
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: آيات أحكام المنسأ
لقد جاء في محكم تنزيله قول الله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 106 البقرة.
فاختلف العلماء في تفسيرها حيث أنكر بعضهم النسخ وأقره آخرون. والذين أقروا النسخ أوضحوا معناه وبالرغم من إنهم اتفقوا على معناه إلا إنهم اختلفوا في تحديد الآيات المتشابهات المنسوخات وخلطوا بينها وبين أحكام المنسأ. وقد أوضحت في مقالي السابق المتشابهات المنسوخات وفي هذا المقال يتم توضيح آيات المنسأ وآيات المنسي وأقسامهن والهدف من تنزيلهن ليظهر الفرق بينهن وبين الآيات المتشابهات المنسوخات.
أقسام المنسأ
تنقسم أحكام المنسأ التي تعني تأخير الحكم المطلوب لحين وجود الظروف الملائمة له إلى قسمين:
القسم الأول: أحكامه كانت أساساً موجودة قبل نزول الإسلام وهي أحكام ثقيلة وأراد الله أن يخففها فأخر الأحكام الخفيفة إلى أن يعتنق الناس الاسلام. وكمثال لذلك كانت فترة عدة المتوفى عنها زوجها عاماً كاملاً ولا تستطيع أن تتزوج أو تتصرف بما تريده في حياتها بعد إكمال العام بناءً على قوله تعالى:{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 240 البقرة. حيث كانت المرأة مهضومة الحقوق للنظرة الدونية لها من قبل الرجل. ولهذا أخَّر الله الحكم المطلوب. ثم أنزل الله الحكم الخفيف المطلوب وهو أن تتربص المتوفى عنهن أزواجهن بأنفسهن أربعة أشهر وعشر فقط وأن يفعلن بأنفسهن ما يشاؤون بما يرضي الله بعد انقضاء الفترة كأن يتزوجن لقوله تعالى:
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } 234 البقرة
القسم الثاني أحكامه أنزلت بعد الرسالة وقد أنزلت في حالتين مختلفتين: أحدهما أرادها الله أن تكون خفيفة ولكن الظروف لم تناسبها فأنزل غيرها ثقيلة وأنسأ أي أخر الحكم الخفيف المطلوب لحين وجود الأسباب له، كحكم الحجاب الذي أراد الله أن ينزله حكماً خفيفاً ولكن الظروف لم تكن ملائمة له لوجود المنافقين بجوار المسلمين في المدينة وقد كانوا يؤذون نساء النبي والمؤمنات بحجة أنهم لم يتعرفوا عليهن وأعتقدوا أنهن من الإيماء. فأنزل الله بدل الحكم الخفيف (الحجاب) حكماً ثقيلاً وهو النقاب ليكون علامة للمؤمنات حتى لا يؤذين لقوله تعالى:
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} 59 الأحزاب. ولما خرج اليهود من المدينة وانتهت أسباب الحكم الثقيل أنزل الله الحكم الخفيف المطلوب وهو الحجاب لقوله تعالى:
{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}31 النور
المثال الثاني هو حكم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أنزلها الله ثقيلة على المؤمنين ليخفف على رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}12 المجادلة. وبعد أن علموا أن مناجاته فيها نوع من الثقل على الرسول عليه السلام خفف الله عنهم الحكم بقوله:{ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} 13 المجادلة.
المثال الثالث حكم فصال الطفل في عامين حيث أراد الله تنزيل الحكم الخفيف ولكن وجود مرضعات يتعايشن من ذلك، أخر الله حكم الفطام الخفيف الذي يبيح فطام الطفل قبل عامين وأنزل الحكم الثقيل الذي جعل فطام الطفل في عامين كاملين بقوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ}14 لقمان. ونسبة لحدوث الظروف التي تلائم الحكم الخفيف وهو الانفصال بين الزوجين والأمهات يرضعن أطفالهن أنزل الله الحكم الخفيف بقوله سبحانه وتعالى:{وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 233 البقرة.
والحالة الثانية هي أن تكون الأحكام المطلوبه ثقيله ولكن الظروف والأوضاع غير مواتية لها فأنزلت أحكام خفيفة أول الأمر كحكم الصبر على أذى الكفار والعفو عنهم بقوله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}109 البقرة. ثم أنزل الله الحكم الثقيل أن بدأ الكفار قتال المسلمين بقوله تعالى:{وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ} 191 البقرة
معالم أحكام المنسأ وحكمه
أحكام المنسأ هي أحكام محكمة وحكم العمل بها هو فرض. ولهذا لم تكن الأحكام الأولى التي خففت أو أثقلت منسوخة بل يمكن العمل بها إن وجدت الظروف التي أنزلت فيها أساساً أي إن وجدت الظروف الملائمة لها على أن يتقي المؤمن ربه في اختيار الحكم الذي سيعمل به. والحكم الذي يشبه أحكام المنسأ ويوضح معالمها هو حكم الآية التالية :{وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} 203 البقرة والله أعلم.
ثانياً: أحكام المنسي
لما كان الهدف من استراتيجية تنزيل الأحكام هو تحقيق رؤية الرسالات وهو اجتباء الأمة الوسط وهي الأمة الصادقة في ايمانها والأحسن طاعة لله باجتنابها الطاغوت ليدخلها الله الجنة بغير عقاب ولا حساب، كانت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى صفات تلك الأمة. ولهذا أنزلت الأخبار للأمم بأن من يطع رسوله سيلتحق بتلك الأمة الناجية لقوله تعالى{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً} 69 النساء.
وبعد أن علم الناس بأخبار أهمية طاعة الرسول أنزل الله امتحانه الذي يمييز به من يطع الرسول حقاً من المنافق لقوله تعالى:
{مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} 99 المائدة وقد كان الإمتحان عبارة عن نسخ رسم بعض الآيات من المصحف وتحويلها للسنة أي للأحاديث مع بقاء حكمها الفرض. ويسمى هذا النوع من الآحكام بآيات المنسي. حيث جاء قول الله تعالى مخاطباً نبيه:{سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ} {إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ} 6-7 الأعلى.
وهو قول تمهيدي إلى سينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن الله سينسيه ما أقرأه له في يوم ما. وذلك لأنه يعلم بما يجهر به بعض الذين أعلنوا إيمانهم كذباً (المنافقون) وبما يموج في صدورهم تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم نتيجة وسوسة الشيطان. وما يؤيد ذلك قوله تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} 61 النساء.
1- أقسام المنسي وحكمه
تنقسم آيات المنسي إلى نوعين: نوع نقل رسم آياته إلى السنة ولم يتم تبديلهن فصار أحاديثاً مع بقاء حكمه المحكم وهو الفرض، ونوع آخر تم تبديل آياته بعد نسخ رسمها وتحويلها للسنة. وقد كان التبديل بمثلها أو بأحسن منها. إذاً حكم العمل بالمنسي هو الفرض لأنه من الأحكام المحكمات.
أمثلة النوع الأول: ما لم يبدل رسمه
لقد وصلنا بالتواتر أن قول (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم) كان قرآناً. وقد تم نسخ رسمه من المصحف وتحول إلى سنة مع بقاء حكمه بناءً على قول سيدنا عمر رضي الله عنه:– وهو يخطب الناس على المنبر :( إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ . فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ . وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ).
وفي حديث آخر قال سيدنا عمر: “ولولا أن يقال زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي”. وهذه الآية المنسية لم يبدل رسمها في المصحف.
وقد جاء في نفس المجال جاء الحديث التالي: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) ما يؤكد أن زنا الشيخ والشيخة حده القتل وليس الجلد.
كما جاء الحديث التالي الذي ينص على حد الرجم وهو عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: يقول النبي صلى الله عليه وسل ).والثيب بالثيب جلد مائة ، والرجم). وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا و الغامدية ، وأجمع المسلمون على هذا الحكم ، وكان فيما نزل من القرآن، ثم نسخ لفظه وتم نقله للسنة مع بقاء حكمه الفرض.
أمثلة نوع المنسي الثاني: ما تم تبديل رسمه في المصحف بعد نسخه
لقد ذكر سيدنا عمر رضي الله عنه وهو يخطب في المنبر ما يلي: ( ألا وإنا كنا نقرأ:” لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم). وهذا القول قد أتى الله بأحسن منه وهو:{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}32 النساء الذي جاء تفسير ابن عباس فيه كالآتي:، قال ولا يتمنى الرجل فيقول ليت، لو أن لي مال فلان وأهله، فنهى الله عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله.كما جاء فيه أيضاً الآية{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} 131 طه التى تهدي للرضا بقسمة الله من الأقدار فلا يبتغي المرء غيرها ولا يرغب عنها.
ومثال آخر هو ما نزل في ذم كنز المال وعدم زكاته فقد أتى الله بأحسن منه لفظاً كما تم نقله للأحاديث. وهو ما أورده الصحابة: وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ). هذه الآية قد تم استبدالها بقوله تعالى:{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 34 التوبة
أما القول المنسي:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ) فقد بدَّله الله بمثله وهو{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}{ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} 2-3 الصف.
أخيراً: الحكمة والمقاصد من وراء أحكام المنسأ والمنسي
إن الحكمة والمقصد من تنزيل المنسأ من الأحكام هو إصلاح فساد الأرض الذي كان سائداً في الجاهلية بتغيير الأحكام الثقيلة بخفيفة والعكس حسب الظروف والمتطلبات لتهيئة الجو النقي لعبادة الله الخالصة لقوله تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} 56 الأعراف
هذا من زاوية ومن زاوية أخرى هي مواد ابتلاء للناس لتمييز الخبيث الذي يتبع الشيطان ولا يريد إصلاح الأرض بعد فسادها من الطيب الذي يعمل بكل أحكام الله وحدوده. أما الحكمة من المنسي فهي أولاً: تمييز المؤمن الحق برسالة سيدنا محمد وبآيات الكتاب من المنافق الذي يشك فيهم. ثانياً: هي توكيد لتحدي الله للكفار بعدم مقدرتهنم أن يأتوا بسورة من مثله وهو القادر على أن ينسي الرسول ومن معه ما يعدل سورة كاملة ويأتي بمثلها.
بتول عثمان
[email protected]
}ألم يجعل المنسأ والمنسي والمتشابه كثير
من الناس في هذا الزمان يشكون في القرآن وفي صدق الرسول؟!
يا أستاذة بتول، الله يرحم والديك خفي شوية.
يا بنت الخال، كتاباتك طويلة و لا تصلح لنشرها في صحيفة الكرتونية، و مهما كانت قيمتها فلن يستفيد منها أحد، و ذلك لأنه لا يوجد وقت في الزمن العلينا دا عشان الواحد يقرأ مقال بهذا الطول، والدليل على ذلك لا تجدين أي تفاعل أو تعليقات من القراء على كتاباتك لعدم تمكنهم من قراءة المقال.
أرجو منك صادقاً أن تكتبي مقالات قصيرة مثل ما يكتب الآخرون، و إذا كنت ترين أن كل الكلام هام يمكنك أن تقسمي الموضوع لعدة أجزاء.
تقبلي إحترامي و تقديري
التنزيل الحكيم والناسخ والمنسوخ
يعتبر التنزيل الحكيم كتاب “المسلمين” الذي أرسله الله لهم، ولا يقبلون بالطبع ما يشكك بقدسيته، ويعادون أي طرح يضعه تحت مجهر التمحيص أو البحث، حتى أنهم لا يمسون الورق الذي طبع عليه ما لم يكونوا بكامل طهرهم، ويزينون بنسخه مكتبات بيوتهم، ويتفاخرون بتوزيعه في الأفراح والأحزان، وقد تبدو هذه الأمور كلها محمودة، علماً أن وضعه موضع التمحيص لا يقلل من شأنه بل على العكس يثبت مصداقيته، لكن كل هذا التكريم الشكلي الذي يعبر عن احترامهم لهذا الكتاب، يتناقض مع اعتمادهم قواعد وعلوم تشكل الحجر الأساس للفقه الموروث برمته، كأطروحة الناسخ والمنسوخ مثلاً، أو “علم أسباب النزول”.
فالمسلمون لا يجدون حرجاً في اعتبار أن الله تعالى قد بدل رأيه (حاشاه) وأعطاهم في كتاب واحد حكم ونقيضه، إذ يرون مثلاً أن قوله تعالى {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام 106) أو قوله {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (النساء 92) قد نسختهما الآية {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} (التوبة 5)، وبالتالي بموجب فهم مغلوط وعدم تمييز بين النبأ والخبر وبين القصص القرآني التاريخي والأحكام الصالحة لكل زمان ومكان، حولوا رسالة الرحمة إلى رسالة قتل وذبح، والأمثلة كثيرة، ولم يجدوا حرجاً في القول أن هناك آيات برمتها قد ألغيت “نسخت لفظاً وحكماً” كآية لا وجود لها هي “والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله”، أو آية رضاعة الكبير التي أكلها الداجن ضمن ما أكل من آيات، أو “آية” الغرانيق التي وفق زعمهم هي “زيادة في سورة النجم لم يلفظها الرسول لكنها وصلت إلى مسامعهم”، وكل هذا فيه من الإساءة لكتاب الله ما لا يغتفر، إذ لا يمكن لدستور إنساني أن تقبل بوجود تناقض ضمن مواده، أو القول بحذف مواد منه وبقاء حكمها، فكيف بكتاب من الله تعالى {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت 42)؟
والأنكى من ذلك أن الفقه الموروث جعل السنة النبوية ناسخة لأحكام الكتاب فقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البقرة 180) نسخه حديث “لا وصية لوارث”، واعتمدوا قاعدة أن “السنة موازية للقرآن” إن لم تطغى عليه في بعض الأحيان، على اعتبار أن الرسول {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم 3 -4) فلم يفرقوا بين القول والنطق، و بين القائل والناطق، فالقائل في التنزيل الحكيم هو الله تعالى والناطق هو الرسول، وآيتا (النجم 3 – 4) خاصتان بكتاب الله حصراً، وإلا لاستطعنا القول “قال رسول الله: والضحى والليل إذا سجى”، وتحول كل ما قاله الرسول خلال حياته أمام أصحابه وزوجاته إلى وحي علينا اتباعه، فلا يمكننا هنا إلا أن نقرأ قوله تعالى {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} (النحل 116).
وثمة سؤال قد يتبادر إلى ذهن القارىء هو وماذا عن قوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة 106)؟ نقول أن معنى الإنساء تاريخي بحت، وشريعة محمد (ص) نسخت ما جاء في شريعة موسى من أحكام، وهذا ما أعطى رسالة محمد صفات الرحمة والعالمية والخاتمية، والنسخ والإنساء في الأحكام حصراً، إذ لا يمكن أن ينسخ الله تعالى الليل والنهار في عالمنا هذا ولا الشمس والرياح والبحار والبهائم، ولا قوانين الكون كدوران الأرض والصحة والمرض والموت والولادة، والأحكام مقارنة بالشرائع السابقة إما نسأت لصالح خير منها كحد الزنا مثلاً (الجلد بدل الرجم)، ومحرمات الطعام (أصبحت أقل)، أو بقيت كما هي {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (المائدة 45) آخذة بالاعتبار التطور الحضاري للإنسانية الذي سينحو نحو أحكاماً تبتعد عن الإعدام تدريجياً، فالرسالة المحمدية حدودية بينما الشرائع السابقة لها حدية، ولا يوجد ناسخ ومنسوخ في الرسالة الواحدة، وإنما هو بين الرسالات فقط.
وثمة أمر آخر يجب علينا ملاحظته عند دراسة التنزيل الحكيم هو التمييز بين ما هو تاريخي وما هو أبدي، فالتعليمات الواردة للنبي ليطبقها في عصره في مناسبات معينة هي أنباء نأخذ منها العبر فقط، وينطبق عليها ما ينطبق على القصص القرآني كله، والتشريعات التي اجتهد فيها الرسول كمشرع أول وولي أمر وفق ظروف عصره ومقتضياته (طاعة منفصلة) تشكل أسوة لنا من حيث الاجتهاد بما يناسب عصورنا، أما الأحكام الأبدية فالله تعالى حصرها في المحرمات التي لا تقبل الزيادة ولا النقصان، وتعتبر مرجعية أخلاقية لأهل الأرض حتى قيام الساعة، وهي معدودة يمكننا الالتزام بها دون أن تتحول حياتنا لمجموعة من الممنوعات والذنوب ولا تحيلنا إلى غريبي أطوار ولا إلى مجرمين يتفادى العالم شرهم.
عودوا إلى كتاب الله ولا تلصقوا به ما لا يليق.
نقلا عن الدكتور محمد شحرور
شطحة عمر بن الخطاب بقول آحاد وأنه كان يريد حشر ارث اليهود في القران بقوله بتلك الايات الشيطانية العمرية التي تدعي الرجم وان قوله قول آحاد وقول الاحاد لا مقام له هنا ولا يثبت شيئا وطبعا عمر بن الخطاب كان تلميذا مخلصا لدروس اليهود السبتية ومتأثرا بها بشدة لذلك كانت من مشاريعه المهمة حشر هرطقات اليهود في الاسلام لذلك صعد المنبر وبلسان ابليس ادعى ان هناك ايات رجم اسقطت من القران وانه لو لا انه كان يخاف ان يقول الناس ان عمر زاد في القران لاضافها في المصحف فاذا كانت فعلا من القران لماذا لم يلحقها؟ الا يدعي اولياءه انه لا يخاف في الحق لومة لائم؟ وعمر بن الخطاب مثل امه عائشة التي ادعت وجود ايات رضاعة الكبير! فجميع اهل السقيفة كانوا جزء من شبكة تحريف القران بصفة خاصة والاسلام بصفة عامة. لذلك لا يمكن الاعتماد على اولياء السقيفة في دراسات او مقالات كهذه. فصاحب المقالة للاسف اقتبس اقوال اصحاب المذاهب المعتورة ولم يكلف نفسه عناء الالتجاء الى قول عترة النبي ص واله الذين هم مع القران والقران معهم وان النبي ص واله ربطهم بالقران الى يوم القيامة. فمثل هذه الدراسات تحتاج الى تعمق ونظرة نقدية وليست فقط سردية ومن لا يعتمد على قول اهل البيت عليهم السلام فقد ضل ضلال بعيدا.