تقول لي ماشي من بكرة مهاجر لوطن تاني

الدارس لتاريخ السودان المعماري يجد أنواعا مختلفة من أشكال العمارة ففي الشمال والوسط إشتهرت بيوت الطين والتراب التي تؤسس بيئة سكنية ممتازة وراقية تحمي ساكنيها من حرارة الشمس الملتهبة ومن الشتاء الغارس. وفي الأماكن المطيرة تربعت القطية وهي شكل من أشكال العمارة جدير بالدراسة والبحث خصوصا عن الابعاد والمقاسات في الطول والعرض والارتفاع. والمواد المكونة للقطية من سيقان الشجر والقش والقصب .وفي فيافي الصحارى والسهول تنتشر بيوت الرحل وهي من الخيام والخيام هذه جديرة بالدراسة أكثر من بيوت الطين فإن كان تصميمها يستجيب لمطلوبات الترحال من وقت لأخر ويقي ساكنيها من هجير الشمس وبرودة الشتاء فهو أيضا يمتاز بخاصية الأمان من الأغراب والترحاب بالضيوف في آنِ واحد.
التطور العمراني العالمي في المسكن لا يتجاوز هذه الأغراض وإن أضاف لها بعض التحسينات مثل الإرتقاء الرأسي بالبناء ومجاري الصرف الصحي وتوصيل شبكات المياه النقية والإهتمام بجماليات الشكل مع المحافظة علي عنصري القوة والمتانة.
والسودان الذي يحسده السيد الوزير علي النقلة النوعية في اشكال البناء مازال بعيدا جدا عن التخطيط العلمي العمراني الحديث لإنشاء المدن فعاصمة البلاد التي تجري الأنهار من تحتها لا تتوفر فيها مياه نقية للشرب والعمارات العملاقة التي معظم مالكوها من منسوبي هذا النظام لا توجد بها شبكات صرف صحي فالسيد الوزير لو قارن بيننا وبين قاهرة المعز لعرف أننا مازلنا متأخرون ولما حسدنا علي بعض مظاهر العمران.
أكتب هذا وأجزم أن معظم وزاراء الانقاذ خرجوا من هذه المساكن وهم نتاج هذه البيئة ولكن تطاولهم علي شعبنا الكريم نتاج للغشاوة التي تغطي فكرهم وأعينهم .
فكيف ينبغي لرئيس دولة أن يمن علي شعبه انهم تعرفوا علي الهوت دوك في عهده؟ وكيف لوزير ماليته أن يتهم الناس بأنهم كانوا يحلمون بالبيدزا ؟ ونائبه يقول قبل الانقاذ الفرد منا لم يكن يمتلك قميصين؟ ومستشاره يقول يصعب فطامنا من الرفاهية التي وفرتها لنا حكومة الانقاذ؟
هل هذه قيادة جديرة بالإحترام والطاعة ؟ هل هذه سلة يقتدي بها؟ هل هذه عصبة يمكن ان تحل قضايا السودان ؟
إن شعب السودان عاش في بيئة زراعية رعوية فاللحوم بأنواعها ليست غريبة عليه البيضاء والحمراء والأسماك بأنواعها البحرية والنيلية والصيد من غزلان وطيور وكذلك الخبز ربما نكون كنا في ما ماضي لا نجيد الطباخة الحديثة أو إيجاد تشكيلات مختلفة من الأطباق الغذائية في وقت سابق ولكن بفضل التكنولوجيا الحديثة والقراءة والإطلاع اليوم يمكننا تصنيع الهوت دوك والبيدزاء في منازلنا. ويمكننا إعداد جميع أنواع الاطباق الشرقية والغربية . ولكن ضيق ذات اليد بسبب البطالة والغلاء تمنعنا أن نتمتع بما كنا نتمتع به من قبل فلم تعد تلحق بمنازلنا زريبة للأغنام أو بيت للدجاج.
نقول ذلك ودولة المشروع الحضاري تنسي أن الوظيفة العامة في الدولة هي تكليف لخدمة الناس وليس تشريف وأن ما تحصل عليه زائدا عن حوجتك بيت مال المسلمين أولي به حتي الهدايا رسولنا الكريم وضعها في بيت مال المسلمين.
والأسئلة كيف لمن وفد للخرطوم وهو لا يملك قيمة تذكرة العودة أن يمتلك بيتا عملاقا قيمته مليارات الجنيهات؟ وكيف لمن يعيش علي راتبه أن يبني عمارة أو يمتلك مصنعا ؟ أو مزارعا علي ضفاف النيل العظيم الذي يشهد علي تاريخ مجيد للشعب السوداني في إسترداد حريته وكرامته من من إغتصبوها.
لقد هاجر كثيرون من البلاد بعد أن أصبح الحصول علي العمل من المستحيلات التسعة واصبحت الدراسات العليا مكلفة ولا تفئ بمتطلبات العمل الخارجي وبقي قلة قابضون علي الجمر وقد قابلت صديق عزيز عليّ كان يرفض الهجرة ولكنه الأن عازم علي مغادرة البلاد فقلت له (تقول لي ماشي من بكرة مهاجر لوطن تاني دا إنت القلتي ما بتفوت وطن بالعزة رباني) فقال لي كيف التعايش مع أناس لا يجيدون الصمت ولا حسن الكلام ورسولنا الكريم يقول : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه رواه البخاري ومسلم .
فهؤلاء لم يحسنوا خدمة الرعية بالعمل ولم يكسبوا ودها بالكلام ولكنهم ينتهجون نهجا طاغوتيا فرعونيا (لقد إستخف فرعون قومه فاطاعوه) فيريدون تخويفنا بالكبت والرقابة علي النشر وتقذيم دور المعارضين في المشاركة الحقيقة في إخراج البلاد من أزمتها السياسية والأخلاقية الإقتصادية التي إستفحلت وأظهرت إفلاس الدولة وإعتمادها في الإيرادات الإضافية كليا من المواطن المغلوب علي أمرهه.
[email][email protected][/email]