سياسة الفسالة: الجار إحلال وإبدال.. وتغيير في المفاهيم

الخرطوم – سارة عثمان الحاج
التنوع الثقافي والفكري والعرقي الموجود في السودان شكل ملامح شخصيته المتميزة عقود وأزمان، وتعد العادات والتقاليد جزء من الحضارة لأنها محصلة لتفاعل الإنسان مع المجتمع، وتلازم حركته وأطوار تكوينه، التي تؤثر وتتأثر بالعوامل الذاتية والموضوعية التي تساهم في تطور أو تخلف المجتمع.
ظلت العادات السودانية راسخة يتوارثها الأجيال إلى وقت قريب، فاشتهر السودانيون على مر العصور بالأمانة والكرم والشهامة والنخوة، ربما تتغير الأحوال وتخرج من صياغها العام الذي الفوه منذ نعومة أظافرهم، وتتبدل الأحوال ليصبح المكان ليس هو ولا الزمان أيضاً، وهذا ما حدث، فقد شهد المجتمع السوداني تغييراً كبيراً اختفت على إثره الكثير من الملامح المتجذرة.
إهمال كبير
قل الانتماء بالمكان وتلاشت الحميمية وأصبح الواقع أقسى، مما هو عليه داخل المجتمع السوداني، لاسيما الأمور التي تتعلق بالتعاملات الإنسانية كـ (الجيرة)، وضح ذلك جلياً من خلال التجاهل وإهمال حقوق الجار وعدم السؤال عنه ومعرفة أحواله، وبتغير البناء المجتمعى تغير أيضاً بناء المنازل وأصبحنا من ممتلكي الشاهق منها حتى اختفت الطلة والتواصل الذي يمكن أن يكون طويلاً أو قصيراً عبر الحائط المشترك المستخدم للونسة أو تبادل الأطعمة والأواني، التي تحدث برضا وطيب خاطر، ماذا حدث لمجتمعنا السوداني غير من قيمه ومفاهيمه السمحة؟
حليل الجيرة والجيران
بعد أن شردت (الحاجة فاطمة) بذهنها قليلاً ظهرت على ملامح وجهها علامات الحسرة. قالت: “مع تداخل الثقافات والتطور الذي حدث في العالم لم يعد لهذه العادة وجود، لأن المجتمع أصبح يتبع كل ما هو حديث”. وأضافت: حكم الزمن، “حليل الجيرة والجيران البيصبحو عليك وقهوة الضحوية البتجمع كل نسوان الحي.. يا بتي انتهت كل الحاجات السمحة، ولم يبق لنا غير الجفا، ولا نتفقد الجار إلا في المناسبات السعيدة أو الحزينة.. لهتنا الحياة.. وبتنا لا نعرف من يسكن الجوار حقيقة هذه الظواهر السالبة تعد خصماً على المجتمع عامة والأسرة السودانية خاصة”.
يوم عائلي
فيما ترى السيدة (هبة عبدالمجيد) أن انشغال الناس بالحياة اليومية وعدم وجود الوقت الكافي لتفقدهم إلا في المناسبات الرسمية من أفراح وأتراح وأعياد، كان له دور فعال في إهمال الجيران لبعضهم البعض، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بينهم.. وأوضحت هبة أن الجمعة من كل أسبوع يوماً لاجتماع الأسرة، بجانب الانشغال بأعمال المنزل.
شحدة وفضول
قالت إلهام عبد الروؤف تغير المجتمع كثيراً واختلفت فيه العديد من المفاهيم التي كانت تربط بين الأسر المتجاورة في السكن. وتابعت: أذكر أن الجيران كانوا قريبين من بعضهم كثيراً، ما يجمعهم الحب والمودة والرحمة التي تقويها أواصر الثقة المتبادلة بينهم، بحكم العشرة، لكن سرعان ما اختفت كل هذه الأشياء داخل الأحياء خاصة المستحدثة منها، ونجدها في الأحياء الشعبية القديمة، التي لا تزال متمسكة بالعادات والتقاليد السمحة التي طالما شهدناها لدى حبوباتنا وأمهاتنا. وأضافت: لاحظت أن الأحياء الجديدة التي تضم عدداً من السكان الجدد يغيب وسطها التعاون والتكافل والتعاضد الاجتماعي الذي يظهر لنا من خلال غاب تبادل الأطعمة الذي يحدث باستمرار، ويعد إهانة أو شحدة في تلك المناطق، ويعدون تفقد الجيران فضولاً.
للفسالة سياسة
تلعب الجدات والأمهات دوراً مهماً في حياة أبنائهن وبناتهن لأنهن من تصقلنهم بالقيم والعادت والتقاليد السودانية الأصيلة، لذلك ترى بهجة أن غياب الجدة وإهمال الأمهات لأبنائهن وبناتهن هو سبب كل ما يحدث من تغييرات سالبة في المجتمع، وبمرور الزمن نجد أن الأجيال تبدلت والأحوال تغيرت، وكل ذلك نتاج طبيعي لعدم غرس القيم والمفاهيم المجتمعية الحميدة في نفوس أبنائنا. وقالت: “لذلك نجد أنه حدث إحلال وإبدال لجيل الحبوبات والأمهات بجيل آخر من ربات البيوت اللاتي يعملنّ بسياسة (الفسالة)، ويمنعون الماعون كلما احتاجت جارة لجارتها وسعت إليها بالمناولة
اليوم التالي