كرتي واستبدال الكروت

كرتي واستبدال الكروت

رباح الصادق
[email][email protected][/email]

في الأيام الأولى لتولي السيد علي كرتي منصبه كرأس للدبلوماسية السودانية بدأ بدايات غير دبلوماسية، فأصاب (دول الاستكبار) وهو في عقر دارها، ونالت خبطاته جيراننا وأشقائنا بمختلف القبل، ثم انبرى لأهل الدار فألقى بـ(السجم) على من قلى وقلل هنا وهناك، وكنا مشفقين جدا من نقض السيد كرتي لمهمته كأنما فهمها ب(الفنقرورة) أي بالفهم النقيض. ولكن (الصراحة لله) فإن السيد كرتي في تصريحاته الأخيرة بدا وكأنه استبدل كرته القديم.
لا يفهم من حديثنا هذا الطعن في كرتية السيد كرتي، من ناحية انتمائه لحزبه ودفاعه عنه وقد كان ذلك واضحا بجلاء لدى مقابلته المرئية بقناة الجزيرة في برنامج (بلا حدود) في وقت سابق هذا الشهر، فقد دافع مستميتا عن وجه حكومته وحاول تحسينها قدر استطاعته، فأنكر مثلا أن يكون أحد طرد الجنوبيين أو داس لهم على طرف في السودان، كأن لم يذكر أحد حرمانهم حتى من (الحقنة) والبيع والشراء في سوق (الله أكبر)، ولا ذكر آخر استئصال السرطان، تجاهل السيد كرتي كل هذه الشنشنة وتحدث عن حكومته منافحا بدرجة فارس. فالسيد كرتي قيادي ملتزم في حزبه. ولا شك أن تصريحاته الأخيرة بالبرلمان والتي استبدل فيها كرته كما قلنا وحملتها صحف الثلاثاء 15 مايو منطلقة من رؤيته لتقوية الحزب والدولة، ولا يمكن عدها انبطاحا كما فعل صاحب الانتباهة، وهي ناتجة برأينا عن كدح محموم داخل وزارة الخارجية ولقاءات عديدة وملفات كثيرة أثيرت مع اللاعبين الدوليين لمس فيها السيد كرتي مواضع للجرح الإقليمي والعالمي في خطاب حكومة السودان، وسعى لتطبيبه.
أدلى السيد كرتي ببيان في البرلمان حول التحديات التي تجابه وزارته في الوقت الذي زادت فيه أهمية وزارة الخارجية بدرجة صاروخية، وقال السيد غازي العتباني يومها بالبرلمان إنها ينبغي أن تعامل كإحدى وزارات الأمن القومي. ذلك أن قرار مجلس الأمن رقم 2046 يضع البلاد وجارتها جنوب السودان تحت مواقيت دقيقة ومتابعة دولية وتهديدات بعقوبات وفقا للمادة 41 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. وكان النائب أحمد حسن كمبال طالب كرتي بعرض قضيته بكل شفافية، وأن “كلام البرلمان مهما كان ليناً لن ينفعك، حتى إذا أجزنا بيانك ، لن ينفعك، سندعمك معنوياً لكن ذلك لن يحل المشكل، لا بد أن تطرح قضيتك بصورة علمية، وأن تكون شفافاً وموضوعياً وديموقراطياً، لا تخف اطرح كل مشاكلك” (صحيفة الأحداث 17/5)، وبالفعل أدلى السيد كرتي بتصريحات (جديدة) من ناحية إعلاء درجة النقد الذاتي عن المستوى الدارج في أروقة الحكومة التي تسبح تقاريرها بجودة الأداء وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان وحتى الاعتراف حينما يحدث يكون لكبوات غير ذات أثر لجواد سباق لحّاق كامن في تلك التقارير والشعب لا يرى سوى العثرات ومشي القهقرى. ففي ذلك اليوم خرج الوزير عن المألوف وانتقد أداء الدولة تجاه وزارته وعدم إعطائها المال اللازم للقيام بمهامها، وانتقد أحداثا في الماضي كإعطاء الوزارة للحركة الشعبية التي دقت إسفينا بين السودان والعالم خاصة إفريقيا، كما انتقد تأثير الخطاب السياسي لقيادات نافذة على صورة البلاد وعلى أداء وزارته.
ويمكن أن نضيف ملاحظات على حديث السيد كرتي الذي ينحو في الاتجاه الصحيح لأن النقد الذاتي فضيلة مطلوبة حث عليها الباري جل وعلا (النفس اللوامة)، وهي أفضل طريقة للبناء عرفها الإنسان كما قال الفيلسوف الأوربي عمانويل كانط. ومن أهم الأدبيات التي اطلعنا عليها والتي تتجاوب مع هذا الاتجاه المحمود بالنقد الذاتي مقال الأستاذ سيد الحسن المنشور بعدد من المواقع الإلكترونية بعنوان (رسالة للسيد علي كرتي) وفيها يلقي بضوء كثيف على مطالبة الوزير بزيادة مقدراته المالية، فهو يقطع مثلا بأن المال المتوفر لا يدار لأفضل النتائج لأن هرم الوزارة مقلوب حيث خلت مناصب كثيرة في الوظائف الدنيا كان يشغلها كادر الحركة الشعبية لتحرير السودان بينما الوظائف العليا متكدسة بكادر المؤتمر الوطني، وتحدث كذلك عن الإعفاءات الجمركية للسلك الدبلوماسي في استيراد الأثاث والذي صار يستخدم تجاريا بشكل مؤثر على مالية الدولة، وعن الترهل الوظيفي في السفارات، كما تحدث عن اعتراف السيد الوزير بتأخر عملهم مقارنة بدولة الجنوب بسبب عامل اللغة مؤكدا أن عجز كادر الوزارة ليس بسبب انعدام الكفاءة وسط السودانيين ولكن بسبب سياسة التمكين (وهي سياسة أعلن رئيس الجمهورية رسميا ضرورة التخلي عنها ولكنها لا زالت تحكم آليات التوظيف فتضع أهل الولاء وتجنّب أهل الكفاءة والعطاء)، كما تعرض لما وصفه الوزير من عدم تمكن سفاراته من إفادة البلاد في الملف الاقتصادي، فشرح بالأمثال كيف تعمل تلك السفارات في الدعاية السياسية للنظام ورموزه أو تتوسع في التعريف بأوجه ثقافية فولكلورية من قبيل (نقش الحناء) في المعارض العالمية بينما تعجز عن التعريف بالمحاصيل الاقتصادية وفرص التعاون التنموي في البلاد المتطلعة لاستيراد الغذاء والتي قد تجد في صور الكركدي والصمغ العربي والسمسم وغيرها مادة محفزة للتعاون. وأعتقد أنه إذا كان السيد الوزير يريد فعلا فتح باب النقد الذاتي بجدية فيجدر به الاطلاع على ذلك المقال.
شيء آخر وغر في صدرنا من حديث السيد الوزير وهو ينتقد بعض الأحاديث القيادية، فالسيد كرتي يريد أن يضع معيارين: معيار مناسب لنا، وآخر مناسب للعالم وللإقليم. فحينما ينتقد وصف الحركة الشعبية بالحشرة يؤكد أن ذلك كان بحسن نية، ولكنه يثير في العالم ما جرى بين التوتسي والهوتو، ثم ينطلق لوصم أفريقيا وشعورها بالدونية. ونفس الشيء ينطبق على نقده للإشارة للتعامل مع الجنوبين بالعصا. فهو ينتقد تلك العبارات بقدر ما ينظر لضررها حينما تعكس في الإعلام العالمي. وهذا محك هام جدا، وينبغي أن نتساءل: هل تلك العبارات صحيحة وتنطلق من معيار أخلاقي ومبدئي وإنساني صحيح أم لا؟ إذ لا شك فيه أنها لم تنطلق من فراغ، وأنها تتناغم مع الخبيء في العقل الجمعي الذي تحمله الأحاجي السودانية بل وتحمله كافة الثقافات في خزائنها الفولكلورية فالاستعلاء العرقي خاصية عرفتها كافة المجموعات البشرية كأحد آليات الحفاظ على الهوية والتماسك الداخلي، ومع نضج الإنسانية والتداخل بين الجماعات ومع رسالات الأديان السماوية تم نفي الاستعلاء العرقي باعتباره غريزة جاهلية ينبغي اقتلاعها، والإسلام جاء بنصوص حاكمة في القرآن والسنة تؤكد الإخاء الإنساني وخطل التفاضل بين البشر باللون والعنصر. ولكن الخبرة الجمعية في مستواها الوعر تحتفظ بظلال بل ببناءات الفرز العنصري وتعتبره أحد مكونات الهوية وأحد مكونات أوكسجين البقاء، لذلك فأنت تجد صاحب الانتباهة ينتقد حديث السيد كرتي في ندوة أمام منبر السلام العادل واصفا إياه بالانبطاح الذي (يؤدي إلى إشاعة ثقافة الهزيمة وطمس الهوية). ويغري بهذا النوع من التناول حديث السيد كرتي نفسه لأنه برر لتلك العبارات فيما بيننا (فهي هويتنا)، ولكنه رآها ضارة أمام الآخر الإقليمي المعقد الذي يعاني من الدونية وإرث العبودية، والعالمي المحكوم بخطاب مضاد للعنصرية. والحقيقة أن السيد كرتي عليه أن يخطو خطوة إضافية لأن برزخيته الحالية سوف لن تجديه وسوف تغضب عليه كل الطيف بين من يراها انبطاحا، ومن يراها لا مبدئية وغير كافية.
وفي النهاية، ومهما كان من نقصان خطاب السيد علي كرتي واحتياجه لدرجة أعلى من الشفافية والنقد الذاتي، فإن حمله للكرت الجديد وتركه لشنشنته القديمة هو المخرج الوحيد للسودان، والذي يلتقي عليه الناس بدءا من أطياف المعارضة، كما صرح السيد فاروق أبو عيسى مثلا، ونهاية بالحاكمين على أقصى يمين اليمين كالسيد دفع الله حسب الرسول الذي يجمع ثلاث نساء ويعارض الغناء في زمان الفداء، بل والسيد غازي العتباني ذاته وهو من أهم المحافظين على ماء الهوية والمعارضين للانبطاح الحضاري والذي قال إنه لا مناص من التعامل مع القرار 2046 برغم ما رآه فيه من مكر وسوء. أما صاحب الانتباهة ومن حمل طبله فلا ينتظر أن يتبعهم الناس إذا نظروا بأدنى نظرة عقل.
وليبق ما بيننا

تعليق واحد

  1. هل ينجو بها كرتي
    تحليل نفسي
    لما فعلها كرتي ؟
    بعد ان وصف كرتي السيدين بما لم يتجرأ احد في العالمين ان يصفهما به ومما يدخل في باب السب وفي جملة واحده ذكرت الجميع بتهديد الانقاذ لامريكاوروسيا كلتاهما بدنو العذاب وهذه القدره العجيبه لسب الاثتين ووصفهما ب =ديل سجمانين = مما يدخل في بند خلق الاعداء بالجمله لم تمر مرور الكرام ,قد يكون الانصار المشهورين بالمصادمه اكثر تسامحآ الا ان الختميه والاتحاديين لا يقبلون بالتطاول علي الساده الاشراف المراغنه فرأينا أسامه كرتي =ممرمطآ = في شقة بالرياض ثم اخبار زوجته الثالثه وصورها في الجرايد ومحاصرة اهالي بري لقصره المنيف وحوض السباحة الملئ بالماء والاهالي لا يجدون ما يشربونه وكانت القشه التي قصمة ظهر كرتي ظهور =حلاتو= و=الملاكم = ابناء السيدين واضطراره للتعامل معهما والتعامل مع الساده وابناء الساده فيه من الرهق ما فيه وهم يعرفون ويجيدون =السياده = فلما جاءت الفرصه لكرتي لم يتردد في التصويب تجاه عمر بشير والرساله هي انتم تخضعون لعمر وانا عمر ذاتو = بخوفو وما شغال به = وهذه تذكر ب لاعب كره عالمي احترف في دوله خليجيه واصابه الرهق فانتظر مبارة الكاس والتي يحضرها الملك وشات الكره من السنتر وعلي وجه الملك وترك البلاد بعدها

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    داخل المقال بالروابط أدناه الوجه الحقيقى لما آلت اليه وزارة الخارجية وأسباب وصولها لهذا الدرك

    رسالة للسيد على كرتى وزير الخارجية

    الروابط:
    http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-55882.htm

    http://www.sudanile.com/2008-05-19-17-39-36/995-2011-12-22-09-36-36/40037-2012-05-11-19-10-05.html

  3. يعنى الانبطاح الحضارى
    فرقو شنو من الصحوة الاسلامية بتاعت ابوك
    وهسة عاوز يجيب دين جديد
    قاتلكم الله
    انتم وجهين لعملة واحدة
    مرضى كراسى
    وزعامات
    شفاكم الله
    اركبو مطية غير الدين
    لتصلو للكرسى
    ولو كسكتة انجليزية

  4. انت يا اخت رباح ما عارفه انه الاسلامويين بيخافوا موت من المجتمع الدولى وكلام كرتى هذا مش حبا واحتراما للانسان بس هم ما عايزين مشاكل معالمجتمع الدولى !!! ناس الحركة الاسلاموية السودانيو ما بيحبوا السودانيين ولا بيحترموهم بس بيخافوا من اونكل سام وبنى قريظة واولاد الرقاصات وناس لولا الحبشية والمصيبة انهم قايلين نفسهم من احسن وافهم اهل السودان ودايما ما يسيؤوا ويشتموا السودانيين وما يدروا انهم من اوسخ و اقذر اهل السودان ودى حقيقة ما فيها غلاط!!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..