسماء إخوتنا “بالقبول” من البوت الإنجليزي أو بوت الشامي أو بوت المصري. لكن كما يقال, “التركي ولا المتورك”.
إن تاريخ السودان المشاهد يعلمنا بالتجربة أن الأوضاع المقلوبة بيئة نموذجية لمخلوق الباشبوزق: فهو يستمد شرعيته من كينونة الدور الذي يقوم به كعس للأجنبي و”كفتجي” في “سوق ملجته”. فهو لا يحيا إلا بالفوضى, لا يستطيع العيش مستقلا دون وسيط. إنه منطق وأخلاقية السمسار في مشارق ومغارب الأرض. “سأحيا بالقوة والمكر” كما يروي الطيب صالح على لسان شخصياته المشوهة: بالقوة إن سنحت الفرصة, وبالمكر دون ذلك. من هنا يجب على كل ذي عقل يؤمن بشرف بلاده أن يحسب حساب المشوهين في بلادنا حين يأخذ الصراع معهم أشكالا غير إنسانية. فليعلم هؤلاء أن ما سرق سيُسترد, وما تم تدليسه سيعود زاهيا أبلج لأصحابه. فليعلموا أن “الطين البتلصق في الرجلين ما ببقى نعلين”. وحتى يحين وقت جرد حساب تلك الأوضاع المقلوبة, فلنسلط على الرخويات القابعة في ذلك القبو الظلامي ضوءً من ألمُعية آمون في كِمِت, مهد الحضارات وأرض الأجداد للأغلبية في السودان.
الحلقة القادمة, حمدوك في “العمارة”
مازن سخاروف, 29 نوفمبر 2021
الهوامش
————-
* مشباك المقالة الأولى بعنوان (أوراق .. الدبلوماسية السودانية (1) : نور الدين ساتي, “سفير الثورة” أم سفير الهبوط الناعم؟) هنا:
أوراق .. الدبلوماسية السودانية (1) : نور الدين ساتي, “سفير الثورة” أم سفير الهبوط الناعم؟
(1) المصدر, موقع السفارة الأمريكية بالخرطوم. الرابط:
John T. Godfrey U.S. Ambassador to the Republic of the Sudan
لاحظ أن الرابط الشبكي يقول “سفيرنا”, بينما الصفحة التي يؤدي إليها بعد الضغط عليه يُثبت أن الصفة الرسمية لرئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية الحالي, أي بْرايَن شوكان هي القائم بالأعمال ولا أكثر. “سفيرنا” هذه ليست سوى تضليل أو استخفاف بعقول السودانيين, أو الإثنين معا.
(2) نشره موقع العربية في خبر بعنوان ” لأول مرة منذ 25 سنة.. أميركا تعين سفيراً في السودان”, السبت 27 نوفمبر 2021. الخبر أيضا سمى السفير المزعوم, ليكون “جون جودفري” (المقصود قودفْري, ويبدو أن من كتب الخبر لا يحسن نطق الإسم بالإنجليزية فأخطأ في تعريبه). قودْفري لمن لا يعلم. مشباك الخبر (آخر تحديث الثالثة مساء يوم السبت. للتوثيق عملت نسخة pdf من صفحة الخبر):
https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2021/11/27/%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%B0-25-%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D9%81%D9%8A%D8%B1%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86
(3) موقع العربية في صفحته بموقع فيسبوك, أيضا السبت 27 نوفمبر 2021 في الحادية عشر و49 دقيقة صباح السبت 27 نوفمبر. الموقع نشره كخبر تلفزيوني من تقديم المذيعة السودانية تسابيح خاطر (إضافة سخاروف, تسابيح دي بت مسكينة فلا تحملوا عليها لأنها بت بلدكم ومجرد موظفة بالقناة). نص الخبر كما قرأته تسابيح:
“أفادت مراسلة الحدث عن واشنطن رفعها التمثيل الدبلوماسي مع السودان من قائم بالأعمال إلى سفير وقد اختارت جون جودافري (خطأ في النطق, سخاروف), وهذا المعيّن أول سفير في الخرطوم منذ العام 1996 بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”.
لاحظ للغموض في مصدر الخبر, أولا قناة العربية والحدث هو إسم مركب لذات القناة. الأهم أن إسم المراسلة المزعومة للقناة “عن واشنطون” لم يُذكر إسمها في هذا الخبر الغريب. إنظر الهامش التالي.
(4) نص الخبر من جريدة الصيحة, إقتباس:
“أمريكا تُعيّن سفيرا في السودان .. وكيل الخارجية لـ(الصيحة): لم نتسلم ما يفيد بتعيينه”
الخرطوم‐ مريم أبشر
لأول مرة منذ سنوات طويلة، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية تمثيلها الدبلوماسي مع السودان من قائم بالأعمال إلى سفير, وعينت واشنطون جون جودفري كأول سفير لها في السودان منذ العام 1996. وشغل جودفري مناصب عدیدة منها نائب رئیس بعثة الولایات المتحدة في العاصمة السعودیة الریاض، كما عمل أیضاً في بعثة الولایات المتحدة الدائمة بالأمم المتحدة في فیینا وبسفارات أمریكا في كل من بغداد وطرابلس ودمشق. في السیاق, أكد وكیل وزارة الخارجیة المكلف علي الصادق ل(الصیحة)، أنّ الوزارة لم تتسلّم حتى نهایة الیوم السبت ما یُفید بتعیین سفیر جدید لواشنطن في الخرطوم، وقال “الوزارة لیس لدیها علم بتعیین سفیر للولایات المتحدة في السودان ولم یتم إخطارها بشكلٍ رسمي”. مشباك الخبر: https://www.assayha.net/84845/
(5) مشباك الخبر بموقع “فورِن بوليسي”:
Top Counterterrorism Envoy Could Be First U.S. Ambassador to Sudan in Decades
(6) https://saudigazette.com.sa/article/614065/World/US-appoints-ambassador-to-Sudan-nbspfor-first-time-in-25-years
(7) https://www.middleeastmonitor.com/20211128-us-appoints-sudan-envoy-for-the-first-time-in-25-years/
(8) https://ipeclub.co/us-appointed-ambassador-to-sudan-for-the-first-time-in-25-years/
(9) مشباك الخبر بقناة آر تي:
https://arabic.rt.com/middle_east/1298716-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8ª%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%8ª%D9%86-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B3%D9%81%D9%8ª%D8%B1-%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%B0-1996/
(10) كما ورد في هامش رقم 5 في المقالة السابقة رقم (1) من هذه السلسلة عن أوراق الدبلوماسية السودانية.
(11) ترجمة عنوان الخبر: “سفر المبعوث المكلف بوزارة الخارجية لمكافحة الإرهاب, جون قودْفري إلى عُمان, الإمارات, لندن”, صادر عن البعثة الأمريكية بالإمارات, مكتب الناطق الرسمي, 24 سبتمبر 2021. المشباك:
Acting Coordinator for Counterterrorism John T. Godfrey Travel to Oman, UAE, London
(12) الجلسة بتاريخ 1 مارس 2018 بمقر معهد الرئيس وودرو وِلسون بالعاصمة ووشنطون. البيانات:
Sudans Working Group: A Private Discussion with Ambassador Chris Trott, UK Special Representative for Sudan and South Sudan, Thursday Mar. 1, 2018
مشباك فعالية شاتَم هاوس التي شارك فيها السفير نور الدين ساتي:
https://www.wilsoncenter.org/event/sudans-working-group-private-discussion-ambassador-chris-trott-uk-special-representative-for
(13) أقتبس هنا بإسهاب من مقالة لي عن ذلك الرجل الوهمي, نشرت من قبل بموقع سودانايل. المقالة بعنوان الموت بشجرة الديمقراطية (2): “عريس الوهم”, القلم السوداني الما بزيل بلم:
أزمة الرجل الوهمي: بين النفسية الإنجليزية والنفسية السودانية
“إن كان ذلك العمى الجماعي عن الحقيقة والحق ينطبق عن الذين سيقوا بجهلهم إلى مسرح الدعاية المغرضة, ماذا عن الذين أيقظوا فتنة نائمة مع سبق الإصرار والترصد؟ ماذا عن الذين نظروا إلى الناحية الأخرى وكان بإمكانهم قول لا؟! التجربة تعلـّمنا أن الإمبراطورية اكتسبت خبرات في تأمين هذا النوع من المغارز. لنحو أربعمائة عام, تقل أو تنقص كانت مملكة المال تعمل على تقويض الأنبل في النفس البشرية. (..) لتجدن أولئك المهزوزين (فئة الرجل الوهمي) في الوظيفة المتواضعة كما الرتب الوسيطة, وصعودا حتى طابق السياسة والعسكرية العلويّين. وستتأمل من يضيف, يُسقط عمدا ويكذب كذبا مشينا. من يلوذ بالصمت من جبنه أو يقدّم إعتذرا بائسا في منعطفات مهيبة لا تليق أبدا بالرجل” ()
نجد ذلك جليا في كتابات:
– “أبو الزهور” الذي يلعب دور بوق الإنجليز حين يقول إن الدستور سواء كان مكتوبا أو غير مكتوب يجب حمايته (راجع “الطريق إلى البرلمان). وتجاهل طبعا أن يقول, “بالمناسبة يا شباب, بريطانيا ليس لها دستور مكتوب”.
-“المحجوب” حين يترك إحالات عن رمادية “النواة الداخلية” لأحد الأحزاب السودانية (الأشقاء)
هناك باحث أمريكي توصل إلى نفس النتيجة عن رمادية وظلامية العمل السياسي الإنجليزي:
“من المحتمل أن معظم الأعضاء بالدائرة الخارجية (للتنظيم, م.س) لم يكونوا يعلمون علم اليقين أنهم كانوا مُحرّكين بي جمعية سرية. الأرجح أنهم أدركوا ذلك. لكن التقليد الإنجليزي يسلك مسلكا يعتبر الكتمان أهون الشرين. إن قدرة الرجل الإنجليزي من هذه الطبقة والخلفية على ترك الواضح غير معلن, اللهم إلا أحيانا في النعي على صفحات الجرائد هو أمر يدعو للحيرة, وفي بعض الأحيان يثير حفيظة الغريب.” (نقلت عن المؤلف الأمريكي المشار إليه في كتاب لي لم يتم بعنوان, “خوازيق البلد”). معلومة خارج النص: موقع سودانايل وللأسف أحيانا يغير مشباكات المقالات, أو يؤرشفها في “اللاقرار” دون إخطار كتاب المقالات, مما ينسف بالتالي المرجعية والتوثيق المستقبلي, وهو أمر إستفسرت بصدده من رئيس تحرير سودانايل الأستاذ طارق الجزولي حيث حدث لبعض مقالات لي أصبحت في خبر كان, فلم أتلق ردا.
(14) فعالية الـ “إس دبليو دجي” المتقدم ذكرها بمشاركة نور الدين ساتي لم تنس التذكير بتلك القاعدة, إقتباس:
This event was held under Chatham House non-attribution rule
(15) من قصة “كضبونيا, ستظل في ذاكرتي إلى الأبد”, قصة لم تتم, مازن سخاروف, نـُشرت بمنتدى sudan.net used to be.
(16) تغريدة على حساب بومبيْيو: بموقع تيوتر. رابط صفحة بومبيْيو (التي لا تحوي التغريدة دون بحث طبعا) هو:
https://twitter.com/SecPompeo/
أوجه عناية القارئ إلى أن الرابط الفعلي للتغريدة المشار إليها من الصعب البحث عن المشباك الخاص بها (الرابط الشبكي الكامل) عن طريق محرك بحث عام للمعلومات أو حتى محرك بحث تويتر نفسه دون أن تكون حاصلا على المشباك نفسه. فمن يود التحقق, فليجرب بنفسه, وإن فشل فليراسلني.
** الغرفة السفلى للكونقرس, والغرفة العليا هي مجلس الشيوخ طبعا, إضافتي.
(17) مشباك الخبر بصورته:
https://www.voanews.com/a/usa_us-sudan-exchange-ambassadors-first-time-23-years/6180499.html
(18) “بومبيْيو: الولايات المتحدة ستسمي سفيرها إلى السودان لأول مرة منذ 23 عاما”, وكالة أنباء France24″, نقلا عن وكالة AFP, 4 ديسمبر 2019. مشباك المقال:
https://www.france24.com/en/20191204-us-to-name-ambassador-to-sudan-for-first-time-in-23-years-pompeo
(19) إنظر على سبيل المثال, الصعوبات اللائي تكبدها مؤلف كتاب “مسجد في ميونيخ” الذي استغرق صاحبه خمس سنين عددا من عناء البحث.
(20) الأوراق المفرج, بما فيها وثائق السي آي إيه تنشر بموقع وزارة الخارجية الأمريكية في قسم يسمى, العلاقات الخارجية للولايات المتحدة, أو Foreign Relations of the United States, وكما ذكرنا فالملفات منذ 1981 لا زال جِنّيُها يشقى في العذاب المهين.
(21) قائمة الدول المشار إليها جمعها كاتب بريطاني ذائع الصيت, ألف أكثر من كتاب عن السياسة البريطانية و”توازن القوى” (دورة العنف). تمرين للقارئ.
==
مازن سخاروف
[email protected]
كلام روسي مجنون بذيء و حقير
ليتكلم عن بلده روسيا و تبعيتها الغرب
ليتحدث عن المرتزقه الروس فاغنر و دورهم في السودان
روسيا دوله فاشله و فاشيه
ما فائدة نشر هذا الهراء ياعملاء و مرتزقة المال
جبنا سيرة الباشبوزق في ناس نفسها قام. روسي يا كبير, أنا سوداني أبا عن جد والحمدلله. وما قاعد ندي بناتنا للعساكر المصرين. شششششفت كيف :)
عليك الله إنت جدك كان شغال شنو؟ ههههه
يا سيد سخاروف خلي امريكا ولا بريطانيا ترجع تستعمرنا تاني المشكلة وين؟؟ مش احسن من الاستعمار العايشين فيهو دا.
ده حنكك؟ ترجع تستعمرك أكتر من كدة كيف؟ السفير نور الدين ساتي قبل ما البرهان يشوتو بعد الإنقلاب شاهد على الإستعمار والأوضاع المهينة. يقبل يكون سفير في بلد الآخرين كأعلى ممثل لدبلوماسية بلده, بينما في الجانب الآخر في قائم بالأعمل بس يقول ليه, والله بس تراعي لي تخليني. هههه
زي لمن أبو العريس يجي في العرس, ويرسلوا ليه من الطرف الآخر ود في عمر ومقام ولدو عشان يعقد معاه بدل أبو البت. بس عشان يكسروا عينو. ويوافق ويبرك كمان قدام الولد زي بركة الطيب سيخة الشهيرة. ما بيعملها إلا زول مرمي. قال المشكلة شنو قال.