صيحة من داخل مجلس حقوق الانسان

طه يوسف حسن . جنيف
وسط تطلعات للاحتفاظ بمكاسب الماضي وآليات الرقابة و تحديات تجنب هفوات التسييس واذواجية المعايير أنهى مجلس حقوق الانسان دورته الثانية و العشرين التي ناقشت عددا من القضايا على رأس أجندتها سوريا و الأوضاع في الأراضي العربية المحتلة و تداعيات الأوضاع في مالي.
بيان السفيرة الأمريكية لدى مجلس حقوق الإنسان ” ايلين دوناهو ” حول البند العاشر بند “المساعدات الفنية وبناء القدرات”ًجاء ملئ بالقلق و التحذيرات لأوضاع حقوق الانسان في السودان بل ذهب إلى مطالبة مجلس حقوق الانسان باتخاذ اجراءت بإدانة دول لازالت تستمر في عدم الاكتراث لمعنى التعاون مثل السودان.
البيان الامريكي الذي اكتست جزئياته وكلياته بعبارات الشجب والإدانة وصف السودان بالدولة المارقة التي لا تتعاون مع مجلس حقوق الانسان ولا تحترم البند العاشر و عبرت سفيرة الولايات المتحدة “ايلين دوناهو” عن انشغالها بتغويض الحريات في السودان بما فيها إيقاف عمل منظمات المجتمع المدني.
و أشادت سفيرة واشنطن لدى مجلس حقوق الانسان بروح التعاون التي أبدتها كل من الصومال و ساحل العاج وعن تجربتهما المتميزة في الاستفادة من البند العاشر بند (المساعدات الفنية وبناء القدرات) وتعاونهم مع مكتب المفوضة السامية لحقوق الانسان و دعت المجتمع الدولي لمواصلة العمل الجاد مع تلك الدولتين من خلال الخبراء و اقتراح الأفكار و توفير الموارد لتلك الدولتين).
وبالمقابل دعت ايلين مجلس حقوق الانسان إلى إدانة السودان واتخاذ إجراءات صارمة ضده يعني بالواضح ( إرجاع السودان للبند ا”لرابع” بند الانتهاكات الخاص بالدول سيئة السمعة) وهذا الأمر متوقع في جلسة سبتمبر القادم التي ستنتهي فيها ولاية الخبير المستقل أستاذ القانون الدولي النيجيري محمود بدرين.
الصومال وساحل العاج هما دولتان رفيقتان للسودان في البند العاشر بند “المساعدات الفنية وبناء القدرات ” ضربا مثلا في روح التعاون و الحوار البناء مع الدول الأعضاء لمجلس حقوق الانسان بفضل مجهوداتهم عبر بعثاتهم الدبلوماسية في جنيف كما نجحت دبلوماسيتهما في تجنيب بلادهما من فخ الانتقادات و الإهانات و الوصايا الأممية هذا ما فشلت فيه الدبلوماسية السودانية المدعومة بوفود لا حصر لها مجندة لخدمة هذا الملف (ملف حقوق الانسان).
يبدو سرياليا، تواجد سفير للصومال لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف في الوقت الذي يعاني فيه الصومال منذ أكثر من 20 سنة من حروب مدمرة و يسترعي الإهتمام كفاح هذا السفير الصومالي من أجل مواصلة إسماع صوت بلده المفكك ومحاولاته للحفاظ على تواجد دبلوماسي لبلد مُنهار يعاني من انهيار مؤسسات الدولة على مدى عقدين كاملين.
كما يبدو من غير المنطق أن تفشل الدبلوماسية السودانية فيما نجحت فيه دول بلا حكومات و بلا دساتير في انتزاع إشادة من سفيرة واشنطن و ضمان بطاقة البقاء في بند “المساعدات الفنية و بناء القدرت” تصوروا أن نجاح تلك الدول توج دون تفويج الوفود الى جنيف ودون ضجيج اعلامي أو نفقات باهظة الثمن.
نعم …أن واقع حال حقوق الانسان في تلك الدول ( لا يسر البال) يحتاج إلى الكثير و المزيد من الإصلاحات ولكن المسؤولية الوطنية تفرض على ممثلي تلك الدول الدفاع عن سيادتها و سمعتها وصون كرامتها في المحافل الأممية و تجنيبها الوصايا الدولية رغم أن ما يحدث في مجلس حقوق الانسان من مداولات لأوضاع حقوق الانسان في جميع أنحاء العالم احيانا لا يرضي طموحات الضحية ولا يمثل القيمة العليا و لكن يظل القيمة المتاحة.
تصوروا معي كيف وصل بنا الحال أن تصبح “من سخريات القدر” الصومال نموذج يجب ان يحتزي به السودان و ساحل العاج ( تجربة دانماركية ) في كيفية الاستفادة من المساعدات الفنية في الإرتقاء بمستوى احترام حقوق الإنسان و السودان نموذج سئ في التعاطي مع مبادئ ومفاهيم حقوق الانسان حسبما ورد في بيان السفيرة الأمريكية.
ختمت السفيرة الامريكية بيانهاًبان حكومة السودان تمنع وصول المساعدات الإنسانية بصفة مستمرة لشمال دارفور و الخبير المستقل قد شاهد كل ذلك و أشار إليه في بيانه بتاريخ 10 فبراير 2013 كل ذلك يتناقض مع ما تقوله الحكومة السودانية للخبير المستقل و مكتب المفوضة السامية ووكالات الامم المتحدة الأخرى و للأسف فأن أفعال السودان تشير إلى عكس ما نسمعه في هذه القاعة !( في اشارة للقاعة 20 التي تنعقد فيها جلسات المجلس بصورة منتظمة) من حديث عن تعاون.
تلت السفيرة الأمريكية بيانهاً على مرأ و مسمع ممثلي الدول و منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الانسان ووفد السودان لم يستخدم حق الرد رغم ان لوائح المجلس تسمح للدولة المعنية بحق الرد ولكنه التزم الصمت واختار التمسك بلغة عدم استخدام حق الرد لشئ في نفس يعقوب.
ما يتردد في أروقة المجلس هو أن مذكرة تفاهم تم توقيعها مع المعنيين بملف حقوق الانسان بالبعثة السودانية بجنيف و سفيرة واشنطن لدى مجلس حقوق الانسان ضمن صفقة بين الطرفين على أن يقوم الطرف الاول السودان بسحب ترشيحه لعضوية المجلس لعام 2013 و أن يلتزم الطرف الثاني وهو الولايات المتحدة الأمريكية بعدم إدانة السودان في مجلس حقوق الانسان ولكن موقف الدبلوماسية الأمريكية جاء مخالفا و مغايرا لهذه الرواية. ولو اقتنعنا جدلا بفرضية هذا الاتفاق فإنه سيكون اتفاق بلع كبرياء وكرامة السودان ان كانت تلك نتائجه.
بجردة حساب نستطيع القول بأن المجهود الذي بذل في هذا الملف هو “جهد المقل” و النتائج المحرزة ليست بحجم الأموال التي صرفت عليه وان فشلا واضحا وصريحا يلازم هذا الملف.
ضجيج الاسئلة الذي لم نجد له اجابات : لماذا الإصرار غير المبرر لوزارتي الخارجية و العدل على تفويج الوفود إلي جنيف ثلاث مواسم في السنة للمشاركة في أعمال مجلس حقوق الانسان دون اي نتائج ايجابية وصرف مئات الألاف من الدولارات التي هي خصما من أموال دافعي الضرائب من الطبقة الكادحة “ستات الشاي و سائقي الحافلات ولربما ماسحي الأحذية التي تشع من أعينهم مادة الذكاء”.
صيحة أطلقها من جنيف إلى وزيرالعدل ووزير الخارجية بمراجعة هذا الملف و نتائجه ومخرجاته وتقييم مساهمات المسؤوليين عنه ونتائج مشاركة الوفود التي أرهقت كاهل خزينة الدولة من دون أي مردود يذكر.
صيحة اخرى …. ما نسمعه من صيحات الانتصار في السودان التي يطلقها بعض الصحفيين عن أن نجاحا محرزا في هذا الملف تكذبها إدانات المجموعة الأوربية وبيان سفيرة واشنطن وقلق و انشغال منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الانسان.