النساء العربيات ومسألة المواطنة

في مجتمع ذكوري يحتقر الأنوثة، من المفروض أن يكون القانون حاميا للمرأة ورادعا للمستهتر وأداة لتطوير الذهنيات وليس تكريسا للدونية واللامساواة.
العرب حميد زناز

مهما طال الحديث واشتد الجدل حول وضعية المرأة العربية ووجوب إصلاح القوانين التي تُشرعِن الظلم المسلّط عليها، فلا نخرج بشيء ما دام المشرّع العربي مقيدا بأحكام ما يسمى ?شريعة إسلامية?. في مجتمع ذكوري يحتقر الأنوثة، من المفروض أن يكون القانون حاميا للمرأة ورادعا للمستهتر وأداة لتطوير الذهنيات وليس تكريسا للدونية واللامساواة كما هو حال قانون الأسرة في كل أقطار الوطن العربي ما عدا تونس، وإن لم تحصل التونسية على المساواة الكاملة بعد.

تكفي إطلالة سريعة على الوثائق للوقوف على الظلم القانوني المسلّط على النساء العربيات. يجعل منهن هذا التشريع المعتل مواطنات من الدرجة الثانية. وعموما ودون لفّ ولا دوران لا حديث جديّ عن حرية المرأة إن لم تستبعد فكرة القوامة نهائيا أو على الأقل إعادة النظر في مضمونها. فلا يمكن بحال من الأحوال ترك قدر المرأة معلّقا بين أيدي الفقهاء.

وحتى وإن اختلفت الأمصار والمصائر، فإننا نجد نفس الإشكاليات بحكم الاشتراك في التراث الثقافي عموما والديني منه على وجه الخصوص. ولكن لكل بلد خصوصيته، فلا مجال للمقارنة مثلا بين تونس -التي تجاوزت القوامة وتعدد الزوجات وغير ذلك من العادات الموروثة- وبعض البلدان العربية الأخرى التي يتساهل فيها القانون مع المجرمين الذين يقتلون النساء بدعوى الدفاع عن شرف العائلة وهو ما يعرف بـ?جريمة الشرف?.

في الحقيقة الأطروحة الأصولية هي الغالبة اليوم في البلدان العربية وذلك تماشيا مع صعود المد الإسلاموي في هذه البلدان. ومن البداهة أنه كلما تأسلم المجتمع ضيّق على المرأة ومنع الاختلاط وانتهى بتأثيم النساء ليسهل حبسهن في المنازل.

ومع التنازل تلو الآخر للأصوليين في الجزائر على سبيل المثال وإشراك بعضهم في إدارة الدولة، ترسّخت السلوكيات البطريركية في المجتمع، بل أصبحت هي القانون السائد. وفي غياب أيّ مشروع مجتمع مدني في البلد يمرح ويسرح الإسلاميون ويعملون كل ما في وسعهم لحرمان النساء من العمل لمنعهن من الاستحواذ على مساحة من الفضاء الاجتماعي، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى إعادة نظر في مشروع المجتمع القروسطي الذي يعدّونه للجزائريين في السرّ والعلانية.

كثيرا ما تتهم التنظيمات النسوية العربية بولائها للغرب بل حتى بأنها من صنعه، من أجل تشويهها وتحريف مطالبها الشرعية. ولكن فحتى وإن كان الأمر كذلك فأين المشكلة؟

لا تطالب الناشطات الجزائريات مثلا إلا بحدّ أدنى من الحريات ولا أظن أنهن يطالبن بالحبّ الحر على طريقة سيمون دي بوفوار وإنما يدافعن عن المساواة في الحقوق والواجبات وإلغاء المواد المهينة والظالمة من قانون الأسرة الجزائري، بمعنى تنقيته من مخلفات الماضي. وهو حال كل المناضلات النسويات العربيات..

تخطيط: ساي سرحان

في مجال حقوق الإنسان والحريات لم يعد هناك مجال للحديث عن المحلّي والخارجي لأنّ الأمور قد باتت كونية، فالرجم مثلا عملية مشينة تنبغي إدانتها ومنعها بكل الطرق في كل مكان لأنها لا تليق بالبشر بغض النظر عن أساسها الديني أو الثقافي. القضية ليست قضية رموز أو تاريخ أو تغريب إذ كل ذلك مجرد تفاصيل ثانوية يهدف من خلالها البعض إلى تعويم المسألة وتهميش السؤال النقدي. السؤال المشروع هو: هل نحن مستعدون للاعتراف بالمساواة الحقيقية بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات حتى وإن كان ذلك لا يتماشى مع الفهم الضيق للبعض للكثير من تقاليدنا المتعلقة بالمرأة؟

على ضوء الإجابة عن هذا السؤال يظهر المستور وتكشف الأصولية المقنعة عن وجهها.

وحتى وإن سلّمنا مع المناهضين لتحرّر المرأة المحافظين بـ?سطحية هذا الخطاب النسوي وشعاريته?، فذاك ليس مهما ما دام يطرح مسألة إنسانية نبيلة ويدافع عن قضية عادلة. ما ينبغي التنديد به هو المعاملة الهمجية التي تتعرض لها النساء في الشارع العربي إذ لا أظن أن هناك عبر العالم شارع تهان فيه المرأة وتتعرّض للتحرش مثل الشارع العربي. وقد وصل الأمر في الجزائر إلى درجة الابتذال والعنف والبربرية مما اضطر الحكومة الجزائرية إلى اقتراح قانون زاجر ضد المتحرشين سرعان ما قاومه الإسلاميون من داخل وخارج البرلمان! وقد صرّح نواب تحت قبة البرلمان أن تبرّج النساء هو سبب التحرش بهنّ! مما دفع بمنظمة العفو الدولية للتدخل في بيان نشرته يوم 5 مارس 2015 عبرت فيه عن استيائها مما جاء في كلامهم.

وفي مطلق الأحوال، لا أظن أن تجد مسألة حقوق المرأة في العالم العربي حلاّ بمعزل عن قضية المواطنة، فلا حرية لامرأة ولا لرجل دون مواطنة حقيقية ولا مواطنة حقيقية دون علمانية صريحة.

كاتب من الجزائر

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..