مقالات وآراء

حلايب والمال السايب

 عثمان يس ود السيمت 

ذوي القربى من الظالم ومن المظلوم
عثمان يس ود السيمت
الذي يرى حميمية العلاقات بين المصريين والسودانيين (كشعب) في أصقاع الاغتراب في كل الدنيا لدرجة تحتار فيها الشعوب الأخرى من تلك العلاقة ، والذي يشاهد صفوف الشاحنات الحبيسة بشريان الشمال المتجهة شمالاً لمصر وصفوف الشاحنات على الجانب المصري والمتجهة للسودان يدرك أن ثمة حادث أعمق من أن يسمى مشكلة فهو أعمق من كونه مشكلة ومتجذر وأعمق من كونه حادثاً . كيف وصل بلدان كان السفر بينهما قبل قرن من الزمان لا يمر على حدود وإنما ينساب المسافر شمالاً مع النيل من حلفا للشلال ويصعد المسافر جنوباً فوق أمواج النيل لا يعرف ماهي نهاية حدود مصر ولا بداية حدود سوداننا ، حتى اعتقد كثير من المصريين أن الشلال وأسوان هما بداية السودان ومازال بعضهم يعتقد ذلك . وقد تكون هذه هي الحقيقة التاريخية ، فقد وضع الفرعون سيزوستريس مسلة على الشلال الأول (عند أسوان) كأول علامة للحدود بين مصر والسودان . وفي حقبة السادات – نميري أزالا هذه المسلة (النفسية) وتداعى الشعبان جنوباً وشمالاً يسافران ببطاقة وادي النيل ويقيمان دون حاجة لإقامة ولا حتى زيارة مكاتب الجوازات . كيف تم ذلك ، تم بالاحترام المتبادل والرغبة المتبادلة ولجم السفهاء الذين يعتاشون على شتم السودان بأقزع الألفاظ ، يسهرون الليل لانتقاء أشدها ضراوة على النفس السودانية ويبثونها على التوك شو والذي لو كان عبدالناصر موجوداً أو السادات موجوداً لعلق قائلها على بوابة أرقين. ولن يفلت من التعليقة من وضع علاقات تقوم على (حريات أربعة فقط) لم تنفذ مصر منها شيئاً.
إخوتنا المصريين هل تدركون ما يحدث في (الجانب السوداني) فعلاً . هل تعلمون لماذا يقفل السودانيون طريق شريان الشمال وكل الطرق الرابطة بمصر . تأملوا معنا قليلاً : هل يمكن أن يكون ذلك مجرد عداء لمصر . دعونا نطلعكم على الحقيقة ، عندما تطبع العملة السودانية في مصر وتسرب للسودان لشراء البضائع الاستراتيجية (النقدية) لتصديرها لمصر أليس هذه مسألة أمن قومي سوداني وكيف يكون الأمن القومي إن لم يكن يختص بأمور السيادة كالعملة والاقتصاد، تصوروا أن يقوم السودان بطباعة الجنيه المصري ويسربه لداخل مصر ماذا سيحدث وقتها ، بل تطبع العملة في مصر التي لا يستطيع المصري فيها طباعة بطاقة فرح دون علم الأمن ولا يستطيع مصري أن يتداول جنيها مزوراً في أي ركن من أركان المليون كيلومتر مربع من الأرض المصرية. كيف سمح الأمن المصري الذي لا تخفى عليه شاردة ولا واردة في كامل الأرض المصرية بل وحواليها و(جوارها) إلا يعلمها ، فهل تطبع وتزور العملة السودانية (بمزاجه) وتحت سمعه وبصره وربما توجيهات منه . نحن نعيش أسوأ مراحل حياتنا السياسية الآن وهي مرحلة تحول يغيب فيها وجود الدولة تماماً ويسود فيها نظام عسكري فاسد بل في غالب الظن هو يشجع على الفساد .
السودان في أشد حالات ضعفه السياسي يمثل مورداً اقتصادياً هاماً لجيرانه ومنهم وأولهم مصر ، ماذا لو استقر السودان . الذين يخشون توقف تدفق الخيرات من السودان لمصر إن استقر السودان وقيض الله له حكومة وطنية يفكرون بمنطق اللصوص لا منطق الإخوة . فاستقرار السودان سينعكس خيراً عميماً على مصر لكن من خلال علاقة ندية سليمة معافاة ومبرأة من الغش وحركات التلات ورقات . بل أكاد أجزم أننا من كثرة الخير المتدفق بيننا سنعود لحقبة السبعينات مرة أخرى . على المصريين التفكير في علاقتهم مع السودان بمنطق يتجاوز المقولات التي ترتد لحقبة الاستعمار الأجنبي وما يروج له سفلة التوك شو من أن السودان أرض مصرية وأنهم سيفتحون الطرق بالقوة ، السودان أيها السفلة ليس مواشي وذهب وقطن وصمغ وسمسم ومحاصيل زراعية وحيوانية أخرى. السودان ومصر دماء تمازجت في القنال ومداد وقع باكياً إتفاقيات تقسيم المياه والتنازل عن 150 كيلومتر ومن تراثنا الحضاري المدفون تحت الطين تغمره مياه بحيرة ناصر ، والسودان مواقف لا يدركها السفلة بالتأكيد لأن مواقف الرجال بعيدة جداً عن إدراك أشباه الرجال . هل تذكر يا عمرو أديب ومن شابهه من شلة الذلة والمهانة التي لا تشبه مصر برغم من أن السوقية قد طغت وصارت تستحسن ما يقولون ، هل تذكرون كيف ضحى السودان باستضافة الكلية الحربية المصرية والطيران الحربي المصري في حرب أكتوبر في الوقت الذي لم يكن السودان يملك دفاعات جوية تحميه من إنتقام إسرائيل وحلفائها وكان يمكنهم أن يدكوا الخرطوم على رؤوسنا لو أرادوا . وماذا عن مؤتمر الصمود بعد نكسة 67 ، هل كان لشعب غير الشعب السوداني أن يتجاوز مرارة الهزيمة في أقل من شهر ليدعو لأنجح مؤتمر قمة عربي يصلح فيه خراب العلاقات العربية العربية ويضمن تمويلاً لمصر تتهيأ به لحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر . نحن نفس ذلك الشعب الذي فعل تلك البطولات ، بل نحن على استعداد أن نفعلها ثانية وثالثة فنحن إناء ينضح بما فيه ولن ترى مصر منا إلا ماهو طيب مثلنا لكن وفق نظرة جديدة لمستقبل العلاقات المشتركة.
كيف يقرأ الشعب السوداني مستقبل العلاقات بوادي النيل وكيف يقرأها العقلاء المخلصون من إخوتنا المصريين. دعونا نقرأ الأفعال لا الأقوال . أكثر من مليون سوداني يملكون شققاً وبيوتاً واستثمارات بمصر فهل يفعلون ذلك عن قصر نظر أم لعمق نظرتهم الاستراتيجية للعلاقات بين البلدين دون خوف على أملاكهم أو تردد ، لا توجد علاقات زواج ورحم متجذرة بين أي من الشعوب المجاورة لنا كما هي بين مصر والسودان ، بل برغم سوء العلاقات الحالي نجد أن مصر تسند ظهرها على السودان ويحاول السودان أن يفعل نفس الشئ ومن أراد أن يعرف ذلك فليعد لمحادثات سد النهضة حيث يكاد السودان يكرر تضحيات حلفا والسد العالي مرة أخرى . الشعب السوداني يفهم تماماً أن العلاقة أزلية ولا يشك في ذلك بل ويراهن على هذه العلاقة الأزلية ، وما يفعله (تروس الشمال) ماهو إلا محاولة (لإصلاح هذه العلاقة) ووضعها في مسارها الصحيح. وعندما يحدث ذلك لن نتحدث عن بضائع تتجه شمالاً أو جنوباً طالما أنها تتبع قواعد التجارة المتعارف عليها ويعود ريعها فائدة للاقتصاد القومي في البلدين . نحن في السودان نتمنى أن نصل لشراكة اقتصادية ليس قوامها شحنات البرتقال والشيبس جنوباً أو المواشي والقطن والصمغ شمالاً ، نحن نسعى للجلوس سوياً لنفكر في تأسيس شراكة اقتصادية تصبح نموذجاً يسلكه الآخرون ويلجم ويخرس أصوات السفلة التي ترتزق بعهر كلامها حتى صرنا في السودان نكتم فرحتنا لهدف يحرزه صلاح في بطولة الكان وبدل أن نصيح معكم إخوتنا هييييييييه نكتم فرحتنا فقد تكفل بالصياح من هو أعلا صوتاً الآن ، تكفل بالصياح عمرو أديب وشاكلته ولا عليكم سنفرح دائماً لفرحكم ونتمنى لكم الخير كله فنحن لسنا ضدكم .
مرة أخرى أقول لكم لو علمتم ما نقوم به في الشمال لساهمتم معنا في قفل معبر أرقين وجميع المعابر من ناحيتكم أيضاً حتى نصل جميعاً لصفقة مربحة تتجاوز الأنظمة الفاسدة وتؤطر لعلاقات الشعبين كما ينبغي أن تكون . فالتكامل لا ينبني على إنشاء مجمع للحوم والصناعات الحيوانية على الجانب المصري من الحدود والخامات في الجانب السوداني دون أي رؤية تكاملية أو حتى اقتصادية سليمة ، لماذا لم يشاد هذا المجمع في السودان وتعم فائدته الشعبين (هل جربتم ورفضنا) أم أنها استغلال لفرص هيأتها أوضاع سياسية طارئة وستنقشع قريباً جعلت من كل إقتصاد السودان مالاً سائباً، هذا ينطبق على دول عربية أخرى أنشأت صناعات تنقية الصمغ العربي بتوقيع صفقات مع أنظمة سودانية فاسدة زالت قبل أن تبدأ عجلة مصانعهم في الدوران ، فأي قصر نظر هذا أم هو تخطيط تآمري بعيد النظر.
إن بقاء القضايا المعلقة بين البلدين لن يساعد على قيام علاقات اقتصادية ومنافع للشعبين مستقبلاً. فحلايب بالنسبة لنا ليست جرحاً ينزف منذ احتلالها قبل 25 عاما وإنما هي عضو مبتور من جسم أمتنا السودانية عودته حتمية لكن طالما بقيت دون حل ستبقى كل أحلامنا في مستقبل العلاقات أضغاث لن تصدق أبداً. وسيطال هذا الأمر جميع الملفات العالقة وأهمها ملف سد النهضة والذي يبدو جلياً أن كلمة الفصل فيه ليست لمصر ولا لأثيوبيا ولكن لنا. هل تدركون معنى أن يكون سد النهضة بني على أرض بني شنقول السودانية . أسكتوا عمرو أديب وجوقة السفلة عندها ستستمعون لنا ونحن لن نقول لكم إلا ما يرضي علاقتنا الأذلية عندما تحكمون صوت العقل وتنظرون مثلنا للمستقبل التكاملي المنشود (بس على مية بيضة وبعيد عن التلات ورقات) . يبدو أن الشعب السوداني جاد جداً في إصلاح مسار العلاقات وسيفعلها على طريقته هذه المرة .

1 فبراير 2022

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..