لا يفيد الاعتراف بعد الخراب

عند مناقشتهم لخطاب والي ولاية الخرطوم في فاتحة أعمال المجلس التشريعي، أبدى النواب تخوفهم من استمرار الإنفلات في الأسعار. وأن استمرار الأحوال بشكلها الراهن سيؤدي إلى خروج الأوضاع من يد الحكومة. وطالبوا بالتراجع عن سياسة التحرير الاقتصادي، وأكدوا أن الزيادات في الأسعار لم تؤدِ إلى زيادة في الإنتاج. وطالبوا الحكومة بأن تكون صادقة مع نفسها عند تطبيق الإصلاح الاقتصادي وليس رفع الدعم فقط. لأن إرتفاع التضخم أثبت أنه لم يتم تحريك القطاعات الإنتاجية. وأكدوا عدم وجود أي بوادر إصلاح اقتصادي. وأشاروا إلى وجود خلل في إدارة الموارد المالية.
كذلك إعترف د. صابر محمد الحسن رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني في ورشة ضمانات نجاح البرنامج الثلاثي المنعقد في11/11/2013، بوجود تحديات واجهت تنفيذ البرنامج الثلاثي بسبب الأخطاء التي صاحبت التنفيذ. ورغم اعترافه هذا، فهو يناقض نفسه عندما يطالب بالإستمرار في تنفيذه، رغم صعوبة الإجراءات التي تتطلب المزيد من التقشف من جانب الحكومة. وهي إجراءات صعبة بسبب التدهور الأمني في البلاد. وفي ذات الوقت يؤمن على ضرورة تناغم موازنة 2014م مع تلك السياسات التي برهنت على فشلها، ويطالب بإصلاحات هيكلية أساسية في كل المجالات لسد الإحتياجات الأساسية المحلية وزيادة السلع النقدية للصادر. وهو حديث ممعن في التناقضات التي لا يجمعها جامع مع الواقع المعاش. السيد صابر لم يقل كيف يتم ذلك؟ ومن أين تزاد السلع النقدية للصادر، ولماذا لم تتم الإصلاحات الهيكلية الأساسية في كل المجالات بما فيها الموازنة السنوية والحكومة متمسكة مع سبق الإصرار بالهيكلة الحالية، ويدعم د. صابر موقفها عندما يقول أنها إجراءات صعبة الحدوث مع التدهور الأمني الراهن. وكل الدلائل تشير بما فيها حديث نواب تشريعي الخرطوم عدم وجود أي بوادر لإصلاح اقتصادي أو زيادة في الإنتاج.
لقد كان د. صابر محافظاً لبنك السودان المركزي وهو أحد الذين يديرون شؤون المال في البلاد، وكيفية انفاقه وتصريفه وهو يعرف جيداً أين وكيف ولمن أنفقت أموال الدولة. ولماذا لم يهتم بالإنتاج وزيادة الإنتاجية في ذلك الوقت. وهو بحكم منصبه الرسمي الحالي أيضاً يعلم ويستطيع بجدارة الرد على حديثه عن(أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم فشل في خفض الإنفاق الحكومي لأن الحكومة تلجأ دائماً للعلاج الأسهل لأنه خاص بها) ونسى أن يقول أنها تلقي بكل الزيادات في الأسعار على كاهل الشعب المثقل أصلاً بالضرائب والجبايات التي تنتزع من قوت أبنائه لتغطية نفقات(بحبحة) ومباهج الحاكمين ومن هم في المناصب العليا في الأجهزة الحامية لنظامهم.
السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يقال كل ذلك الآن بعد الهبة العاصفة التي هزت السلطة وزلزلت أركان نظام الرأسمالية الطفيلية. الإجابة واضحة. أنها محاولة لإمتصاص غضب الشعب وللتقية ضد الهبة القادمة التي قال عنها أحد نواب تشريعي الخرطوم: لوعمت الهبة مرة أخرى كافة البلاد لما استطاعت جيوش العالم أجمع اخمادها.
وهذا ما سيحدث حتماً فالعوامل التي تسببت في الهبة الأولى مازالت باقية، بل إزدادت تفاقماً وعمقاً وزاد سخط الشعب أضعاف ما كان عليه.
الميدان