مشروع الجزيرة ( الأرض والإنسان …. الإزدهار والإنهيار)

بسم الله الرحمن الرحيم
مشروع الجزيرة ( الأرض والإنسان …. الإزدهار والإنهيار)
بقلم المزارع / إبراهيم إسحق عمرالأنصاري
أن الحديث عن مشروع الجزيرة منذ بدايته كمزرعة تجريبية عام (1911م ) حتى إستكمال إنشاءه وإعلانه كمشروع متكامل بإدراته وأقسامه وبنياته الأساسية في الربع الأول من القرن الماضي (1925م) ومروراً بكل مراحل التوسع الرأسي والأفقي التي مر بها المشروع وحتى لحظة كتابة سطور هذا المقال قد يتطلب سلسلة مقالات ، بل وعدد من الكتب والمجلدات إنطلاقاً من دوافع وأهداف إنشاء المشروع زماناً و مكاناً ، حيث تاريخ وجغرافية المشروع وعقود وسنوات نجاحاته وإزدهاره وأسباب تراجعه و تدهوره وصولاً الى منحنى الانهيار الكامل الذي وصل عند نقطة يصعب إن لم يكن من المستحيل إستعادته في أسوأ الأحوال الى نقطة ما قبل إصدار قانون مشروع الجزيرة لعام (2005م) ما لم تتسارع خطى دفاع ونضال الحادبين على إنقاذ المشروع ومصلحة السودان للضغط على من يسيطرون على غرف ومراكز صناعة وإتخاذ القرارعلى المستوى المركزي ، والعمل على إجبار الممسكين على مفاصل السلطة ورسم السياسات الاقتصادية لإنتزاع قرارات رئاسية حاسمة لإيقاف سياسات التدمير ومؤامرات التخريب التي تحاك ضد المشروع وإنسانه ، وحملهم على إنشاء لجنة او مفوضية تقوم بوضع خطط وإستراتجيات الإصلاح والنهوض الشامل بهذا المشروع الضخم العملاق والذي كان صمام أمان ومفخرة للسودانيين قاطبة وللدول العربية والأفريقية قبل مجىء حكومة الانقاذ الفاسدة.
وحقيقة ان مشروع الجزيرة في غنى عن التعريف بالنسبة للشعب السوداني عامة و حتى لكثير من شعوب دول العالم المختلفة ، كثير من أبناء الشعب السوداني خصوصاً العوام منهم الذين يقيمون في أقاليم وولايات السودان الأخرى قد تكون معرفتهم معرفة متواضعة بمشروع الجزيرة وعن نجاحاته وإشكالاته طوال مسيرته التي بدأت قبل أكثر من ثمانين (90) عاماً ، وقد تكون غائبه عنهم كثير من المعلومات والحقائق عن المشروع وإنسانه وما آلت اليه أحوال الزراعة بالمشروع والأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي يعيشها اليوم سكان مشروع الجزيرة ، وفي هذا المقال سأحاول جاهداً أن أضع أمام القاري الكريم بعض الحقائق عن ماضي المشروع وأوضاعه الراهنة والعوامل والمهددات والمخاطر التي قد تقود الى إنهيارها وزوالها من الوجود إذا ما إستمر الحال على هذا المنوال المتسارع نحو الهاوية ، ونُملك هذه الحقائق المجردة عن ماضي وحاضر المشروع للشعب السوداني بكافة أقاليمه وجهاته وفئاته ليشاركوا أهل الجزيرة حدة أزمة مشروعهم وقساوة محنتهم وهمومهم ومشاكلهم وتطلعاتهم وأمالهم العراض لإستعادة المشروع لسيرته الأولى ودوره الحيوي المتعاظم ، والعمل على مساندتهم ومناصرتهم في قضاياهم العادلة لإنتزاع حقوقهم المهضومة وتلبية مطالبهم المشروعة ودعم ودفع مساعيهم الجادة لإنقاذ وإصلاح حال المشروع إنطلاقاً من قومية مشروع الجزيرة الذي ظل يشكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني منذ إنشاءه وحتى سنوات قريبة من خلال دوره الحيوي في توفيرالأمن الغذائي والاسهام في البناء الاقتصادي والتنمية بكافة ضروبها ومجالاتها ورفد الخزانة العامة بالعملات الصعبة من العمليات التصديرية للمنتجات الزراعية، إذ ظل يساهم بنحو 65% من إنتاج البلاد وحقق توازن إقتصادي بتحسين ميزان المدفوعات من خلال زيادة الصادرات وإحلال الواردات وإنعاش الاقتصاد السوداني بتحريك مواعينه الإيرادية بشقيها الإنتاجية والتجارية والإستثمارية.
فبحكم إنني مزارع و أبن مزارع وصاحب أرض و مالك حواشتين ( جمع حواشة حقل غيط ) رقم ( 511 ) خامس بيتحواشة ، بترعة قاسية ، مكتب الجديد ، قسم المنسي أمتداد المناقلمشروع الجزيرة الزراعي ، وأمتلك عدد (120) فدان من أجمالي ملكية مساحة العائلة (1200) فدان بمشروع هضبة المناقل الزراعي المطري (مربع الصنقور/اللخيخة) والذي نأمل أن يتم إستكمال حفر قناة كنانة الكبرى التي يجري شقها من خزان سنار لربطه بنظام الري الانسيابي لمشروع الجزيرة والمناقل ، وبحكم عضويتي في رابطة مستخدمي المياه بترعة قاسية بمشروع الجزيرةإمتداد المناقل المنشأ بموجب قانون مشروع الجزيرة(2005م – 2006م) ، لقد عشنا وتعايشنا سنوات نجاحات وإزدهار المشروع وسنوات تراجعه وإنتكاسته وتدهوره وإنهياره التدريجي ، وتابعنا عن كثب وببالغ القلق والأسف والغبن الشديد مجريات المخطط التخريبي وسياسات التدمير التي طالت المشروع وإنسانه ، ولدينا الادلة الدامغة التي تؤكد بجلاء شديد مؤامرات التصفية والسرقة والنهب المنظم لإصول وممتلكات المشروع ، وتكشف حقيقة وابعاد النية المبيتة للمخطط الأجرامي لتدمير المشروع وإفقار وإذلال وتشريد وتهجير إنسانه لجعل المشروع وانسانه لقمة طرية سهلة المضغ والأكل بين فكي الخصخصة والرأسمالية الطفيلية التي بدأت تحصد ثمار سياساتها الإحتكارية يوماً بعد يوم مخلفاً وراءها الملايين من الجوعي والفقراء من المزراعين والعمال الزراعين وتسليم مشروعهم الذي أسسوه بحُرِ أموالهم وعرق جباههم للشركات المتعددة الجنسيات العابرة للقارات التي سوف تجعلهم وتستخدمهم خدماً وماكينات إنتاج بعد أن كانوا ملاكاً وعمالاً وشراكاً ، فاليوم نشاهد بأم أعيننا حلقات المسلسل التراجيدي للإنهيار التدريجي لمشروع الجزيرة العملاق الكبير الذي بدأ يتهاوى شيئاً فشيئاً ، والكل صار متفرجاً و قلوبنا تنبض ألماً ومرارةً ، ودموعنا تتدفق حزناً وحسرةً على حال ومآل المشروع ، فلا أحد قادرعلى أن يسكن متحركاً او يحرك ساكناً تجاه العبث الحكومي بالمشروع وبمقدرت وثروات مواطني الجزيرة ، حيث أن نظام الانقاذ وحكومة حزب المؤتمر الوطني الفاسدة المفسدة تخطط ما تراه وتنفذ ما تريده متى شاءت وكيفما تشاء ، فنحن أهل الجزيرة وملاك الأراضي وأصحاب الحواشات أدرى وأعلم بمشاكل المشروع ، و نحن أهل الوجعة و واطين على الجمرة ، ونحن ضحايا سياسات الخصخصة العوجاء العرجاء الشتراء التي إنتهجها نظام الانقاذ دون مراعاة لخصوصية المشروعات الحيوية الاستراتيجية في بنية الإقتصاد السوداني الهشة ، والمثل يقول ( ليس من رأى كمن سمع) ، فمن خلال مقالي هذا أود أن أملك الشعب السوداني عامة بعض الحقائق عن مشروعهم القومي هذا وسندهم الحقيقي في أوقات الشدة والضيق ، والذي إستفاد و يستفيد منه كل الشعب السوداني بمختلف أقاليمه و جهاته وفئاته ، حيث وقف الكل شاهداً ومؤكداً على أن مشروع الجزيرة ساهم على المدى الطويل بأكثر من 45% من جملة الصادرات قبل دخول البترول و قامت على أكتافه مؤسسات القطاعات الحيوية للدولة السودانية ، ولا يزال المشروع يمتلك المقومات والفرص والأمكانات التي تؤهله لإعادته لسيرته الأولى وتحقيق الإكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء لأهل السودان كافة ، وتصدير الفائض من الإنتاج الزراعي والحيواني لجلب عملات صعبة لسد العجز الذي تعانيه خزينة الدولة ، هذا إذا وضعت الحكومة الحالية سياسات زراعية قائمة على أسس علمية راسخة وعلى أخر وأحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا في مجال الزراعة بعيداً عن ألاعيب السياسة الخبيثة والممارسات القذرة التي تحركها المصالح الحزبية والفئوية الضيقة والمطامع الشخصية المفرطة التي تسيطر على عقلية وسياسات وتوجهات رموز وقيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم في تعاطيهم مع إشكالات وأزمات مشروع الجزيرة ومع قضايا وحقوق ومطالب وتطلعات مواطني الجزيرة .
مشروع الجزيرة ( الأرض / المكان)
إذا أردنا أن نتحدث عن جغرافية وتاريخ مشروع الجزيرة بالضرورة نتحدث عن جغرافية وتاريخ ولاية الجزيرة وعن منطقة الجزيرة أولاً ، بحيث أن مشروع الجزيرة جزء من ولاية الجزيرة ، وولاية الجزيرة جزء من منطقة الجزيرة ( منطقة الجزيرة ، ولاية الجزيرة ، مشروع الجزيرة) ، فمنطقة الجزيرة تاريخياً يقصد بها الأرض المنبسطة الواقعة بين النيلين ( الأزرق و الأبيض) في السهل الطيني الممتد بشكل مثلث و سهم من أواسط جنوب النيلين إلى ملتقى النيلين (المقرن) عند عاصمة السودان الخرطوم ، وسابقاً كانت تعرف بجزيرة سنار وكذلك بجزيرة الخرطوم بما في ذلك جزيرة توتي عند ملتقى النيلين وبداية مجرى نهر النيل المتجه شمالاً و ماراً بمصر ليصب في البحر الابيض المتوسط ، بينما ولاية الجزيرة الحالية تمتد من منطقة سنارعلى النيل الأزرق إلى جنوب الخرطوم أي هي المساحة المعروفة بحدودها الجغرافية الإدارية/ السياسية المرسومة بقرار التقسيم الولائي لأقاليم السودان في عهد نظام وحكومة الأنقاذ التي أصدرت المرسوم الدستورى الرابع لسنة 1991م بتأسيس الحكم الإتحادي، والذى تم بموجبه إلغاء قوانين الحكم الإقليمى ، إذ تتكون ولاية الجزيرة من (7) محليات و(40)وحدة إدارية وفقاً لأخر تقسيم إدراي وعاصمتها مدينة ود مدني التي توجد بها مقر رئاسة إدارة مشروع الجزيرة / بركات ، وعدد من المصانع والشركات والمؤسسات الخدمية ذات الصلة بالمشروع ، ومدينة ود مدني هي ثاني أكبر مدينة في السودان بعد العاصمة الخرطوم ، وتقع في قلب مشروع الجزيرة ، وإكتسبت بريقها الاجتماعي والسياسي والثقافي والفني بتركيبتها الاجتماعية المتفردة والدور المتميز لأبناءها في العمل السياسي وفي عالم الفن والأبداع الثقافي ، فإذا كانت مدينة ود مدني حاضرة ومنارة ولاية الجزيرة ، فان مشروع الجزيرة هو روح ولاية الجزيرة ، وإكتسبت ولاية الجزيرة أهميتها وقيمتها الإقتصادية بتميز موقعها الإستراتيجي الحيوي في خارطة جغرافية السودان و وقوعها وسط العديد من الولايات والمدن الكبرى وقربها من العاصمة القومية الخرطوم ، وتذخر ولاية الجزيرة بمواردها البشرية والطبيعية الهائلة وبنياتها التحتية ، هذا وبالاضافة الى تميزها بوجود أكبر مشروعيين زراعيين قوميين في السودان ضمن مساحتها هما ( مشروع الجزيرة ، مشروع الرهد الزراعي الذي تقع أكثر من 62% من مساحته ضمن ولاية الجزيرة ) و بالاضافة الى مشروع سكر الجنيد ومشاريع المترات والمشاريع النيلية والجروف ومشروع سندس الزراعي ومشروع هضبة المناقل الزراعي المطري الذي سيتم ريه إنسيابياً عبر ترعة و قناة كنانة الكبرى التي يجري حفرها وشقها من خزان سنار ليكون ضمن مشاريع الري الانسيابي ويصبح إضافة حقيقية لمشروع الجزيرة الذي يعد أكبر مشروع زراعي مروي في العالم يروى بنظام الري الانسيابي من خزان سنار على النيل الازرق حيث يروى بترعة يصل طولها 323كم من سنار وحتى مشارف الخرطوم ، وتعرف بترعة الجزيرة وترعة المناقل وهما ترعتان رئيسيتان و(11) ميجر/كنار ومئات الترع الفرعية التي توصل وتوفر المياه عبر أبوعشرينات وجداول لتروي حقول وحواشات (مزراع) أكبر مشروع زراعي في السودان و في أفريقيا والعالم ، ذات إدارة واحدة وبنظام ري إنسيابي واحد ، مساحته 2 مليون و200 الف فدان قسمت لـ (18) قسماً و(114) تفتيشاً ( تفاتيش/ مكاتب) مربوط بشبكة وخطوط سكة حديد بطول (1300) كم ، إذ تعد شبكة سكة حديد مشروع الجزيرة أكبر وأطول شبكة نقل في أفريقيا ، فمنطقة الجزيرة تتميز بأرضها المنبسطة الخالية من الموانع الطبيعية كالجبال والهضاب والتلال والغابات ، ومن العوائق والتضاريس الوعرة كالوديان والخيران والجروف والصخور والكثبان الرملية ، كل هذه العوامل وغيرها ساعدت على إمكانية إقامت هذا العدد الكبير من المشاريع الزراعية وإنشاء السد والخزان وقنوات المياه للري الانسيابي ، وإقامة شبكة السكة حديد والطرق والكباري والجسور وغيرها ، وكما أن توفر المياه و خصوبة تربتها ومناخها المعتدل وهطول الأمطار بكميات مناسبة خلال فصل الخريف ، وتوفر الأيدي العاملة كل هذه العوامل والعناصر وغيرها ساعدت وهيئت و مكنت من زراعة عدد من المحاصيل الزراعية المهمة على رأسها القطن والقمح والفوال السوداني والذرة وزهرة الشمس والأعلاف والخضروات وبعض الفواكه والمحاصيل النقدية والغذائية الأخرى ، وأيضاً كان المشروع ينتج الأرز قبل أن يتوقف بسبب الظروف المناخية ، وكذلك ساعدت على تربية الحيوانات (الضان ، الماعز ، الأبقار ، الأبل ) للاستهلاك المحلي والتصدير ، حيث ظل مشروع الجزيرة ينتج 70% من جملة الاقطان و65% من جملة انتاج القمح و32% من جملة انتاج الفول السوداني و12% من إنتاج الذرة ، حسب التقارير الرسمية للسنوات السابقة ، ووفقاً لما ورد في بيانات تحالف مزراعي الجزيرة والمناقل أنه قبل سياسة التحرير الاقتصادي والخصخصة وإصدار قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م ، كان مشروع الجزيرة والمناقل يتكون من سكك حديد الجزيرة بطول 1300 كيلومتر و قطارات وورش لصيانة القطارات وإدارة مكتملة فنياً ومهنياً وإدارياً ، ورئاسة سكك حديد الجزيرة التي كانت تفوق في إمكانياتها رئاسة سكك حديد السودان بعطبرة عدةً وعتاداً. وهندسة زراعية بالياتها وحفاراتها وتركتراتها وشيولاتها ومعداتها الثقيلة والخفيفة ، وإسطول من السيارات يفوق عددها ضعف ما تملكه حكومة السودان من سيارات ، وبيوت العمال والموظفين وسرايات المسئولين وهذه المباني عددها 2500 منزل وعمارتين ببورتسودان وملحقاتها في مساحة 300 فدان ، وعمارة بلندن بالإضافة الى مكتب في لانكشير ببريطانيا ، وعدد 14 محلج لحليج القطن في مارنجان والحصاحيصا والباقير، قسم إكثار البذور ، قسم وقاية النباتات وهنالك المستودعات والمخازن الشامخة ، وشبكة إتصالات لاسلكية وأسهم في عدد من البنوك والشركات( شركة الأقطان ، البنك الزراعي ) ، بالاضافة الى سد وخزان سنار الذي شُيّد في عام (1925 م) والذي هو أصل من أصول المشروع ، وقُدرت أصول المشرع و بنياته الأساسية بأكثر من 60 مليار دولارأمريكي .
وكانت الأهداف الأساسية من إنشاء مشروع الجزيرة تتمثل في الأتي:-
* زراعة محاصيل الصادر، كالقطن وزهرة الشمس.
* تحويل المنطقة من الزراعة التقليدية إلى الحديثة.
* رفع المستوى المعيشي والخدمي باستيعاب 15 ألف مزارع، وتوفير السكن والخدمات الصحية والتعليمية لهم.
* تحقيق التكامل الزراعي بإدخال الحيوان في الدورة الزراعية،
* التوسع في زراعة الخضر والفاكهة للاستهلاك المحلي والتصدير.
* استغلال حصة السودان من مياه النيل.( المصدر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة) .
إلا أنه نتيجة لتذبب السياسات الزراعية بسبب عدم الاستقرارالسياسي بالبلاد نسبة لتعاقب الأنظمة والحكومات الأمر الذي كان له الأثر السلبي البالغ على مسيرة مشروع الجزيرة والمناقل وعدم إستكمال تحقيق أهدافه المرسومة وغاياته المنشودة ، بل وعدم الحفاظ على مستوى النجاحات والإزدهار والمكتسبات التي حققته في عقوده الأولى نتيجة لعدم إستقرار السياسات المالية والادراية والتنظيمية والتسويقية مما أدى الى تدهور البنيات التحتية للمشروع وتراجع وتدهور مسيرة إنتاجه ودوره الملموس والمشهود في الناتج المحلي الإجمالي .
مشروع الجزيرة (الإنسان/ السكان)
للحديث والتعرف على سكان مشروع الجزيرة في وقتنا الحاضر يجب أن نقرأ مراحل و سياقات التطور التاريخي لنشأة منطقة الجزيرة مكاناً و زماناً وإنساناً ( الجغرافية والديمغرافية ) ، إستناداً إلى إفادات المؤرخيين والباحثيين وبالرجوع الى كتب ومراجع التاريخ التي تناولت تاريخ منطقة الجزيرة عبر كل العصور التاريخية (القديم، الوسيط ، الحديث، المعاصر ) نجد أن منطقة الجزيرة ( بلاد ما بين النهرين/ النيلين.. النيل الازرق والنيل الابيض ) كانت جزاءً من ممكلة كوش ، ثم جزاءً من مملكة علوة المسيحية ( السودان القديم والوسيط) ثم كانت جزاءً من السلطنة الزرقاء/ممكلة الفونج/ سلطنة سنارالإسلامية التي قامت بعد دخول العرب والاسلام الى السودان، ثم كانت جزاءً من مديرية النيل الأزرق ومديرية الجزيرة ، ثم جزاءً من الأقليم الأوسط ، ثم جزاءً منها صارت ولاية الجزيرة (السودان الحديث و المعاصر ) ، فخلال هذه العصور التاريخية ( القديم ، الوسيط ، الحديث ، المعاصر ) سكنت وإستوطنت وعاشت منطقة الجزيرة مجموعات سكانية تعددت وتنوعت عرقاً وديناً وولغةً ولهجةً وثقافةً ، فبسقوط مملكة علوة وحكم العنج وقيام وسقوط السلطنة الزرقاء في سنار زحفت كثير من بطون قبائل الفونج/العنج جنوباً/جنوب النيل الأزرق ، وإنتشرت عدد من عشائر القبائل العربية على ضفتي النيل الأزرق والأبيض شمالاً ، ومنطقة الجزيرة وسط النيلين كانت شبه خالية من السكان ، أي في فترة ما قبل قيام مشروع الجزيرة كانت منطقة الجزيرة تصنف بالإنخفاض النسبي لعدد السكان والكثافة السكانية مع وجود قرى صغيرة متناثرة على ضفتي النيلين وتقل كلما إتجهت أواسط الجزيرة ، فكان لقيام مشروع الجزيرة الزراعي في عشرينيات القرن الماضي عظيم الأثر في جذب وهجرة وتوافد كثير من الناس الي منطقة الجزيرة ، حيث وفد الناس اليها فرادى وجماعات من مختلف أقاليم وجهات ومناطق ومدن وأرياف وقرى السودان ( شمال ، أواسط ، شرق وغرب السودان ) وبمختلف قبائلهم وفئاتهم ومهنهم وحرفهم ( مزارعيين ، عمال زراعيين ، موظفيين ، عمال، تجار ، رعاة ….الخ) ، فكثير من القبائل والعائلات التي كانت تسكن أواسط السودان على ضفتي النيل الازرق من سنار جنوباً حتى الخرطوم شمالاُ وعلى النيل الازرق من كوستي جنوباً حتي الخرطوم شمالاً قد إنتشرت وسكنت وإستقرت في قرى ومدن مشروع الجزيرة ، وأن كثير منهم يعملون كمزارعيين ويملكون حواشات وبعضهم كعمال زراعين وتجار ورعاة ، وبعضهم موظفين وعمال في الدوائر والمؤسسات الحكومية وفي إدارات المشاريع الزراعية الأخرى ، بينما معظم الوافدين والقادمين الى المشروع من منطقة الخرطوم وشمال السودان ومن بعض أقاليم وولايات و مدن وأرياف السودان يعملون كموظفيين وعمال في إدارات وحدات وأقسام المشروع ( رئاسة إدارة المشروع مدني/بركات ، الأقسام ، التفاتيش/المكاتب ، القناطر ، السكة حديد ، المصانع ، المحالج ، …..الخ) ، وأن كثير من القادمين من غرب السودان يعملون كعمال زراعيين وأن عدد معتبر منهم يمتلكون أراضي زراعية/حواشات وبعضهم سكنوا وإستقروا في مدن ولاية ومشروع الجزيرة ويعملون في الأعمال والانشطة التجارية وفي الشركات و المصانع والأعمال المهنية والحرفية الأخرى وبعضهم يعملون موظفين وعمال في الدوائر والمؤسسات الحكومية وفي إدارات المشاريع الزراعية الأخرى ، فعدد معتبر منهم يسكنون في قرى مشتركة مع المجموعات السكانية الأخرى وبعضهم يسكنون في قرى منفصلة قائمة بذاتها ، وبعضهم يقيمون في تجمعات سكانية وقرى كبيرة ومتوسطة الحجم وبعضها صغيرة تطلق عليها ( كنابي/ جمع كمبو ) ، فصارت هذه المجموعات السكانية بمختلف أعراقهم وقبائلهم وألسنتهم وجهاتهم وفئاتهم الذين يسكنون قرى ومدن ولاية ومشروع الجزيرة صاروا يشكلون نسيجاً إجتماعياً وثقافياً متفرداً إطلق عليهم ( أهل الجزيرة / ناس الجزيرة /إنسان الجزيرة / مجتمع الجزيرة / مواطني الجزيرة ) ، و كل منهم صار مكملاً للاخر ( المزراعين ، العمال الزراعيين ، الموظفين والعمال ، الرعاة ، التجار…. الخ ) وكل منهم يعطي معنى وقيمة لوجود الأخر تحكمهم أسس حسن الجوار والسكن والديار المشترك وأسس وقيم التعايش السلمي والتواصل الإجتماعي بينهم ، وصارت بينهم مصالح مشتركة ويتبادلون المنافع المادية والمعنوية ، فصارت لهم قضايا وهموم وتطلعات مشتركة ، وتجمعهم ماضي وحاضر واحد ، وتوحدهم المصير الوحد وتقلقهم محنتهم الواحدة المتمثلة في تراجع وتدهور مشروعهم الذي كان له الأثر الأكبر في الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية التي يتبؤها السودان عقود عدة ، فتكاملت أدوارهم وإسهاماتهم ومهامهم في إنجاح وإزدهار وإستمرار وبقاء المشروع سنوات طويلة ، وكانت لموقع مشروع الجزيرة و كثافة سكانه و تركيبته الاجتماعية الدور الكبيرفي تقدم ولاية الجزيرة مكاناً وإنساناً ، وإزدهار مدنها ومراكزها الحضرية و قراها العامرة بالسكان وبالحياة التجارية والنشاط الزراعي والرعوي حيث أن معظم سكان مشروع الجزيرة يجمعون ما بين الزراعة وتربية الماشية والأنشطة التجارية ذات الصلة بالانتاج الزراعي والحيواني، ويقدر عدد سكان الجزيرة أكثر من ثلاثة 3 ملايين نسمة أي 3.796.000 نسمة (وفق أخر بيان بموقع الامانة العامة لمجلس الوزراء ) ، وتشير الإحصاءات إلى أن 80,4% من السكان يقطنون الريف و19,1% يقطنون الحضر(المدن) ، فقديماً وعبر التاريخ الطويل المتمرحل لمنطقة الجزيرة حدث تداخل وتفاعل وتمازج بين عائلات من قبائل الفونج وكثير من المهاجرين والوافدين من العرب المسلمين ، إذ إمتزجت كثير من العائلات العربية الوافدة مع عدد كبير من عائلات قبائل المنطقة (السكان المحليين الأفارقة ) ونتيجة للتداخل والتجاور والإحتكاك والتواصل بين هذه المجموعات السكانية إنتشر الاسلام واللغة العربية في السلطنة الزرقاء ( مملكة الفونج ، سلطنة سنار ، الدولة السنارية ) التي كانت تجاور من الناحية الشرقية أثيوبيا ومن الناحية الشمالية ديار البجة ومن الناحية الجنوبية دار الشلك ومن الناحية الغربية سلطنة دارفورالإسلامية ، وقد أرخ بعض المؤرخين على أن سلطنة سنار كانت تمثل المركز الجنوبي لإمبراطورية كوش ، فكانت ولاية الجزيرة ومنطقة سنار والنيلين الازرق والأبيض المعقل الرئيسي لسلطنة الفونج حتى سقوطها على يد محمد على باشا 1821م ، فأصبحت الجزيرة منطقة تلاقي وتواصل إجتماعي وتلاقح ثقافي وحضاري جمعت تاريخياً بين السكان المحليين الأفارقة وتلك القبائل والمجموعات العربية التي هاجرت ووفدت الى منطقة الجزيرة وتلك القبائل والمجموعات السكانية التي وفدت من الشمال والشرق والغرب والتي إستقرت و إستوطنت المنطقة قديماً وحديثاً وعكست تنوعاً عريضاً متفرداً تذخر به ولاية الجزيرة اليوم والذي كان جزء من الاقليم الاوسط ، ، بهذا تميزت ولاية الجزيرة بتنوع ديمغرافي وتركيبة إجتماعية فريدة حيث يضم عدد من الأعراق والقبائل التي شكلت إنسان ولاية الجزيرة وإستطاعوا التعايش والتواصل مع بعض وتضافرت جهودهم وتعددت وتنوعت إسهاماتهم وتكاملت أدوارهم في إنجاح وإزدهار مشروع الجزيرة الذي ظل يجود بالخيرات الوفيرة لاهل السودان كافة سنوات طويلة ، بل وفاضت خيراته وعمت وأغاثت كثير من الشعوب والدول ، حتى صار يطلق عليه (سلة غذاء العالم ، الجزيرة المروية ، جزيرة الخير ، أرض المحنة ، الجزيرة الخضراء ) إلا إنها مع سياسات حكومة الإنقاذ الخاطئة الفاشلة التي قضت على الأخضر واليابس ماعادت الجزيرة خضراء كما كانت من قبل مجي نظام الانقاذ الي الحكم في ليل شديد الظلام والناس نيام بانقلاب عسكري ليلة 30 من يونيو1989م.
حقائق النجاح والإزدهار … وأسباب التدهور والإنهيار
نجاح وإزدهار مشروع الجزيرة يقاس بمدى تحقيقه للأهداف المرسومة والغايات المنشودة التي من أجلها تم إنشاءه ، فاستناداً الى حقائق الأرقام والاحصائيات المُوثقة والمنشورة ومشروعات التنمية ومؤشرات نمو الاقتصاد السوداني خلال العقود الاولى للمشروع وبناءً على معطيات الواقع الزراعي لمسيرة المشروع وتحولات حياة مواطني الجزيرة ، أن مشروع الجزيرة حقتت نجاحات باهرة إتسعت كماً ونوعاً ، وحققت إزدهاراً معتبراً بمقاييس ومعايير مؤشرات التنمية والنمو الاقتصادي ، ووقف الكل شاهداً ومؤكداً على ذلك ، حتى صار موضع إهتمام إقليمي ودولي ، وجذب أهتمام كثير من المنظمات المالية العالمية وبيوتات الخبرة الدولية وأسال لعاب كثير من الطامعين في ثروات وخيرات السودان ، فالوضع الراهن الذي يعيشه ويمر به المشروع وإنسانه مقارنة بالعقود والسنوات الأولى للمشروع يؤكد أن المشروع بدأ ناجحاً وإستمر في تحقيق النجاحات تلو الأخرى وصولاً الى مستوى متقدم من الإزدهار ، ثم بدأ يتراجع ويتدهور شيئاً فشيئاً وصولاً الى مرحلة الإنزلاق والانهيار التدريجي ، وتجلت أوضح صور ومجالات نجاح المشروع في تحقيقه لنسبة معتبرة من أهدافها المرحلية في إطار الأهداف الاستراتيجية الكلية للمشروع في محاورها التنموية الإقتصادية والاجتماعية ، أحدث المشروع تغيرات جذرية وجوهرية في حياة مواطني ولاية الجزيرة ،وساعد على الإستقرار الإجتماعي ورفع مستواهم المعيشي من خلال الدور الانتاج الزراعي والصناعي والتجاري والخدمي للمشروع حتى نهاية ومنتصف التسعينات حيث شهدت مدن وقرى الجزيرة إزدهاراً وتطوراً ورقياً كبيراً وكانت عامرة بالسكان ، فالإزدهار يعني حالة تتخطى مجرد البقاء على قيد الحياة لتشمل الإستقرار المتمرحل بالنمو والتطور الإيجابي ، وكما يعني التنمية المثلى عبر مجموعة من مجالات الحياة مثل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوصول لاهداف وغايات إيجابية منشودة ، فالحكومة البريطانية كانت هدفها الأساسي من إنشاء مشروع الجزيرة هو مد مصانع الغزل والنسيج البريطانية بحاجتها من خام قطن طويل التيلة ، إلا أن أهداف عدة وغايات شتى ومصالح متنوعة ومنافع جمة و فوائد كثيرة تحققت للسودان منذ إنشاء المشروع وحتى سنوات بداية الإنهيار التدريجي للمشروع نتيجة تفاقم مشاكله (مشاكل ادارية ، مشاكل الري ، مشكلة التمويل، …..الخ )، وتعقيدات مسارات إصلاحه والتي يرجعها الكثيرون لاسباب وعوامل إدارية وإقتصادية وسيـاسية تأمرية غدت تشكل تهديداً خطيراً لأستمرار وبقاء المشروع ، فأصبح المشروع بين مطرقة التدهور المريع وسندان المحاولات الفاشلة لإصلاحه وإعادة تعميره ، حيث إنتهت البنية التحتية التي أسسها الإنجليز وإنتهى نظام الإدارة (المكاتب ، القناطر ، الصمد ، الخفير) الذي كان سائداً حتى السنوات القليلة الماضية من عمر مسيرة المشروع .
وسوف أتناول بشي من التفصيل والسرد المطول هذه الجزئية من مقالي هذا حول مسيرة نجاحات وإزدهار المشروع وأسباب إنتكاستها وتراجعها وتدهورها مستعرضاً مقتطفات من بيان تحالف مزراعي الجزيرة والمناقل بتاريخ يناير 2015م ، حيث ورد ضمن فقراته أن جذوة الثورة المهدية ومقاومة السودانيين دفاعاً عن الأرض بدأً بثورة ودحبوبة وعلي عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين وإحتجاجات مزارعي طيبة والقسم الاوسط وإضراب المزارعين الشهير عام 1946م وموكب ميدان عبد المنعم عام 1954م ، والتي أجبرت المستعمر والحكومات الوطنية علي وضع قوانيين وسياسات زراعية تلبي التطلعات، بداً بقانون أراضي مشروع الجزيرة 1927م الذي حدد العلاقة ما بين الملاك والحكومة بدفع قيمة إجارة الأرض للمزارعين حيازة منفعة في ظل علاقات إنتاج قامت علي الشراكة بين الحكومة والشركة وادارة المشروع والمزارعين حيث تقوم الحكومة بالتمويل وإيجار الأرض والري وصيانة المنشأت ، والادارة بتكلفة التشغيل والعمالة ، ويقوم المزارع بالعمليات الفلاحية بالاضافة الي جهده في عمليات الأشراف ، حيث خضعت الي العديد من التعديلات حتي وصل نصيب المزارع الي 47% بالاضافة الي مال الخدمات الإجتماعية بنسبة 2% ، إذ استطاع إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل النهوض بالجزيرة خدمياً محدثاً تغييرًا إجتماعياً، قام بتشييد (1022) مرفق صحي يمثل 16% من جملة المرافق الصحية في السودان (مستشفيات- نقاط غيار- مراكز صحية) أما بالنسبة للتعليم فقد تم تشييد (3508) مرفق تعليمي (مدارس اساس- مختلط ? ثانوي- محو امية ? تعليم قبل المدرسي) هذا بالاضافة الي مصلحة الآبار التي قامت بتوفير مياه الشرب الصالحة بالاضافة الي كهربة قري الجزيرة وأندية الترفيه والسينما المتجولة وجريدة الجزيرة ، لم تقف خيرات هذا المشروع علي الجزيرة والمناقل ، بل ظل يساهم على المدى الطويل لأكثر من 45% من جملة الصادرات قبل دخول البترول ، حيث ظل يقدم الخدمات لكل أهل السودان ، فعلى أكتاف مشروع الجزيرة وبعرق جبين إنسان الجزيرة وعلى حساب إنتاج وأرباح المزراعين أنشئت وقامت كل الوزرات والمدارس والمستشفيات ومعظم المؤسسات العامة و المنشأت الحكومية ( سكة حديد السودان- ميناء بورتسودان ? جامعة الخرطوم- الوزارات ? خزان سنار ) بالاضافة الي البنيات التحتية الاساسية ( محالج- هندسة زراعية- سكك حديدية- منازل ? مكاتب ، قناطر…الخ) التي سددت تكاليفها من إرباح وعائدات القطن ، هذا بالاضافة لتوفير عمالة ثابتة تجاوزت (12890) شخص عمال ، موظفين- فنيين- مهندسين فضلاً عن عمالة خاصة بالري (2000) شخص (خفراء- فنيين- مهندسيين) وعمالة موسمية بلغت(130) ألف بالاضافة الي عمالة عرضية وعمالة محلية ، إلي جانب المزارعيين وأسرهم ، هذه العمالة تصل الي 8% من جملة العمالة في السودان ونجد ان (2,5?-3) مليون نسمة يعتمدون في معاشهم المباشر علي مشروع الجزيرة فضلاً عن توفيره للمواد الخام الصناعية ، فقد قامت صناعات تحويلية تتمثل في الزيوت والنسيج وطحن الغلال ، بالاضافة الي الحركة التجارية بالاسواق وقيام مدن تجارية وخدمية علي مستوي أقسام المشروع الذي لم يقف عطاءه علي الانتاج الزراعي بل أصبح مصدرًا للزراعة المختلطة(حيوان- نبات) وتوفير الأعلاف وإنتاج الخضر والفاكهة ، وجلب العملات الصعبة ، وأصبح المشروع ضامناً للحكومة ولإنتاج بترول السعودية لدي المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي ? صندوق النقد الدولي ) الي جانب ما يقدمه كعائد مباشر للمزارعيين والدولة ، و إستمر العائد للحكومة والمزارعين حتي إنقلاب الفريق إبراهيم عبود حيث وصلت البلاد بعثة البنك الدولي 1963 التي عرفت بلجنة الخبير( رست ) من أجل إعادة تأهيل المشروع وقد تمثلت توصيات لجنة رست في رفع الحد الأدني للحيازة الحواشة في الجزيرة الي 360 فدان و 270 فدان في المناقل ، إلا أن المزراعين رفضوا تلك التوصيات عبر إتحادهم والقوى الوطنية ، ففي عهد حكومة مايو أصدر الرئيس نميري قرار بتغيير علاقات الإنتاج من الحساب المشتركالجماعي الى الحساب الفردي على الرغم من أن الخبراء دعوا الى ضرورة الإبقاء على الحساب المشترك مع تحفيز المنتجيين إلا أن الرئيس نميري لم يأخذ برأي وتوصية المختصين الخبراء ، وبدأ في تنفيذ نظام الحساب الفردي الذي أدى الى توسع نشاط القطاع الخاص وترتب على ذلك إرتفاع تكلفة الزراعة ( عمليات الانتاج والانتاجية) وتراجع دور الدولة في الزراعة وصار المزراعين غير قادرين على مقابلة تكلفة الانتاج المتزايدة ، فارتفعت مدينويتهم بزيادة ضرائب المياه والارض لأنه صار للدولة حصة ثابتة ومرتفعة من إجمالي عائد القطن بأسم ضريبة المياه والأرض التي تزيد كل عام ، حتي كان إنقلاب الانقاذ يونيو 1989م التي تبنت سياسة التحرير الاقتصادي وخصخصة القطاع العام وتمكين القطاع الخاص المحلي والعالمي لهذا وضعت خطة عشرية (1992-2002) تعتمد علي إزالة وإلغاء كل التشريعات والقوانيين التي تعوق وتقف ضد أليات السوق ووضع التشريعات والقوانيين التي تخدم سياسة التحرير الاقتصادي والخصخصة، ولذلك وضعت العديد من البرامج بداً بالبرنامج الثلاثي الاقتصادي 1990-1992م إلا إن نتائجه كانت ضعيفة خاصة في المجال الزراعي الذي كان يمثل المدخل الاساسي لبرنامج الاستراتيجية القومية الشاملة التي تقوم علي خصخصة كل القطاعات الاقتصادية ، ولمعالجة ذلك تم اصدار قانون التصرف في المرافق العامة 1992م وفي العام 1996م تم تكوين اللجنة العليا للتصرف في المرافق العامة والتي اصدرت قراراً بخصخصة 17 مشروع ومؤسسة زراعية ، وكان علي رأسها مشروع الجزيرة والمناقل بقرار جمهوري بتاريخ 8-10-1996م بالرقم 1155 حيث بداء تنفيذه في ذات العام وفي أواخر 1999 تزامن وصول بعثة البنك الدولي مع وصول بعثة منظمة الفاو(FAO) حيث وافقتا علي إجراء تجربة روابط مستخدمي المياه ، وقد تم إختيار مكتب عبد الحكم بالقسم الاوسط وعلي ضوء مقترحات البنك الدولي من خلال تلك التجربة تم إعداد قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م بواسطة إتحاد المزارعيين (الحكومة) الذي لم يشارك المزارعيين في إنتخابه، وقد أُجيز علي عجل قبل توقيع إتفاقية نيفاشا وبهذا تحقق حلم الراسمالية العالمية ومؤسساتها التي تمثلت في توصيات لجنة رست وتسارعت وتيرة تنفيذ قانون 2005 بداً بتشريد العامليين حيث طالت الهيكلة كل الكادر البشري من مهندسين ? عمال – موظفين الخ حيث كانت أعدادهم (12863) حتي وصلت عام 2011 الي (21) شخص في مشروع يعادل مساحة دولة هولندا وهو أكبر مشروع في العالم به 18 قسم تضم 114 مكتب به أكثر من 130 ألف مزارع موزعين علي 1150 قرية تساهم معهم عمالة في عملية الانتاج في 1249 كنمبو ، أن الهيكلة كانت المدخل لكل الفوضي التي طالت المشروع حتي الدراسة التركية التي أجريت لهيكلة العامليين بالمشروع اقترحت 75 شخص وبانهيار العمالة والنمط الاداري إنهارت البنيات وسرقة الاصول واصبح المشروع تحت رحمة المفسدين والمقاوليين ووكلاء الشركات من قيادات حزب المؤتمر الوطني وقيادات الاتحاد والاتحادات الفرعية ، ثم كانت الهجمة علي أصوله بمنهجية صارمة حيث بدأت بوحدات الهندسة الزراعية والمحالج والاتصالات وقنوات الري للعمل التجاري بفتح الباب أمام القطاع الخاص (بنوك- شركات ? افراد- مقاوليين ? متعهدين) في مجال الخدمات الزراعية فكانت شركات ( دال ? روينا- الوادي الخضر- مركز سنار- البايونيل……الخ ) نعلم من هم أصحابها ، هذا بالاضافة الي محفظة البنوك التي تجاوزت أرباحها نسبة 54% كل هذا ساهم في إرتفاع التكلفة مما أدي الي تقليص المساحات وقلة العائد وإنهيار بنيات المشروع وإفقار وإذلال المزارعيين. ) …(نعلم تماماً القوانيين التي عملت علي الاستيلاء علي المشروع ومؤسساته من قبل الحكم العسكري بدأً من توصيات لجنة رست في عهد عبود وتغيير علاقات الانتاج الي فردي بقرار من نميري حتي وصلنا الي قانون 2005م وقانون 2010م وتعديلات قانون 2005م المعدل سنة 2014م كل ذلك لارتباط هذه الانظمة العسكرية والشمولية بمؤسسات النقد العالمية وإرتباطها بالراسمالية الطفيلية التي إتخذت شكلاً أخر حيث قامت بتقسيم المشروع الي (23) وحدة أنتاجية تم توزيعها الي شركة خدمات متكاملة وهي((سماح- النصيح- ريلا- ريو- قوم الرشيد – عصم الخير- منسيكو- ودالنورة – الشتاء والصيف – اللواء الاخضر- يقسطون – احمد محمد عمر- التجاني محمد احمد ? السنيورة – عمر الامين- صراصر(ياسروعلي الصديق) ابوسنية ? الوراق ? زنقحة ? ماتريوت ? أتية ? البدري ? كوشيك – اي بي اتيش- توشنا – الماطوري)) بأسم أفراد ومجموعات من قيادات الاتحاد والمؤتمر الوطني شُيدت هذه الشركات من أصول هذا المشروع التي بيعت وهي ملك للمزارعيين التي سدد قيمتها مزارعي الجزيرة من أرباح موسم 50-1951م وممتلكات المزارعيين التعاونية التي سُرقت ونُهبت أيضاً ، وبهذا أمتلكت وسيطرة الراسمالية الطفيلية علي مفاصل المشروع حيث صارت تدافع عن القانون الكارثي لسنة 2005م وتعديلاته لسنة 2014م)،(إنتهى مقتطفات بيان التحالف) ، وللحقيقة والتاريخ لقد تم بيع أصول مشروع الجزيرة بمبلغ قدره 31 مليار دولار والذي أورد تفاصيلها السيد/بكري النور عيسى في مقال له منشور في منبر سودانيات رداً على حديث عوض الجاز الذي طالب أهل الجزيرة بأن من يتهم الإنقاذ بالفساد فاليأتي بالدليل والإثبات أو يصمت لأن الإنقاذ لا يأتيها الباطل لا عن يمينها ولا عن يسارها فهي مبرأة من كل عيب ؛ فرد عليه في معرض مقاله قائلاً : ( الفساد الأول بالجزيرة وأنت وزيرا للمالية :– فالنبدأ بك أيها العفيف النزيه الشريف ففي عهدك أنت كنت وزير المالية بيعت أصول مشروع الجزيرة بمبلغ وقدره 31 مليار دولار تفاصيلها كالأتي:–
1- بيع سكك حديد الجزيرة بمساحة 1300 كلم.
2- الهندسة الزراعية بعدتها وعتادها.
3- بيع 14 محلج بمارنجان والحصاحيصا والباقير.
4- بيع أكبر عمارة تابعة للمشروع بلانكشير ببريطانيا.
5- بيع 3 عمارات و150 منزل ببورتسودان تابعة لمشروع الجزيرة في مساحة 300 فدان بالإضافة لبيع كل ما بداخلها من مستودعات ومخازن فاقت المائة.
6- بيع 2500 وحدة سكنية بالمواد الثابتة ببركات ومارنجان والحصاحيصا والباقير والتفاتيش وغيرها.
7- بيع 375 سرايا مساحة السرايا 5 فدان.
8- بيع 84 منزل حكومي بالحي البريطاني بمدني فوق البيعة .
المبلغ يساوي 31 مليار سلمت لك حينها كنت وزيراً للمالية وأنت تعلم علم اليقين بأنها أموال المزارعين المساكين وتم الإحتيال عليها بخازوق 2005 الذي أخذ ممن يملك وأعطى لمن لا يستحق ، أهل هذا فساد عن الإنقاذ أم صلاح سيادة الوزير؟ أم هذا رزق ساقه لكم الله كما يقول فقهاء الإنقاذ الراسخون في السرقة؟ تشريد 17 الف عامل وموظف بأسرهم أليست هذه شهادة وإثبات أم هذه فلاحة أوشطارة كما يحلو لكم تسميتها؟ عمارة في بريطانيا وثلاثة عمارات في بورتسودن ألا تعرف يإسم من سجلت من النافذين أو النافذات ؟ الا تعلم لمن من النافذين آلت ملكية 14 محلج وأصبحت شركة بإسم أرض المحنة؟؟؟ ألا تعلم لمن من المنافقين آلت مخازن ومستودعات مشروع الجزيرة.
أين ذهبت هذه المليارات أيها الملياردير ؟
الفساد الثاني بالجزيرة وأنت وزيراً للصناعة:
1- تعطيل 350 مصنع بالباقير الصناعية بالجزيرة ومن ضمنها 83 مصنع تم إيقافها بقرار من موظف بمحلية الكاملين وتشريد 23 الف عامل بأسرهم اليس هذا فسادا ودماراً.
2- تدمير ثمانية مصانع للنسيج والغزل بمارنجان وتسويتها بالأرض وأصبحت أثراً بعد عين وتشريد 13 ألف عامل ماذا تعتبر هذا يا سيادة الوزير.
3- تدمير 17 مصنع بالمناقل وتشريد ألاف العمال أليس هذا فساد؟ بربك ماذا تسميه؟
4- تدمير مصنع الغلال الذي يملكه المزارعين بقوز كبرو بالحصاحيصا أليست هذه جريمة؟
5- تدمير مصنع الغزل والنسيج بالملكية شرق مدني والذي يخص مزارعي المشروع أليست دليل دامغ لسوآءاتكم؟
6- تدمير مصنع الغزل بحاج عبدالله أليس دليل شافي لفسادكم؟
7- تحويل حصة مشروع الجزيرة من المياه لصالح سد مروي لتطوير الصناعة على حساب الزراعة أليست هذه كارثة؟ ( إنتهى مقتطف مقال بكري النور عيسى)
فمشروع الجزيرة مر بعدة مراحل منذ إنشاءه حتى اليوم وشهد خلال هذه المراحل توسعاً افقياً وراسياً في الانتاج والانتاجية بزيادة المساحة الارض والاهتمام بالثروة الحيوانية ، وهناك دراسات أجريت وأكدت إمكانية توسيع مساحة المشروع الى 3 مليون فدان.
المرحلة الأولى إبّان فترة الحكم الثنائي (1925 – 1955م)
المرحلة الثانية، التوسع الأفقي للمشروع (1955 ? 1970م)
المرحلة الثالثة، التوسع الرأسي للمشروع منذ 1970 م
وخلال هذه المراحل أًتُبع نظام الدورات الزراعية التي إتسعت كماً و نوعاً ( الثلاثية ، الثمانية ، الرباعية ، الخماسية السائدة حتى اليوم) فكل دورة من هذه الدورات الزراعية لها أيجابياتها وسلبياتها ومشاكلها ، وكما أن التغيرات في الدورات الزراعية كانت لها أثر كبير ودور مباشر في إرتفاع تكلفة الانتاج وضعف الانتاجية ، وكان لتعدد وتذبذب السياسات الزراعية للحكومات المتعاقبة دورها المؤثر في مسيرة المشروع بما في ذلك طبيعة ومسار علاقات الإنتاج ( البداية كانت بنظام الحساب الفردي ثم التحول الى نظام الحساب المشتركالحساب الجماعي ثم الرجوع الى الحساب الفردي السائد الى اليوم ) فكل من النظامين (المشترك والفردي) له إيجابياته وسلبياته ومشاكله ، وكذلك نظام التمويل وسياسة التمويل التي اُتبعت في الماضي والمتبعة حالياً ( التمويل التقليدي نظام الشيل ، نظام التمويل الحكومي ، نظام التمويل التجاري السائد اليوم بعد تطبيق سياسة الخصخصة في المشروع بالاضافة الى التمويل الذاتي) هذا وبالاضافة الى دور سياسات وتوجهات الانظمة الحاكمة في تسييس إدارة المشروع وعدم إشراك المزارعين في ادارة المشروع بالصورة التي تناسب حجهم ووزنهم ودورهم الحقيقي في عملية الانتاج والانتاجية ، وكانت لسياسة التحرير الاقتصادي وخطط الخصخصة التي إنتهجتها حكومة الانقاذ تجاه المشروع دور كبير في تراجع و تدهور المشروع وإنهيار بنياته التحتية بتاثيرها المباشر على الانتاج والانتاجية بارتفاع تكلفة ضريبة رسوم الماء والأرض والخدمات الادراية والزراعية والانتاجية ، وتأثيرها الحاد على إدارة المشروع وعلاقات الانتاج فتدهور الوضع الاجتماعي للعاملين بالمشروع ( المزراعين ، العمال الزراعين ، الموظفين والعمال في الادرات المختلفة ( الشئون الادارية ، الادارة المالية، الادراة الهندسية ، …الخ) وفي المؤسسات الخدمية بالمشروع مما أدى الى تراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للمشروع ، فبسبب السياسات الزراعية الخاطئة والقاصرة التي انتهجها نظام الانقاذ تجاه مشروع الجزيرة تدهور المشروع في كل مجالاته الانتاجية والخدمية والاقتصادية والادارية وتدهور أحوال المزراعيين والعمال الزراعين وموظفي وعمال أدارات المشروع والمؤسسات المساندة للمشروع ، وتأثر عموم سكان ولاية الجزيرة ومواطني الولايات المجاورة وعموم الشعب السوداني ، وأهتزت ركائز الاقتصاد السوداني بتراجع دور وإسهام المشروع في الانتاج الزراعي والصناعي بالبلاد ، ولا يخفي على أحد الدور الذي ظل يلعبه مشروع الجزيرة في تنمية اقتصاديات السودان الزراعية والصناعية وإتاحة مئات الالاف من فرص العمل لقطاعات عريضة وفئات كبيرة من أبناء الشعب السوداني ، وظل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني لأكثر من 90 عاماً الا أن المشروع شهد تراجعاً ملحوظاً وتدهوراً كبيراً منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي وبلغ ذروته ببدء تنفيذ قانون عام 2005م ويسير المشروع وبسرعة نحو هاوية الإنهيار ، الامر الذي يضع الكل خصوصاً مزراعي مشروع الجزيرة وأبناء ولاية الجزيرة والشرفاء من ابناء الشعب السوداني الحادبين على مصلحة السودان أمام خيار واحد فقط لا ثاني له وهو التحرك والعمل على وجه السرعة وبصورة جادة وبكل عزيمة وإصرار باتخاذ الخطوات والاجراءات الحاسمة والضغط على حكومة المؤتمر الوطني لإيقاف سياسات التدمير والتخريب والتصفية والخصخصة التي طالت المشروع ومؤسساته وتسببت في تدهوره وانهيار بنياته الاساسية ووضعت المشروع على حافة الإنهيار الكامل ، وأثرت بصورة كبيرة جداً على أوضاع المزراعين والعمال الزراعين ، وتسببت في إفقارهم وتشريدهم وحرمانهم من التمتع بحياة معيشية كريمة تليق بإنسانيتهم ، مما دفعهم لبيع ممتلكاتهم ومدخراتهم لمواجهة الإرتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات الاساسية ولتأمين الإحتياجات الضرورية وتوفير اسباب بقاءهم على قيد الحياة ، ونسبة للتزايد والتنامي المستمر لأعداد المزراعين والعمال الزراعين ومع ثبات المساحات الزراعية والسكنية وتراجع وتدهور أحوال الانتاج الزراعي والصناعي عموماً بدأت تطفو على السطح مشاكل إجتماعية ومعيشية أدت الى عزوف كثير منهم الزراعة ولجأوا الى البحث عن والاعتماد على مهن وحرف وأعمال أخرى غير الزراعة وبعضهم تركوا الزراعة وحياة الريف و هاجروا ونزحوا الى أقاليم و ولايات ومدن ومناطق السودان الأخرى بعد أن ضاق بهم الحال وتضاءلت فرص النجاح والتقدم في الحياة وخابت آمالهم في إصلاح المشروع وإعادته الى سيرته الأولي في المدى المنظور والمستقبل القريب خصوصاً بالنسبة للمزارعين وذلك لتزايد عدد افراد الاسرة الواحدة (الأباء ، الأبناء ، الأحفاد) وثبات مساحة الحواشة التي كان يزرعها الجد أوالأب عندما كانت الاسرة صغيرة ، فبوفاة الجد اوالأب تدخل الحيازات والحواشات ضمن الميراث مما يؤدي الى تقسيم الحواشات الى حيازات ومساحات صغيرة ونسبة لأرتفاع تكلفة العمليات الزراعية والفلاحية وضعف الانتاج الزراعي مع تزايد ضريبة الماء والأرض وتراكم الديون قد يضطر بعضهم الى الدخول في شراكة او تأجير الحواشة (الدنقدة) او بيع حواشته لأصحاب رأس المال والشركات التي بدأت تنشط في شراء الحواشات في المشروع مستغلة التأثيرات السالبة التي لحقت بالمزراعين نتيجة سياسة الخصخصة وقانون مشروع الجزيرة لعام2005م ، وأن عدد كبير من أبناء المزراعين والعمال الزراعين خصوصاً الفئة المنتجة في عمر الشباب قد هاجروا واغتربوا خارج السودان وصاروا أيدي عاملة رخيصة في دول المهجر واللجؤ وأصبحت معظم اسرهم وعائلاتهم تعتمد على دخل ابناءها الموظفين والمغتربين في مواجهة ظروف الحياة الصعبة التي تزداد سوء يوماً بعد يوم بعد ان أفشلت حكومة المؤتمر الوطني مشروعهم العملاق الذي كان يضرب به المثل في نوعية وكمية الأنتاج ونجاحاته وإزدهاره وضخه لأموال كثيرة في الخزانة العامة للدولة وإسهامه في الناتج الاجمالي القومي ، وكانت كثير من شعوب ودول العالم تعول على مشروع الجزيرة أن يكون سلة غذاء لهم وصومعة يلجأون اليها في أوقات المجاعات والازمات والكوارث ، ولكن المؤسف والمحزن حقاً هو أن صرنا نحن أهل السودان عامة وأهل الجزيرة خاصة نتسول عند دول الجوار كالأيتام نبحث عن الغذاء وفتات موائد اللئام ، ورهنا كرامتتا وعزتنا مقابل حصولنا على الغذاء والكساء والدواء والمأوى من شعوب ودول بالامس القريب كنا نحن بالنسبة لهم مصد
السادة والسيادات ….القراء الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالاشارة الى المقال المنشور اعلاه( مشروع الجزيرة/الارض والانسان…الازدهار والانهيار ) يبدو ان هناك جزء من المقال لم يكن قد نزل ونشر اي ان هناك جزء من المقال مفقود ونرجو من الاخوة في ادارة الموقع اعاده نشره كاملا …. واليكم الجزء المفقود من المقال …
….وبالتالي توقفت المشاريع الصناعية الإنتاجية والشركات والمؤسسات الإقتصادية والمالية المتعلقة أو المرتبطة بشكل أو بأخر بالمحاصيل الزراعية التي توفرها المشروع الأمر الذي نتجت عنه الإفرازات الإجتماعية السالبة والمشكلات الاقتصادية والمآساة والمعاناة الإنسانية التي يعيشها مواطني الجزيرة اليوم، فبعد ذهاب الذهب الاسود ( البترول) بانفصال جنوبنا الحبيب عادت حكومة الإنقاذ لتبحث عن الذهب الأبيض ( القطن ) الذي تسببت هي بنفسها في ضياعه و بعد أن أصبحت خزينتها فارغة وقياداتها نهبوا ثروات البلد وعاثوا فساداً وخراباً في المشروع الذي لم يخصصوا لهم نسبة من عائدات البترول توقعاً لانفصال الجنوب وتحسباً لمثل هكذا ظروف إقتصادية يمر بها السودان في حال إنفصال الجنوب ، فهذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها السودان تؤكد وتكشف حقيقة الفشل الذريع لنظام الانقاذ في كل المجالات وبكل المقاييس وأن مشروعهم الحضاري مشروع تدميري وتخريبي بامتياز ، فآن الآوان لنعبر ونكشف المواجع والمظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ظل يعاني منها إنسان الجزيرة ، ولنعبر عن مطالب وتطلعات مواطني الجزيرة وإبراز إشكالاتهم وقضاياهم والسعي الجاد لإيجاد حلول عادلة وشاملة وجذرية ودائمة لها ، فانتهى زمن الصمت الخافت ودفن الرؤوس في الرمال ، فأهل الجزيرة يكابدون صعوبات الحياة ، ويصارعون الفقر ومضاعفاته ، ويقاسون الجهل والتخلف والمرض ، ويعانون ظلماً وتهميشاً واستبداداً سياسياً وحرماناً اقتصادياً … فمن إذاً لنصرة شعبنا في الجزيرة الخضراء !!!؟ … ومن للمظلومين والمحرومين والفقراء والمستضعفين الجوعى من المزراعين والعمال الزراعين الكادحين المسحوقين المشردين!!!؟ … إلى متى هذا السكوت على الظلم والتهميش والضياع والذل !!!؟ … إلى متى تظل ولاتنا الصادقة وتأييدنا للأنظمة الحاكمة الظالمة الفاسدة التي هتف شعبنا لها وأيدها وناصرها وساندها وما كان نصيبه إلا مزيداً من الظلم والتهميش والإستغلال والإستغفال!!!؟ …لقد تورمت حناجرنا وجفت لعابنا وإنقطعت أنفاسنا من ترديد شعارات التأييد وأناشيد المناصرة و بجد طال هتافنا ( سير سير يا بشير نحن جنودك للتعمير ) فخدعوا شعبنا بشعارات منمقة ووعود براقة بحل إشكالاته وقضاياه إلا أنه نصيبه كان مزيداً من المعاناة والمأساة في كل مناحي الحياة ، فحان الوقت لنشد السواعد ونحشد الطاقات ونتلمس خطى النضال والكفاح بثبات وقوة وعزم لا يلين من أجل رفع الظلم وإنقاذ مشروع الجزيرة ، ويجب علينا أن نوحد جهودنا وصفوفنا وكلمتنا ومقاومتنا بغض النظر عن الخلفيات والخلافات والاختلافات السياسية والايديولوجية ، فالذي يجمعنا هو حب الوطن والانتماء والوفاء الخالص والمخلص لأرض الجزيرة الخضراء ومشروعه الرويان الرتيان ، فالنعمل من أجل بناءه ونهضته وتطور ورقي إنسانه ، رغم أن ولاية الجزيرة ثاني أكثر ولايات السودان كثافة بالسكان وأكبرها دعماً للاقتصاد السوداني إلا أن مشاركة أبناءها في السلطة ضعيفة ولا تتناسب مع حجمها السكاني ، ونصيبها من توزيع الثروة القومية وعمليات التنمية بسيط لا يسمن ولا يغني من جوع و لا يتناسب مع ما تقدمه وتضخه من موارد وأموال في الخزانة العامة للدولة ، وأبناء الجزيرة مهمشون ومغيبون ومبعدون من مراكز صناعة واتخاذ القرار ورسم السياسات على المستوى المحلي والولائي والمركزي ، ومشاركتهم وتمثيلهم في بعض دوائر السلطة ومطابخ القرار مشاركة صورية وتمثيل ديكوري و وجودهم وجود باهت وصوتهم خافت لا يعلو طنين الباعوض وسط زئير الأسود ، صوت لا يُشجي لنكافأ عليه ولا يُزعج ليُضع لنا ألف حساب ، صوت لا يُرغب لنُقرب أكثر ولا يُخيف ليُرفع عنا الظلم الأكبر.
عليه نناشد مزراعي الجزيرة ومواطني الجزيرة كافة بوحدة الرأي و الكلمة والصف من اجل إنقاذ المشروع والعمل على إلغاء قانون 2005م وإستعادة اصول المشروع المنهوبة ومحاسبة كل الذين ساهموا في تدمير المشروع وسرقة ممتلكاته واصوله الثابتة والمتحركة والمنقولة ، ونتقدم بنداء عاجل ودعوة غليظة إلى أبناء الجزيرة الشرفاء الأوفياء خصوصاً أبناء المزارعين والعمال الزراعين وموظفي وعمال المشروع والى كل مواطني ولاية الجزيرة وإلى كل أبناء الشعب السوداني داخل السودان وفي دول المهجر والمنفى واللجؤ الغيوريين والحادبين على مصلحة السودان عامة ومشروع الجزيرة خاصة ندعوكم الى ضرورة دعم ومساندة ومناصرة حراك منظومات مواطني الجزيرة بمختلف مسمياتها وأطرها ( تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل ، منبر ابناء الجزيرة ، حراك ابناء الجزيرة ، الرابطة العالمية للدفاع عن مشروع الجزيرة ،…..الخ) والإلتفاف حولهم لمواصلة مسيرة نضالهم في محاربة ومقاومة سياسات التخريب والتدمير والتشريد والتجويع والتركيع لإنقاذ هذا المشروع القومي وتحقيق تطلعات وطموحات مواطني الجزيرة والشعب السوداني عامة وتحريرهم من سياسات الظلم والتهميش والفقر والجوع والمرض، 25 سنة كافية وألف مرة كافية أن تجعل السودان في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً وثقافياً وعلمياً وتكنولوجياً مقارنة بعدد سنوات حكم عمر البشير وبالموارد والثروات الهائلة التي يتمتع بها السودان إلا أن السياسات الخاطئة والممارسات الخبيثة والفساد السياسي والإداري والمالي وسياسات الإقصاء والتهميش التي إنتهجها نظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم جعلت السودان في مؤخرة دول العالم الثالث وجعلته يتخبط في دياجير الأزمات السياسية والاقتصادية وقابع في محيط التخلف الاجتماعي .
ومعاً من أجل أن يبقى مشروع الجزيرة لأهل الجزيرة
معاً من أجل نصرة المزارعين الكادحيين المسحوقين والمقهورين في جزيرتنا المروية
معاً من أجل رفع الظلم وإزالة التهميش عن مواطني الجزيرة الخضراء
ومعاً من أجل العدالة الاجتماعية والرفاهية والعيش الكريم للشعب السوداني
المزراع /إبراهيم إسحق عمر الأنصاري
مطلع أغسطس 2015م
لك التوفيق والنجاح الي الامام مزيد من المقالات
لك التحية الاستاذ ابراهيم على سردكم لنقاط مهمة والتي انتم ادرئ بها باعتياركم اصحاب الوجعة….., اضافة لذلك وللامانة لست من سكان الجزيرة الا اني اذكر جيدا في اواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي كنت في زيارات موسمية ودورية احيانا واجتماعية في اكثرها لكثير من قرى ومدن الجزيرة الاحظ وبشكل واضح المستوى المعيشي لمواطن الجزيرة والتي اذا ما حاولت ان اعطيها نسبة معينة مقارنة بالواقع الحالي اكاد اعطيها واحد من عشر…, نعم هي السياسات الخاطئة لنظام الانقاذ(التدمير) والمنتفعين من بقائها شوكة في خاصر السودان.
جزاك الله خير الأستاذ إبراهيم اسحق عمري الانصاري علي الجهد المبزول في قضايا السودان ومواطنين الجزيرة الاشراف ونتمنا من الله ان يوفقك في عمل الخير وشكر
جزاك الله خير الأستاذ إبراهيم اسحق عمري الانصاري علي الجهد المبزول في قضايا السودان ومواطنين الجزيرة الاشراف ونتمنا من الله ان يوفقك في عمل الخير وشكر