الفريق شرطة محمد أحمد علي : الرئيس نميري وجّهنا بضرب الطائرة الإسرائيلية بالمدافع ..شخصية نافذة بحكومة مايو كانت تعلم بعمليات ترحيل الفلاشا

ترحيل الفلاشا تم عبر “لواري” من الحبشة حتى بورتسودان

لهذا (…) السبب لم أدلِ بشهادتي حول محاكمة المتهمين بتهريب الفلاشا

ما تزال التفاصيل حول عملية ترحيل اليهود (الفلاشا) إلى دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) على أيام الحكم المايوي؛ تترى. صحيح كانت هنالك معلومات مبذولة في الإعلام عن العملية التي انطلقت من مطار (العزازة) بالقضارف، ولكن الحقائق تتكشف بغزارة إلى يوم الناس هذا.

ولأغراض التنقيب في هذا الملف الشائك الذي تقبع كثير من أسراره في صدور قلة نشطوا إبان حكم الرئيس الراحل جعفر نميري (1969 ? 1985م)، استنطقت (الصيحة) الفريق شرطة محمد أحمد علي الذي كان يشغل يومذاك منصب المسؤول عن البحث الميداني بمديرية البحر الأحمر، ليسرد تفاصيل تلك الوقائع، مشفوعة بما جرى سابقاً من طلعات جوية استهدفت عدداً من النقاط الثابتة والمتحركة في الولاية الساحلية.

إذاً حول (الفلاشا)، وحول قضايا الشرق، تسلط (الصيحة) فلاشاتها من كاميرا الفريق التوثيقية والتحليلية.

حوار: عبد الرؤوف طه

ــ حينما تفجرت عملية الفلاشا في البحر الأحمر أي الرتب كنت تحمل؟

كنت ملازم أول بشرطة البحر الأحمر.

ــ ما هي المهام التي أوكلت إليك؟

كنت مسؤولاً عن العمل والبحث الميداني بمديرية البحر الأحمر.

ـ متى كان ذلك؟

ما بين فبراير – مارس 1984م.

ــ متى بدأت خيوط قضية الفلاشا بالبحر الأحمر تتكشف؟

أذكر في آخر أيام الأسبوع حضر إلينا الفريق عثمان فقراي في تمام الساعة الثانية ظهراً أخبرني بأنهم تلقوا إشارة من شرطة محلية سنكات.

ـ إشارة بماذا؟

قال لي إن الأشارة تؤكد أن هنالك طائرة تهبط في مطار كارساقوك كل خميس من الأسبوع.

ــ من الذي التقط الإشارة؟

هنالك (صول) ذهب إلى تأدية عزاء في إحدى ضواحي المنطقة، ومن خلال حديث الأهالي أكدوا أن هنالك طائرة تهبط أسبوعياً بالمنطقة مع وجود عربات تقوم بتمشيط المنطقة ليلاً.

ـ هل تأكد للصول هبوط الطائرة (بيان بالعمل) أم اكتفى بحديث الأهالي؟

أذكر أنه قال لنا إن الأهالي قالوا إن الطائرة حينما تهبط تحدث دوياً رهيباً يثير الرعب في المواشي والحيوانات مثل الكلاب وتثير رعب الأهالي في تلك المنطقة.

ـ ثم ماذا بعد؟

أخطرني الضابط فقراي بأن هنالك تيماً تم تشكيله من الأمن والشرطة من أجل رفع تقرير عن المنطقة، وبعدها سيكون هنالك اجتماع للجنة أمن المديرية.

ـ متى تحركتم صوب كارساقوك؟

بعد حديث فقراي مباشرة تحركنا للمنطقة معي زميلي وهنالك مساعد شرطة كان يقود العربة والمسافة كانت طويلة جداً تقدر بـ 150 كلم.

ـ وصلتم مطار كارساقوك؟

وصلنا بعربة مدنية وألقيت نظرة شاملة على المطار الذي أنشئ في الحرب العالمية الثانية وبه حيطان بزوايا غير مستقيمة والأرض جبلية، ولكن أرض مطار كارساقوك كانت ثابتة لذلك سهل جداً هبوط الطيران.

ــ كم يبعد المطار عن منطقة أركويت؟

17 كلم تقربياً.

ـ ما هي أول الملاحظات التي لفتت نظرك داخل المطار؟

أول شيء وجدت علب بيبسي فارغة وعلب شاي لبتون بالإضافة لعلب كبريت.

ـ وجود هذه الأشياء ماذا يعني لكم؟

يعني أن الشخص الذي كان بالمطار مكث فترة طويلة.

ــ ماذا وجدتم خلاف ذلك؟

وجد كورساً مكتوباً عليه بلغة الأمهرا.

ـ هل ترجمت المكتوب على الكورس؟

لا لم أترجمها، ولكن رفعتها كتقرير.

ــ نواصل؟

وجدت ورقة بلاستيكية شفافه والورقة نفسها كانت مقطوعة مكتوب عليها (لايت استيك) بمعنى العصا الضوئية وهي مثل الشمعة وبداخلها سائل، وجدنا متعلقات ووجدنا آثار عربات وآثار أحذية (بوتس).

ـ بماذا فسرتم الأمر؟

قلنا هنالك عمل مشبوه، ولكن لم يخطر على بالنا أن الأمر فلاشاـ إذا قلنا بأن الأمر يرجع للسوداني المعارض الموجود بأثيوبيا (م. ن. س) وقلنا إن الطائرة تتبع له وتأتي بالسلاح لهذه المنطقة، ولكن وجود بعض الأشياء جعلنا نرفض هذه الفرضية.

ــ هل كانت هنالك مستندات أخرى تؤكد هبوط طائرة بكارساقوك؟

هنالك شجيرات بالمطار حينما تهبط الطائرة تقوم باقتلاعها.

ـ هل انتهت المهمة؟

بعد العودة لبورتسودان كتبت تقريراً وقمت بتسليمه للإدارة والضابط الذي كان معي (م.ج) رفع تقريره لأمن المديرية.

ـ ماذا بعد رفع التقارير؟

بعد رفع التقارير وفي اليوم الثاني قررت لجنة أمن المديرية الذهاب للموقع وفعلاً ذهبت اللجنة للموقع وتأكدت من كل المعلومات، واللجنة رحجت أن هنالك عملاً مناوئاً يحدث، وكان هنالك ضابط استخبارات (م. ع) وكان يحمل جهازاً تقنياً حديثاً وقال إن الجهاز أكد له أن هنالك إشارة، وهذا يؤكد وجود شخص له علاقة بالموضوع، واتضح أن هنالك شخصاً ألمانياً يحمل جهاز إرسال ضخماً يعمل لمصلحة الجهات المناوئة.

ـ هل رفعتم تقريراً للخرطوم؟

بعد عودة لجنة أمن المديرية من كارسوقاك كانت هنالك زيارة للرئيس جعفر نميري لمنطقة بورتسودان، وكان المقدم أمن وقتها حسن ضحوي ضمن الذين شاركوا الرئيس نميري في وجبة الغداء، وكنت من ضمن الحضور، وقال ضحوي للنميري إن هنالك طائرة تنزل في مطار كارسوقاك.

ــ بماذا رد عليكم النميري؟

قال له اضربوها طوالي.

ــ لماذا لم تنفذوا توجيه النميري؟

تم تكليف تيم (فريق) يرتدي الزي الملكي وأخذوا معهم مدافع من العيار الثقيل وتم وضعها بالقرب من المطار وكانوا في حالة انتظار لهبوط الطائرة من أجل ضربها.

ـ لم تأت الطائرة؟

الطائرة حضرت، ولكن للأسف الشديد لم تجد الطائرة إشارة من أجل الهبوط.

ــ هل كان نميري لا يعلم بالفلاشا؟

لا أعلم والله، وليس لدي فكرة.

ــ هل كل الدولة جاهلة بأمر الفلاشا؟

هنالك شخص على علم بالمسألة.

ــ من هو ذلك الشخص؟

الأمر معروف، كثيرون يعرفونه.

ــ ثم ماذا حدث؟

أذكر أن شركة تابعة للإدارة العامة للسياحة، وتم توجيه إدارة فندق البحر الأحمر بأن هنالك شركة قامت باستئجار منطقة عروس السياحية ويجب تهيئة المناخ لهذه الشركة.

ـ متى حضرت الشركة؟

حضرت الشركة، وكانوا عبارة عن خمسة أشخاص أجانب ضمنهم امرأة وذهبوا واستلموا منطقة عروس.

ـ هل ذهبوا للخرطوم أم ذهبوا مباشرة لمنطقة عروس؟

استعانوا ببعض الناس من الخرطوم للترويج لصالح الشركة وشرعت الشركة في عملها مباشرة، ولكن حدثت بعض الأشياء لسياح.

ــ مثل ماذا؟

مضايقة السياح من خلال قطع الماء والكهرباء عن الغرف التي ينزلون فيها.

ـ ما الهدف من هذه المضايقات؟

حتى لا يمكث السائح كثيراً معهم.

ـ ما هي أول الملاحظات على عمل الشركة؟

كانوا يصرفون وقوداً كثيراً جداً دون وجود عائد أو نتيجة.

ــ ماذا فعلتم حول هذه الملاحظة؟

لجنة الأمن قررت إرسال تيم لمنطقة عروس وأنا كنت ضمن هذا التيم ومعي آخرون من الأمن والاستخبارات.

ـ كيف تم التحرك لعروس من قبل وفد أمني ألا تخشون أن ينكشف أمركم؟

تحركنا عن طريق عربة تابعة لإحدى المنظمات مع ضابط الاستخبارات والأمن وثلاثة ضباط صف آخرين وحملنا معانا زاداً كافياً، وكان التحرك في الساعة الخامسة صباحاً، وصلنا مع شروق الشمس إلى منطقة عروس وهي تقع على ساحل البحر الأحمر وهي منطقة سياحية.

ــ وصلتكم قرية عروس آمنين؟

نعم، ودخلنا كافتيريا كبيرة تفتح على البحر وهي تتوسط الغرف السياحية بالمنطقة، ولفت انتباهي شخص من الهدندوة وفتاة حبشية.

ــ هل دار بينكم حديث؟

لاحظت وجود عدد من اللواري تقف في المنطقة، سألت الهدندوي وسألته اسمك (منو قال لي اسم أبو مدينة وسألته شغال شنو قال لي شغالين مع الجماعة ديل. سألته اللواري دي شغالة شنو قال لي اللواري دي بتطلع بالليل ترجع قبل طلوع الشمس).

ـ من الذي يقود تلك اللواري؟

يقودها الخواجات أنفسهم العاملون في المنقطة السياحية ثم سألت الفتاة الحبشية قالت لي نفس إفادات أبو مدينة.

ـ هذه أول المعلومات؟

نزلت خلف المساكن، وجدت مخلفات تشبه التي كانت في مطار كارسوقاك مثل علب البيبسي واللبتون والكبريت، إذن هم نفس الأشخاص، قمت بأخذ هذه الأشياء ووضعتها في قماشة ثم وضعتها خلف العربة.

ـ ثم إذن؟

عدت للجلوس مع المجموعة داخل الكافتيريا وبسرعة ظهرت المرأة الألمانية وهي ترتدي شورتاً وفانلة وكانت تركض حافية وبدت منزعجة من وجودنا، ويقال إن هذه المرأة يهودية ألمانية وكانت هنالك عربة لاندكروز بها جهاز اتصال طويل المدى، المهم سألت المرأة عن أسباب وجودنا قلت لها نحن نتبع لمنظمة من حلايب، فتقبلت حديثي وغادرت.

ـ متى عدتم إلى بورتسودان؟

عدنا بعد انتهاء المهمة، وتأكدنا أن الموجودين في القرية السياحية لهم علاقة بما يحدث في مطار كارسوقاك، وتم استدعائي في مكتب أمن المدير من قبل ضابط كبير وسألني عن ما حدث في الزيارة أوضحت له أننا وجدنا متعلقات تشبه التي وجدناها في كارسوقاك.

ـ هل انتهت المهة؟

بعد شهر من الأمر حدثت الانتفاضة، وتم اعتقال بعض القيادات، وكان ذلك في اليوم الثاني للانتفاضة، وجدت ضابطاً كبيراً طلبت منه متابعة أمر ما يحدث، قال لي إنهم أرسلوا وفداً لمنطقة عروس وجدوها خاوية تمامًا.

ـ كيف غادروا المنطقة؟

غادروا ليلاً عبر طائرة إسرائيلية من مطار دنقناب.

ــ حتى تلك اللحظات لا تعملون أنهم فلاشا؟

تأكدنا أن الأمر نوع من تهريب الفلاشا.

ـ الخرطوم آخر من يعلم؟

بعد الانتفاضة حضر فريق من الخرطوم وتم إجراء تحقيق وقمت بمرافقة اللجنة الى القرية السياحية، وقمنا بتفتيش الغرف، وجدنا ما يؤكد أن الأمر فلاشا، وبالفعل وجدنا العصا الضوئية، واتضح أن الأمر ترحيل فلاشا، وبعد اكتشاف العملية تحولوا لنقل الفلاشا بطريقة أخرى.

ـ بأي طريقة؟

تحولوا للتهريب عبر البحر يتم أخذهم باللواري إلى البحر الأحمر ثم وضعهم في (لنشات) ثم وضعهم في بواخر وأحياناً كان يتم تهريبهم عبر مطار دنقناب.

ــ إلى أين يتم نقلهم من البحر؟

إلى إسرائيل عبر باخرة.

ــ هل تصل البواخر لإسرائيل؟

نعم، الأمر عادي للغاية.

ـ بمعنى توقف التهريب عبر المطار؟

لم يتوقف بصورة كلية تحولوا للتهريب عبر مطار دنقناب وتركوا مطار كارسوقاك.

ــ كيف يتم إحضار الفلاشا من إثيوبيا إلى دنقناب؟

يتم ترحليهم عبر اللواري.

ـ وأين يمكثون خلال تلك الفترة ؟

يتم تخزينهم في بيوت معينة وآمنة بمدينة بورتسودان، وفي الأحياء الطرفية بالتحديد.

ــ هل التخزين كان يتم بأعداد كبيرة؟

لا أستطيع أن أحدد أعدادهم ولكنهم فلاشا.

ــ المدهش هو غياب الحكومة المركزية؟

أنا متأكد تماماً أن كل المعلومات تم إرسالها للخرطوم. ـت ولكن لا أعرف كيف كان الرد.

ـ من حديثك يفهم أن الشرق منطقة بها ثغرات أمنية كبرى؟

هنالك ضباط إذا ما التقيت بهم سيكشفون لك أن هنالك تهريباً بالطيران بالقرب من الشواك والشرق منطقة شاسعة جدًا.

ـ هل تم استدعاؤك للمحكمة بعد الانتفاضة؟

نعم، ولكن لم أدل بشهادتي رغم أنني قابلت قاضي المحكمة (ص.أ).

ـ لماذا لم تدل بشهادتك؟

ضابط قبلي قال نفس المعلومات التي كنت أنوي أن أقولها.

الصيحة