أخبار السودان

الموسم الشتوي بدايات محبطة تعصف بالقمح مشروع الجزيرة .. حين يسيطر العطش على (الترع)

الإدارة تشترط “32” جوال قمح مقابل التمويل

انتشار الطلمبات بالترع وتأخر استلام مدخلات القمح

مزارع : يتحصلون الضربية كاملة ويتأخرون في نظافة الترع

إيصالات محصول القطن تتوزع في “4” قرى متفرقة

الجزيرة : محمد جادين

العطش يضرب مشروع الجزيرة ويتسرب إلى أوصال الكنارات والترع، القنوات تيبس ضرعها بتراكم الطمي، والمزارعون أودعوا “تواريب” القمح الأرض في انتظار تدفق المياه العصية على الجريان، لتسود حالة من الإحباط وسط المزارعين في عدد من أقسام المشروع المترامي لتصدمهم البدايات غير المُبشرة مع ضربة البداية، الا أن عدداً كبيراً منهم تمسك بالموسم الشتوي وزراعة القمح رغم زيادة الضرائب والجبايات وارتفاع المدخلات وتضاعف سعر المبيدات والأسمدة، وتعنت الممولين والإدارة بتحديد سقف خيالي “للحواشة” أربعة فدان بتحصيل “32” جوال قمح مقابل التمويل أي بواقع “8” جوالات لكل فدان، مع العلم أن الزكاة وتحضير الأرض والحاصدة كل هذا خارج الحسابات. واقع المشروع على الأرض منفر للزراعة ما يدفع المزارعين إلى تبني محاصيل أخرى كـ “الكبكبي، والعدسية، والبصل، والكسبرة”، حينما تهزم الدولة نفسها بسياسات خرقاء وإجراءات إدارية عقيمة تسبقها شعارات “النفرة” وتمزيق فاتورة استيراد القمح بالحديث عن زراعة مساحات كبيرة على الورق تتقازم في الواقع نتيجة لهذه السياسات الخاطئة، كل هذا ومزارع الجزيرة يختبر تجربة أكثر مرارة من القمح، في محصول “القطن” رغم النجاح الكبير الذي تحقق بدخول مساحات كبيرة لأول مرة منذ فترة ليست بالقصيرة بعد إحجام المزارعين عنه نتيجة للخيبات المتلاحقة والخسائر الكبيرة التي طالتهم خلال السنوات الماضية، عدد كبير من الذين زرعوا القطن هذا الموسم لوحوا بخط رجعة وهددوا بعدم تكرار التجربة مجدداً نتيجة للصلف الإداري والإجراءات العقيمة الخاصة بتوريد القطن بتعدد النوافذ وكثرة الرسوم والجبايات.

“صورة عن قرب”:

“الصيحة” في جولة ميدانية وقفت على حقيقة الأوضاع في عدد من أقسام مشروع الجزيرة المتأثرة بالعطش مع بداية الموسم الشتوي وزراعة القمح، حيث الصورة “لا تكذب ولا تتجمل”، الموسم مهدد بالفشل منذ بداياته لتأخر وصول المياه، ما ترتب على ذلك انتشار “الطلمبات” و”الوابورات” في محاولات بائسة رغم ارتفاع التكلفة وتحطيم أسطورة “الري الغنسيابي” لإنقاذ “التواريب” التي تم رميها في باطن الأرض لتفادي الخسارة المُتضاعفة قبيل بداية الموسم بصورة فعلية حتى.

المزارع بتفتيش “العمارة كاسر”، المكاشفي الزين كاسر قال لـ “الصيحة”، إن الإدارة الزراعية تلعب دوراً سالباً بجانب الري، لافتاً إلى أن الترع والقنوات مليئة بالأطماء، وأكد أن ماكينات الطلمبات “اللستر” ما زالت تعمل لإنقاذ المحاصيل في تفتيش العمارة كاسر، وقال إنه في ترعة “ود جودة” يعمل “12” وأبوراً أيضاً، وفي ترعة العديد “8” وابورات، وأشار إلى أن الشركة الوطنية تعمل بجد واجتهاد في تحصيل رسوم المحاصيل بواقع “250” جنيهاً للفدان.

وأكد المكاشفي تأخر استلام مدخلات القمح في أغلب أقسام المشروع ما يعني فشل الموسم الشتوي باكراً وقال إنه لم يستلم المدخلات حتى رغم مرور أكثر من عشرين يوماً على زراعة القمح، وتوقع عزوف المزارعين عن القمح المواسم المقبلة والاتجاه لمحاصيل بديلة كـ “الكبكبي، والعدسية، والبصل، والكسبرة”.

“تحصيل وإهمال”:

المزارع بقسم وادي شعير مكتب فطيس، الخير حمد، قال لـ “الصيحة” إن مشكلة الري مشكلة مشتركة بين كل الأقسام، خاصة في الترع الفرعية ونوه إلى أنها غير جاهزة خاصة بعد نهاية الخريف بسبب كثرة الطمي، وقطع حمد بأن إدارة الري تحصلت الضربية كاملة، ومع ذلك لم تنظف الترع ما أدى إلى ضعف منسوب المياه، واتهم جهات لم يسمها بفتح كل بوابات الكباري بأمر من نافذين حتى تصلهم المياه على حساب المزارع.

ولم يعفِ حمد المزارعين من المشاركة في فوضى الري التي ضربت المشروع الفوضى وذلك بجمع المال ودفعه لأصحاب الكراكات للاستعجال في حفر الترع، وتساءل عن المسؤول من منسوب المياه ودفعها في الترع، ولم يستبعد وجود أيدٍ خبيثة هدفها إفشال الموسم الشتوي في الجزيرة.

وطالب الجهات المسؤولة بتلافي مشكلة الري حتى لا يفشل الموسم الحالي بعد التكلفة العالية في التحضير وشراء التقاوي وحفر أبوعشرين والسماد، وقال “في نهاية الأمر بسبب الري والمنسوب وطمع بعض الناس يدفع الثمن المزارع البسيط”.

“إقرار بالعطش”:

وزارة الموارد المائية والري والكهرباء، ووزارة الزراعة أقرتا بصورة خجولة بوجود مشكلة في الري في أقسام بمشروع الجزيرة، واتفقتا على برنامج لمعالجة سريعة لحل مشكلة الري في عدد من الأقسام بالمشروع، من جهته أقر وكيل وزارة الزراعة والغابات الدكتور بدر الدين الشيخ خلال جولة ميدانية في المشروع “الأربعاء” الماضي، بوجود مشكلة في الري قلل من حجمها وقال إنها ليست بالدرجة التي تناولها البعض، وأشار إلى أنه تفقد بعض المناطق وأشار إلى أن العطش تمثل في نقصان بعض المناسيب والأطماء والحشائش في عدد من الترع ووصف الحالة بغير المعقدة وتعهد بحل كافة المشاكل التي تعترض الزراعة، وأكد أن وزارته على استعداد لحل كافة المعوقات، داعياً المزارعين للاهتمام بقضية الري، لافتاً إلى أن كل مشاكل مشروع الجزيرة تتمثل في الجانب الإداري وليس الحقلي.

فيما تعهد ووكيل الري المهندس حسب النبي موسى بحل مشكلة المياه بتجهيز الكراكات ونظافة الترع لبدء انسياب المياه من الترع بجانب زيادة الكراكات في مناطق الحشائش، وأقر بأن هناك بعض المواقع بها تأخير في زراعة محصول القمح، فضلاً عن اختناقات في الري وصفها بالعادية جراء ترسبات الإطماء والحشائش في الترع، وأكد أن العمل جارٍ حالياً لمعالجتها بصورة جذرية، وشملت الجولة الميدانية لوكلاء الري والزراعة أقسام المشروع الشمالية “كاب الجداد، الترابي، عبد الماجد، طابت” بجانب أقسام “المناقل سرحان، شعلي” واختتمت الزيارة بالطواف على قسم ود البر بجنوب الجزيرة.

“تدهور وإصلاحات”:

وقال الخبير الاقتصادي والمزارع مدثر محمد وداعة الله من مكتب المدينة عرب “بورتبيل” إن نظام الري في مشروع الجزيرة أصبح تائهاً “حائراً” ضربته العشوائية، والعمل فيه أصبح غير مُتقن وليست له مواصفات تتماشى والغرض الذي أنشئ له، وأشار إلى أن القنوات تراكم عليها الطمي والحشائش والأشجار ما أدى إلى تهاوي الكباري والجسور، لافتاً إلى أن أي عمل له مواصفات ومقاييس تضبطه ليتناسب والغرض الذي قام من أجله، وأوضح أن مشروع الجزيرة وقنوات الري القائمة منذ نشأة المشروع وكل ملحقاتها وأدواتها لها مقاييس ومواصفات موضوعة بدقة متناهية ومحسوبة حساباً دقيقاً، يبين معها كيفية الصيانة والمتابعة والإشراف والمسؤولية، وقال إن كل هذه الأشياء انتهت بقانون 2005 بتملص الحكومة من دورها في المشروع .

وشدد على أن كل الإصلاحات و”الترقيعات” التي تحدث لن تجدي نفعاً بإعتبار أنها محدودة النظر لذلك تتفاقم الإشكاليات كل صباح، فضلاً عن ضعف الكادر البشري الذي يتولى مهام وعمليات نظام الري بالمشروع من مهندسين وفنيين وعمال وغيرهم، وقال “إن الحكومة تضع من يواليها فقط بغض النظر عن كفاءته حتى أصبحت العملية تُدار بالولاء السياسي أكثر من كونها مسؤولية مهنية وأخلاقية”.

وأرجع التدهور إلى إهمال نظام الري وإدخال الخصخصة وظهور من أسماهم بـ “الطفيليين والمنتفعين” ما ترتب على ذلك ضياع أصول الري مع أصول المؤسسة الفرعية للحفريات وظهور الشركات خاصة يشوبها الكثير من الشبهات وتحوم حولها تهم الفساد والتلاعب في القروض والعبث في العمل نفسه دون رؤية فنية باعتبار أن الهدف فقط هو الكسب المادي.

وقال وداعة الله إن ضياع نظام الري في مشروع الجزيرة مسؤول عنه كل الذين عملوا على إرضاء الحكومة على حساب كفاءات الري التي كانت مسؤولة عن العملية الفنية، وأرجع دمار المشروع إلى خصخصة عمل الري لفائدة شركات خاصة تترك العمل بدون إشراف أو متابعة واتباع المواصفات والمقاييس المعروفة والمتوارثة في المشروع، وشدد على أن الحال لن ينصلح إلا بحل المشكلة بكلياتها وليس العمل بنظام القطعة، ووضع خطط وإستراتيجات تبدأ من خزان سنار جنوباً وتنتهي بآخر “دوران” في أطراف سوبا شمالاً، يتبع ذلك التزام تام من الدولة بمتابعة ورقابة وتمويل كل هذه الأعمال من ألف إلى الياء.

“جبايات القطن”:

يواجه محصول القطن رسوماً وجبايات مُتعددة تُثقل كاهل المزارعين ليس في الجانب المادي فقط بل تعدد النوافذ وتفرق دمها في مناطق مُتعددة، وسرد لـ “الصيحة” المُزارع بمكتب ود البر، محمد عبد الرحمن المشرف، تجربة قاسية بعد حصاد القطن، وأشار إلى أن الجزيرة عادت بقوة هذا العام لزراعة القطن بإرادة المزارعين بعد انقطاع لـ “18” عاماً من التوقف عن زراعته.

وأوضح المشرف أنه بعد حصاد القطن اتصل على مفتش مكتب “ود البر” المسؤول الوحيد في الغيط وقال إنه طلب من المفتش نستخراج أوراق المحصول لترحيله للأسواق وأوضح أنها مجموعة إيصالات تشمل “ضريبة مياه، الإرشاد الزراعي، إذن مرور ، توقيع وختم الأمن الاقتصادي، والذكاة، والأسواق، والمنفستو” وقال إنه بدأ الإجراءات في الثانية ظهراً وانتهى من استخراجها بحلول الواحدة من صبيحة اليوم التالي، بعد زيارة “4” قرى بالمشروع قطع خلالها “215” كيلو متراً قال إن عربته تعطلت خلالها ما اضطره لإيجار سيارة أجرة بمبلغ “250” جنيهاً.

وأوضح أن استخراج الأوراق يبدأ بإيصال ضريبة المياه وقدره “250” جنيهاً للفدان و”15″ جنيهاً إيصال إرشاد وصفه بالمبهم تم دفعها بإيصال إليكتروني في عربة ماركة “أتوس” كانت تقف في ترعة قرية “ود البر” من الساعة الواحدة ظهراً حتى الساعة السابعة مساء”، وقال المُزارع المُشرف إنه بعد “5” ساعات من ملاحقته للموظف تحرك إلى قرية “زنقاحة” ــ علماً بأنه من سكان قرية تنوب ــ وأكد أنه وصل قرية “زنقاحه” لاستخراج تصريح مرور لافتاً إلى أنه استفسر الموظف المسؤول عن الخطوة الثانية الخاصة باستخراج تصريح مرور لبيع القطن بعد دفع الضريبة التى تُصنف إيصالاً رسمياً يوضح أنه صاحب المحصول، ولماذا لا تكفى لمرور القطن، وأضاف “كان الرد صادماً من قبل الموظف بأنه يوجد قطن ممول من قبل شركات خاصة وأنهم يخافون بيعه من قبل المزارعين للمحالج الصغيرة والتجارية وعدم تسليمه للشركات الممولة” وإستنكر المُشرف الخطوة من إدارة المشروع وقال إن مهمتها أصبحت حماية الشركات الخاصة وتخوين المزارع وتعذيبه من أجل المحافظة على قطن الشركات، لافتاً إلى أن الرد كالعادة من أي موظف تنفيذي بأنها “تعليمات”.

وأوضح المُزارع أن الخطوة الثالثة والإلزامية هي مُقابلة موظف الأمن الاقتصادي في منزله لتوقيع وختم إيصال “المرور” وأشار إلى أنه إيصال واحد يُستخرج من قرية “زنقاحه” يختم ويوقع في قرية أخرى هي “النويلة”، وقال المُشرف إنه احتج لموظف الأمن الإقتصادى الذي يمسك بالختم النهائي والتوقيع وأوضح له أن المزارعين لا يمتلكون سيارات حتى يتجولون بين “4” قرى لاستخراج الأوراق المطلوبة، فكان رد مسؤول الأمن أنه موظف واحد لعدد من المكاتب في مساحة تزيد عن “20” ألف فدان وأكثر من “2” ألف مزارع.

أما الخطوة الرابعة التحرك إلى موظفي الزكاة بالمدينة عرب ومن ثم الرجوع إلى الحواشة من جديد في قرية “تنوب” للوصول إلى الدفارات المحملة بالقطن لتتحرك بعد اكتمال الأوراق المطلوبة ليُسمح لها بعبور من خيمة الجباية بقنطرة “46”، ونوه المُشرف إلى جداله مع أمين عام الزكاة بولاية الجزيرة بشأن عدم صحة الإجراء في زكاة القطن باعتبار أنها تؤخذ منه في “البذرة” ومن ثم الزيوت والأعلاف.

واختتم المزارع بمكتب ود البر محمد عبد الرحمن المشرف بقوله “هذه التجربة الشاقة وفي بالنا تاريخ المشروع ومؤسساته ووضع البلد الذي يحتاج لمحصول القطن لدفع اقتصاده المنهار والخزنة الفارغة من العملات الأجنبية الدولار”، وتساءل كيف بعد كل هذه العقبات والإجراءات أن يواصل المزارع زراعة القطن في العام القادم، وهل ينافس محصول القطن عالمياً بعد التكلفة التى تسببت فيها الدولة التي تبلغ 30% من لحظة إنتاج القطن إلى حين تسويقه، كيف تستطيع الدولة سد العجز في ميزانها التجاري بدون إنتاج محاصيل نقدية للصادر، وكيف سيتم توفير العملات الأجنبية من دون القطن.

الصيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..