تحديث الرسوم الجمركية.. الاقتصاد يتمرد على الغلابة..!

الخرطوم: علي وقيع الله
مع إطلالة كل عام جديد تجري مؤسسات الدولة تعديلاً جديداً لفئات الرسم الحكومي، هذا وفقاً لقرارات تتخذها وزارة المالية الاتحادية، بهدف زيادة التحصيل الإيرادي لخزينة الدولة لسد العجز وتسيير دولاب العمل العام، ونجد أن هيئة الجمارك السودانية أجرت تحديثاً لفئات الرسوم الجمركية لسلع الوارد، الأمر الذي قال عنه خبراء اقتصاديون معروف أن إيرادات الدولة ما بين 60 إلى 70% منها من الضرائب والجمارك أي تتوقف على حركة النشاط التجاري وحركة الاستيراد، وبالتالي إذا تعطلت فلن تجد الدولة أية إيرادات تدعم الخزينة العامة، والبعض يرى أنه بهذا اكتملت جميع أركان التضخم الركودي في السودان، ويعتبر آخرون أن هذا يعني أن الاقتصاد السوداني موعود بمزيد من الركود مع زيادات في الأسعار في الثلاثة أشهر القادمة، وبالتالي هذا ما قد يضعف من جهود الحكومة لتقليل التضخم في المدى القريب.
وكانت هيئة الجمارك أجرت تعديلات لفئات الرسوم الجمركية لأكثر من “103” سلع الوارد، ووفق التعديلات تمت زيادة رسوم الجمارك بين “3% – 40%”، فيما تم خفض الرسوم الجمركية لسلع الطاقة البديلة، ووفق مستند ممهور بتوقيع العقيد شرطة بابكر الشايقي الحاج بدران؛ مدير دائرة التعريفات بهيئة الجمارك، بناء على قرار مجلس الوزراء في جلسة رقم 4 بتاريخ 30 يناير 2023م، فقد تم تعديل التعرفة الجمركية للسكر المستورد من 10% إلى 25%، والصلصة 25% إلى 40% وملح الطعام من 3% إلى 25% والأسمنت من 25% إلى 40% والبنزين من 3% إلى 10% والجازولين والفيرنس من 0% إلى 3% والصابون من 25% إلى 40% وورق الطباعة من 3% إلى 10% والملابس الأحذية من 25% إلى 40% والسيراميك والبورسلين من 25% إلى 40% وقطع غيار المحركات من 25% إلى 40% ومركبات النقل العام 10ركاب وأقل من 25 راكب من 10% إلى 25% والركشات من 25% إلى 40% وفرض رسوم جمركية بنسبة 20% على اللحوم الأسماك والخضروات ومنتجات صناعة الألبان وزيادة الرسوم الجمركية للفواكه من 20% إلى 40%.
الدولة لم تدرك المخاطر
يرى المحلل الاقتصادي الدكتور، محمد الناير، أن الدولة لم تستفد من أخطائها السابقة، ومعلوم أن العام الماضي 2022 شهد أكبر قرارات زيادات في الرسوم والضرائب والجمارك في تاريخ السودان، مشيراً إلى قفزة الدولار الجمركي بصورة غير مسبوقة تعديلاً في الفئات الجمركية زيادة الضرائب من 15% إلى 30% من النشاط التجاري أي بنسبة مائة بالمائة. الزيادة ومن 10% إلى 15% للنشاط الصناعي بجانب فرض رسوم على الضرائب على الأذرع للمنتجات الزراعية التي كانت صفرية، فضلاً عن الزيادة في الخبز والدواء والكهرباء والوقود لأكثر من مرة وغيرها، منوهاً إلى أن موازتة الدولة في العام الجاري 2023 ما زالت تستمر وتمضي بنفس السياسات السابقة علماً بأن النشاط الاقتصادي في البلاد يكاد يتوقف تماماً؛ وتكاد تتوقف عجلة الإنتاج هذا بالنسبة للإنتاج بشقيه الزراعي والحيواني بجانب توقف عجلة الإنتاج الصناعي، لافتاً إلى أن الدولة لم تدرك مخاطر هذا الأمر ولم تشكل حماية للمستهلك، ولم تعالج قضايا الشرائح الفقيرة وذوو الدخل المحدود، ولم تعدل رواتب العاملين في القطاع العام بالصورة التي تجعله يواجه مثل هذه التطورات، ولم يكن لديها الصناديق التي تقوم بحماية الشرائح الضعيفة والفقيرة.
زيادة معدلات التهريب
وقال المحلل الاقتصادي في نفس الوقت يفرض رسوم وضرائب وجمارك وزيادة غير مسبوقة وكأن الدولة تعتقد بأن النشاط التجاري في أحسن حالاته، ويتوقع من هذه القرارات بدلاً من أن تزيد الإيرادات العامة في الدولة ستؤدي إلى انخفاض كبير في الإيرادات العامة للدولة قياساً على النشاط الاقتصادي الذي يكاد يتوقف تماماً، وتابع: معروف أن إيرادات الدولة ما بين 60 إلى 70% منها من الضرائب والجمارك أي تتوقف على حركة النشاط التجاري وحركة الاستيراد، ومضى بالقول إذا تعطلت حركتا النشاط الاستيرادي والتجاري وعجلة الإنتاج، فلن تجد الدولة أي إيرادات تدعم الخزينة العامة للدولة، وقال (بالتالي يكون صعبنا الموقف أو أزمنا الموقف المتأزم أساساً ) ويعتقد أن النظرية الصحيحة أن يتم تخفيض الرسوم وتوسيع المظلة الضريبية أفقياً وليس رأسياً، بيد أن الدولة تمضي في توسعة المظلة الضريبية رأسياً بزيادة الرسوم والضرائب، ما جعل د. الناير يحذر في حديثه ل(اليوم التالي) من زيادة معدلات التهريب بجانب زيادة فقدان خزينة الدولة لموارد كبيرة جداً ، وأفتكر النتيجة واضحة جداً كانت العام الماضي أنه لم يتحقق الربط المطلوب رغم الزيادات الكبيرة، وأكد أن هذا العام سيكون الأمر أكثر صعوبة في موازنة متضخمة تبلغ أكثر 8 ترليونات جنيه بزيادة تقريباً تعادل أكثر من الضعف عن موازنة العام 2022، ويعتقد كل ذلك لن يخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية الحالية، كما دعا الدولة لإعادة النظر في مجمل السياسات الاقتصادية في البلاد قبل أن يصل الاقتصاد إلى مرحلة يصعب العودة إليها.
ستظل الإيرادات ضعيفة
وبحسب تقديرات الباحث الاقتصادي الدكتور، هيثم محمد فتحي، لن تؤدي خطوة الحكومة في رفع الرسوم الجمركية لتحقيق إيرادات مرتفعة، بل ستظل الإيرادات ضعيفة لتراجع حجم الطلب على الاستيراد وستقل الكميات المستوردة ويضعف العائد من الجمارك، وتابع: لن تتمكن الدولة من تغطية العجز في الميزانية ومواجهة الصرف لتسيير دولاب الدولة، في ظل توقف المساعدات الدولية وتوقف حركة الإنتاج والصادرات، لجهة أنه قال إن المشكلة الاقتصادية الحالية بحاجة إلى الاهتمام بالاقتصاد الحقيقي القائم على الاستثمار والتشغيل والتصدير للخارج مع تقليل الواردات وإحلالها بمواد مصنعة محلياً، واصفاً الاقتصاد السوداني بأنه غير مرن ولا يملك جهازاً إنتاجياً كالزراعة والصناعة، مشيراً إلى افتقار التجارة لسياسة الضوابط الحمائية للمنتج المحلي إضافة لانتشار الفساد المالي والإداري في دوائر القطاع العام، مما زاد حجم البطالة، مؤكداً بهذا اكتملت جميع أركان التضخم الركودي في السودان.
تدني حجم الصادرات
ويعتبر د. هيثم في حديثه ل(اليوم التالي) أن زيادة الرسوم الجمركية واحدة من زيادات عديدة فرضتها الحكومة على أسعار الخدمات والرسوم، لتغطية العجز الكبير في ميزانية الدولة بسبب المشكلات المتفاقمة التي يعانيها الاقتصاد السوداني منذ سنوات، ونوه إلى أن السبب الرئيس لما نحن فيه الآن من مشكلة اقتصادية هو تدني حجم الصادرات لمستوى أقل من حجم الواردات، وحتى إن نقصت هذه الواردات بسبب أو بآخر، وعزا السبب الرئيس في تدني الصادرات للسياسة المالية المتمثلة في زيادة الرسوم والضرائب و الجمارك مما رفع من تكلفة الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وأردف بجانب الزيادة الكبيرة في تكلفة الترحيل و جبايات الطرق مما أخرج كثيراً من المنتجين من دائرة الإنتاج، وأضاف.. أدى ذلك إلى شح في الكميات المعروضة من الدولار (انخفاض العرض منه) لدرجة أنه أصبح لا يلبي الطلب القائم عليه وإن قل، وذكر لذلك نجد أن الجنيه السوداني في حالة انخفاض دائم، وسوف يتواصل هذا الانخفاض ما لم يستطع البنك المركزي الحصول على قرض أو وديعة دولارية (وهذا غير ممكن في الوقت الحاضر بعد إجراءات 25 أكتوبر 2021) أو مبيعات ذهب تمكنه من التدخل و زيادة عرض الدولار في السوق.
الركود وزيادة الأسعار
بينما يرى المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب، أن الزيادات الجمركية الأخيرة على طائفة واسعة من السلع بمثابة استخدام للسياسات النقدية لإحداث انكماش في الطلب على السلع والخدمات في الاقتصاد السوداني، وأوضح في ذات الوقت تهدف لزيادة الإيرادات لسد النقص الناتج عن تراجع الاستيراد بسبب الركود الاقتصادي الكبير الذي يضرب الأسواق السودانية والذي نتج أساساً من سياسات الحكومة النقدية الانكماشية، ويتوقع د. الفاتح عبر إفادته ل(اليوم التالي) أن هذا يعني أن الاقتصاد السوداني موعود بمزيد من الركود مع زيادات في الأسعار في الأشهر الثلاثة القادمة، وقال: هذا ما قد يضعف من جهود الحكومة لتقليل التضخم في المدى القريب، بيد أنه أكد أن ذلك سيخدم خططها في المدى البعيد عبر تقليل الطلب على الدولار و على السلع المستوردة، وبذلك يساعد على استقرار سعر الصرف للجنيه السوداني، ولفت إلى أن جزءاً كبيراً من الزيادات الجمركية يعمل حماية للصناعات المحلية، وبالتالي يساعدها على التنافس مع السلع المستوردة وينطبق ذلك على كثير من السلع مثل اللحوم المصنعة و الأسمنت والصابون والخضروات والفواكه وغيرها.
اليوم التالي