شخصية العام بين لوشي والكاردينال ..!! عبدالباقي الظافر

خالفت صحيفة تايم الأمريكية كل التوقعات في اختيار شخصية العام ٢٠١٨.. فقد اختارت المجلة النسوة اللائي رفعن أصواتهن في حملة محاربة التحرش الجنسي والتي كان عنوانها (وأنا أيضاً).. كل من النسوة خرجن للعلن وقدمن سيناريوهات قابلة للتصديق بعضها مصحوب بشهود إثبات.. الحملة آتت أكلها وأدت لانسحاب بعض الشخصيات العامة من المشهد.. بعض من خيوط اللهب وصلت بنطال الرئيس ترامب والذي أنكر الاتهامات واعتبرها مجرد حملات سياسية تهدف لاغتياله سياسياً.

قناة الجزيرة مضت على ذات النحو في اختيار شخصية العام.. حيث أشركت عامة الناس في التصويت وأعلنت النتيجة عبر برنامج سباق الأخبار.. فازت الفتاة الفلسطينية عهد التميمي باللقب.. وكانت التميمي قد خطفت الأضواء بسبب مواقفها البطولية في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي حتى اضطرت سلطات الاحتلال لسجنها رغم أنها مازالت قاصر.. عهد تجاوزت في السباق عدداً من صناع الأحداث في الإقليم مثل ابن سلمان وسعد الحريري.

عندنا في السودان تفاوتت التقديرات حتى كدنا نصل مرحلة لم ينجح أحد.. لفت نظري أن الصحافة السودانية بدأت تحاول المشاركة في السباق المهم.. صحيفة الأخبار أكدت أن شخصية العام ليست سوى أشرف الكاردينال رجل الأعمال ورئيس نادي الهلال.. الغريب أن الصحيفة أكدت أن البرلمان كرم الكاردينال باعتباره رجل هذه السنة.. ربما يقفز سؤال عن علاقة البرلمان بمسألة خارج اختصاصه.. وربما تثير أسئلة عن المعايير التي تجعل الكاردينال رجل العام.. على العموم تلك قصة أخرى.

صحيفة التيار مضت إلى المضمار بشكل مختلف.. قرأت بروفايل عن طه عثمان باعتباره الرجل الذي شغل الناس خلال العام المنصرم.. في أقل التقديرات أن طه انتقل من مستشار لرئيس الجمهورية إلى مستشار في البلاط الملكي بالعربية السعودية.. ومن رجل اقترب من دخول الحبس إلى حر طليق يسكن القصور.. وأحسب أن التيار وفقت في الاجتهاد باعتبار أن شخصية العام ترتبط في منابعها الغربية بالحضور الإعلامي أكثر من تقييم عطاء الشخص.. بمعنى أن شخصية العام هي التي أثارت اهتمام الناس سلباً أم إيجاباً.. وقد كان الفريق طه من الذين شغلوا الأمة السودانية في عامها المنصرم.

في تقديري اختلاف التقديرات في مثل هذه المسائل التي تتعلق بتقصي آراء الناس مسألة في غاية الخطورة في بلدنا.. حينما تنعدم معايير الاختيار تصبح مساحة الزعم ذات اتساع.. بل يمكن أن تخرج صحيفة وتقدم الإعلامية لوشي باعتبار أنها الأكثر تأثيراً على ساحتنا المجدبة.. أو أن يخرج آخر ويزعم أن نائب الرئيس حسبو هو الأعلى شعبية في كامل أفريقيا.. لهذا من الأهمية أن تقوم مراكز استقصاء رأي مستقلة.. يمكن أن تكون البداية عبر الجامعات السودانية العريقة.. مثلاً تؤسس جامعة الخرطوم مثل هذا المركز بالتنسيق مع أية مؤسسة أجنبية ذات سبق في المجال.. حينما تقوم مثل هذه المراكز وتحظى بالمصداقية والموضوعية ستقدم الكثير للناس ولمتخذي القرار.. مثلاً بالإمكان قراءة اتجاهات المحامين قبيل أسبوع من انتخاباتهم.. مثل هذه الدراسات تفيد في رسم الخارطة وتهييء الناس لتقبل النتائج حيث يقل هامش المفاجأة.. بل إن هذه الدراسات ستزيد من تأثير عامة الناس في كل القرارات عبر تحسس رغباتهم.

بصراحة.. من المهم جداً إقامة مؤسسة استطلاع رأي الآن وليس غداً.. هنالك قضايا مفصلية يجب أن نسمع صوت الناس حولها.. انتخابات ٢٠٢٠م يمكن أن تنقذ البلاد ويمكن أن تجعلنا في حالة موت سريري إن لم تعبر عن تطلعات ورغبات الناس.. إنه الوقت المناسب لنسمع الناس.

الظافر( الصيحة )