السودان يؤنث الحكومة ليغدو مكانا ومكانة

لمشاركة المرأة الرجل حكم السودان وإدارته مدلولات كبيرة، أولها أن السودان اعترف أخيرا بمكانة المرأة ورفعها إلى مرتبة تساوي مرتبة الرجل. السودان بذلك تأنسن، وأعلن موت الهيمنة الذكورية، محرّرا نصف المجتمع.
علي قاسم
السودان، ومعه قوى تحالف الحرية والتغيير، يثبت أنه ينشد الحرية، وأن التغيير بالنسبة للسودانيين قضية لا تقبل المساومة. بدءا من هذا اليوم لن يَنظر السودان إلى الخلف، والضمانة على ذلك تعيين أربع نساء في مناصب وزارية في حكومة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك الانتقالية.
الثورة السودانية قامت على أكتاف النساء، أكثر الناس جحودا وإجحافا لا يستطيع أن ينكر ذلك. والسودان بهذه التعيينات يبعث رسالة إلى العالم أجمع: الثورة التي لا تؤنث، مثل الحكومة التي لا تؤنث، لا يعوّل عليها.
النساء الأربع، اللواتي اخترن لتقلّد المناصب الوزارية، تم اختيارهن بعد تدقيق، وهن الأفضل لحمل الحقائب التي أسندت إليهن. السيرة المهنية، وليس الانتماء السياسي هو المعيار.
وزارة الخارجية، وهي من الوزارات السيادية، أسندت لأسماء عبدالله، وهو منصب حساس بقي حكرا على الرجال منذ أن نال السودان استقلاله عام 1956.
خلال 63 عاما من التيه السياسي، تضررت صورة السودان ولحق بها الكثير من التشويه، ليس أول الأضرار أن البشير، الذي خلعه السودانيون بثورة نالت استحسان وتأييد العالم، مطلوب للمثول أمام العدالة الدولية.
لن تكون المهمة المسندة إلى أسماء يسيرة، عليها أن تمحي الصورة السلبية التي ترسّخت في أذهان العالم حول السودان، وتؤسس لعلاقات منفتحة مع الجميع، وتراعي في كل ذلك مصلحة السودان والسودانيين.
السلك الدبلوماسي ليس جديدا على أسماء، سبق لها أن عملت في وزارة الخارجية، وتدرجت في المهام حتى وصلت إلى درجة وزير مفوض، وشغلت منصب نائب مدير دائرة الأميركيتين في وزارة الخارجية، وفي عدد من البعثات الدبلوماسية متنقلة بين المغرب والنرويج. كما عملت في المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم “إيسيسكو”.
وكان أول ما عمله البشير، بعد الانقلاب الذي أوصله إلى الحكم، عام 1989، أن فصلها من العمل، تحت عنوان مثير هو “الفصل للصالح العام من الخدمة المدنية”.
الحقيبة الوزارية الثانية، لا تقل أهمية عن الأولى، هي وزارة التعليم العالي، أسندت لسيدة عرف عن أسرتها اهتمامها بالعلم والمعرفة، هي انتصار الزين صغيرون، تخرجت في كلية الآداب جامعة الخرطوم، وتخصصت في الآثار الإسلامية، ثم حصلت على الدكتوراه في علم الآثار، وشغلت منصب عميد كلية الآداب بجامعة الخرطوم. سبق لوالدها أن تقلّد حقيبة وزارة الريّ في حكومة الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري.
الوزيرة الثالثة في الحكومة الانتقالية هي، لينا الشيخ عمر، حاصلة على شهادة الماجستير في الاقتصاد من كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية من جامعة مانشستر ببريطانيا. عملت منسقة ومستشارة للسودان لدى مكتب الأمم المتحدة للاتفاق العالمي، وهي أكبر شبكة عالمية معنية بتقييم المسؤولية الاجتماعية للشركات. وأيضا عملت بصفة “مسؤول أول” في برنامج “منظمة كير العالمية” في مقرها بجنيف.
أصغر أعضاء حكومة حمدوك سنا (33 عاما) هي ولاء عصام البوشي، التي أسندت إليها وزارة الشباب والرياضة، وهي مجازة في الهندسة من جامعة الخرطوم، تابعت دراستها في جامعة إمبريال كوليج لندن لتحصل على الماجستير في الهندسة الميكانيكية.
عملت مستشارة لبناء القدرات لبرنامج القادة الشباب، بمركز جسر للتنمية ومنظمة “فردريش آيبرت”.
تم اختيارها عام 2018 ضمن برنامج الاتحاد الأفريقي للشباب، وتعمل باحثة في مجال سياسات الطاقة بالجزائر، وفي عدد من المؤسسات الحكومية، إضافة إلى شغلها منصب مساعد تدريس في جامعة السودان، ومحاضرة بكلية النفط.
لمشاركة المرأة الرجل حكم السودان وإدارته مدلولات كبيرة، أولها أن السودان اعترف أخيرا بمكانة المرأة ورفعها إلى مرتبة تساوي مرتبة الرجل. السودان بذلك تأنسن، وأعلن موت الهيمنة الذكورية، محرّرا نصف المجتمع.
السودانيون شعب متصوّف في أعماقه، ألبسه حكامه الواقعون تحت سلطان الإخوان المسلمين لباس السلفية الضيق كُرهًا، وها هم اليوم في أول فرصة يخلعونه، ويعودون إلى سيرتهم الأولى، سيرة التسامح، عاملين بأقوال سلطان العارفين المتصوف الكبير، محيي الدين بن عربي: المكان الذي لا يؤنث، يبقى مكانا فحسب، لا يعوّل عليه، أما إذا أضفنا إليه تاء التأنيث، فحينذاك يغدو مكانا ومكانة.
كل الأدلة تثبت أن السودان في طريقه ليغدو مكانا ومكانة.
العرب اللندنية