الوقوف بإهمال

الوقوف بإهمال

علي يس
[email protected]

? عثمان الأشول (الذي أصبح لاحقاً – في تطور دراماتيكي لا وقت لتفصيله الآن- “الحاج عثمان”).. عثمان هذا كان يسير في الطريق بأدب واحترام ومسؤولية، ذات يوم.. لم يكن سكراناً.. فقط كان “مشعشعاً”.. لأن عرقي «الشول» لم يعد قوياً كما كان في السابق.. ولكن الطريق كان «يتزاوغ منه» في سلوك «لا حضاري» تعلمته الطرق هذه الأيام.. لم يأبه له عثمان، بل مشى بصبر وسعة صدر، حين “يزوغ” الطريق يميناً أو يساراً يتوقف عثمان، ثم يقوم بتعديل اتجاهه.. وهكذا ظل مضطراً الى الوقوف وتعديل الاتجاه بين كل حين وآخر.. والأرض أيضاً كانت تشارك الطريق في مزاحه الثقيل هذا.. عدة مرات كانت تقوم وتصطدم بوجه عثمان أو رأسه، ثم تعود راقدة في مكانها وكأن شيئاً لم يكن!!
? كل هذا لم يفلح في إثارة غضب عثمان الأشول ولكن ما أغضبه حقاً كان هو عمود الكهرباء الذي صدمه في رأسه صدمة عنيفة.. ذلك العمود النذل كان يمشي في الطريق “بإهمال”!! عثمان أقسم بالله أن العمود لم يكن واقفاً في مكانه حين صدمه :
– أمشي ليهو يمين.. يجيني يمين.. ألف شمال يلف معاي.. اقيف.. يقيف!! قصدني عديييل..!!
? حين سأله صديقه حسن جربوكس بعد ذلك عن تلك الكدمات والدماء التي على ملابسه، قال عثمان:
– ده واحد جبان.. لكن انتقمت ليك منه.
? وفي الواقع، كان عثمان قد انتقم من عمود الكهرباء انتقاماً فريداً.. قال لحسن جربوكس:
– قلت اضربو.. لقيت المسألة صعبة شوية.. لاكين سَمَّعتو ليك كلام أخير منو الضرب.. الليلة ما اظنو ينوم.. خليتو خجلان وسافي التراب..
? لم أورد هذه الحكاية ? أيها القاريء ? بسبب “عدم الموضوع”.. في الواقع لم أنقل إلا حكاية تحدث عندنا يومياً ، وبأشكال عديدة ، ليس المتهم فيها دائماً “عمود كهرباء” وليس الضحية فيها دائماً أخونا “عثمان الأشول” ..ولكن أشباهاً عديدين للمذكورين أعلاه يوجدون بيننا ويملأُون المحاكم!!
? نحنُ نكتُبُ يومياً ، تقريباً ، عن وقائع فساد يشيبُ لهولها الوِلْدان (و ما نكتُبُ عنهُ ، هُو ، في الحقيقة التي يعرفها الجميع ويتعامَى عنها الجميع ، رأس جبل الجليد ، لأن ما نعرِفُهُ يقيناً ولا نجرؤُ على تناوُلُهُ لغياب “الوثائق الورقيَّة” التي لا يؤمِنُ السيد “عمود الكهرباء” بحجَّةٍ غيرها، هُو أخطرُ و أعظَمُ كثيراً مما نجرؤُ على البوح به).. و مع ذلك ، فإن ما نتناولُهُ و نتمنَّى أن يتم التحقيق فيه ، و مقاضاتِنا إن لم يثبت، إن تم التعامُلُ معهُ بمسؤوليَّةٍ و مخافةٍ لله، سوفَ يكُونُ أثَرُهُ عظيماً على ترسيخ ثقة الناس بجدِّيَّة الدولة في مكافحةٍ حقيقيَّةٍ للفساد ، و إنفاذٍ صادقٍ وحقيقي لشريعةِ الله ..
? و حتَّى يحينُ ذلك الوقت ? وقت أن تأخُذَ مؤسسات الدولة المعنيَّة أمر التصدي للفساد مأخذ الجد ، و تُسائل الصحافة والصحافيين عمَّا كتبوا ويكتبون في أمر الفساد “بالوثائق والأرقام” ، وتحزِم أمرها على مساءلة المفسدين و الساكتين على الفساد و المتسترين عليه ? حتى يحين ذلك الوقت ، يا شيخ ، سوف تظلُّ كلماتنا في هجاء الفساد مثل كلمات “عثمان الأشول” في وجه عمود الكهرباء ، وإن كُنَّا لا ندري هل تبلُغُ فصاحتنا فصاحة عثمان ، الذي “أخجل” عمود الكهرباء؟!! .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..