الثقافة العربية فى السودان …. هل من تصالح مع الثقافات الاخرى ؟

الثقافة العربية فى السودان …. هل من تصالح مع الثقافات الاخرى ؟
حسين اركو مناوى
[email protected]
على مدى الحقب التى امتدت منذ ميلاد دولة السودان بحدودها السياسية المتعارف عليها قبل ذهاب الجنوب حتى تاريخ اليوم ظل الانسان السوداني ينظر الى هويته وتاريخه من خلال منظار فيه كثير من الثقوب والخدوش والضبابية, فهو يتحدث عن امة الامجاد ويتغنى للماضي العريق في الوقت الذى يعيش واقعاً منقسماً علي نفسه في ماهية الأمة التي يتحدث عنها والماضي الذي يتغنى له. فريق في السودان يرى أنه صاحب هذا المجد وذاك التاريخ, وفريق آخر يسير في متاهات من الشك مابين هويته ونظرة الآخرين اليه,وفريق ثالث يتصارع بكل ما أوتي من أدوات الصراع مع المركز الذي دائما يحتكر لنفسه صلاحيات تحديد هوية الاخرين في السودان.
الذين يدّعون حق المجد والتاريخ في السودان هم في الواقع الذين يحتكرون آلة الاعلام عبر المؤسسات الإعلامية المختلفة الرسمية منها وغير الرسمية فضلاً عن المؤسسات التربوية التي ما فتئت توجه الاجيال في السودان علي مدى مايقارب القرن, ودأبت هذه الآلة الاعلامية علي تقديم تفسير مغاير للتنوع الثقافي والاجتماعي الذي يزخر به السودان, أغلب ما تنتجه آلة الإعلام في السودان عبر وسائطها المختلفة لا يتطابق الي حد بعيد مع السلوك وانماط الحياة الثقافية والإجتماعية التي تلامس اوتار الهوية الحقيقية لشعوب السودان. فهذه الآلة ساهمت الي درجة كبيرة في استجلاب الهوية من خارج تاريخ وجغرافية السودان الي مستوى اصبح جزء من المجتمع السوداني يستبطن أدوار مجتمعات اخرى ليست جزء منه ولا تعترف بأن السودان جزء منها الا بقدر ما تقتضيه الضرورة السياسية، والتاريخ يذكّرنا ملابسات انضمام السودان الي الجامعة العربية وكيف ان بعضهم قد اعترضوا صراحة على انضمامه الى هذا الكيان ، ولكن مع ذلك هناك فئة من المجتمع السوداني ترى نفسها جزء من المجتمع العربي الذي يملك صلاحية سحب الاعتراف عن هذا الانتماء.
الطموح للانتماء العربي يظهر جلياً عنداللحظات التي يجب على المرء ان يستدعي كل ما يلهم الإنسان من الخيال والمشاعر لمواجهة المواقف الحرجة, ففي مثل هذه المواقف نجد في السودان من يسترسل خياله خارج حدود الزمان والمكان متجاوزا الفضاء السودانى ليقتحم فضاءات اخرى فيها من الدلالات والرمزية التي تشعرك وكأننا في السودان نتعامل مع هذا العالم نيابةً عن الآخرين وليس اصالةً عن ذواتنا. منذ الاستقلال وعبر الأنظمة المتعاقبة كانت ولا زالت آلة الاعلام تبثّ ما يمكن أن يكون محفّزاً للهمم من اجل إجتياز المحطات الصعبة التي تتباين فيها الرؤى الي درجة الحرب,وكم سمعنا في مثل هذه اللحظات الأغنية الوطنية الشهيرة (انا سوداني) والتي يغنيها الفنان الراحل الكبير العطبراوي وهي مليئة برمزيات الهوية العربية ومنها المقطع الذي يقول: لوحة العُرب اصلها كرم***والي العُرب تُنسب الفطن. هذا المقطع من الاغنية يكاد يعبر بشكل لا غموض فيه عن هوية وثقافة السودان متجاوزا كل ثقافات التي تشكل التنوع في البلاد,بل هناك من يذهب اكثر من ذلك ليقدم لنا بالتفصيل عن ماهية الانتماء الثقافي وخاصةً عند اللحظات التي يشتد فيها الصراع كما لمسناها ابّان المعارك الدائرة بين الحكومة في المركز والحركة الشعبية في الجنوب ففي سياق هذا الصراع يقول آخر:
فنحن نرى المجد يرنوا لنا *** خلال السيوف وطعن القنا
نردد انشودة النصر فى*** طريق الرشاد الى مجدنا
بين ليبيا والسودان والعراق واليمن***وثبةٌ الي الامام فوق هامة الزمن
.هذة الابيات قيلت وترنم بها الناس في لحظات كانت المعارك بين الحكومة والحركة الشعبية في اشدّها مما يعني أن الصراع الدائر بين المركز والجنوب آنذاك كان صراعاً ثقافياً فجاءت اللحظة التي فيها الإنسان يحشد كل ما تلهمه من المشاعر والخيال لمواجهة مثل هذا الموقف فلذا فضل هذا الشاعر ان يعبر البحار والصحاري خارج حدود السودان بحثا عن الذات في كل من اليمن والعراق وليبيا فى تحريض كأنّ المجد والتاريخ فى بلادنا لا تقوم عليهما القائمة الاّ بمرجعيات خارجية.
الجميع في السودان يقرّون ان الثقافة العربية هي احدي مكونات الثقافة السودانية بل ولها وجود طاغي عبر آلة اللغة التي تعتبر وسيلة الاتصال لدى كل المجتمع السوداني ولكن هذا الواقع لايعنى ان الشعب السوداني شعب عربي بنفس القدر الذي نلمسه في دول الخليج او العراق او اليمن او بلاد الشام . الشعب السوداني مثله مثل الشعوب التي تتحدث الانجليزية في كثير من ارجاء العالم دون ان ترتبط ببريطانيا ذات الهوية الانجليزية الا بقدر المنفعة المتبادلة بينهما وبالتالي اي اتجاه لقمع الهويات السودانية المتجذّرة عبر التاريخ السحيق بذريعة طغيان لغة ما علي المجتمع السوداني ستقود البلاد الي كوارث ومآسي قد تفوق المآسي التي شهدتها البلاد نتيجة للصراع الدائر في جنوب السودان.
السودان بكل المقاييس دولة حديثة نشأت شعباً وارضاً علي اساس الدول القديمة المعروفة بامجادها وثقافاتها في كلٍ من نبتة ومروي وتقلي والفونج والعبدلاب ودارفور وأجزاء من ممالك كانم وودّاي وممالك الدنيكا والشلك ومملكة الداجو والتنجر وممالك النوبة القديمة وشعوب البحر الاحمر,كل هذه الدول القديمة ساهمت في تكوين هوية السودان بواقعها الحالي فضلا عن الهجرات التي وفدت بثقافاتها الي أرض السودان عبر القرون. حروب جنوب السودان الطاحنة ونتائجها تأتي في سياق أزمة الهوية في السودان وكذا الحال في البؤر الملتهبة الآخرى في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق واقصى الشمال وشرق السودان الامر الذي يتطلب منا مواجهة اشكالية الهوية في البلاد بالتجرد والصدق دونما مكابرة او خجل.
حسين اركو مناوى
كامبردج ? المملكة المتحدة
21-يوليو-2011 الرسالة
نعم صحيح.
وازمة التعالي الثقافي تظهر ابضا فى:
لجنة النصوص فى اجازة النص الغنائي فى شقيه
اللحن
والكلمات
وتظهر فى المنهج التعليمي
وتظهر طبعا فى الدساتير السابقة وما تنوي وضعه الانقاذ.الان
انت تقدم لنا وعيا متقدما عندما ترى ان العروبة فى السودان ثقافة بين ثقافات ولها جميعا حق العيش.
وفى الحقيقة ادعاء العروبة حتى شبه النقية زائف ومتهتك من اقرب
المسافات مثل نوبيي الشمال فثقافتهم وتاريخم اغنى واعمق من يطمسه ادعاء وبديل زائف.
وواضح ايضا ان ادعاء العروبة هو مركب نقص نفسي ومعرفي.
لا شك انا نحن فى الشمال نضطهد عبر هذا قيمتنا الحقيقية فلنبحث عنها وسنجدها
ونبقى عربا فى ثقافتنا لا كعنصر. نقي او شبه نقي.
الاهم ان اقرار التنوع هو قيمة اخلاقية عالية جدا لا يرفضها الامنحط وسفيه.
مقال جميل جدا فعلا الثقافة العربية لم تكفيها الهيمنة بل لا تريد للثقافات الاخرى حتى الظهور فالذين يدعون العروبة سرعان ما يتهمونك بالعنصرية لمجرد انك تحدثت عن تراثك او ثقافتك . تخيل معي كيف كان يتم قمع اللعة النوبية في المدارس ايام حكم نميري كانت هناك قلادة خشبية توضع في عنق الاطفال الذين يتحدثون بها ومن ثم تتم معاقبتهم اخر اليوم الدراسي تخيل مثل هذه الجريمة وما تترتب عليه من آثار نفسية وتربوية أما الآن فالأمر أفظع فكل المناهج الدراسية موضوعة لخدمة اللعة العربية بحيث ان يقرأ الطالب ما يقارب الصفحة ليخرج منها بمعلومة علمية واحدة
الاستاذ / حسين
اولا اشكرك على الشفافية فى طرحك لموضوع نعتقد انه من امهات المواضيع ، ولكن قبل الوقوع فى فخ التصنيفات الضيقة دعنا نتوقف عند بعض المحطات المهمة واول تلك المحطات دعنا نتفق اولا على بعض العموميات فاللغة هى وسيلة تخاطب وتواصل بين الناس بغض النظر عن التصنيفات كما ان اللغة والدين ليست محددات للهوية والدليل على ذلك ان هنالك اعداد كبيرة من الناس يتحدثون الانجليزية والفرنسية الى درجة الاجادة وهم ليسوا انجليز ولا فرنسيين كما ان هنالك انجليز وفرنسيين يتحدثون اللغة العربية ويدينون بالاسلام وهم ليسوا عربا ، ولم يدعوا يوما ذلك اما اشارتك الى واقع السودان الراهن ، فان الامر لا يعدوا اكثر من اقحام اللغة والدين فى شأن سياسى فاللغة بريئة من هذا اللغط ، ولا ينكر عاقل فى ان اللغة العربية والثقافة الاسلامية هى ثقافة جامعة وانها لا علاقة لها بالهوية من قريب او بعيد وهذا لا يلغى حقيقة ان الشعب السودانى هو خليط من المكونات وتركيزك على منتوج ادبى انتقيته بعناية يندرج فى اطار ردة الفعل وحالة رفض لما تراه توجها سالبا ولكن المنتوج الادبى السودانى يحتوى على العديد من الاشراقات وتم تدوينة بلغات اخرى غير العربية ولا ننكر اننا نتمايل طربا حينما يصدح الموسيقار محمد وردى باغنيات من التراث النوبى ، كما نطرب ايضا الى البلابل باللغة ذاتها ، فاللغة العربية لم تفرض فرضا بحد السيف ولكنها فرضت نفسها شأنها شأن اللغات الحية ، فاللغة الانجليزية كانت فى بداياتها لغة لقبيلة تقطن فى جنوب انجلترا وتحولت الى لغة واسعة الانتشار بفعل مجموعة من العوامل اهمها التطور والابتكار ، فاللغات كما هو معلوم كائن حى تتعرض للموت والاندثار وانت سيد العارفين بان هنالك العديد من الللغات المنقرضة وتلك التى فى طريقها للاندثار ، فالتعصب وحده لا بحافظ على الموروثات الانسانية و يجنبها الفناء ، فالغة العربية الى جانب ما رأيته سالبا، انتجت انا افريقى انا سودانى وكذلك ذهبت بعيدا لتتحدث عن علاقات ممتدة مع الانسانية فى الملايو وفى باندونق وجسدت كفاح سكتورى وجوليوس نايريرى وروجت للاخاء والمحبة كقيم انسانية نبيلة وصدح الراحل المقيم لمحمد احمد السودانى وعم عبدالرحيم ولم ينسى القطر وعربية الكجر وجفلة الحمار والمطر المنهمر
ان ما تراه هو نتاج لعقم سياسى وانحدار لمفاهيم يسائل عنها نخب سياسية ادمنت الفشل وادخلتنا فى معمة وصراع بلا منتهى ، فلنطور ثقافاتنا وننتج ما يجذب الناس ويفرض ايقاعة بتحكيم العقل والمنطق ،دون الانجراف والانصراف فيما لا ينفع الناس