التنمية بعقلية الشيخ سيّرو!!

بسم الله الرحمن الرحيم
التنمية بعقلية الشيخ سيّرو!!
لا اقصد هنا غرض المديح في الأغنية التراثية الشهيرة ، التي أبدع الأستاذ الكابلي مد الله في ايامه في تقديمها بسلاسة أدائه المعهودة ، ونشرها عبر الإذاعة والتلفزيون . لكن المعني هنا ضمن المدح، تلك المخاطبة المباشرة لمواطن التمجيد عبر ذكر وإدراج أوصاف تضخم ما أتى به الفرد أو الجماعة، فثلاثة أرادب يستهلكن لإطعام ضيوف الوجبة الواحدة، وثلاثة من قدور الصندلية والمحلبية والسرتية التي لم ترض طموح النسيبة، تضع صاحبها في مرتبة يكابد الباقون في بلوغها.وهي ثقافة سودانية ، راسخة عند مختلف المجموعات السودانية، أثناء التغني بالعريس ، الذي تماثل طقوس تزيينه، تلك التي يؤتى بها عند تنصيب الملك.
حسناً، هل توقف أحدنا عند هذه الذهنية ، وهل انعكست على مناح أخرى في حياتنا ، غير تلك المتعلقة بالمبالغة في أشكال احتفالات الزواج حتى يوم السودانيين هذا؟ فنحن إما الأول والأفضل في كل شئ، وبالتالي مزهوون بذلك ، أو منكسفون لتدهورنا من مركزنا الذي كنا فيه.مسيراتنا مهما بلغ عدد المشتركين ، مليونية، من أكبر ما أهم بعضنا في الانفصال، فقدان بلدنا للقب المليون ميل، رغم أنه لم يكن زعماً زائفاً . كرتنا رغم ضعف الانجازات ، هي الأفضل في تاريخنا، وقس على ذلك.
لكن الأهم في نظري، تأثير هذه الذهنية على التنمية في البلاد.فلئن كانت للمستعمر إمكانات ضخمة ، جعلته يبدأ التنمية ،بمشاريع كبرى بعد أن درس جدواها الاقتصادية جيداً، كمشروع السكة حديد ومشروع الجزيرة ،وخدمت أغراضه تماماً ، فإن الغريب حقاً ، هو تأسينا به في ظل شح إمكاناتنا بعد خروجه.خاصة في العهود العسكرية ، والعسكر مولعون بضخامة البنيان كما قيل عن هتلر. فحتى الصناعات التي قصد نشرها في مواطن مختلفة من السودان إبان العهد العسكري الأول، صرف النظر عما أقعدها حتى تاريخه من عوامل شتى، كانت أكبر من إمكاناتنا.
لكن التجلي الأكبر لهذه الأزمة كان في العهدين العسكريين التاليين. ففيهما نقيضان غريبان، العجز عن الاحتفاظ بالمشروعات الكبرى الموروثة عن الاستعمار متمثلاً في مشروعي الجزيرة والسكة حديد لعوامل مختلفة، ما أقعد الاقتصاد الذي اعتمد عليهما من جهة، والدخول في مشروعات أخرى لم تمنحنا مع ذلك اكتفاءً ذاتياً مثل مشروعات السكر
في عهد مايو، ومشروع الكهرباء كمثال واحد في عهد نظام الانقاذ. فخلاف ضخامة التكلفة قياساً إلى امكاناتنا،ما جعلتنا دولة تنوء بحمل الديون الثقيلة بتضافر الفساد مع ذلك.فإن ضمان عائدها ربما كان اغتراراً بنجاح النسخ الاستعمارية التي سبق ذكرها في بدايتها،مع تركيزها في المناطق الشبيهة ، فصرفت مليارات الدولارات،في مشروعات تتركز عوامل إنشائها في وسط السودان بالأخص. بالنتيجة ، حتى بافتراض الغفلة وحسن النية، حرمت بقية المناطق من عمل مشروعات ذات بال.ما كان سبب الوبال الذي نعيشه. ولم تكن الزراعة الآلية بمعزل عن هذه الذهنية.حيث أنها مع قصور النظر والمحسوبيات في تمليكها، حذفت المساحة الكبرى من الريف السوداني من أيدي غالبية سكانه.فلم يكن غريباً بالنتيجة، مع موجات التصحر التي لا يبرؤ قطع أشجار هذه المشاريع كسبب لها،كان تفريغ بقية الريف إلى هذه المناطق ، علاوة على إفقار أهله. فما معني تركيز مساحات شاسعة من ملايين الأفدنة ن في أياد قليلة ؟
تخيلوا معي لو كانت مليارات الدولارات هذه قد صرفت في مشاريع صغيرة في كافة المجالات، متناسبة مع كل بيئة، موزعة على أنحاء القطر، تخيلوا العائد، وقلب المعادلة بالكامل، من مركز تتركز فيه مشاريع عجزت عن حل إشكالاتنا ، وعليها حمل عبء بقية القطر، إلى ريف وأقاليم غنية بموارد الاستثمار، تكون رافعة للمركز مع تطوره بالضرورة. لنحتفظ بالمشروعات الموروثة من الاستعمار ناجحة ،وتأتي المشروعات الكبرى لاحقاً .ويغني المغني لقيم العمل والانتاج ، عوض ذهنية التفاخر والنفخة الكاذبة.
معمر حسن محمد نور
[email][email protected][/email]